3- المجالات الثقافية شملت ملاحظات التقرير 4 محاور أساسية لعمل الوزارة، هي: البنيات الثقافية، والتراث، والكتاب والنشر والمسرح والموسيقى والرقص والفنون التشكيلية. أ- البنيات الثقافية * أشار التقرير إلى وجود عدة متدخلين في مجال البنيات الثقافية الثقافية، وقدم بعض الأرقام في الموضوع، مشيرا إلى وجود إشكالية تفعيل الاتفاقيات التي أبرمها القطاع مع الجماعات المحلية لتدبير بعض التجهيزات المشتركة. وهذا صحيح في مجمله، لولا إغفال التقرير ذكر الأرقام المتعلقة بهذه التجهيزات حسب المراحل المذكورة (من 2003 إلى 2013) لتتتبع الجهود التي بذلت خلال كل مرحلة، مكتفيا بتقديم رقم عام هو 463 مؤسسة، منها 57 أنشأها القطاع، والباقي شراكة. * لكن إذا تركنا جانبا مدى صحة هذه الأرقام، فماذا عن نوع المؤسسات: هل هي خزانات أم معاهد أو أروقة أم ماذا؟ وماذا عن تكلفتها ومواردها البشرية والمالية؟ لا جواب للتقرير عن ذلك، والذي اكتفى بالإشارة إلى سوء توزيع هذه المؤسسات، وكأن هذا كشف جديد. والحال أنه من المفترض أن الأرقام المتعلقة بالمؤسسات والأموال المرصودة لها موجودة، كما أن القطاع هو الذي قام بإعداد الخريطة الثقافية التي أوضحت ضعف عدد المؤسسات وسوء توزيعها الجغرافي، وليس التقرير. * إضافة إلى ذلك لم يشر التقرير إلى عدد من البنايات الثقافية الكبرى التي أنجزت أو قيد الإنجاز (ومنها التي ساهمت فيها ميزانية القطاع الثقافي) مثل متحف محمد السادس للفنون المعاصرة (الذي عرف إشكاليات مالية وتدبيرية كثيرة، طيلة مدة بنائه). كما لم يشر إلى المعهد العالي للموسيقى والفنون قيد البناء (جوار المسرح الوطني محمد الخامس)، والذي كلف الدولة نحو 18 مليون درهم، ولم ينته بعد. فلماذا تجاهل التقرير بكل بساطة مثل هذه الملفات؟ * أما الملاحظات التي أبداها التقرير بشأن الدعم الموجه للجمعيات، فهي صحيحة، إلى حد ما، سواء في ما تعلق بحجم الدعم (دعم نحو 826 جمعية، بمبلغ 46 م.د، خلال فترة 2005-2013) أو بتدبير بعض الملفات (نقص ملفات الجمعيات). لكن التقرير اكتفى بذلك، ولم يشر إلى قلة الموارد البشرية، كما لم يشر إلى مساهمة الجمعيات في العرض الثقافي الوطني، ولا إلى المرسوم المتعلق بدعم الأنشطة الثقافية والفنية الصادر في ماي 2013، والذي جاء ليفرض مقاربة أخرى لدعم الجمعيات، مازالت قيد التبلور إلى اليوم. ب-التراث * أفادنا التقرير هنا بأن القطاع حصر عدد الآثار والمواقع الأثرية المحصاة، بين 2006 و2013، في 3078 موقع، دون مرافقة ذلك بالوثائق والتوضيحات اللازمة. وقد يكون ذلك صحيحا في حالات معينة، لكن القول بأن القانون رقم 22.80 المتعلق بالتراث لا ينص صراحة على ترخيص وزارة الثقافة قبل القيام بأي عملية للإصلاح وترميم المباني التاريخية المحمية، هو بكل بساطة مغالطة، تعكس قراءة مبتسرة للقانون، تخالف الواقع الذي يعطي للوزارة هذا الترخيص على المستوى العملي. * إلى جانب ذلك، أعطى التقرير لذاته حق تأويل النصوص القانونية وكشف نواقصها. من ذلك، إشارته إلى «أن هذا القانون لم ينص على عمليات الرعاية (مقاولات أو أشخاص ذاتيين) التي تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي». والحال أن هذه الملاحظة، حتى لو صحت، تبقى من مسؤولية المشرع، وليس القطاع، بل، وحسب علمي، فقد سبق للقطاع أن بادر إلى اقتراح قانون للرعاية، تم رفضه من وزارة المالية. * وإذا تركنا جانبا مسألة عدم وضع الوثائق القانونية المتعلقة بالحماية والمحافظة على التراث، وركزنا على ضعف عدد التقييدات والتسجيلات، نجد أن التقرير أشار في هذا الصدد إلى أن عدد التقييدات بلغ 166 تقييدا خلال فترة 1992-2014، من مجموع 3078 عناصر المواقع الأثرية والتاريخية المذكورة. إذا صح ذلك، فنحن أمام كارثة حقيقية، حتى مع أخذ في الاعتبار تصحيح الوزارة للرقم المقدم (436 بدل 166 تقييدا)، وتتطلب جهودا استثنائية من الدولة لذلك قصد معالجتها. * لكن ما لفت نظري، هو إجراء التقرير لمقارنة بين عدد المباني المدرجة كآثار في مرحلتي الحماية والاستقلال، وكأن هذا من مهامه (مرة أخرى تطرح مسألة المنهجية هنا). لكن مقابل ذلك، تجاهله لعدد العناصر الثقافية المسجلة كتراث عالمي (14 عنصرا). والحال أن هذه الأخيرة مرتبطة بميزانية القطاع، حتى لا نتحدث عن الإشعاع الثقافي وصورة المغرب. * أما بشأن تقصير القطاع في وضع المعلومات المتعلقة بمناطق الحماية المحدثة والتقصير في آليات السلامة والمحافظة وإشكاليات الترميم، فهذه الإشكاليات أو الاختلالات موجودة، أقر بها القطاع ذاته غير ما مرة، وتعكس قصورا في تدبير التراث دون شك. ومثاله التقصير المسجل في عمليات الترميم، على أهميتها (112 مشروع ترميم، بمبلغ 153 مليون درهم، في فترة 2006-2014). * وهو ما دفع التقرير إلى طرح عدد من التوصيات لمعالجة ذلك. لكن دون إشارته إلى مبادرة القطاع الثقافي المتعلقة بوضع «استراتيجية للتراث 2020» (لم تحظ بقبول الجهات العليا، مثل التدبير المفوض للمواقع الأثرية)، وكذا دون إشارته إلى محاولات إضعاف اختصاصات القطاع في هذا الصدد مثل: فصل المتاحف عن القطاع، وتحويل عدد من الخزانات التراثية إلى وزارة الأوقاف، و تولي جهات مختلفة مسألة حماية التراث، بل والحديث باسمه، وما إليه. * وفي سياق «عدم الإشارة» هذه، لا نعرف كيف أمكن التقرير تجاهل ملف ضخم مثل «المشروع المشترك»: التراث الثقافي والصناعات الإبداعية كقاطرة للتنمية في المغرب 2008-2012» ، والذي رصد له مبلغ 50 مليون درهم، دون أن يحظى، حسب علمي، بأي تقييم لنتائجه. ج- الكتاب والنشر والمسرح والموسيقى والتشكيل بشكل عام، وقف التقرير عند بعض الاختلالات التي طبعت هذه المجالات في الفترة ما بين 2003-2013، أي إلى ما قبل الشروع في تطبيق المرسوم المذكور لدعم المشاريع الثقافية والفنية، بداية من سنة 2014. وهو ما جعل ملاحظات التقرير تبدو قاصرة ومتجاوزة، في عدد من جوانبها على الأقل، ومثاله: * في الكتاب والنشر: كان المنطق يفرض على التقرير البدء بالنص على الميزانية التي خصصها القطاع لدعم مجال الكتاب والنشر ككل (بما فيها المخولة لمديرية الكتاب) خلال الفترة ذاتها، وحسب المراحل، حتى نلمس مدى تطور رصد ميزانية الكتاب والنشر. لكنه اكتفى بإبداء بعض الملاحظات التي لم تعد لها قيمة، جزئيا أو كليا، مثل: دعم القطاع للمجلات الثقافية خارج القانون في فترة 2003-2013، وعدم تتبع التزامات العقود، وعدم الامتثال لشروط منح الدعم للناشرين وعدم استعمال الأموال المرصودة للدعم، وعدم نشر بعض الأعمال المدعمة (..). * في المسرح: أشار التقرير إلى وجود 122 مسرحا وقاعة للعروض (دون التفريق بينهما) وأن الميزانية التي رصدت لدعم الفرق المسرحية انتقلت من 4،2 م.د سنة 2003-2004 إلى 4،7 م.د سنة 2013-2014 (بزيادة قدرها 10%) ودعم المهرجانات المسرحية بمبلغ 1،7 م.د بداية من سنة 2010 (نصفها يذهب لدعم المهرجان الوطني للمسرح). وهذا دون الإشارة إلى: ميزانية مديرية الفنون (قسم المسرح) ولا إلى عدد الفرق المستفيدة أو العروض المقدمة،..، مكتفيا بذكر أن هذا الدعم لا يخضع لأي تقييم دوري، وموصيا القطاع بمعالجة ذلك. *في الموسيقى والرقص: أشار التقرير إلى عدم وجود «نظرة شمولية على الصعيد الموسيقي»، دون توضيح ما هي، وما إذا كانت تشمل الرقص أو الكوريغرافيا (التي لم يذكرها)؟ كما لم يذكر حجم الموارد المالية والبشرية التي تخصصها الوزارة لتدبير هذا المجال، مكتفيا بذكر بعض الاختلالات مثل ضعف التعليم الموسيقي وقلة الأطر التعليمية وضعف البرامج..، وما إليه من ملاحظات، صحيحة في مجملها، لكن سبق للجنة مختصة في الوزارة أن توقفت عندها بتفصيل أكثر، دون إشارة التقرير إلى ذلك. * في الفنون التشكيلية: بدأ التقرير ملاحظاته بذكر أن الوزارة يتوفر لها 47 رواقا تشكيليا (44 منها تدار من طرف المديريات الجهوية)، و»معهدا للفنون الكرافيكية» بمبلغ 7 م.د (لكنه مغلق)، وتوفر الوزارة على مخزون من الأعمال الفنية يصل إلى 600 لوحة. وقد غاب عن التقرير ذكر ما يلي: الموارد المالية والبشرية المخصصة للمجال من 2003-2013، وعدد العروض الفنية المقدمة طيلة هذه الفترة، ونشاط المدرسة الوطنية للفنون بتطوان (عدد الخريجين)، والمهرجانات التشكيلية (مثل المهرجان السنوي للتشكيليين الشباب وليلة الأروقة)، والكاتالوغات المطبوعة (..). مع الإشارة هنا إلى توقف التقرير عند الدورة الأولى لدعم المشاريع التشكيلية سنة 2014، والحال أنها لا تدخل في مدة التقرير. خلاصة توقفت في هذه الدراسة عند تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الثقافة برسم سنة 2015، فتبين لي بعد قراءة سريعة لهذا التقرير ما يلي: أن هناك ضعفا كبيرا في منهجية التقرير (المدة الزمنية لتقرير، تخطيط التقرير، الصياغة..)، ولاسيما عدم تحديد غائية البحث: هل المراقبة المالية أم تقييم السياسة العمومية للثقافة؟ أن الملاحظات حول الإدارة أو الحكامة والتدبير تنقصها الدقة مثل: ضعف الإلمام بهيكلة الوزارة واختصاصاتها، والحديث عن الميزانية في بداية التقرير، وارتباك في تقديم المعطيات..؛ أما الملاحظات المتعلقة بالمجالات التي تدخل في اختصاص الوزارة، فهي في مجملها تتعلق بالفترة 2003-2013، ولا تتعلق بالفترة الراهنة، بما جعلها متجاوزة وفاقدة للأهمية والمعنى. باختصار نحن إزاء تقرير ضعيف، لا يملك أدنى المواصفات العلمية للتدقيق والتقييم، حيث تجاهل عددا كبيرا من المعطيات والملفات الكبرى، مكتفيا بالتركيز على بعض الاختلالات الجانبية لتبرير مهمته، والتي اقترح لمعالجتها التوصيات الموجودة في عدد من تقارير القطاع ذاته، دونما إضافة أو اجتهاد. وهو ما مس-في تقديري- بمصداقية التقرير، ومن خلاله مصداقية المجلس، وأجهزة الرقابة في بلادنا ككل، وليس من شأنه أن يخدم قطاع الثقافة في شيء.