بمناسبة الإقصائيات الإقليمية للمهرجان الوطني للمسرح المدرسي بالفضاء الثقافي لثانوية ابن عبدون الإعدادية بالمديرية الإقليمية عين السبع الحي المحمدي ، وفي إطار مهمة التحكيم ، لم أستطع منع نفسي من متابعة أغلب العروض المقدمة بإحساس عارم اختلط فيه الفرح بالأسى بالحنين ، تذكرت محطات مضيئة في مسار المدرسة المغربية ، استعدت حماسة السبعينيات وجدية المؤطرين والمؤطرات في منح الناشئة وأجيال المستقبل أدوات معرفية وأسلحة تسمح بقراءة واقع كنا نتوقع أن يكون وفيا لأحلامنا وفي مستوى طموحاتنا المشروعة. فرحت لما قدم من مشاركات أفصحت أن وراءها مشرفين ومشرفات يدركون أهمية الفعل الثقافي في التربية والإمتاع والتوجيه ، مقتنعون بخشوع أن للفن المسرحي الجميل روعة وقدرة عجيبة على إنجاح التواصل التربوي المنشود المحكوم برسالة نبيلة تحترم إنسانية الإنسان . أسعدني تفاعل الأطفال والطفلات مع المضامين الجادة ، وكم كان انبهاري كبيرا ودهشتي لا حدود لها وقد رأيت أطفالا صغارا وطفلات في عمر الزهور الفتية المتأرجحة بين 8 و14 سنة ، يدرسون بمستويات مختلفة من القسم الثاني إلى الخامس ابتدائي يؤدون جماعة بثقة وطلاقة ملفتتين وتحرك سليم فوق الركح / الخشبة ، ويتفاعلون مع مضامين واهتمامات « الكبار « بتلقائية وحرفية وإحساس راق فاتن يمنحك الرغبة في التخلص من بذلة الحكم ومعانقتهم والفرح بهم وبأداء انتزع الاهتمام والانتباه والتصفيق علما أن المضامين قد تأرجحت بين أربعة محاور : محور المغرب والانتماء لماما إفريقيا . محور المغرب والبيئة . محور سبتة ومليلية السليبتين . محور تعليم اللغة العربية الفصيحة . ومع بحر التداعيات الحكيم ، داهمتني لحظة أسى على واقع مدرستي الحلوة ، تداعت إلى ذهني خطط وقرارات ومقررات جانبت كرامة الحرف المقدس ، بالأمس القريب كانت مدرستي منارة التربية والتنوير والتأطير ، واليوم .. تكالبت عليها أحقاد عمياء ونيات سيئات ، بقدرة ماكر خبيث صارت تحتل المراتب الأخيرة ، اتفق من بقلوبهم مرض على النيل منها ومن كرامة حراسها الأوفياء ، بنوع من الجحود المرضي ، جعلوا المعلم / الرسول في الدرك الأسفل ، بطلا مهزوما يتندر به أغبياء الوقت السائب في جلساتهم الحمقاء ، حاربوا فلسفة الحياة وغرسوا بذور الأنانية والجهل والخرافة واللامبالاة . وداهمني الحنين لمدرستي الأم ، من بعيد تراءت لي مؤسستي التربوية المواطنة ، بمدارس الحي المحمدي ، حيث الإصرار الفاتن على عشق المعرفة وتحدي الصعوبات وتجاوز عار الجهل ، كنا ننتظر بلهفة مناسبات العطل البينية وفرص خروجنا من روتين القسم والدروس التقليدية لنخطو خطواتنا الأولى في حلبات الإبداع الرحبة ، وليس سرا أن الكثير من الأسماء الوازنة في المجال الأدبي ببلادي تلقت أبجديات العمل الفني برحم المدرسة المهووسة بقيم الخلق والحرية والكرامة . وأخيرا ، انفتح قوس مشاكس تذكرت معه النداء الأخير لرجال الأمن والضابطة القضائية في وطني الحبيب ومطالبة مبدعي ومثقفي بلدي بالقيام بدورهم في التأطير والتعبئة لمواجهة الفكر المتطرف وحماية الشباب من متاهات الإرهاب الأعمى .. وابتسمت . تساءل سيزيف الجمرة الحارقة والكلمة المضمخة بعطر الغضب والتمرد والحلم بالممكن الأجمل ، ألم تقرأوا حقيقة جرح يحكم أغلب مجانين بلدي منذ عقود ؟ ألم تنتبهوا إلى عشقه الفاضح لوطن يحضر في جنونه بتجليات وجغرافيات وفية لهوية مغربية أصيلة ؟ ألم تدركوا أن الفنان المغربي يحتل الصفوف الأولى دفاعا عن عقلانية الحلم والوفاء لجمال الحرف المغروس في تربة روتها دماء الشهداء ؟ ألم تنتبهوا لتضحيات مجانين الكلمة المتواصلة دون قيد أو شرط ؟ !!! وبعد ، إن أردتم بناء مغربي الغد ، مواطنا عاشقا لوطنه دون شروط ، تحميه المناعة الفكرية من الوقوع في براثن الخرافة والتطرف والإرهاب والظلامية الحمقاء .. أعيدوا للمدرسة المغربية روحها وفلسفتها ومسرحها وفنونها وخيالها ونبل الإبداع الذي يخلق الإنسان .. وللأبد نقول : للإنسان فنٌّ يحميه وللمسرح فصل يهواه . !!!