مجلس الجالية يشيد بتبسيط إجراءات توثيق الزواج وإيجاد حل بديل بشأن التوارث في حالات الزواج المختلط    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    التفكك الأسري: من إصلاح مدونة الأحوال الشخصية إلى مستجدات مدونة الأسرة المغربية    قوات الأمن السورية تلقي القبض على "سفاح" سجن صيدنايا    قيادة "الجرار" تريد إيصال تعديلات مدونة الأسرة بسرعة إلى البرلمان بعد "اجتماع عاجل" مع أطراف الأغلبية    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    محكمة سلا تقضي بالحبس موقوف التنفيذ في حق 13 ناشطًا من الجبهة المغربية لدعم فلسطين بسبب احتجاجات    تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    نظام أساسي للشركة الجهوية بالشمال    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    هجوم على سفينة روسية قرب سواحل الجزائر    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 03 - 08 - 2016

صادق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في دورته 63 العادية، المنعقدة يوم الخميس 30 يونيو 2016، بالإجماع على تقرير، بمثابة مشروع للرأي، حول «اقتصاديات الثقافة». وهو ثالث تقرير يصدره المجلس له علاقة بالثقافة بعد تقريري الثقافة والشباب» و»أماكن العيش»، بما يجعل المجلس، أو هكذا ما يطمح إليه على الأقل، بمثابة «مرجعية عليا» في مجال الثقافة، كما في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
فإلى أي حد استطاع المجلس أن يحقق هذا الطموح من خلال تقريره المذكور؟ هذا ما سيكون موضوع مناقشتنا في الورقة، التي نقدمها في نقطتين هما: أطروحة المجلس بشأن الثقافة، وقراءتنا الخاصة لهذه الأطروحة.
1 - أطروحة المجلس
انطلق المجلس في تقريره من فرضية عامة مؤداها أن الثقافة أضحت اليوم، إضافة إلى جانبها غير المادي، رافعة من رافعات التنمية ومحركة لها. وهو ما دفعه إلى الحديث عن "اقتصاديات الثقافة"، مقدما نظرة عن وضعيتها العامة في بلادنا، وما ارتآه من مقترحات لتحسين هذه الوضعية.
الوضع الثقافي
بشأن هذا الوضع، قدم المجلس عددا من المعطيات تتعلق بمجالات الصناعات الإبداعية (النشر والكتاب، والسينما، والموسيقى، والفنون التشكيلية، والحرف والصناعات التقليدية..) وفضاءات الإبداع (المجال المسرحي، المهرجانات، مجال المتاحف والتراث غير المادي)، وتجارب مقارنة حول اقتصادية الثقافة (في بلدان المغرب العربي، وبعض الدول الغربية)، والدروس المستخلصة منها.
وبناء عليه، يقول التقرير، «فإن مختلف عمليات التشخيص التي أنجزت في المغرب تتفق على معاينات أساسية»، منها:
* بشأن الإمكانات، هناك: تمويلات عمومية وجماعات حاضنة، ونقص في البنيات الثقافية، وضعف استغلال ما هو موجود منها، ورأسمال ثقافي غير مستثمر وغير مندمج في محيطه، وإبداع مغربي غير موثق وغير مثمن، وغياب التنسيق الجهوي والوطني للاستثمار في التراث، وهشاشة التواصل والتكوين، وضعف التدبير والتنشيط الثقافيين، ونقص تكوين الجمهور على حب الثقافة والفن..؛
* بشأن تمويل الثقافة، لوحظ: تخصيص مبالغ عمومية أو خاصة لكن غير كافية، وعدم تشجيع الدعم لمقاولات الاستثمار في الشأن الثقافي، وليس هناك اهتمام بالتوزيع أو تهيئة الجمهور، ودعم ما هو عابر بدل تمويل مؤسسات تضمن الاستمرارية، وإصدار حصيلة مرقمة ولكنها لا تضمن استمرار الممارسات الثقافية، وعدم احترام حقوق التأليف (غموض وضعية المؤسسة المكلفة به).
* بشأن حكامة الشأن الثقافي، هناك: غياب التنسيق بين الجهات الرسمية المعنية بالثقافة، ونقص في تملك أماكن العيش من طرف الجمهور، وضعف التجاوب مع انتظارات الجمعيات الثقافية المحلية، واستغلال بعض الجهات للدعم الذي تقدمه للدعاية فحسب، وعدم النظر للثقافة بوصفها رافعة اقتصادية، وخنق دينامية الفاعلين وبيروقراطية المؤسسات، وعدم استثمار الإبداع بشكل دائم.
* بشأن المقاولة الثقافية، لوحظ أن: أغلب المقاولات الثقافية تشتغل في السينما والسمعي بصري، مع نسبة ضعيفة للنساء، واعتماد المقاولات على وسائلها الخاصة (قلة منها تلجأ إلى القروض البنكية)، والطبيعة الهشة للمقاولات والمهن الثقافية، وغياب إطارات التكوين المستمر والتأهيل والتجديد، وتعرض العاملين الثقافيين إلى مخاطر اجتماعية (..).
2 - مقترحات المجلس
اعتمادا على هذا التشخيص العام، حدد المجلس عددا من التوجهات أو المبادئ الكبرى، التي رأى أنها «ضرورية لتأطير أية سياسة عمومية في مجال اقتصاديات الثقافة». كما قدم عددا من المقترحات أو الرافعات لتنفيذ هذه السياسة.
التوجهات الكبرى، هي:
* المسألة الهوياتية، التي تتوحى، حسب رأي المجلس " صيانة مقومات الهوية الوطنية بتعدد روافدها اللغوية والثقافية وتنوع خصوصياتها الثقافية..".
* الاعتبار الحقوقي، الذي "يتمثل في احترام الحقوق اللغوية والثقافية في غنى التعابير والإبداعات الجهوية والمحلية".
* التماسك الاجتماعي، الذي يفيد "إعطاء الأولوية للثقافة في التربية والتكوين في وسائل الإعلام وفي أنشطة المؤسسات التربوية والتأطيرية".
* التحدي التنموي الوطني والجهوي، "الذي يجعل من اقتصاديات الثقافة رافعة أساسية لتطوير الرأسمال البشري، ومن أولويات السياسة العامة للدولة والجماعات المحلية"؛
* التحدي الرقمي، "الذي غير جذريا طرائق الإنتاج وتلقي المنتوج الثقافي بشكل يسائل اقتصاديات الثقافة وأصحاب القرار في اتجاه التكيف مع مقتضيات هذه الثورة وإمكاناتها".
ب- الرافعات
لمعالجة هذه الإشكالات أو النقائص يتعين في رأي المجلس "توفير شروط رافعات سياسية ومؤسسية ومادية وثقافية والقيام باختيارات تعمل على نهج" اختيارات تشريعية ووظيفية وتربوية واجتماعية.
* الاختيارات التشريعية، تشمل: تأسيس استراتيجية وطنية حول الثقافة والإبداع، ووضع إطار قانوني مناسب لأنسة أحواض عيش المواطنين، وإرساء بناء مؤسسي أفقي لوضع قواعد صناعة ثقافية تشمل جميع مجالات الإبداع، والنظر في هيكلة قطاع الثقافة بما يستجيب لمشروع ثقافي فعال ومثمر، وإنشاء أقطاب ثقافية تأخذ بالاعتبار خصوصية كل جهة، وتطوير الخدمة العمومية في مجال الثقافة باعتبارها حقا يلزم الدولة، واحترام حقوق التأليف، وسن قوانين محفزة على المبادرة المقاولاتية في حقول الثقافة والإبداع، وخلق صيغ مبتكرة للشراكة بين القطاعين العام والخاص، وضبط العرض الثقافي، ووضع دليل شامل يهم الثقافة والفن ويرصد المهن الفنية، وطنيا وجهويا ومحليا.
* الاختيارات الوظيفية، تتضمن: بناء معاهد للتكوين الثقافي والفني، وابتكار أشكال جديدة لتوظيف الفضاءات المتوفرة، وإبراز مواهب الشباب وتشجيعهم على الاستفادة من المنتوجات الثقافية، وتسهيل ولوج الأشخاص في وضعية إعاقة إلى الثقافة، وعقلنة تنظيم المهرجانات وتمويلها والتأكيد على استقلاليتها ومواكبتها من طرف وكالات متخصصة، وتشجيع الاستثمار في المجال الثقافي وتنويع مصادر تمويلها، وبناء استراتيجية تشاركية في هذا المجال، وإعداد مضامين رقمية ثقافية مغربية، وتطوير متاحف رقمية تعرف الشباب بتاريخهم وثقافاتهم، وإنشاء مؤسسات للتكوين والاستثمار الخاص في مجال ألعاب الفيديو، وتشجيع ودعم مشاريع المدن الذكية بخلق فضاءات للمعرفة والتواصل.
* الاختيارات التربوية والاجتماعية، تتضمن: إدماج الثقافة في المؤسسة التعليمية، والتأكيد على الحق في ولوج خدمات الثقافة وإنتاجاتها، وخلق وتطوير شعب ومسالك تكوينية وجامعية في مهن التربية الثقافية والفنية، ووضع تصور مبتكر للثقافة والممارسة الفنية في الحياة الجامعية، وتثمين التجارب الجامعية الناجحة في المجالات الثقافية والفنية، وتوسيع وتطوير التكوينات في التنشيط الثقافي والوساطة الثقافية، وتزويد الطلبة بمهارات أداء الوظائف الثقافية، ومنها التكنولوجيات الرقمية.
2 - قراءة الأطروحة
هذه عموما هي الأطروحة التي قدمها المجلس في موضوع "اقتصاديات الثقافة"، وهي أطروحة نتفق مع أفكارها العامة، لكن نختلف معها في طريقة التناول، والتي أثارت لدينا عددا من الملاحظات في الشكل أو المضمون.
في الشكل: إن أهم ملاحظات سجلناها في هذا الصدد ما يلي:
أولا- تأخير صدور التقرير، على اعتبار أن الخطاب الملكي ليوم 30-7-2014 المتعلق بموضوع الرأسمال غير المادي طلب من المجلس المعني القيام بوضع تقرير في هذا الموضوع في ظرف ستة أشهر، والذي كان يفترض تقديمه على هذا الأساس في شهر دجنبر 2014 وليس في يونيو 2016، أي بعد سنتين من ذلك. وهذا إضافة إلى عدم إشارة التقرير في مقدمته لهذا الخطاب، والحال أنه هو الدافع وراء إنجاز التقرير المذكور. فهل ترجع المسألة إلى الإشكالية القانونية التي طرحها هذا الطلب (المجلس هو هيأة استشارية للحكومة والبرلمان بمجلسيه وليس للملك)، أم إلى تراجع الجهات العليا عن الاهتمام بالموضوع أصلا، بما دفع المجلس إلى عدم التذكير بالخطاب المذكور؟
ثانيا- إن تحويل الطلب الملكي إلى «إحالة ذاتية»، وتحويل موضوع «الرأسمال غير المادي» إلى مشروع للرأي حول «اقتصاديات الثقافة»، قد يكون جوابا عن هذا المأزق القانوني والسياسي-الفكري. بيد أن السؤال في هذه الحالة، هو: هل للمجلس صلاحيات النظر في الشؤون الثقافية أصلا؟ لقد حدد الدستور (ف 53) مهامه في «الإدلاء برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة وفي جميع القضايا الأخرى ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلقة بالجهوية المتقدمة». لكن المجلس جعل، من الثقافة (ومجتمع المعرفة والإعلام) إحدى صلاحيات لجانه الدائمة، بما يطرح مدى دستورية مثل هذا القرار، ومن خلاله إشكالية اختصاصات بعض «هيآت الحكامة والاستشارة» التي ينص عليها الدستور، في علاقاتها مع الملك والحكومة والبرلمان، والتي لا مجال للتوقف عندها هنا.
ثالثا- أما بشأن التقرير ذاته، فقد لاحظنا ما يلي:
* ضعف حجم التقرير مقارنة مع موضوعه (60 صفحة، في ظرف سنتين)، وكأن الأمر يتعلق بمجرد ملخص عن تقرير أوسع لم ينجز؛
* عدم التوقيع على التقرير، حيث لا نعرف من حرر التقرير أو نسق أعماله. والحال أن المسألة ترتبط بالأمانة العلمية والمسؤولية الفكرية؛
* نقص الاستشارات العلمية في الموضوع، إذ لا وجود لعدد من الفعاليات الثقافية (مثل اتحاد كتاب المغرب) والاقتصادية (بما أن المسألة تتعلق باقتصاديات الثقافة) والمهنية أو النقابية (مثل الإئتلاف الوطني للفنون) في اللائحة المنشورة في الموقع الإلكتروني للمجلس، كما لم يتم نشر هذه اللائحة ذاتها في نهاية التقرير؛
* المصادقة عل التقرير «بالإجماع»، وكأننا في ديكتاتورية الحزب الوحيد. والحال أن المسألة تتعلق بمجرد «مشروع للرأي»، يحتمل الاختلاف، أي الأخذ والرد.
* عدم نشر التقرير، لا ورقيا ولا إلكترونيا، بعد المصادقة عليه. وهي عادة جرى بها العمل في المجلس، الذي لا ينشر تقاريره، بما يطرح السؤال حول جدواها؛
* عدم وضوح مسطرة صفقات الدراسات التي ينجزها المجلس، ومنها المتعلقة بالثقافة، أي: من يحدد ماذا، ويختار من، وعلى أساس أي معيار؟
وهي شكليات لا شك أنها تبعدنا كثيرا عن مناخ وتقاليد إنجاز الدراسات أو التقارير المشابهة في عدد من المجالس الدولية، والتي يسعى المجلس لتقليد بعضها، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي.
2 - في المضمون
من حيث المضمون، يطرح التقرير عددا من الملاحظات، أهمها:
أولا- تغيير موضوع التقرير من الحديث عن "الرأسمال غير المادي" إلى الحديث عن "اقتصاديات الثقافة"، دون توضيح أسباب ذلك. والحال أن هناك مسافة بين الموضوعين: الأول يدعو، إلى بحث وطني واسع يسعى، كما جاء في الخطاب الملكي المذكور، إلى "قياس الرصيد التاريخي والثقافي لبلدنا، إضافة إلى ما يتميز به من رأسمال بشري، والثقة والاستقرار، والابتكار والبحث العلمي، والإبداع الثقافي والفني، وجودة الحياة والبيئة وغيرها". أما الثاني، فيكتفي بعرض ملخص، حول بعض الجوانب المتمثلة في "الصناعات الإبداعية"، بل وفي بعض مجالاتها فحسب (الكتاب والنشر والسينما والفيديو المسرح والتشكيل والموسيقى والصناعة التقليدية والرقمنة).
ثانيا- لقد اختار التقرير من خلال ذلك مقاربة "التنمية الثقافية"،. وهو ما لا خلاف حوله من الناحية المبدئية. إذ ما فتئت الفعاليات الثقافية الوطنية منذ الاستقلال تنادي بالاهتمام بالثقافة، ونبهت المنظمات الدولية (مثل اليونسكو) إلى علاقة الثقافة بالتنمية منذ ستينيات القرن الماضي، كما جاء في المخطط الخماسي 1973-1977 "أن السياسة الثقافية تكون أحد العناصر الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية"، وتم تنظيم ندوة وطنية حول الاقتصاد الثقافي سنة 1997، إلى جانب إشارة عدد من وزراء الثقافة (محمد بنعيسى، علال سيناصر ومحمد الأشعري، محمد الأمين الصبيحي) إلى ذلك في عدد من خطبهم وبرامجهم.
ثانيا- هذا يفيد عموما، أن الإشكالية لا توجد في النظرية أو المثال (ما ينبغي أن يكون)، وإنما أساسا في التطبيق (ما هو كائن أو قائم بالفعل). أي بوضوح، في عجز بلادنا عن تطبيق مئات التوصيات التي أفرزتها المنظمات والدولية والبرامج والبيانات والتقارير والمناظرات عن الثقافة منذ استقلال المغرب وإلى اليوم. هذا هو المشكل الحقيقي في رأينا. ومثاله: أن عددا من الوزراء المذكورين قدموا مشاريع غاية في الأهمية، تلبي عددا كبيرا من التوصيات الواردة في التقرير، ولكنها لم تخرج إلى النور لأسباب متعددة، كان على التقرير لفت الانتباه إليها.
رابعا: لقد واجهت التقرير في هذا الصدد عدد من الإشكاليات، منها:
* إشكالية اختيار الموضوع ومنهجيته. إذ أن اختيار "اقتصاديات الثقافة" كان يفرض معالجة اقتصادية للموضوع (وضع الاقتصاد الثقافي في إطار الوضع الاقتصادي الوطني، وتحليل الأنماط الاقتصادية لكل مجال ثقافي..) .وهو ما تجنبه التقرير، مكتفيا ملخص عام حول ذلك كما ذكر. أما من حيث المنهجية، فقد قدم التقرير أطروحته وفق مخطط يتضمن إطارا عاما وحصيلة عن الوضع الثقافي والتجارب الناجحة فالمقترحات، معتمدا على مراجع معينة، لم يذكر بعضها (ومثاله كتاب: التنمية الثقافية: الصناعات الثقافية والإبداعية، الصادر عن وزارة الثقافة سنة 2015). وأقل ما يقال بشأنه، أنه لا علاقة له بالبحث العلمي.
* وما يدعم ذلك، هو ضعف المعلومات الواردة في التقرير، والمتعلقة بموضوع الصناعات الإبداعية في المغرب. وهي إشكالية موضوعية نفهمها بحكم ضعف المصادر و حداثة هذا الموضوع في بلادنا، والتي عانينا منها بدورنا. لكن لا نفهم ارتباك التقرير في تقديم ما هو موجود منها. ومثاله: الإشارة إلى معطيات عن وزارة الثقافة تعود إلى ما قبل سنة 2012 (مثل الأرقام المتعلقة بدعم الكتاب)، والقول بعدم وجود دعم للمقاولات الثقافية والفنية دون إشارته لما تم من دعم لها خلال السنوات الأخيرة (بناء على مرسوم دعم المشاريع الثقافية والفنية لوزارة الثقافة الذي أشار إليه)، وعدم الإشارة إلى مراجع بعد الأفكار أو الفقرات الواردة في النص، والخطأ في بعض الإحالات المرجعية..، وما إلى ذلك من أخطاء، مقصودة أو غير مقصودة، لا نرى فائدة في التوقف عندها.
خامسا- من هنا السؤال الذي يفرض ذاته هنا وهو: أنه إذا كان التقرير قد قدم "المعاينات الأساسية" التي أنجزتها "مختلف عمليات التشخيص التي أنجزت في المغرب"، كما قال، فما هي القيمة المضافة التي أتى بها في النهاية؟ هل قصد المجلس فعلا إعطاءنا دراسة قيمة عن اقتصاديات الثقافة، أم أنه مجرد محاولة فحسب للتخلص من مولود (الرأسمال غير المادي) لم يعد يرغب فيه أحد، بما دفعه إلى الاكتفاء بتكرار ما جاءت به الدراستين حول الثقافة الصادرتين عنه، إضافة إلى أخذ خلاصات ما وصلت إليه عدد من الدراسات والكتب والتقارير، الرسمية وغير الرسمية، ونسب أفكارها وتوصياتها لنفسه، مقدما إياها إلى الجهات العليا والرأي العام على أنها صادرة عن اجتهاداته الخاصة؟ لا أدري.
لكن المؤكد أن ثمة أخطاء واردة في التقرير، ومن خلاله في آليات اشتغال المجلس ذاته. لذا، ومساهمة منا في معالجة هذه الأخطاء وتحسين عمل المجلس ودعم مصداقيته من خلال ذلك، نقترح ما يلي: اكتفاء المجلس في مجال الثقافة بما يدخل في صلاحياته الدستورية (أي الجوانب الاجتماعية أو المهنية للعاملين في هذا القطاع الثقافي والفني، على الأقل إلى حين بداية العمل المرتقبة للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية)، والحرص على جودة الدراسات التي ينجزها وعلميتها الدقيقة (بشراكة مع الجهات المسؤولة والجامعات وعشرات مراكز البحوث التي تتوفر لبلادنا)، والحرص على توقيع التقارير بأسماء أصحابها أو مقرريها توضيحا للمسؤولية، والنص في نهاية كل تقرير عن لائحة الأسماء والجلسات والنصوص والوثائق المعتمدة، إضافة إلى لائحة التصويت على التقرير في الجلسة العامة (لأنه لا معنى لمسألة "الإجماع" في مجال الدراسات الإنسانية)، والحرص على شفافية الاختيارات فيما يتعلق بأسماء الباحثين المكلفين بالدراسات..، إضافة إلى نشر تقاريره بكل الوسائل الممكنة.
خلاصة
حاولنا في هذه الورقة تقديم قراءة خاصة بشأن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلق باقتصاديات الثقافة، بدأناها ببسط أطروحة المجلس، حصيلتها ومقترحاتها، قبل أن نقوم بتقديم ما رأيناه من ملاحظات شكلية وموضوعية بشأنها، ختمناها بتقديم توصيات للمجلس.
سلا في: 22-7-2016


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.