بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    التنويه بإقالة المدرب العامري من العارضة الفنية للمغرب التطواني    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    مباراة الزمامرة والوداد بدون جماهير    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواد عين العقل العربي بين التنظير الإيديولوجي والعمل السياسي
نشر في هسبريس يوم 27 - 08 - 2010

بالرغم من الدراسات الكثيرة التي كتبت حول المعتزلة ، لا تزال بعض الجوانب في تاريخهم بحاجة الى المزيد من الإيضاح ، لان معظم الدراسات تناولت الجانب الفكري للاعتزال ، وقليل منها تعلق بالدور السياسي الذي قاموا به على المسرح السياسي إبان الحكم الأموي في حقبته الأخيرة والعصر العباسي برمته . ومن هنا اهتم دارسو الفلسفة والفكر الإسلامي بالموضوع أكثر من اهتمام المؤرخين والسياسيين بتناوله ، وحتى أولئك الذين أرخوا للمعتزلة اعتبروهم مجرد مدرسة فكرية كلامية تختلف عن سائر الفرق الكلامية الأخرى ذات الأنظمة الدينية والسياسية والاجتماعية . كما ان دارسي الفلسفة عرضوا للفكر الاعتزالي بمعزل عن الظروف الاجتماعية والتاريخية التي أفرزته وصاغت قوالبه في مختلف مراحل تطوره . ومن ثم تبرز أهمية تناول الاعتزال وفق منظور يجمع بين رؤية المؤرخ السياسي ونظرة الفيلسوف دارس الفكر في شمول وتكامل من شانه إبراز المكانة الحقيقة للدور الهام الذي قام به المعتزلة في التاريخ والحضارة الإسلامية . وربما في نظرنا كان الاهتمام منصبا على الجانب الكلامي لتعاظم دور المعتزلة في ريادة أهم التيارات الأساسية في مجريات الفكر الإسلامي وهو التيار العقلاني في العالم الإسلامي . حقيقة ان الدور السياسي الاجتماعي يبدو ضئيلا في صدر الإسلام والعصر الأموي بالقياس الى دور أحزاب المعارضة الأخرى ، وهذا راجع بطبيعة الحال الى تأخر ظهور المعتزلة زمنيا ، فقد ظهروا حوالي بداية القرن الثاني الهجري ، بينما نشأت الفرق الأخرى منذ وقت مبكر – إبان الفتنة الكبرى – كذلك لاختلاف طرق وأساليب النضال ، اذ عول المعتزلة على إتباع أسلوب الترشيد والتنوير، بينما عمدت أحزاب المعارضة الأخرى الى أساليب العنف الثوري ثم التنظيم السري الانقلابي بعد ذلك . وقد نجم عن هذا التباين التكتيكي تباين في النتائج حيث أسفر النضال الاعتزالي عن التسلل داخل السلطة والهيمنة عليها وتطويعها وتوجيهها بما يخدم الاعتزال ، بينما تمخض نضال المعارضة عن محاولات متكررة لإقامة دولة مستقلة معادية للسلطة مناوئة لها .
ان الخلافات الجوهرية بين الفكر الاعتزالي وبين الفكر السني ، و التباين بين طرائق المعتزلة وأحزاب المعارضة في مواجهة الخلافة ، واعتدال بعض المعتقدات الاعتزالية " كالقول بالمنزلة بين المنزلتين " ، دفع بعض الدارسين الى اعتبار المعتزلة حزبا وسطا بين الدولة والمعارضة . واذا جاز التسليم بذلك وجب التمييز بينهم وبين حزب الوسط ألإرجائي التبريري الذي لم يتحول الى المعارضة إلا في وقت متأخر . فالمعتزلة ليبراليون مستنيرون تنطوي آرائهم السياسية والاجتماعية على مبادئ هيومانية رأوا تحقيقها عن طريق الترشيد والإصلاح بدلا من الثورات والانقلابات ، وهم حين عمدوا الى الدعوة والتنظيم السري استهدفوا الثورة الثقافية التنويرية بالدرجة الأولى ثم مؤازرة المعارضة العلوية على الصعيدين السياسي والاجتماعي ، ولم يتطلعوا إلى إقامة دولة مستقلة تدين بالاعتزال إلا نادرا .
ولا شك ان المعتزلة كانوا روادا للنظر العقلي في الإسلام ، والارتباط وثيق بين الاتجاه العقلاني ومعاداة الدولة التيوقراطية المحافظة التي يسيطر عليها الملتحون المتزمتون، لذلك لم تحظ أفكار المعتزلة برضا الخلافة السنية ، وبالتالي أثارت غضب أهل الحديث ورجال السلف الموالين للخلافة ، فاعتبروا المعتزلة مارقين سياسيا ، فوضويين اجتماعيا ، وضالين دينيا . لقد وصفهم الشهرستاني وهو عالم سني ب ( مجوس الأمة ) ، ولما لم يكن في وسعهم الطعن في آرائهم لاستنارتها ، وفي أهدافهم لنبلها ، صبوا جام غضبهم على أشخاصهم فرموهم بالهتك والمجون والاستخفاف بالدين ومحاولة هدمه وإحلال الفكر الوثني محله .
ان حجج أعداء المعتزلة من السلف وأهل الحديث لم تنبني على دراسات عميقة مستفيضة ، بل ان تلك التشنيعات كلها منقولة من احد الخارجين عليهم ويدعى ابن الراوندي ، ودون تحقيق او نظر . ومما يؤسف له ان جميع كتب المعتزلة ومقالاتهم قد فقدت ، فصارت كتب أعدائهم مصدرا لاستقاء المعلومات عن آرائهم . وغني عن الذكر ان شيوخ المعتزلة صنفوا كتبا ومقالات عديدة في شتى المعارف والعلوم ، فواصل ابن عطاء ألف احد عشر كتابا فقدت جميعها ، وابوالهذيل صنف ألفا ومائتي رسالة في الرد على الخصوم لم يعثر لأي منها على اثر ، كما صنف النظام الاعتزالي مقالات كثيرة في الفلسفة والتوحيد والرد على المخالفين ضاعت كلها . وللجاحظ مئات الرسائل في ذات الموضوعات لم يبق منها سوى النزر اليسير بسبب تباري أهل الحديث في إحراق تلك المصنفات إبان محنة المعتزلة في عصر المتوكل تقربا الى الله ونكاية في الخصوم .ان ما كتبه الأشاعرة والحنابلة من أمثال البغدادي و الشهرستاني وابن حزم وابن القيم وغيرهم من المتشددين أصحاب اللحي المدروشين ،تتحامل على المعتزلة وتظهر آرائهم على أنها ضرب من الوثنية والزندقة .
وبديهي ان تتأثر كتابات المحدثين بهذا الاتجاه ان سلبا وان إيجابا . فقد أسرف البعض في تقدير المؤثرات الأجنبية في الاعتزال ، واتخذ البعض الآخر موقفا معاكسا فاعتبروا الاعتزال نزعة إسلامية خالصة . الاتجاه الأول يمثله بعض المستشرقين الذين يربطون بين نشأة المعتزلة وبين اللاهوت المسيحي واليهودي والتراث الهلليني ، وعلى نسقهم سار الأستاذ زهدي جار الله ، فنسب الى اليهود رأي المعتزلة في خلق القران ، والى النصارى أقوالهم في نفي الصفات والتأويل وحرية الإرادة ، فضلا عن الإفادة من المنطق الأرسطي في صياغة هذه الآراء . بينما حاول آخرون تأكيد الأصول الإسلامية للاعتزال على أساس ان القضايا التي عالجها طرحت في عصر الرسول والراشدين قبل ان ينفتح العرب على الفكر الأجنبي . وقد اتخذ بعض الدارسين موقفا وسطا ، فذكر بيكر ان القران كان المنبع الذي استقى منه المعتزلة أصول عقائدهم وان تأثروا في صياغتها بالفلسفة اليونانية فضلا عن تناول بعض المسائل الأصولية الفلسفية على غرار فلاسفة اليونان كالطفرة والتولد والجوهر والعرض ..لخ وفي نفس المعنى ذكر الأستاذ احمد أمين ان " الاعتزال مزيج من التيارين معا الإسلامي والأجنبي" . ونعتقد ان قضايا الاعتزال من المسائل الأولية التي تطرح أمام العقل البشري دونما ضرورة لتأثر او تأثير ، بل ان معظمها كمسائل الاختيار والجبر والله وصفاته .. الخ أثيرت منذ القديم و لا تزال إلى اليوم تثار ، وقد عرض لها القران الكريم في كثير من السور والآيات ، وتعددت تفسيرات المسلمين بصددها منذ وقت مبكر ، ومناط الخلاف حولها في درجة إعمال العقل ، هل يطلق له العنان في التأويل والاستبطان ام عليه الالتزام بظاهر النصوص وحسب ؟ والمعتزلة اخذوا بالاتجاه الأول الذي كان يمثله جماعة القدرية في صدر الإسلام ودعموه فيما بعد مفيدين من الأديان الأخرى والفلسفات القديمة التي شاركتهم النهج في التفكير ، بمعنى أنهم برهنوا عقليا على ما آمنوا به من تفسير لما ورد في القران بشان تلك المسائل او بالأحرى فقد عقلنوا الإيمان ان صح التعبير بمساندة الفلسفة الأخلاقية المستمدة من القران بالإفادة من الفلسفات الإغريقية ومؤلفات الجدل النصراني الهلليني . لقد نجح المعتزلة في التوفيق بين الفكر اليوناني والدين الإسلامي بين التوحيد والفلسفة .
ولا حاجة للاستطراد في إبراز دور المعتزلة في إثراء الفكر الإسلامي بجعل العقل مبدأها الأساسي كلما استعصى الأمر، وجهودهم في إرساء أسس علم الكلام ، وتمهيدهم لظهور الفلسفة الإسلامية ، ثم دفاعهم عن الإسلام ضد خصومهم . فهذه حقائق يسلم بها حتى أعداءهم من الاتجاهات الماضوية أسيرة النص ودون ان تتمكن من حل عقده . وحسبنا هنا ان نشير الى عدة حقائق في هذا الصدد .
أولا : يرجع إلى المعتزلة الفضل في اعتبار العقل مصدر المعرفة ، ومن ثم حاربوا الخرافات والسحر والشعوذة وغيرها من الظواهر التي لا تخضع لمنطق العقل كرؤية الجن ، وعذاب القبر، وانشقاق القمر ، ..لخ ، ولم يترددوا عن نقد الروايات الأسطورية في هذا الصدد حتى ما كان منسوبا منها إلى كبار الصحابة ، مثل ان العباس في معركته في صف الحسين ضد ليزيد بن معاوية ، كان يمتطي جوادا ففقد في المعركة ذراعه الأيمن وواصل القتال ، وفقد ذراعه الأيسر وواصل القتال ، وفقد عينه اليمنى و واصل القتال ، وفقد عينه اليسرى وواصل القتال الى ان جاءته ضربة على الرأس كانت السبب المباشر في استشهاده . او إن بلال كان يؤدن لصلاة الفجر رغم ان بجسمه أكثر من ألف نبلة .فمثل هذه الخرافات التي رددها مؤخرا السيد حسن نصر الله بمناسبة يوم الجريح مرفوضة علميا ، والمعتزلة يرفضون الاعتقاد بمثل هكذا حكايات فكانوا بذلك هم أول من وضع أصول النهج العلمي في التفكير .
ثانيا : ومن مظاهر التفكير العلمي عند المعتزلة تعويلهم على الشك والتجربة ، وتفسير الظواهر على أساس الأسباب والمسببات سواء في ظواهر الكون او المادة او المجتمع والإنسان ، ومن ثم فان المعتزلة بهذا الاجتهاد المؤصل على العقل كانوا روادا لفلاسفة الإسلام كالكندي والفارابي وابن سيناء ، كما مهدوا الطريق للحسن بن الهيثم ، وجابر بن حيان في تطبيق المنهج العلمي في العلوم الطبيعية .
ثالثا : ان فكر المعتزلة في جوهره فكر ايجابي بناء يعلي من منزلة الفرد ويحطم القيود التي تحد من حريته في الرأي ، كما يفتح أمام العقل آفاقا للتفكير والإبداع وذلك بإقرار مبدأ " الاختيار " على عكس الفكر " الجبري " التسلطي الذي يجعل الفرد ريشة في مهب الريح ، خانعا مستسلما " للقضاء والقدر " عاجزا متواكلا باهت الشخصية . وان الصلة وطيدة بين الإبداع والخلق وبين احترام الذاتية والتفرد . وما تقدم العلوم والفنون والآداب في بلاد اليونان قديما إلا لاحترام العقل والنزعة الفردية ، كما لم يكن تخلف أوربة العصور الوسطى إلا نتيجة مباشرة لإهدار الروح الفردية على يد الكنيسة الكاثوليكية .
رابعا : يلاحظ وجود تلازم وثيق بين الفكر العقلاني والاعتزالي وبين موقفهم الاجتماعي من قضية العدالة . فكان رواد التنوير دعاة للمساواة في ذات الوقت ، ولا عجب فقد عرفوا بأهل العدل والتوحيد ، والمسعودي أطلق عليهم " العدلية " .
خامسا : اذا كان المعتزلة قد اثروا الفكر الإسلامي بتأصيل التيار العقلاني ، فإنهم خدموا العقيدة الإسلامية ودافعوا عنها ضد خصوم الإسلام أكثر مما فعله أهل الحديث والسلفيون . ذلك ان أعداء الإسلام من أصحاب الديانات السابقة راموا له كيدا في شكل حركات مستترة او دعوات سافرة شاعت في العصر العباسي فيما عرف ب " الزندقة " ، ولم يكن بوسع الفقهاء وأهل الحديث الدفاع عن الإسلام بالمأثور من النصوص أمام خصوم يستخدمون الحجة والمنطق والبرهان ، فتصدى المعتزلة لمنازلتهم بنفس سلاحهم . وان مساجلاتهم ورسائلهم في الرد على الدهرية والثنوية والسمنية والديصانية واليهودية والنصرانية في غنى عن التعريف .وحسبنا ان كثيرين من رجال الديانات الأخرى اعتنقوا الإسلام عن اقتناع بفضل شيوخ المعتزلة الذين ذادوا عن الإسلام بالحجج والبراهين العقلية فرفعوا بذلك الفكر الإسلامي الى مرتبة يعتد بها .
اما عن الجانب السياسي في الفكر والمشروع السياسي للمعتزلة فهو ما يلخصه نشاطهم العملي السياسي في أواخر العصر الأموي والعصر العباسي . ولكي نفيض في الموضوع لابد من تحديد المصدر الأساس الذي جاءت منه كلمة معتزلة . لقد اختلطت التفسيرات بهذا الخصوص لدرجة تم توظيفها مرة لصالحهم ومرة للنيل منهم . ظهر المعتزلة حول عام مائة هجرية كفرقة كلامية لها آراءها المميزة على يد واصل ابن عطاء الذي اعتزل حلقة شيخه الحسن البصري ، فعرف أتباعه بالواصلية او المعتزلة . وكما قلت فان الروايات متضاربة حول أسباب التسمية ،والبحث عن تلك الأسباب جد مفيد في إلقاء الضوء على الفكر السياسي والأصول الاجتماعية للمعتزلة .فالشهرستاني مثلا يرجعها الى عبارة أطلقها الحسن البصري حين انصرف عنه واصل ابن عطاء اذ قال " اعتزلنا واصل " فعرف وأتباعه لذلك بالمعتزلة . والبغدادي يرى ان التسمية جاءت لاعتزالهم إجماع الأمة في موقفهم من مرتكب الكبيرة . بينما دهب المسعودي الى ان قولهم بالمنزلة بين المنزلتين يعني اعتزال صاحب الكبيرة عن المؤمنين والكافرين . اما المرتضي المعتزلي فيرى ان المعتزلة هم الذين أطلقوا التسمية على أنفسهم لاعتزالهم الأقوال المحدثة والمبتدعة .
يتضح هنا ان تفسيرات مؤرخي الفرق السنية وعلى اختلافها مشحون بالتحامل والبغض للمعتزلة مما يشكك في الأخذ بها .أما تفسير المرتضى فهو يتضمن تعصبا لا معنى له ، وكلا الاتجاهين يعول على الناحية اللفظية . و المنطقي ان ترتبط التسمية بموقف فكري سياسي كما هو مألوف في تسميات الفرق الأخرى ، وهو ما يعني وبلغة السياسة ان لفظ الاعتزال ينم عن موقف سياسي وقفه المحايدون من الصحابة إبان الفتنة الكبرى ، فاستعاره المعتزلة وأطلقوه على أنفسهم دلالة على اتخاذهم موقف الحياد بين الفرق فيما يتعلق بالرأي من مرتكب الكبيرة . فلما قتل عثمان بايع الناس عليا فسموا الجماعة ، ثم افترقوا بعد ذلك فصاروا ثلاث فرق ، فرقة أقامت على علي بن أبي طالب ، وفرقة منهم اعتزلت مع سعد بن ابي وقاص وعبد الله بن عمرو ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد ،فلم ترد القتال في صف المتصارعين وفرقة تحالفت مع معاوية . وللتذكير فان عبد الله بن مسعود كان ضمن كبار الصحابة الذين اعتزلوا القتال إبان الفتنة الكبرى شكا في عدالة مواقف المتصارعين . وفكر المعتزلة السياسي يؤكده طابع الاعتدال المستنير ، فالقول بان مرتكب الكبيرة في منزلة بين الكفر والإيمان ، أي بين المنزلتين يعني موقفا وسطا بين تطرف الخوارج الذين يكفرونه وبين تهاون أهل السنة الذين يجعلونه مؤمنا ، وبين المرجئة المنافقة الذين يتوقفون في الحكم تنصلا وهربا من المسؤولية . ويبدو ان واصل بن عطاء حاول في زمنه التوفيق بين قوى المعارضة لإصلاح ذات البين بينها، وتكتيل الجهود في مواجهة الدولة الأموية . ورأيه في الإمامة مصداق تلك الحقيقة ، اذ وافق الخوارج في مبدأ اختيار الأمة إمامها من قريش وغيرها ، كما اقترب من رأي الشيعة حين قال بان وجود الإمام واجب على أهل كل عصر . قصارى القول ان المعتزلة لم يجدوا حرجا في تكوين مذهبهم على أساس انتقائي للأفكار والآراء الرشيدة السائدة في عصرهم والمستوحاة أصلا من الإسلام ، ثم أعطوها قالبها الفلسفي مستفيدين في ذلك من التراث الأجنبي . يلاحظ ان مذهب الاعتزال بأصوله الخمسة ( التوحيد ، العدل ، المنزلة بين المنزلتين ، الوعد والوعيد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )، وموقفهم من الشعوب الأخرى التي دخلت الإسلام من حيث المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات ، جعل منهم مدرسة أشبه ما تكون بفئة من المثقفين الذين يتخذون من الثقافة والفكر سبيلا لتقييم الإنسان في المجتمع . فهم لم يؤمنوا بالتعصب العرقي ، وإنما ناضلوا في حقل الفكر والسياسة ، والتفوا حول قيم المجتمع الجديدة ومكوناته الحضارية التي هي مزيج من ميراث العرب والمكتسبات المستحدثة من الثقافات التي وفدت او بعثت في البلاد التي فتحها العرب المسلمون .
يرجع عداء المعتزلة لبني أمية في أواخر عهدهم ، أنهم جبارون مغتصبون للخلافة ، فارضون لها بحد السيف ، مبررون حكومتهم بفلسفة " الجبر " ، بينما ناد المعتزلة ب " الاختيار " ، والعلاقة وثيقة بين الجبر والاستبداد وبين الاختيار والحرية ، لذلك يعتبر معاوية اول من قال بالجبر ودافع عنه ، " واظهر ان ما يأتيه بقدر الله ومن خلفه ليجعله أول عذرا فيما يأتيه ، ويوهم انه مصيب فيه ، وان الله جعله إماما و ولاه الأمر" . فالاختيار عند المعتزلة ينطوي على بعد سياسي مؤداه الحض على محاربة السلطة المغتصبة على أساس أن وجودها نتيجة لفعل بشري ، وإسقاطها لا يتم إلا بفعل بشري مضاد ما دام الإنسان حرا في صنع أفعاله . لذلك لا مندوحة عن التسليم ببراءة المعتزلة من حكم معاوية وآل بيته على خلاف ما ذهب إليه الأستاذ احمد أمين من ان فكر المعتزلة كان في جانب معاوية أكثر منه في جانب علي لان زعماءهم لم يضطهدوا في العصر الأموي . لكن عاد الأستاذ احمد أمين ليعدل من رأيه ويقول " ان شيوخ المعتزلة يؤيدون وجهة نظر علي في الحرب بينه وبين معاوية " . إذن لا تعارض البتة بين اعتقاد المعتزلة في مبدأ المنزلة بين المنزلتين ، وبين عدم اعترافهم بشرعية الحكومة الأموية . ان المنزلة بين المنزلتين بالنسبة لمرتكب الكبيرة تعني انه فاسق لا مؤمن ولا كافر ، والفسق يجعل صاحبه في موقف مناقض لسلوك المؤمنين ، فلا يحق للفاسق ان يتولى إمامة المسلمين ، بل يجب عزله وخلعه بالقوة . ان إمامة بني أمية في نظر شيوخ المعتزلة الأوائل كانت " ملك هرقلي " ، وسلوكهم " المشين " وأعمالهم المناقضة للشريعة تجعلهم لا يستحقون الخلافة . أما وقد اغتصب بنو أمية الخلافة ، فقد وجب على الجماعة الإسلامية النضال وفقا لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو مبدأ أخذت به معظم أحزاب المعارضة . فسل السيف واجب لدفع المنكر وإقرار الحق على خلاف أهل الحديث الذين حرموا استخدام السيف حتى ولو جار الحاكم ، لكن أحزاب المعارضة تختلف في تطبيق هذا المبدأ .ان الخوارج يرون ضرورة الثورة واستخدام السيف ضد أئمة الجور دون مواربة او انتظار . وبعض الأمامية قصروا هذا الحق على الإمام فقط دون الإمامة فلها إسداء النصح دون سل السيف ، ووقف المعتزلة موقف الوسط بين الخوارج والشيعة ، فاعترفوا بحق الأمة في رد المنكر بالسيف مع بعض التحفظات المنطقية ، أي ضرورة دراسة الأحوال السياسية والأمنية حتى لا يلقى بالنفس الى التهلكة ، وهو ما يسمى في لغة العصر بالانتحار السياسي الذي درجت عليه العديد من الفرق الاسلاموية مؤخرا في العديد من البلاد العربية . ان هذه الحيطة عند المعتزلة وهي نفس الخطة تسير عليها جماعة العدل والإحسان تجمع بين الاستنارة والتعقل في الإعداد للثورة والتجهيز لها ، وبين عدالة القضية التي من اجلها يجب ان تسل السيوف . وانطلاقا من هذا المبدأ التمسوا العذر لتوقف الصحابة والتابعين وأهل العدل عن مناوئة بني أمية حتى لا يلقوا بأيديهم الى التهلكة على يد حكام الشام ، فلا يصح الخروج ضد الحاكم إلا عند غلبة الظن بنجاح الثورة . لذلك لم يكن خروج المعتزلة عن معارضة الأمويين تقاعسا واستكانة ، بل إنهم وعوا الدروس المستقاة من التجارب التي وقعت لإسلافهم من " القدرية " و " الغيلانية " حين ثاروا في ظروف غير مواتية فحصدتهم سيوف بني أمية . ومن هنا كانت سياستهم إزاء بني أمية والعباسيين الأوائل ذات شقين : محاولة احتواء الخلافة وترشيدها ، او العمل السري المنظم . ولقد نجح المعتزلة بالفعل في احتواء بعض الخلفاء الأمويين الأوائل وكذا بعض الخلفاء العباسيين الذين اعتنقوا آراءهم في أتباع سياسة الإصلاح . فالخليفة الأموي يزيد بن الوليد بن عبد الملك قال ب " القدر " ودعا الناس الى الأخذ به ، فكان أول خليفة يعتنق أصول الاعتزال الخمسة ، فآزره المعتزلة على منافسة الوليد ابن يزيد حتى ظفر بالخلافة . ونجاح اليزيد في اعتلاء الخلافة يعتبر حركة تصحيح سياسي قام بها المعتزلة فساندوه لدينه وورعه على منافسه الماجن . ولا غرو فقد استرشد يزيد بآراء المعتزلة وبلغ رؤساء الاعتزال في عهده شأنا عظيما فهيمنوا على شؤون الحكم ووجهوه وفق مبادئهم . كذلك نجحوا في احتواء مروان بن محمد أخر خلفاء بني أمية ، فدان بمذهبهم وحاول الإصلاح جادا ، لكن المشكلات التي واجهته كانت اكبر من ان تقاوم ، فكانت نهاية لبني أمية سنة 132 هجرية .
اما الجانب السياسي لدعوة السرية الاعتزالية فمبعثه قولهم بضرورة وجود إمام " ينفذ الأحكام ويقيم الحدود ويعبئ الجيوش ويقسم الغنائم والصدقات وينصف المظلوم وينتصف من الظالم وينصف الولاة والقضاة في كل ناحية ويبعث القراء والدعاة الى كل طرف " . لكن لما خاب أمل المعتزلة في بني أمية لتحقيق تلك الغاية ، وأيقنوا تنكر بني العباس للعدالة والإصلاح ، عولوا على الدعوة لإمام منهم وفق تنظيم محكم وسياسة مرسومة . هذا وقد كانت مدينة البصرة مركز الدعوة الاعتزالية ، وان واصلا بعث الدعاة الى بلاد المغرب وخراسان و اليمن والجزيرة والكوفة وأرمينية فضلا عن بلاد الشام والحجاز . وقد عرف عنه انه كان ناجحا في تأسيس جمعيته وتنظيمها ووضع خططها واختيار رجالها الذين لم يكونوا مجرد مفكرين نظريين متأملين ، وإنما مارسوا العمل السياسي والاجتماعي بالدعوة لإقامة دولة " العدل والتوحيد " . وكانت خطة الدعاة ان يلزموا المساجد فيتعبدوا لمدة عام حتى يطمئن الناس الى ورعهم وتقواهم ، فيتصدوا بعده للفتوى في أمور الدين ، حتى اذا كسبوا أهل الإقليم بعثوا الى شيخ التنظيم بالبصرة ليحدد لهم اليوم الذي يجهرون فيه بالدعوة الى الاعتزال . لكن الثابت ان المعتزلة وبالرغم مما قاموا به فإنهم لم يوفقوا في تأسيس دولة اعتزالية ، أي تدين بالاعتزال ولم تسفر جهودهم إلا عن تكوين جماعات متماسكة أقامت كأقليات في الدول التي أقامها الخوارج والعلويون في المغرب . ويلاحظ ان هذه الجماعات عاشت في حب ووئام مع أئمة الدولة العلوية التي عاشوا في كنفها ، ونفس الشيء مع دولة الأدارسة التي عاشوا إبانها بمدينة طنجة ، بينما ناصبت حكام الدول الخارجية العداء . ويعزى تعاون المعتزلة مع العلويين في المغرب والمشرق الى حنقهم على بني العباس الأوائل وعدم القدرة على إسقاط حكمهم عن طريق الثورة .
الخلاصة ان المعتزلة في نضالهم استطاعوا ان يوفقوا بين النشاط السياسي والنشاط الثقافي والدعوي المسنود على العقل والحجة والبرهان ، ففي بيت الحكمة في بغداد ترجمة أمهات الكتب الهللينية والفارسية والهندية واقبلوا على دراسة هذا التراث حيث أخد الفكر الإسلامي يرتكن على أساس علمي فشرعت المذاهب السياسية والدينية تقيم فلسفتها النظرية على ركائز منطقية علمية . وقد كانت الخريطة الفرقية يتقاسمها تياران أساسيان احدهما عقلاني هيوماني تبناه المعتزلة رواد النظر العقلي في الإسلام ثم تطور على أيدي الفلاسفة كالكندي والفارابي وابن سيناء. وتيار رجعي سلفي مثله الأشاعرة والحنابلة ووصل ذروته على يد الغزالي حيث تصارع الاتجاهان صراعا مريرا كان تعبيرا عن مواقف سياسية وقضايا اجتماعية تهم الدولة الإسلامية . ففي خضم هذا الصراع الذي دار بين فريقين متعارضين انتصر دعاة الجمود العقلي الذي أفضى الى تجميد الفكر الإسلامي ومن ثم الإسراف في التأويل وركوب متن الشطط وسيادة الإغفال والتغافل عن حقيقة العلاقة بين العقل الفعال والعقل المنفعل . لقد حاول المعتزلة تعميق فهمهم الصحيح للعلاقة بين العقل الفعال والعقل المنفعل ، بإطلاق هذا الأخير من سجونه ، لكن التيار السلفي الرجعي كان غلابا ، حيث استنفدوا طاقاتهم الفكرية في محاولة لهدم القوالب الفكرية الرجعية ، وكبح التيار الليبرالي الجامح ، فدار صراع كانت فيه الغلبة للاتجاه السلفي الذي مثله الاشاعرة والحنابلة ثم بلغ مداه على يد الغزالي ،فضاع صوت ابن رشد ،صوت العقل ، واختفى في ضجيج التيار السلفي الذي استفحل على يد ابن عربي وابن سبعين ، وتحول التصوف الى دروشة ظلت حجر الزاوية في الفكر الإسلامي الى مشارف العصر الحديث . هنا إذن تكمن أسباب النكسة الحقيقة التي ألمت بالعالم الإسلامي ، وهنا أيضا تكمن أسباب النهضة الأوربية التي أمسكت بالخيط الذي تركه ابن رشد . ان تركيز المعتزلة على إعمال العقل وقرع الحجة بالحجة والبرهان والدليل وتجنب الإطناب والحشو باسم الدين هو ما يذكره ويركز عليه القران الكريم الذي يحض على إعمال العقل وإطلاق طاقاته في الظواهر الكونية التي في متناوله ، وبالتالي معرفة عللها ومسبباتها دون ان يكون في ذلك أدنى مساس بعلتها الأولى ، بل على العكس فالبحث والنظر في علل الظواهر يعمق الإيمان ويؤكده ،قال تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) . ومن هنا نستخلص من القصص التاريخي في القران منهجا علميا في البحث التاريخي قوامه إغفال الغيبيات وإعمال العقل في المعقولات باستنكاه هويتها ومعرفة عللها ومسبباتها والوقوف على قوانين حركتها ، بل أكثر من ذلك يمكن ان نستخلص من العبرة الكامنة في القصص ألقراني إمكانية التطلع الى المستقبل ، وتلك خاصية من خصائص العلم الحديث الذي ركز على العقل والحجة والبرهان . ان الاختلاف بين التيار العقلاني الذي مثله المعتزلة ودافعوا عنه وبين التيار المحافظ ان المتحاملين على المعتزلة يمثلون التيار السلفي مذهبيا ، والطبقة العليا او الوسطى اجتماعيا . فالأشعري مثلا سليل ابي موسى الأشعري احد ولاة العراق في صدر الإسلام ، انشق عن المعتزلة رواد النظر العقلي ، واصل للتيار السلفي مذهبا ، الرجعي سياسيا ، اذ عمل في خدمة بني العباس . والغزالي عمق هذا التيار ، وازداد ثراء لصلته بالوزير السجلوقي نظام الملك . ومعروف ان ابن حزم وابن تيمية وهم سنة اعتبروا المذهب السني يمثل الفرقة الناجية وكافة الفرق الأخرى هالكة .اما عن الطبري وابن كثير فقد نشطا كثيرا في العصر العباسي الذي لقي فيه آل البيت العلوي من العنت والاضطهاد أكثر مما عانوا في العصر الأموي .
قصارى القول ان الصراع الذي دار بين جميع المتصارعين حول الخلافة رغم مظهره السياسي الديني ، كان صراعا طبقيا بالدرجة الأولى ولم يكن فقط خلافا اجتهاديا حول قضية ظنية . ان الصراع بين رواد العقل وبين المتحجرين سيظل ما ظل الصراع ينحو باتجاه توظيف الدين في السياسة لبلوغ مرامي اقتصادية تدود عن المواقع وتستفيد من الريع ، هنا يمكن ان نفهم ان نفس سبب تعرض المعتزلة الى العنت كان وراء دعوات التكفير التي انتشرت في ربوع العالم العربي انتشار الجحيم . لقد رموا الأستاذ محمد عابد الجابري بالفسق ومنهم من كفره . ونفس الحكم سلطوه على الأستاذ ناصر حامد ابوزيد الذي اضطر لمغادرة بلاده بعد فتوى تطليق زوجته بحكم الردة . كما امتدت يد الإجرام لتجهز باسم الدين على الأستاذ فرج فودة والأستاذ مهدي عامل ، فقط لتفنيدهم حجج القروسطويين بالدعوة للتركيز على العقل وليختفي صوت العقل رويدا رويدا لتعلو جلبة الدروشة التي رانت بثقلها على الفكر الإسلامي . وما الصراع الذي يدور رحاه الآن باسم الدين في البلاد العربية والإسلامية إلا تتمة وتكملة للصراع الي عرفته الخلافة طيلة أطوار تاريخها . انه صراع بين التطور والجمود بين العقل والتحجر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.