يعرف قطاع الصيد البحري، كباقي القطاعات، تدهوراً كبيراً في تدبيره نتج عنه وقوع اختلالات، جراء سن بعض القوانين دون إشراك المهنيين، الذين بادروا إلى توحيد صفوفهم بتأسيسهم للفيدرالية الوطنية لتجار ومهنيي المنتوجات البحرية بالموانىء والأسواق الوطنية، ودخلوا في لقاءات ماراطونية مع المكتب الوطني للصيد البحري ومع الوزارة الوصية في حكومة بنكيران. ولتقييم عمل الحكومة الحالية في قطاع الصيد البحري، خصص رئيس الفيدرالية الوطنية لتجار ومهنيي المنتوجات البحرية بالموانىء والأسواق الوطنية عبداللطيف السعدوني الجريدة بتصريح جاء فيه: «اتسمت سياسة الحكومة الحالية في قطاع الصيد البحري بشرعنة مجموعة قوانين كقانون 14.08 الخاص بتجارة السمك وقانون 15,12 الخاص بمحاربة الصيد الجائر وغير المصرح به والعشوائي، بالإضافة إلى تنظيم الصيد بالمصايد الوطنية، خصوصاً الجنوبية، وذلك احتراماً لمبادىء الصيد المنظم والمضبوط والتجارة المعقلنة، وتثمين المنتوج السمكي برفع قاعدة الاستهلاك. فجاء هذا كله متزامناً وأهداف استراتيجية أليوتيس وسؤالنا المشروع: إلى أي حد استطاعت الوزارة الوصية والحكومة ككل وكل الفاعلين في القطاع، الوفاء لمبدأ القانون المسطر والتجاوب مع مضمون الاستراتيجية المبرمجة؟ «إن الواقع المهني للصيد البحري، يضيف، مهترىء البنية التحتية، لازمته عيوب منذ زمن واستفحلت مشاكله ، فلم نجد إلى يومنا هذا ، رغم المرامي والنيات الحسنة، أجوبة شافية وكافية. وبالتالي ظلت السفن الوزارية تائهة في غياهب التقنين والتعقيد والبرمجة والشرعنة بعيداً عن لغة الواقع. فلم تحقق إلى يومنا هذا قاعدة مهنية تحترم خصوصية 3600 كلم من البحر. ولا تحترم المواطن المغربي في قوته الغذائي السمكي. وبالتالي مازلنا لم نصل إلى معدل 10 كلغ كاستهلاك سنوي بالنسبة للفرد الواحد، وأغلبها من السمك الأزرق السطحي كالسردين والاسقمري... لذلك، وفي غياب ثقافة صيد تحترم خصوصية البحر المغربي من الشمال إلى الجنوب، آخذة بعين الاعتبار البحارة كطرف هش ينبغي تقوية دخله الفردي وعيشه في كرامة، والتاجر الصغير الذي ساهمت السياسة الجديدة في هذا القطاع، في تأزيم وضعه، إلى توجيه مساره المهني إلى الأفضل، عوض التيه والجدال في تبني أي قانون أو برنامج بسبب قوة اللوبيات في القطاع التي تتآمر على خيرات البحر وتحويلها إلى مصالح ذاتية، مغيبة الحس الوطني والقدرة على تذويب الذات، والإيمان بأن أي برنامج عملي يخص قطاع الصيد البحري، صيدا أو تجارة، هدفه تنمية الاقتصاد الوطني، واستفادة الطبقات الكادحة الهشة من عائدات هذه التنمية. وقس على ذلك، أن أموالا طائلة صرفت في تشييد أسواق جيل جديد «6 أسواق» عبر ربوع المملكة من أجل عرض المنتوج وفق شاكلة مميزة غايتها الجودة الكلية، إلا أننا مازلنا نلاحظ مجموعة خروقات. فالصيادون يصطادون في «الماء العكر»، أي تجارة الهوامش والجوانب، وهي مضرة بكل الأطراف، أفرادا ومؤسسات». «فهل حققت الحكومة الرهانات المصطلح عليها في إطار استراتيجية أليوتيس، أم أن الشعار أكبر من الواقع؟، يتساءل المتحدث ، مضيفا : «لن نبخس أي مجهودات مبذولة، لأننا لسنا عدميين، إلا أنه ، وبالصوت العالي نقولها ونرددها مرات، لابد من وضع اليد على مكامن الفساد، والتي تتجلى أولا في ضعف التمثيلية المهنية وضعف البنية التحتية وغياب سياسة تتبعية وتقييمية لكل برنامج على حدة. آنذاك سنجسر بين الهوتين جسراً بلمسة موضوعية التحليل بخصوص دراسة بنيوية لقطاع الصيد البحري، عوض سلك سياسة «عفا الله عما سلف». فالقطاع توارث بعض الممثلين المهنيين الذين يخالفون أكثر مما يختلفون، وتشكل المصلحة الذاتية بالنسبة لهم هماً مركزياً، وبالتالي يتحايلون على جميع القوانين لتبدو الوزارة أحياناً ضعيفة ويبدو البرنامج شعاراً لا أقل ولا أكثر. فكيف للحكومة في شخص الوزارة الوصية أن تغفل محاربة الصيد الجائر، وتضبط أسس تجارة سليمة لمنتوج السمك داخلياً وخارجياً؟ وهي لا تتحكم في إشكالية العرض والطلب، والعجز الذي تعرفه الصادرات المغربية هذه السنة ، والصيد العشوائي الذي مازال يعاني منه البحر المغربي والمغرب العميق الذي لا يصله السمك ولا يعرف إلا القليل منه؟ «إن القوانين لوحدها وطرق تنزيلها في عهد هذه الحكومة استغرقت كثيراً من الوقت، وشكلت للوزارة الوصية تحدياً، إلا أن المسكوت عنه لابد له من تقييم فعلي وواقعي لاستراتيجية أليوتيس. شكلاً ومضموناً على مستوى الصيد والتجارة والعنصر البشري والحكامة الجيدة في القطاع. ثم إن الصيد التقليدي مازال هو الآخر يتخبط في إشكالية ما هو قانوني وما هو غير قانوني، أي أننا مازلنا لم نتدارك العنصر البشري الذي يشتغل بهذا القطاع الذي يتعرض للموت كل يوم وكل ساعة في غياب التأمين والحماية وضبط أسس قانونية واضحة تساهم في المضي قدماً بهذا النوع من الصيد إلى ما هو أحسن خدمة لمصالح المهنة ومصلحة العاملين في هذا القطاع. وعلى العموم، فإن قطاع الصيد البحري ، خلال فترة تولي هذه الحكومة، لم يعرف أي تغيير على خلاف ما كان يعتقده البعض، بل لم يحض بأي اهتمام بالغ ظهر جلياً على التجار والمهنيين، تماشياً مع الوعود والحملات الانتخابية والخرجات من هذا أو من ذاك، في وقت نشطت فيه لوبيات مختصة اغتنت على حساب الآخرين دون أن نرى أو نسمع أي تحرك من الحكومة للحد من سلوكيات هذه اللوبيات، أو وضع سياسة ناجعة تحاصر من خلالها تغلغل هذه الأخيرة الهدام للقطاع، وكذا استراتيجية للرفع من كرامة العنصر البشري، وتحسين البنيات التحتية، وضمان جودة المنتوج».