بمناسبة الإصدار الجديد "الجريمة والعقاب في مغرب القرن السادس عشر" للباحث والشاعر والإعلامي سعيد عاهد، نظم مركز عناية للتنمية والأعمال الاجتماعية لقاءا ثقافيا تفاعليا يوم السبت 29 أبريل 2017 بالفضاء الفني « المقام « بتاحناوت، بحضور ثلة من المثقفين والمبدعين من الدارالبيضاء وطنجة والرباط وممثلي وسائل الاعلام وفاعلين من المجتمع المدني بجهة مراكش أسفي. اللقاء الذي أداره المفكر والباحث والإعلامي عبد الصمد الكباص تميز بمجموعة من المداخلات والقراءات تخص كتاب الباحث والمبدع سعيد عاهد للدكتور ابراهيم فكاني والصحفي والقاص محمد المبارك البومسهولي. و في الكلمة التقديمية لرئيس مركز عناية الشاعر والإعلامي مصطفى غلمان، ركز على الاضاءة العميقة في مغزى الاحتفاء بسعيد عاهد، حيث القيمة الإضافية لكتابه الأكاديمي الذي يثير إشكاليات أنثروبولوجية، اجتماعية وسوسيولوجية. الاكتشاف الآخر يقول غلمان في تعددية سعيد عاهد وانتصاره الأبدي لشعرانية عابرة للقارات الإنسانية. إذ الكتاب الذي يحتفى بإصداره، يضيف الشاعر غلمان، «الجريمة والعقاب في مغرب القرن السادس عشر» ليس فقط علامة سوسيولوجية في تاريخ التأريخ الاستشرافي للمغرب، أو مجرد نص ترجمي محدود من زوايا رؤيته لعوالم ومعالم الدم والانتقام في سلطة المخزن والسلطنة حارسة السلطة والرعايا، بل هو رؤية من جوانب عديدة تبحث عن إمكانيات جديدة لرصد فترة زمنية جد معقدة تستوعب أهم مراحل الانتقال السلطوي يمثل أحدهما العصبية القبلية والآخر النسب الشريفي .. والأهم، يقول غلمان، الجريمة التي تحكمها السلطة وتوثقها ضوابط والتزامات صانعيها. وهو ما يؤثر فعلا في سيرورة التماهي مع منظومة متكاملة من العقاب القاسي والأليم .. من جهته عبر إبراهيم فكاني في قراءته لكتاب"الجريمة والعقاب في مغرب القرن السادس عشر" على أن الباحث سعيد عاهد يتعاقد مع القارئ منذ ومضة البدء، على أنه ثمة قراءات تستدعي قراءات. وكأنه يؤكد ويدعو لتجاوز القراءة الخطية الجامدة للنصوص. وفي ذلك هدم لليقينيات وقطع مع الوثوقية وأحادية الرؤية. وشكلت الرغبة، يضيف فكاني، في تداول النص عربيا الباعث والموجه الأساس للدراسة، حيث وسع المؤلف دائرة الترجمة فأثرى النص وأغناه بنصوص معززة، وحقق ما ينبغي تحقيقه. وبذلك طبع الدراسة بميسمه ومهرها بطابعه الشخصي. وعن قيمة دراسته من منظور تلاقي وتقاطع النصوص وتلاقحها، أكد ابراهيم فكاني أن هذا التلاقي فرض تداخل السلط (العلماء –الشرفاء..) كما اقتضى العودة إلى النصوص الأصلية –فضلا عن النص المترجم- من باب الاحتراز المنهجي والأمانة العلمية. مع ضبط لحدود التأويل. هذا فضلا عن التدقيق اللغوي تركيبا وترجمة. واختتم قراءته بأن دراسة سعيد عاهد الشاعر/المترجم أثر مادي ملموس، يكشف فعلا أن للشاعر برحابة أفقه وبسعة خياله، القدرة على أن يجدل ضفائر الحقيقة من هوامش النصوص شارحا ومترجما. محمد المبارك البومسهوليو من خلال قراءته من منظور العمق الفني والشاعري للكتاب، فصل مداخلته على ثلاث محاور: أولا : الانتصار للحياة، ثانيا: فصل معاصي الدين عن الجنايات وثالثا: استقلالية القضاء والبحث عن العدالة. محمد المبارك أشار أن الكتاب قدم لنا مجموعة من الصور القرائية وأعطانا صورة عن العدالة في القرن 16 انطلاقا من دراسة ل»فرناندو رودريغيت مديانو» من خلال أبحاث لوي برينو وما تناوله حسن الوزان (ليون الإفريقي) وأعادنا إلى اكتشاف ملامح مجتمعنا المغربي الذي عانى من السلط الحاكمة الويلات من خلال التنكيل به لتطويعه ليكون خاضعا لهذه السلطة الحاكمة في إطار أن يصنف كرعية ليس إلا.. هذا المجتمع الذي يعلن تمرده ضد هذا الاستبداد.. محمد المبارك البومسهولي أشار لمجموعة إسقاطات لظواهر تاريخية على مجتمعنا المعاصر وشغف جل مكوناته بالبحث عن الحرية والتجاوب المتكامل مع تنوعه العرقي. واختتم مداخلته على أن «الكتاب يحيلنا على مرحلة تاريخية بعيدة، وفي تخصص مرتبط بتحليل النص التاريخي، غير أن لغة الكتاب تميزت بسهولتها وسلاستها، وفي فقراتها المرتبطة بالوصف، ثم نقل الأحداث بشاعرية ولو في ألمها ، وهنا يحضر البعد الشعري الذي لا يمكن لشاعر كسعيد عاهد أن يبرحه، فهو ملتصق به لأن الصور الشعرية تنزاح لديه دون أن يدري، ولأن قدر المبدع حتى وإن أراد أن يمارس نوعا من الهروب عن إبداعيته تبقى هذه الأخيرة ملتصقة به.. وهذا ما جعل الكتاب مغريا ومحفزا لقراءته وإعادتها، لأنه لا يحقق لنا فقط معلومات وحقائق تاريخية، ولكنه يقدم لنا طبقا ممتعا يفتح لنا شهية القراءة. ونبه المبارك البومسهولي الحضور والرأي العام أن كتاب «الجريمة والعقاب في مغرب القرن القرن 16 « في شطره المنتصر للحياة، حاول من خلاله سعيد عاهد تقديم قراءة لقراءات أُخرى، ولكن بمنهجية لها بعد فني يمكن تحويل الكثير من قضاياه إلى أعمال سينمائية أو تلفزيونية، من خلال الكثير من الأحداث التي نقلها لنا.. وهي دعوة للمشتغلين في المجال الفني لإعادة قراءة تاريخنا فنيا، لأن من شأن ذلك أن يبرز استمرارية الترابط في مجموعة من القضايا التي تهم المجتمع المغربي وتنوعه وكيف يتعايش معها عبر مراحل تاريخية متنوعة. وفي كلمته بالمناسبة، أصر سعيد عاهد على أن الشاعرية في الكتابة هي صدفة في كتاباته العربية لكنها مقصودة بلغة موليير. وفصل كتابه بقيمة لذة قراءة النص الأصلي والغوص في مصادره ومراجعه عبر التنقيب في خزانة متفرعة تصب في غنى النص المقصود. سعيد عاهد برر رغبته في اقتسام الأصل المقروء مع القارئ عبر التركيز على جوهر البحث وخصوصياته الأكاديمية العلمية ضمانا لنص أصلي وأصيل يكرس لجماليته وموضوعيته الفكرية والتاريخية. الإصدار الجديد لسعيد عاهد «الجريمة والعقاب في مغرب القرن 16» ينقل لنا صور ومفاهيم الجريمة والعقاب والعدالة في تاريخ محدد للمغرب، حيث ينطوي على تساؤلات من قبيل ما هي الأحكام التي كانت تصدر باسم السلطان في القرن 16 ومن كان يحرك مسطرة المتابعة؟ وما الجرائم والجنح التي كان يعاقب عليها القانون؟ ما حكم القاتل وما الفرق بين «القصاص» و»الدية» و»التشهير»؟ وكيف كانت تنفذ عقوبة الإعدام ومن كان مكلفا بذلك؟ وهل كانت هناك استثناءات في تنفيذ العقوبات؟