يُشتهر عن ابن الراوندي معارضته الشرسة للنبي، وأنه قائل: «إذا كان القرآن يتفق مع عقلي فلي عقلي وإذا كان لا يتفق معه فلا حاجة لي به؟»، «إن الذي يأتي به الرسول لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون معقولا وإما أن لا يكون معقولا .فإذا كان معقولا، فقد كفانا العقل التام بإدراكه والوصول إليه، فأي حاجة لنا إلى رسول، وإن لم يكن معقولا فلا يكون مقبولا ما ليس معقولا خروج عن حد الانسانية ودخول في حد البهيمية»، « إن الرسول أتى بما كان منافرا للعقول مثل الصلاة وغسل الجنابة ورمي الحجارة والطواف حول بيت لا يسمع ولا يبصر والعدو بين حجرين لا ينفعان ولا يضران ، وهذا كله مما لا يقتضيه عقل فما الفرق بين الصفا والمروة إلا كالفرق بين أبي قيس وحرى، وما الطواف على البيت إلا كالطواف على غيره من البيوت». فمن هو ابن الراوندي الذي وصفه القاضي عبد الجبار في «شرح الأصول الخمسة» بأنه «ممن برز في الإسلام واشتهر به قد ارتدّ وكفر ونفى عن نفسه العلم بالله»؟ هو أبو الحسن أحمد بن يحيى بن اسحاق الراوندي، المشهور ب «ابن الراوندي». وقد مرَّ بمراحل عقائدية مختلفة بدأت من موطنه، قرية راوند الواقعة في إيران وطلبه العلم في مدينة الري. يقال إنه ولد في العام 210 هجرية، وإنه كان في البداية مسلمًا شيعيًا من حيث العقيدة والقناعة، كما يقال، أيضًا، إنه كان من المعتزلة الذين سرعان ما هجرهم وطرد من صفوفهم، فكتب ضدهم أحد أهم كتبه الذي هو «فضيحة المعتزلة»، وكان في ذلك الحين ما يزال شيعيًا. هجر الإسلام نهائيًا بتأثير من صديقه ومعلمه أبو عيسى الوراق فكتب في تلك المرحلة الأخيرة من حياته أهم كتبه في نقد الإسلام ألا وهو الزمرذ. هناك جدل حول عمره عند وفاته، حيث يشير المسعودي إلى أنه كان يبلغ 36 أو 40 عامًا (أي ما بين عامي 245 و250 هجرية)، في حين يشير ابن الجوزي إلى أنه بلغ 80 سنة من العمر (ما بين الأعوام 298 و301 هجرية). ولعل أهم ما ميز شخصية ابن الرواندي هو استقلال أفكاره ومواقفه عن آراء العامة؛ حيث لم يكن دائما منحازا أو مرتبطا كل الارتباط بالفئة التي ينتمي اليها، بل كان يبني مواقفه من خلال قناعته وأفكاره الشخصية؛ حيث ألف كتبا مناقضة لفكر الجماعات التي كان ينتمي إليها.. لقد كان ابن الرواندي محيطا بجماع علوم عصره وفلسفاته وأديانه. عاش في بيئة تعم بالمعارف والثقافات المختلفة، حيث كان مطلعا على الثقافة اليهودية وأصول الإسلام ومبادئ المعتزلة وأهل السنة. كما كان مطلعا على الفكر الإلحادي الذي أصبح واحدا من أهم رموزه وأشياعه. لذلك، فابن الرواندي كان ذا فكر موسوعي شامل، وعلى اطلاع بالثقافات والتيارات الدينية والفكرية التي كانت تصطخب في عصره؛ وهكذا كتب «البصيرة» لليهود ردا على المسلمين، وألف «الإمامة» للرافضة ضد المعتزلة. كما وضع التآليف للرافضة ضد أهل السنة والاعتزال، وللسنة ضد الآخرين. وفي بداية اعتزاله كتب ابن الراوندي ضد المذاهب جميعا، قبل أن ينتقل إلى التأليف والكتابة ضد الديانات والأنبياء والقرآن، حتى صار كل كتاب ينشره يثير جدلا في الأوساط الدينية والفلسفية. كما صار هو في أيام شبابه يلازم أهل الإلحاد، حيث أصبح صديقا لكل من أبي عيسى الوراق وأبي حفص الحداد وغيرهم من مشاهير ملاحدة ذلك الزمان، الذين تستروا ب «الرفض».