بحلول صبيحة يوم عيد الفطر المبارك، تتزين موائد الأسر المغربية بما تبدعه أيادي ربات البيوت من فطائر (المسمن، الرغايف ،البغرير..) وحلويات تقليدية وعصرية (غريبة ،الفقاص ، سابلي،…) تيمنا وفرحا بحلول العيد السعيد. وتميزت السنوات الأخيرة بانتقال النساء من تحضير الحلويات داخل المنازل إلى الخروج لاقتنائها جاهزة من أماكن عدة (مخبزات، تعاونيات، أسواق شعبية…)، وذلك في سياق التطورات العديدة التي شهدتها الحياة المجتمعية بعد أن أضحت المرأة في العقود الأخيرة عنصرا فاعلا في الحفاظ على التوازنات المالية للأسر، بعد أن فرضت تواجدها في مختلف القطاعات المهنية. ويعد اقتناء حلويات العيد الجاهزة من الأسواق الشعبية «نشاطا» حديث البروز ، بدأ يزداد حضورا سنة بعد أخرى، حيث تشهد هذه الأسواق ابتداء من الأسبوع الأخير من شهر رمضان إنزالا ملحوظا لكميات كبيرة من الحلويات يعمل باعة الجملة على توفيرها لبائعي التقسيط في عين المكان. وأنت تتجول بعد صلاة التراويح في سوق شعبي بمقاطعة سباتة بالدار البيضاء تشد انتباهك طاولات اصطفت على اليمين وأخرى امام محلات بيع التوابل (العطار) على اليسار، حيث الاولى تعرض علبا كبيرة بيضاء من الفلين «البوليستر»معبأة بالعديد من أصناف الحلويات، فيما الثانية تضم أنواعا مشابهة وأخرى مختلفة متراصة بشكل دائري واحدة فوق الأخرى في اتجاه الأعلى داخل صحون كبيرة، ملفوفة بالبلاستيك الغذائي الشفاف،مشكلة بذلك فسيفساء من الحلويات الشهية. «نتوفر على أكثر من أربعين نوعا من الحلويات، التقليدية والعصرية، ذات الجودة العالية وأشكال مختلفة» يقول أحد الباعة، مضيفا «يبلغ ثمن الكيلوغرام الواحد 40 درهما لكل الأصناف المعروضة، وتتراوح الكميات المطلوبة من كيلوغرام إلى اثنين حسب طلبات الزبون وقدرته المادية». وبخصوص الأثمنة، يتابع البائع قائلا: «يستند ثمن المنتوج على المكونات الأولية التي تدخل في تحضير هذه الحلويات، حيث يبقى الدقيق والبيض أساس خلطتها». و«يختلف مصدر الحلويات في بعض الأسواق الشعبية بالعاصمة الاقتصادية، فهناك التي أنواع يتم جلبها من مدينة اكادير، وهي المعبأة في علب الفلين، وأخرى من «صنع بيضاوي»، وهي المعروضة في الصحون حسب تصريحات بعض التجار. هذا وترتفع وتيرة البيع في الأيام الثلاثة التي تسبق أيام العيد خصوصا بعد ليلة السابع والعشرين «ليلة القدر»، حيث يفضل العديد من البيضاويين اقتناءها خلال هذه الأيام قصد الحفاظ على جودتها، بعيدا عن الرطوبة. بخصوص هذا التقليد الجديد في اقتناء الحلويات، تقول إحدى السيدات التقيناها أثناء جولتنا: «قبل سنوات كان لابد لنا من إعداد الحلويات في المنزل حيث لا بديل لنا أمام أسعار المخبزات (الباتسريات) التي كانت تفوق قدرتنا الشرائية، أما الآن و مع توفر هذه العروض أصبحت أقتني كل ما أحتاج إليه من هنا، فالثمن مناسب، مقارنة مع تكاليف إعدادها في البيت، والذي يتطلب جهدا كبيرا و مصاريف أكثر». ويشكل العرض الوفير لمعظم الأصناف المعروفة والخاصة بكل مدينة مغربية داخل الأسواق الشعبية للبيضاء مثل «كعك اسفي» و«مقروط وجدة»، على سيل المثال لا الحصر، فرصة أمام المنحدرين من مختلف الفئات الاجتماعية لتلبية حاجاتهم وفي الآن ذاته العمل على إرضاء مختلف الأذواق. في السياق ذاته، يساهم استمرار النساء في اقتناء الحلويات والفطائر نوعا من تجسيد خصال التكافل والتضامن بين المغاربة، في صورة جد معبر ة، كما هو الشأن في إحدى التعاونيات، (تعاونية الايادي الكريمة) بسيدي البرنوصي، والتي هي نتاج شراكة بين جمعية السلام للانماء الاجتماعي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لدعم الأرامل، حيث تعمل هؤلاء النساء على تحضير تشكيلات متنوعة من الحلويات المحلية والشرقية وبيعها بأثمنة مناسبة ، إذ تفوق طلبات الزبائن العرض المتوفر لديهن، وذلك على اعتبار أن معظم الوافدين على مقر التعاونية، يكون دافعهم بالأساس هو التعاطف مع هؤلاء النسوة المكافحات من أجل تربية أبنائهن وتوفير المصاريف اليومية لأفراد أسرهن: «عوض شراء الحلويات من محلات أخرى يفضل العديد من الزبناء اقتناء ما تبدعه أيادي نساء التعاونية اللائي يشكل عملهن العمود الفقري لميزانيات أسرهن» يقول السيد عقول مصطفى الكاتب العام للتعاونية. ويعد الإقبال على التبضع من الفضاءات «الاجتماعية»، تعاونيات وغيرها، في حد ذاته سلوكا نبيلا، يساهم في التخفيف من شدة العوز الذي تعاني منه مئات الأسر ذات الوضعية الهشة داخل المجتمع (الأرامل)، عن طريق تشجيعها وتمكينها من الاستمرار في توفير مصدر عيش شبه قار، والاستفادة، أحيانا، من تكوينات تجعل هذه العينة من النساء أكثر حرفية واستقلالية، وبالتالي تخليصهن من حرج تلقي المساعدات الشهرية دون القيام بأي عمل. كيف لا والعمل يعد عاملا أساسيا لإحساس الشخص بالرضا والفخر ، بعيدا عن نظرات الشفقة وما تحمله من دلالات الانكسار والعجز.