الرئيس الصيني يقوم بزيارة قصيرة الى المغرب    طنجة..12 سنة سجنا نافذا في حق المتورطين في الإعتداء على فتاة الكورنيش    يوم دراسي حول تدبير مياه السقي وأفاق تطوير الإنتاج الحيواني    سجن القنيطرة ينفي انتشار الحشرات        MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    جمهورية بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع 'الجمهورية الصحراوية' الوهمية        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    حكيمي في باريس سان جيرمان حتى 2029    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    تعيينات جديدة في المناصب الأمنية بعدد من المدن المغربية منها سلا وسيدي يحيى الغرب    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«إعادة بناء اليسار المغربي: من أجل مؤتمر للقطيعة»

بخصوص التموقع السياسي للإتحاد الاشتراكي غدا يتعين, في تقديري ,تجاوز الإطار الضيق للاشتراكية والتموقع بشكل أكثر شمولية كحركة تقدمية . ولأجل ذلك يتعين القطع مع أنماط التنظيم الكلاسيكية التي لم تعد تتلاءم تماما مع السياق السياسي الجديد والتطلعات الجديدة للمواطنين..والانخراط في ديناميكية الجهوية التي انطلقت السنة الماضية . فالمواطنون لم يعودوا يحسون بأنهم ممثلون فعلا , لأن الأحزاب لم تستطع استيعاب واستباق التحولات الحالية والمستقبلية . وهذا التحول يمر عبر تحديث وعصرنة عميقة لهيئات القيادة التي يتعين الوصول إليها على أساس الكفاءة والاستحقاق بالدرجة الأولى . وأقترح في هذا الصدد أن تنبني مسطرة انتقاء انتخاب أعضاء الحزب وفق معايير مرتبطة بالاستحقاق والالتزام والكفاءة وليس كما كان سائدا في السابق حسب الأقدمية . ويتعين كذلك مأسسة " حكومة ظل " كما هو موجود في العديد من الديمقراطيات الأوروبية , لتهيئ الحزب لتدبير الشأن العام على أساس مقاربة منصب / كفاءة . وفي هذا الصدد يتعين وضع إستراتيجية حقيقية لتكوين أطر الحزب إلى جانب استعمال التقنيات الحديثة للإعلام والتواصل ومختلف تقنيات الاتصال لمرافقة هذا التحول ومصاحبة ديناميكية التغيير

بعد شهور من المشاورات تمكن المغرب من تشكيل حكومة , حكومة جاءت ثمرة توافق واسع بين 6 أحزاب سياسية متنافرة في ايديولوجياتها وبرامجها . رئيس الحكومة المعين السيد سعد الدين العثماني قدم يوم الأربعاء 19 أبريل الماضي برنامج حكومته أمام البرلمان بغرفتيه .هذا البرنامج يشكل عموما استمرارا لبرنامج الحكومة السابقة. هذه الحكومة حصلت على التزكية بأغلبية ضئيلة . والإتحاد الاشتراكي جزء من هذه الحكومة .ورغم أن هذا التواجد قد يثير , عن صواب أو خطأ , بعض سوء الفهم , فإن هذه الوضعية هي امتداد للقرار المبدئي الذي اتخذه المجلس الوطني للحزب المنعقد في نهاية نونبر الماضي والذي فوض للكاتب الأول للحزب باسم المكتب السياسي مهمة قيادة المفاوضات مع رئيس الحكومة المعين آنذاك السيد عبد الإله بنكيران . والجميع يعرف البقية …أيضا وبما أن الإتحاد الاشتراكي حصل على رئاسة مجلس النواب ظهر أن تواجد هذا الحزب ضمن التحالف الحكومي أمرا بديهيا . وفي هذا السياق الحساس , فإن الحزب مدعو للعب دور نوعي في هذا التحالف . والمستقبل سيكشف لنا صلابة وقوة حزبنا في قيادة وتنفيذ السياسة الحكومية .
بعد توضيح هذه النقطة , لابد من التركيز على الاستحقاق الحاسم المقبل الذي ينتظر الإتحاد الاشتراكي والمتمثل في تنظيم مؤتمره الوطني العاشر المقرر نهاية هذا الشهر .هذا المؤتمر يجب أن يكون فعلا مؤتمر"القطيعة " على عدة مستويات : على المستوى التنظيمي , والانفتاح على كفاءات ومكونات جديدة داخل المجتمع, وعلى مستوى إعادة البناء الإيديولوجي, وشفافية الحكامة… إلخ. ومشاريع المقررات التي صادقت عليها اللجنة التحضيرية للمؤتمر العاشر جعلت من إعادة بناء الإتحاد الاشتراكي أولوية قصوى نظرا لأن الكثيرين يقرون بأنه لا يمكن أن توجد حياة سياسية سليمة في المغرب بدون وجود إتحاد اشتراكي قوي , متجدد وعصري. والهدف هو تعزيز أكبر لفكرة أن الاتحاد الاشتراكي يجب أن يصبح حزب /مؤسسة تقوده مبادئ وضوابط, وليس كما كان ألأمر غالبا في السابق , حزبا في خدمة فئة أو عائلة . فالإتحاد الاشتراكي ليس ملكا لأحد لأنه ملك للجميع . وفي هذا الإطار لابد من القطع مع عدة أمور من بينها يمكن أن نذكر إعادة التنظيم الداخلي لبنيات الحزب سواء الجهوية أو القطاعية أو الأفقية وتنشيط وعمل برلماني يسمح للإتحاد الاشتراكي بملء مجال النقاش العمومي بهدف أن يستعيد الحزب مكانته كقوة إقتراحية سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي والديني ..وعلى مستوى الدبلوماسية البرلمانية والدبلوماسية الموازية , فإن الإتحاد الاشتراكي القوي بخبرته وحصيلته على المستوى الدولي من خلال توجده وعمله في هيئات دولية وازنة (الأممية الاشتراكية والتحالف التقدمي) عليه أن يعزز موقعه ومكانته بالإرتكازعلى شبكة علاقاته الدولية – البرلمانية والحزبية وغيرها – وعلى تواجده داخل الحكومة وعلى رأس مجلس النواب . وفي هذا الصدد فإن مشاريع المقررات التي تهم التوجهات المستقبلية ومشروع المقرر التنظيمي تتضمن نقط قطيعة من شأنها , بل يجب أن تقوي وتعزز هذه الديناميكية الجديدة التي يتوخاها المؤتمر العاشر.
خارطة طريق من أجل أعادة بناء عميقة للإتحاد الاشتراكي
بشكل عام يتوجب على الإتحاد الاشتراكي أن يستعيد المبادرة ويسترجع المصداقية التي فقدها وذلك من خلال عمل القرب يتعين القيام به في جميع أرجاء المغرب. وأيضا يتعين على الإتحاد الاشتراكي أن يتطلع ليصبح من جديد تجسيدا
للحداثة والتقدم في بلادنا . وفي تقديري , لبلوغ هذا الهدف هناك عمل إيديولوجي يتعين القيام به على مستوى الهوية والأفكار . وهكذا على سبيل المثال, علينا أن نكون قادرين على تحديد توجه اقتصادي جديد يقطع مع اشتراكية الأمس ويقترح تصورا للمستقبل يرتكز على شكل جديد من الاشتراكية الديمقراطية يأخذ بعين الاعتبار التحولات العميقة لاقتصادنا وللسياق العالمي . وفي هذا الصدد فإن تحديد دور الدولة في الاقتصاد يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى. فالدولة يجب أن تأخذ على عاتقها دور المخطط الإستراتيجي , المنظم والحامي باقتراح أشكال جديدة من الحماية الاجتماعية بالنظر لتطور سوق الشغل . وعليها أن تحارب بفعالية كل أشكال الريع والزبونية والفساد من خلال توفير مناخ ملائم للأعمال يكون واضحا وشفافا وجذابا لأي مستثمر سواء كان محليا أو أجنبيا . ويتعين على الإتحاد الاشتراكي أيضا أن يتملك بشكل قوي قضايا من قبيل موضوع الإصلاح الضريبي والاقتصاد الرقمي والاقتصاد التعاوني أو التنمية المستدامة . وكل هذا يجب أن يتجسد في إطار استراتيجية للتنمية المندمجة التي بإمكانها أن تأهل المغرب لدخول نادي الدول الصاعدة (هدف بلوغ نسبة نمو 7 في المائة سنويا وإحداث 200000 منصب شغل سنويا ). وفي هذا الصدد تمت بلورة العديد من هذه المقترحات في إطار اللجنة التحضيرية للمشروع الاقتصادي و الاجتماعي للإتحاد الاشتراكي للانتخابات التشريعية لأكتوبر 2016 . ويتعين الحرص على تنفيذ بعضها من طرف الحكومة الجديدة .
على المستوى السياسي أيضا , علينا أن نرسخ أنفسنا اكثر وأن نكون بشكل خاص مبدعين وجريئين فيما يتعلق بتوازن السلط واستقلال القضاء والحكامة ومكافحة الفساد..إلخ.
على المستوى الاجتماعي والثقافي يتعين أن يكون الدفاع عن نموذج مجتمعي يرتكز على الانفتاح الفكري والتسامح والتلاقح الثقافي الموجه الأساسي لمعركتنا من أجل الحداثة والمساواة والعدالة الاجتماعية . علينا أن نناضل من أجل مجتمعي يعطي لكل مواطن مكانته وفرصته كيفما كان وضعه أو سنه او جنسه أو دينه أو وضعه الاجتماعي . مجتمع يكون فيه كل مواطن متحررا من أي شكل من أشكال الوصاية , مجتمع مبني على احترام دولة القانون وعلى الكفاءة والاستحقاق . وبالواضح مجتمع يعاقب فيه بصرامة أي شكل من أشكال الشطط في استعمال أو استغلال السلطة . وهذا هو الشرط لإحياء العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين واستعادة وتثبيت الثقة من جديد . كما يتوجب أن يكون تجديد الحقل الديني من خلال الدفاع عن علمانية الدولة , من الأهداف الأساسية لإعادة بناءنا الأيديولوجي . ومن ضمن أولويات إعادة البناء كذلك إبراز وتحديد مكانة الشباب والمرأة داخل المجتمع .
على المستوى التنظيمي , يجب إحداث قطيعة داخلية تتيح لجيل جديد إمكانية الوصول إلى المسؤوليات من خلال الانفتاح على كفاءات جديدة من مختلف شرائح وفئات المجتمع ومن مختلف الهيئات المهنية . وفي هذا الصدد , لابد من إحداث "ثورة" تنظيمية رهانها الرئيسي هو التحول التدريجي للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبر توسيع قاعدته الاجتماعية بإدماج شرائح جديدة من المجتمع . وفي تقديري , يبدو مهما وناجعا اليوم ترسيم التيارات بمناسبة المؤتمر القادم من خلال إقرار آلية الأرضيات على شاكلة ما يجري في أغلب التنظيمات السياسية اليسارية عبر العالم . وهذا الترسيم للتيارات من شأنه أن يعزز ويجعل خيار الديمقراطية الداخلية للحزب, بالرغم من النوايا الطيبة , مسارا لا رجعة فيه .وهذه الديمقراطية الداخلية ستكون ضمان جاذبية الحزب كشرط لتجدره وإشعاعه ميدانيا من خلال قدرته على استقطاب أفضل الطاقات .
وبخصوص التموقع السياسي للإتحاد الاشتراكي غدا يتعين, في تقديري ,تجاوز الإطار الضيق للاشتراكية والتموقع بشكل أكثر شمولية كحركة تقدمية . ولأجل ذلك يتعين القطع مع أنماط التنظيم الكلاسيكية التي لم تعد تتلاءم تماما مع السياق السياسي الجديد والتطلعات الجديدة للمواطنين..والانخراط في ديناميكية الجهوية التي انطلقت السنة الماضية . فالمواطنون لم يعودوا يحسون بأنهم ممثلون فعلا , لأن الأحزاب لم تستطع استيعاب واستباق التحولات الحالية والمستقبلية . وهذا التحول يمر عبر تحديث وعصرنة عميقة لهيئات القيادة التي يتعين الوصول إليها على أساس الكفاءة والاستحقاق بالدرجة الأولى . وأقترح في هذا الصدد أن تنبني مسطرة انتقاء انتخاب أعضاء الحزب وفق معايير مرتبطة بالاستحقاق والالتزام والكفاءة وليس كما كان سائدا في السابق حسب الأقدمية . ويتعين كذلك مأسسة " حكومة ظل " كما هو موجود في العديد من الديمقراطيات الأوروبية , لتهيئ الحزب لتدبير الشأن العام على أساس مقاربة منصب / كفاءة . وفي هذا الصدد يتعين وضع إستراتيجية حقيقية لتكوين أطر الحزب إلى جانب استعمال التقنيات الحديثة للإعلام والتواصل ومختلف تقنيات الاتصال لمرافقة هذا التحول ومصاحبة ديناميكية التغيير.
والرهان الأساسي لكل ذلك يبقى , في تقديري , هو الضرورة الملحة لإحياء حلم مجتمع يساري من خلال مشروع مجتمع جديد يكون مبنيا على قيم الحداثة والتقدم والتضامن والمساواة بين الرجل والمرأة .هذا المشروع المجتمعي يجب أن يكون مصحوبا بخطاب جديد وشجاع وبالأخص يكون محمولا من طرف وجوه غير " متورطة " في تدبير الشأن العام . ومن المهم جدا , أكثر من أي وقت مضى , أن يكون هناك انسجام / ملائمة بين الوجوه السياسية التي ستحمل هذا النوع من الخطاب لاسيما من حيث المصداقية والخطاب نفسه. ولذلك هناك إجراءات يتعين توفيرها .
ولبلوغ ا الهدف ,فإن الفكرة الرئيسية التي أريد الدفاع عنها في السنوات القادمة هي ضرورة تجميع كل العائلة اليسارية (أو على الأقل الذين يريدون ذلك ) كشرط أساسي لنجاح مشروعنا المجتمعي خلال العشر سنوات القادمة . إن حالة التفكك الإيديولوجي والتنظيمي لعائلتنا السياسية تفرض هذا التجميع بشكل مستعجل . فهناك عدد من الإنحسارات تعود أساسا لأسباب مرتبطة بنفسية الفاعلين أكثر منها لاختلافات إيديولوجية حقيقية والتي يتعين تجاوزها من أجل مصلحة الجميع . ولأجل ذلك يتوجب بروز جيل جديد غير مسؤول عن حصيلة سلفه , للاضطلاع بمسؤولياته على المستوى السياسي . وأنا على يقين بأن المستقبل بجانب قوى التقدم إذا ما استطاعت تجاوز خلافاتها والالتفاف حول مشروع مشترك وبالأخص الارتباط من جديد بالميدان كما كانت حتى سنوات الثمانينات . وما شكل قوة هذا اليسار الذي كانت له مكانته الأساسية في بلادنا , هو سياسة القرب هاته التي استطاع تجسيدها على الأقل طيلة ثلاثة عقود والتي استحوذ عليها كليا حزب العدالة والتنمية .
أية إجراءات لمصاحبة
هذه الإستراتجية الإرادية
هذه الإستراتيجية السياسية القوية والطموحة والراديكالية بشكل من الأشكال يجب أن تكون مصحوبة بإجراءات فعالة من خلال إحداث نوع من الثورة التنظيمية التي يجب أن تتم من داخل الأحزاب التي تعتبر نفسها تقدمية لتمكين نخبة جديدة متشبعة بالقيم التي ذكرنا , من تجسيد مكانتها داخل هذه الأحزاب . ولبلوغ ذلك يتعين على هذه الأحزاب أن توفر إطارا للعمل يكون جذابا بما يكفي لتمكين هذه الكفاءات الجديدة من إبراز ذواتها من خلال التزامها السياسي . وهكذا يتعين القيام بحملات تأطير وتحسيس واستقطاب عبر مجموع جهات المغرب لتعبئة كفاءات جديدة راغبة في الانخراط . وعلى سبيل المثال يمكن تنظيم قوافل سياسية ذات طابع جهوي على شاكلة ما يتم في عدة دول أوربية من أجل استقطاب كفاءات جديدة وإدماجها داخل الهياكل الحزبية . ويتعين كذلك أن تحرص أحزابنا على تحسين تغلغلها الترابي من خلال فتح تمثيليات محلية حيثما ظهرت الضرورة وبالأخص تنشيطها على المستوى الإيديولوجي والفكري والثقافي . ونقاش الأفكار يجب أن يتم حيثما أمكن.لكن الأهم في رأيي هو القرب من المواطنين وخاصة الفئات المحرومة التي يتوجب مساعدتها ومصاحبتها لتمكينها من الاندماج الأمثل داخل المجتمع . وفي هذا الإطار يصبح العمل الجمعوي من خلال الانخراط في أنشطة اجتماعية ملموسة , يصبح ضرورة لمواجهة الاستعمال الإيديولوجي للعمل الجمعوي ..وهكذا فإن التواجد داخل الجمعيات القائمة على مستوى الحكامة وخلق جمعيات جديدة للاستجابة للحاجيات الاجتماعية المستجدة وتوحيد الجهود في إطار جمعيات مختلفة , مفاتيح فعالة لتجديد الارتباط الميداني .
وفي النهاية أعتبر أن حقلنا السياسي في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى للشجاعة والوضوح من طرف الفاعلين السياسيين من أجل تمكين مواطنينا من استعادة الثقة في نبل السياسة. وعلينا أن نعطي المثال من خلال عدم التساهل فيما يخص مبادئنا وقيمنا. ونحن نعرف أن البديل الوحيد للعدالة والتنمية هو اليسار الديمقراطي والتقدمي من خلال المشروع المجتمعي الذي يدافع عنه . لكن , ومن أجل تجسيده بشكل صادق فإن هذا اليسار بحاجة للانسجام السياسي والعمود الفقري بإبراز أنه ليس تابعا لأي حزب سياسي سواء في المعارضة أو في الأغلبية .واستقلالية النظرة التي يمكن أن تؤدي إلى نوع من "العزلة " في لحظة ما , يمكنها أيضا أن تِؤدي إلى نتائج محمودة شريطة التوفر على مشروع , على هدف وعلى عمود فقري …وأنا على يقين تام بأن هذه الإستراتيجية ستكون مربحة على المدى المنظور. والمقابل لهذا الانسجام السياسي هو التغيير على مستوى الخطاب السياسي..وبالتالي هناك ضرورة ملحة لتغيير الخطاب وبالأخص تغيير التصرفات . وبالفعل يجب على اليسار بشكل عام أن يحدد أفقا وهدفا سياسيا مشتركا ويقطع مع ممارسات سياسية لا تشرفه تماما . فالأمثلة على التصرفات الانتهازية والأخلاقية أصبحت للأسف شائعة .وبالتالي حان الوقت لكي ننخرط بشجاعة وبدون تساهل أو محاباة في مناقشة عدد من المواضيع المجتمعية التي لم نعد نتطرق إليها حتى نستعيد الروابط التي افتقدناها مع شرائح ومكونات مجتمعية ابتعدت عن اليسار وعن السياسة بشكل عام ويتعلق الأمر بالشباب والنساء أساسا . فالحديث عن التشغيل وعن التنمية وعن التعليم والسكن والصحة من الأمور الأساسية والمهمة لاسيما وأننا نمتلك القدرة والمعرفة بذلك..ويكفي , للتأكد من ذلك , تصفح برامجنا السياسية التي أعددناها بمناسبة الاستشارات الانتخابية .وفي تقديري, سيتحدد التموقع السياسي , اليوم وغدا ,من خلال إشكاليات ذات طابع اجتماعي ترتبط بالحريات الفردية والجماعية وحقوق النساء ومكانة الدين في الحياة العامة ومكانة ودور الثقافة وغيرها من المواضيع الاجتماعية . وبالتالي من الملح أن تعمل القوى التي تصنف نفسها "تقدمية" على " تقوية" خطابها من خلال الدفاع عن تصور للمجتمع يرتكز على الانفتاح والتسامح والتقدم والتضامن . والمواطنون سيكونون مطالبين باختيار مجتمعي سيرهن مستقبل البلاد لعشر سنوات المقبلة وأكثر. سيكون عليهم أن يختاروا بين نموذجين مجتمعيين متعارضين تماما. الأول رجعي محافظ يرمي إلى أسلمة المجتمع المغربي تدريجيا بفرض تقاليد وممارسات غريبة تماما عن ثقافتنا. وقد عشنا خلال السنوات الخمس الماضية مقدمات ذلك. فالحريات الفردية تعرضت باستمرار للتهديد وأيضا حرية الصحافة وتراجعت حقوق النساء وتعرضت الحريات النقابية للانتهاك مع تهديد واضح لحق الإضراب ….والمشروع الثاني حداثي متسامح عادل ومتضامن متجه نحو المستقبل وهو المشروع الذي ندافع عنه .
وفي الختام أعتقد ان بلادنا توجد في مفترق طرق من جميع الجوانب . فالقوى التقدمية, بتاريخها وثقافتها وقيمها والمبادئ التي دافعت عنها دائما لها , ليس فقط مكانتها الكاملة في بناء مغرب جديد نريده وندعو من أجله منذ عقود , بل عليها أن تكون رأس حربة هذا البناء الديمقراطي .بالفعل يتعلق الأمر بطموح كبير لكننا نستطيع وسنصل لذلك بقوة الشجاعة والانسجام الإيديولوجي والفكري والطموح الجماعي والكفاءة والقيم الأخلاقية " نستطيع قتل إنسان , لكن الفكرة لا تموت أبدا" . ومن أجل ذلك علينا أن نعول قبل كل شيء على شبابنا الطموح أكثر فأكثر لأنه واع بالرهانات وبداخله مواهب وطاقات كامنة ..وقد حان الوقت لإسثتمارها على أفضل وجه .
وفي ختام هذه الورقة , وفيما يخصني سأكون طرفا وسأساهم في إعادة البناء السياسي هاته , التي تندرج ضمن أفق زمني طويل نسبيا , بحماس وتواضع وجدية .
* أستاذ باحث – مجموعة المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات عضو بالإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.