طموحات كبرى بميزانية ضعيفة تم مؤخرا عرض مشروع قانون المالية لسنة 2013 الذي تم إعداده – كما جاء في مقدمة التقرير الحكومي- على أساس الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة أمام البرلمان في إطار البرنامج الحكومي والتي ترتكز حول خمسة محاور: تعزيز الهوية الوطنية الموحدة وصيانة تلاحم وتنوع مكوناتها والانفتاح على الثقافات والحضارات، وترسيخ دولة القانون والجهوية المتقدمة والحكامة الرشيدة الضامنة للكرامة والحقوق والحريات والأمن والقائمة على المواطنة الحقة وربط المسؤولية بالمحاسبة والحقوق بالواجبات.. ويشير مشروع هذا القانون في نفس التقرير، إلى سعي الحكومة إلى مواصلة تنفيذ سياسة ثقافية منفتحة على العالم، تطبعها الهوية المغربية بتنوعها الثقافي واللغوي والحضاري. وحسب نفس التقرير، فإن سنة 2013 ستتميز بمواصلة جهود تغطية التراب الوطني بمؤسسات القرب الثقافية من خلال إحداث خمسة عشر دار للثقافة وثلاثة معاهد موسيقية ومسرحين إثنين وخمسة عشر مركزا ثقافيا جديدا بشراكة مع الجماعات المحلية. وفي ما يخص الحفاظ على التراث المعماري، سوف يتم استعادة ستة عشر موقعا تاريخيا وترميم المواقع الصخرية لكلميم والسمارة، كما سيتم تجهيز المتحف الوطني للفنون المعاصرة والمعهد الوطني للموسيقى والرقص، وأيضا الترويج للقراءة العامة والنشر عبر بناء المكتبات وتطوير المكتبات العامة. وبالإضافة إلى ذلك، سيتم ضخ أموال إضافية من خلال الصندوق الوطني للعمل الثقافي، لتمويل الإجراءات الرامية إلى تشجيع نشر وتوزيع الكتاب على الصعيد الوطني، وتنظيم الفعاليات الثقافية والمهرجانات الفنية وتطوير التراث الوطني المادي وغير المادي؛ دون إغفال تثمين التراث الثقافي والحضاري المغربي بالخارج. هذا فضلا عن الترويج للصناعة السينمائية وتعزيز حماية الملكية الفكرية ومكافحة التقليد والقرصنة. وقد تمت لهذا الغرض، مراجعة شروط الدعم للإنتاجات السينمائية وإحداث المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما لتعزيز تأهيل الموارد البشرية العاملة في هذا القطاع. كما ستعرف سنة 2013 في ما يتعلق بقطاع السينما مواصلة تنفيذ الإجراء الجديد الذي يهدف إلى دعم الإنتاج السينمائي الذي يميز جودة الإنتاج وتنمية النشاط السينمائي في ورزازات وتهيئة القاعات السينمائية من أجل تجهيزها بمعدات العرض الرقمية وإعداد الكتاب الأبيض حول الإنتاج السينمائي. لكن هل الميزانية المرصودة للوزارة الوصية على القطاع الثقافي ببلادنا في مستوى التطلعات؟ المؤكد أن واقع الحال يبين مدى تنافي الطموحات مع الإمكانيات المادية. فلا تزال ميزانية وزارة الثقافة تراوح مكانها، بالرغم من المطالب المتكررة التي عبر عنها جل المسؤولين الذين تم تنصيبهم على رأس هذا القطاع، لأجل الرفع من الميزانية لبلوغ على الأقل نسبة واحد في المائة. الثقافة ليست ترفا، وليست قطاعا غير منتج، بل تلعب دورا أساسيا في حركية المجتمع والحفاظ على توازنه. ففي مقابل ضعف الميزانية، هناك سعي أكيد من طرف وزير الثقافة الحالي محمد أمين الصبيحي، نحو الدفع بعجلة التنمية الثقافية إلى مدى بعيد، وهذا يتبين بالملموس من خلال الورشين الأساسيين اللذين تم فتحتهما في سياق التطلع إلى وضع أسس متجددة لتدبير الشأن الثقافي في المغرب وتثمين الهوية المغربية متعددة الروافد وربط الثقافة بالأهداف التنموية للبلاد. وفي هذا الإطار تم إعداد وثيقتين هامتين، ترومان رصد وضعية مختلف التعبيرات الثقافية والفنية وأوجه النهوض بها، والعمل على تنفيذ مشروع ميثاق وطني للثقافة المغربية، ومراجعة القانون المتعلق بالمحافظة على التراث الثقافي والطبيعي ووضع ميثاقه الوطني، فضلا عن منظومة الكنوز البشرية الحية بالمغرب، وهي عبارة عن آلية للحفاظ على التراث اللامادي الأكثر انتشارا. كما تراهن وزارة الثقافة على النهوض بالصناعات الثقافية الإبداعية كمفهوم حديث، يعطي للثقافة بعدها الأساسي في صنع القيم ودورها المركزي في التنمية. حيث تم في هذا الإطار مراجعة فلسفة الدعم المخصص للثقافة والفنون، من خلال إعداد مجموعة مراسيم وقرارات لدعم الإبداع والمسرح وبطاقة الفنان ودعم المهرجانات والفنون التشكيلية والفنون الشعبية والاستعراضية. دون إغفال الأهمية التي يكتسيها المخطط الوطني لدعم القراءة والكتاب الذي يمكن من تشخيص أوضاع الكتاب وصياغة الإجراءات الكفيلة بخلق واقع جديد للقراءة وصناعة الكتاب، وكذا الخطة الوطنية لتأهيل المسرح التي ستقر رؤية واضحة لمستقبل القطاع من خلال وثيقة تتضمن جدولة زمنية في أفق 2020. ومن المقرر أن يتم طرح الوثيقتين المذكورتين آنفا، للنقاش مع مختلف المعنيين بالشؤون الثقافية والفنية منتصف دجنبر القادم، في سبيل وضع القواعد القانونية للتنوع والتعددية الثقافية، وتنظيم أدوار المتدخلين في الشأن الثقافي وربط السياسة الثقافية بالتنمية. كما أنه من المقرر أن يتم تنظيم مناظرة وطنية حول استراتيجية «التراث 2020» قبل نهاية السنة الحالية.