بعد توجيهه لرسالة يطلب فيها عقد لقاء.. التنسيق النقابي لقطاع الصحة: "الوزير تجاهل طلبنا ومستمر في الانفراد بالقرارات"    إسرائيل تتوعد حماس ب"معارك عنيفة" وإنهاء اتفاق الهدنة في حال عدم إفراجها عن الرهائن بحلول السبت    إقالة المفتش العام للوكالة الأميركية للتنمية بعد انتقاده لترامب    دوري أبطال أوروبا (ذهاب ملحق ثمن النهاية): ريال مدريد يعود بفوز ثمين من ميدان مانشستر سيتي (3-2)    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    أجواء باردة.. هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    ‬"أونكتاد" تتفحص اقتصاد المغرب    المصالحة تتعثر في أولمبيك آسفي    حوار قطاعي بين وزارة العدل والنقابة الوطنية للعدل.. توافق حول ملفات الترقية والتعويضات والخصاص    سوريا ترفض الإفراج عن جنود وضباط جزائريين وعناصر من بوليساريو.. دليل إدانة ضد الجزائر وبوليساريو لمشاركتهما في تقتيل الشعب السوري    أجواء باردة وأمطار متفرقة في توقعات طقس الأربعاء    شرطة مراكش تفكك شبكة للبغاء    الصين تعرب عن استعدادها لتعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي مع الدول الأخرى    كيف تحمي نفسك من الاحتيال عبر الإنترنت في 2024: دليل شامل لحماية بياناتك وأموالك    مشاريع مبرمجة في مقاطعات البيضاء تشحن الأجواء بين "البام والأحرار"    الشرع يصدم كابرانات .. المقاتلين الجزائريين في صفوف الأسد سيحاكمون في سوريا    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. باريس سان جرمان يضع قدما في ثمن النهائي بفوزه على بريست (3-0)    زيارة رئيس الاتحاد العربي للتايكوندو السيد إدريس الهلالي لمقر نادي كلباء الرياضي الثقافي بالإمارات العربيةالمتحدة    ريال مدريد يكسر عقدة ملعب مانشستر سيتي    البحرية الملكية تنقذ مهاجرين سريين كانوا عالقين في أعالي البحار    الرئيس السوري أحمد الشرع يرفض طلب الجزائر بالإفراج عن معتقلين من الجيش الجزائري وميليشيات البوليساريو    إسرائيل تتوعد حماس ب"معارك عنيفة"    مجلس المستشارين يختتم دورته الأولى للسنة التشريعية الرابعة ويستعرض حصيلته    لقجع: تنزيل الإصلاح الجبائي مك ن من تسجيل تطور مستمر للمداخيل الجبائية    خبير جيولوجي: قوة "زلزال وزان" تسجل عشرات المرات دون استشعار    مزور: نسعى إلى الانتقال من "صنع في المغرب" إلى "أبدع في المغرب"    شدد على أهمية اتخاذ تدابير لخلق فرص الشغل ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة .. صندوق النقد الدولي يدعو المغرب إلى استهداف التضخم ومواصلة توسيع الوعاء الضريبي    إدارة مشروع Elysium بكورنيش طنجة توضح: ملتزمون بأعلى معايير الجودة وننفي مزاعم استرجاع الشقق لإعادة بيعها    الأمين العام لأكبر نقابة في المغرب يتهم رئيس مجلس النواب بانتهاك حقوق مستخدميه بمعمل النسيج بتطوان    مداولات البورصة تتشح ب"الأحمر"    "أمر دولي" يوقف فرنسيا بمراكش    المغرب يخسر نقطة في مكافحة الفساد .. وجمعية "ترانسبرانسي" تتأسف    نواب برلمانيون: توصيات المجلس الأعلى للحسابات أرضية لتقوية الرقابة    حاسوب خارق يمنح برشلونة الأمل للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا ويصدم ريال مدريد    المجلس الأعلى للحسابات يدعو الموظفين والأعوان لتجديد التصريح بالممتلكات    7 مغاربة يتوّجون بجائزة "ابن بطوطة"    أيقونة مجموعة "إزنزارن" مصطفى الشاطر في ذمة الله    منتج فيلم "روتيني" يلجأ إلى القضاء    احتفاء بالموسيقى المغربية الأندلسية    "قُبلة المونديال" .. روبياليس "متأكد تماما" من موافقة هيرموسو    باحثون يطورون اختبارا جديدا يتنبأ بمرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض    نصائح للحفاظ على الصحة العقلية مع التقدم في العمر    منظمة الصحة العالمية تطلق برنامجا جديدا للعلاج المجاني لسرطان الأطفال    تتويج الشاعر المغربي عبد الوهاب الرامي بجائزة "بول إيلوار 2024"    الطرق السيارة بالمغرب: تثبيت جسر الراجلين عند النقطة الكيلومترية "PK1" للطريق السيار الدار البيضاء-برشيد ليلة الأربعاء-الخميس    "النهج" يدين المخطط الأمريكي لتهجير الفلسطينيين ويدعو لتكثيف النضال لإسقاط التطبيع    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور مدن الصحراء المغربية لتعزيز التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    مباحثات مغربية إماراتية لتعزيز التعاون في مجال الطيران المدني    هبة عبوك تتحدث عن علاقتها بأشرف حكيمي بعد الانفصال    سعيد الناصري يختار درب السلطان لتصوير فيلمه السينمائي "الشلاهبية"    بسمة بوسيل تحت الأضواء مجددا بعد تصريحاتها الجريئة حول طلاقها من تامر حسني    مناهضو التمييز يحذرون من وصم الأطفال بسبب "بوحمرون" ويدعون إلى إجراءات شاملة    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتحار الكاتب


ما الذي يعنيه انتحار الكاتب؟
بصرف النظر عن مجمل فرضيات الاكتئاب المزمن، وكليشهات الاختلال العقلي أو النفسي الحاد. بصرف النظر عن مجمل احتمالات التشخيص الطبي وأشكال سبغ حقيقة المرض على حالة الانتحار. بعيدا عن هذا التلقي السريع والجاهز، الشائع والسطحي، الذي يرهن المسألة الخطيرة إلى خلفية الجنون والاضطراب ولوثة الجينات… فضلا عن أي اكراهات صاعقة لسطوة الظرف الاجتماعي أو غيره من اصطدامات علاقات العيش السوداوي داخل مؤسسة ما أو جغرافيا انسانية فادحة …
انتحار الكاتب يظل عملا شعريا غريبا وعظيما. ليس القصد هنا أن أضفي قيمة بطولة ما لهذا العمل الصادم والرهيب، ولكن أثره يبقى فعلا مريبا على نحو جماليّ مثير.
الانتحار ليس الامتحان الوحيد لحرية الانسان وحسب، بل هو امتحان الكتابة الأقصى أيضا. أليس الموت عند هؤلاء (أقلية المنتحرين من الكتاب ) هو المصدر المفزع للكتابة، المنطقة المرعبة التي تأتي منها كوابيس الفن وأحلام الخلق الابداعي، وبالنظر إلى ذلك يغدو التسلل إلى هذه المنطقة الفاتنة والرهيبة هو الطموح الحقيقي لكل كتابة تتماهى مع عزلتها وغموضها، تتواءم مع قسوتها وحدود ألمها، تتشابك في تطابق حميم مع قعر هاويتها.
إلى تلك الهاوية إذن، يقف الكاتب على الحافة وهو يؤجل السقوط المظفر . السقوط الذي لا علاقة له بالجبن والفشل والهزيمة، بل هو السقوط الذي يعني مجازفة شجاعة فيما وراء تلك الحدود المؤسطرة بالخوف والمفخخة بالهلع.
لا يعني الانتحار مغادرة للحياة دائما كموقف منها، أو كخلاصة مضادة لزيف معنى عيشها، بل يعني الذهاب العنيف مباشرة ودونما تردد بأقصى سرعة إلى جانبها الآخر، الجانب المكوبس على نحو بشع وفجائعي وكارثي.
ما الذي تطمح إليه حياة كاتب وقلق كتابته غير القفز بجسارة إلى هذا الجانب وعناقه بمحض إرادة حرة وحب صاعق.
أن يمضي الكاتب إلى مصادر خياله عبر الموت الشخصي، الموت الحر الذي اختاره لنفسه بطريقته المفردة، يعني فيما يعنيه تناغما هارمونيا بينه وبين أبديته، بين عمله الجمالي وبين المجهول المرعب الكامن في ذلك الغياب المحير والمدهش والمقلق على الدوام.
الغياب الذي يخشاه الكائن البشري ويسعى بكل الحيل لكي يبقى على قيد الحياة، هو ما يغري هؤلاء على عكس أولئك، ويغويهم كي يرتادوا معسكره الغامض والفاتن.
انتحار الكاتب، ليس دائما محصلة لإدانة الحياة، أو الاكتفاء من زخم ألمها واستفحال صدماتها واستشراء زيفها، إنه العمل الشعري الأخطر على الإطلاق، الذي يروم تقويض الحياة بغية استكشاف حقيقتها الأخرى، والصدام وجها لوجه بشجاعة مع ما تضمره هناك من مفاجآت.
على هذا النحو أقرأ انتحار الكاتب، كتوقيع مثير يضاعف من أثر كتابته وحياته، أليس انتحاره هو النص الأجمل الذي يعزز أو يختم على رصيد كل ما أبدعه في حياته من عمق مريب يفخخ أعماله الأدبية الغريبة واللامألوفة، شعرا كانت أو سردا أو غير ذلك.
أي سحر هذا يشيعه الانتحار كضباب فاتن على كتابات المؤلف المنتحر، إذ نرجع إليها برهبة ونسلك طريقا هامشيا مجللا بالغواية والغموض لم نكن قد سلكناه أو عرفناه سابقا، فننزلق في متاهات النصوص واقفين بدقة وانبهار عند كل كلمة وصورة وجرح وفجوة بين سواد وآخر … لماذا تدّخر أعمال الكتاب المنتحرين هذا الجمال الرمادي المريب، أكثر مما تدخره أعمال الكتاب الذين ماتوا ميتة طبيعية ؟
لماذا تغوينا أعمال الكاتب المنتحر باكتشاف هذا الجمال اللامألوف، إذ نتحرّى مناطق صراخه وصمته في آن ؟ ليس لنقيس على حقيقة موت المؤلف أو نهايته الصادمة، بأن نتبيّن الشعاب اللامرئية التي قادته إلى الحتف الصاعق، بل لنحفر عن الرموز والعلامات التي خاطبنا بها على نحو سري وغامض وملتبس…
الموت انتحارا في حالة الكاتب لا يمكن أن تمر مرور الكرام، وتمضي إلى قمامة النسيان كيفما اتفق. إنها حالة استفهام وجودية، تظل تعصف بأسئلتها وصور غموضها البوليسي المحير، كما لو كانت معضلة.
كيفما كان شكل الانتحار غرقا أو حرقا، شنقا أو سقوطا من علو شاهق، بغاز أو برصاصة أو بحبوب منومة أو قطع شريان المعصم …الخ تغدو كل تلك الأشكال أو الأدوات شعرية بامتياز .
ما الذي يفاجئنا في انتحار الكاتب حقيقة ؟ هذا الكاتب اللائذ بعزلته المفرطة. الخالد باستمرار إلى وحدته وهو يعيش كشبح بين الناس. الكاتب المضطرم قلقا وتوترا وهو ينفق حياته بالطول والعرض مع مخلوقاته المتخيلة أكثر مما ينفقها مع المحيطين به من الكائنات الواقعية. الكاتب الذي تنهشه الأفكار كمخالب حيوانات ضارية، ولا يستقيم عنده ميزان الوقت، ليلا أم نهارا الأمر سيان، فالأرق يسطو على زمن نومه الطبيعي، والكوابيس تلاحقه في عز اليقظة هنا وهناك. الكاتب الذي يرى ما لا يرى الآخرون ، ترجّه الأصوات الأخرى وتصطدم به مندلقة من شجرة أو حشرة أو طير أو حجر أو غيمة أو تمثال… الكاتب الذي يكتب بجسده في يومه أنى حل وارتحل، تقوده المصادفات اللعينة إلى قلب المتاهة المرعبة. الكاتب الذي ينزلق إلى منطقة الظلال والرماد حيث يسكن الشيطان، يراقب الوجود من ثقب في جدار يقف بينه وبينه نفسه، بينه وبين العالم . الكاتب الذي يقوض وجوده ويبالغ في تدمير نفسه كتابة إن واقعا أو خيالا… هذا الكاتب المنذور للاستنزاف والحذف والمحو اليومي، ألا يعدو عمله الدائم محض تمرينات قاسية من تمرينات الانتحار المؤجل ؟
وإذ يتحقق التمرين الأعظم، وينجز لحظة الانتحار الموعودة، ألا يغدو الأمر محض تحصيل حاصل، أمر صاعق يضمره عمله اليومي الملازم بشكل وجودي للعزلة والقلق والسوداوية.
انتحار الكاتب لا أراه استجابة لجرح نرجسي أو أثلام شيطانية في حادثة وجوده وحسب، انتحار الكاتب بالنظر إلى العواصف المنسية في خلاء نصوصه، نائمة كانت أو هادرة وصاخبة، هي مسألة جمالية بامتياز.
مسألة تطفو بحقيقة إسمه اللعينة على مياه شاهقة العلو، في محيط الغرابة القاتلة.
انتحار الكاتب ليس الصفحة الأخيرة في كتاب حياته، بل هو الكتاب نفسه الذي لم يكتبه بعد. أو كتبه بالأحرى على هذا النحو الصادم والبوليسي، ليكون لغزا يتماهى مع ظلال الأشياء المحيرة والغامضة التي تفخّخ مجمل تراث أعماله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.