المغرب ‬يحقق ‬فائض ‬المكتسبات ‬بالديناميةالإيجابية ‬للدبلوماسية    تصعيد جديد في صفوف الأطباء الداخليين يشلّ قطاع الصحة    هلال: تقييم دور الأمم المتحدة في الصحراء المغربية اختصاص حصري للأمين العام ولمجلس الأمن    زملاء وأصدقاء المدني يحتفون به "أستاذا عضويا" و"فقيها دستوريا" و"قامة علمية كبيرة" (فيديو)    أداء إيجابي يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    رغم ‬الجهود ‬الكبيرة ‬والأوراش ‬المهمة.. ‬معدلات ‬البطالة ‬ترتفع ‬في ‬المغرب ‬    فارق ضئيل بين ترامب وهاريس.. أمريكا تختار رئيسها ال47    هاريس في آخر خطاب لها: "كل صوت مهم في الانتخابات"    الانتخابات الأمريكية.. نحو 83 مليون شخص أدلوا بأصواتهم مبكرا    صاعقة برق تقتل لاعبا وتصيب آخرين أثناء مباراة كرة قدم في البيرو    القضاء يرفض تعليق "اليانصيب الانتخابي" لإيلون ماسك    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا        آس الإسبانية تثني على أداء الدولي المغربي آدم أزنو مع بايرن ميوني    إلياس بنصغير: قرار لعبي مع المغرب أثار الكثير من النقاش لكنني لست نادما عليه على الإطلاق    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    حملة لتحرير الملك العام من الاستغلال غير المرخص في أكادير    كيوسك الثلاثاء | المغرب يواصل صدارته لدول شمال إفريقيا في حقوق الملكية        الفاطمي يسأل وزير التجهيز عن مصير الأسر المهددة بالإفراغ من المساكن المخزنية بالجديدة    أولمبيك آسفي يرفض الحكمة كربوبي    هاريس تستهدف "الناخبين اللاتينيين"    ترامب أم هاريس؟.. إنطلاق انتخابات أمريكية حاسمة تهيمن عليها مخاوف كبيرة    بقيمة 400 مليون أورو.. المغرب يحصل على قرض لتوسيع ميناء طنجة المتوسط    استقرار أسعار النفط وسط غموض حول الانتخابات الأميركية    احتجاجا على الموقف السلبي للحكومة..نقابيو "سامير" يعتصمون أمام الشركة للمطالبة بإنقاذ المصفاة    ترامب يعد الأمريكيين ب"قمم جديدة"    استنفار أمني واسع بعد العثور على 38 قذيفة في ورش بناء    الهجوم على الملك والملكة ورئيس الحكومة: اليمين المتطرف يهدد الديمقراطية الإسبانية في منطقة الإعصار    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    على بعد ثلاثة أيام من المسيرة الخضراء ‮ .. ‬عندما أعلن بوعبيد ‬استعداد ‬الاتحاد ‬لإنشاء ‬جيش ‬التحرير ‬من ‬جديد‮!‬    افتتاح النسخة الثانية من القافلة السينمائية تحت شعار ''السينما للجميع''    «حوريات» الجزائري كمال داود تقوده الى جائزة الغونكور    نجم الكرة التشيلية فيدال متهم بالاعتداء الجنسي    ارتفاع درجات الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    دراسة: المغرب قد يجني 10 ملايير دولار من تنظيم "مونديال 2030"    نوح خليفة يرصد في مؤلف جديد عراقة العلاقات بين المغرب والبحرين    التساقطات المطرية الأخيرة تبعث الأمل في موسم فلاحي جيد    دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق انفرادي: على خطى جماعة بوكو حرام
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 05 - 07 - 2014


الفتيات المختطفات في شيبوك
أكثرهن حظا قفزن من سيارات الدفع الرباعي أو تشبثن بأغصان الشجر عندما تعرضت الشاحنة التي تقلهن لعطب على طريق المخيمات، حيث أجبرهن الخاطفون على النزول بعد رحلة ملتوية طويلة، كان ذلك يوم 14 أبريل. تم إخراج 276 تلميذة من نومهن في داخلية مدرسة شيبوك الثانوية، بعد يوم من الامتحانات على يد مجموعة كومندو الاسلاميين المسلحين في شمال نيجيريا.
هؤلاء المحظوظات رفقة صديقاتهن اللواتي أفلتن من الاختطاف تم نقلهن جميعا إلى مدينة مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو، على متن شاحنات وتحت حراسة أمنية بسيطة، عبارة عن رجال مرعوبين يطلقون النار في الهواء طيلة نصف يوم من السير بين شيبوك ومايدوغوري.
جئن لإتمام الامتحانات في عاصمة الولاية رسميا, لا توجد أي مدرسة مغلقة, والاعتراف بذلك سيعني انتصارا لجماعة بوكوحرام. في الحقيقة انتهت الدروس في المؤسسات التعليمية »»غير الاسلامية»« وهناك وحدات من العسكريين في الثانويات والجميع متحسر، يعتذر مندوب التعليم بولاية بورنو عن ذلك، وينخرط في شروح وتفسيرات معقدة حول مطالب جماعة بوكوحرام، ثم يعترف بأسف »»كان يتعين اتخاذاجراءات لتفادي تكرار الظاهرة« ,فقد تم تدمير 41 مدرسة في الولاية والتلاميذ الذين ينتظرون اجتياز امتحانات الشهادة الثانوية عليهم أن يلتحقوا بإحدى ثانويات ميادوغوري...
بمجرد العودة للحديث عن ليلة هجوم بوكوحرام, يبدأ الوجوم يظهر على الوجوه عندما دخل الرجال بالزي العسكري إلى قاعة نومهن، اعتقدت جميع الفتيات أن الأمر يتعلق بإجراء وقائي من الجيش، كانوا يؤكدون لهن« «هذا من أجل سلامتكن.. «وعندما بدأوا يصيحون : »»الله أكبر«« فهمت أنهم من جماعة بوكوحرام» »تقول إحداهن: أمر الخاطفون الفتيات بتحضير متاع بسيط، واخذوا كل المؤونة التي أمكنهم الاستيلاء عليها من المطعم وهو ما كان أكلهم العادي خلال الأيام التالية «»حليب، وعلب سمك,« لم تعد كلمات ديبورا سوى همسات، لكن الشابة البالغة من العمر 18، وفي اللحظة الحاسمة تحلت بشجاعة خارقة : بعد رحلة دامت ليلة ويوم وضع الخاطفون الفتيات في معسكر, «»كان هناك حوالي 100 رجل لحراستنا, تقول ديبورا، أمرونا بإعداد ما نأكل بأنفسنا مما حملوا معهم من مطعم المدرسة»« فيما بعد وبعد ما كلفوها بغسل الصحون والأواني عند إحدى نقط الماء، استطاعت الشابة الهرب، ومشت لساعات إلى أن التقت راعيا بدراجة نارية خبأها ليلة قبل أن يعيدها إلى ذويها.
في المجموع,تمكنت 57 فتاة من الهرب خلال اليومين الأولين, ومؤخرا تمكنت أربع فتيات من الافلات من قبضة مختطفيهن. وهكذا ماتزال 217 فتاة بين أيدي الخاطفين الذين يطلقون على جماعتهم اسم » «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»« والتي تسمى اختصارا »بوكوحرام« .
وعندما نشرت الجماعة شريطا يظهر الأسيرات وهن متجمعات يرتلن القرآن، شاهده سكان سيبوك عدة مرات, يقول أحدهم «»عملنا ليلا ونهارا مع العائلات، شكلنا لوائح بأسماء الفتيات اللواتي تعرفنا عليهن في الشريط، أحصينا 77 فتاة من أصل 119 اللواتي مازلن محتجزات، مازال ينقص الفتيات الأكبر سنا أو الأكبر جسدا اللواتي تم نقلهن إلى مكان آخر، لكن أغلب المحتجزات موجودات بالقرب من هنا في غابة»»سامبيسا»«.
الهاربات الأربعةوصلن بدورهن إلى مايدوغوري, لكنهن اختفين على الفور بمجرد محاولة لقائهن - السياسة دخلت على الخط، الفتيات عند حاكم الولاية للاستماع لتجربتهن, بعضهن أرسلن في الأيام الموالية إلى لاغوس, حيث تم عرضهن أمام الاعلام ووجوههن مخفية, ويجهل ما إذا كانت شهاداتهن مزعجة إلى درجة ابقائها سرية, أم أن تلاعبات ما تدخلت في هذه القصة. في أبوجا العاصمة تفيد عدة مصادر متطابقة أنه تم تفريق فتيات سيبوك إلى عدة مجموعات و»لتفادي تصفيتهم, كان يتعين الافراج عن جميع مجموعات الرهائن في نفس الوقت»، حسب مصدر دبلوماسي وهو ما أكده مصدر نيجيري قريب من المصالح الأمنية. «»في هذه المرحلة، إذ ما تم ترتيب عملية ما لتحريرهن، قد نفقد عددا كبيرا من الفتيات«.»
متمردو بوكوحرام ليسوا بعيدين عن مدينة شيبوك، لقد هاجموا قرى قريبة وقتلوا مجددا, حوالي 10 من عناصرهم قتلوا على يد ملشيات محلية يوم 16 يونيو. وفي رد فعل غاضب على الانتقادات الموجهة له أكد رئيس أركان الجيش أليكس باديه أن قواته حددت مكان
الفتيات اللواتي هز مصيرهن جزءا كبيرا من الرأي العام العالمي, كان ذلك في بداية يونيه، ثم بعد ذلك لا جديد. فالحكومة النيجيرية منشغلة أكثر في محاولة إسكات العائلات، في أبوجا منعت الحكومة التجمعات اليومية لأقارب المختطفات والمتعاطفين معهم تحت شعار «»أعيدوا لنا بناتنا ««.
خلال آخر تجمع للعائلات، تحدث ضابط متقاعد، و أحد أقارب عائلة من الضحايا، تحدث عن نوع من الإحباط في صفوف الجيش، قائلا «»اضطررت إلى طلب التقاعد بعد 32 سنة من الخدمة بلاشيء تقريبا. على الأقل من من حقي أن أتكلم. قبل أيام جاءني جنرال ليقول لي »توقف عن الاحتجاج سيتم حل مشكل هذا التمرد خلال 3 أسابيع. لكن الفيلق 7 المنتشر في ولاية بورنو التي توجد بها مدينة شيبوك) محبط. ولا يتم تعويضه بسبب الفساد. والمال يسرق بدل أن ينفق لإسعاف وانقاذ بناتنا«« ينظرون إليه كما لو أنه يعلن أمامهم أنه حكم على الفتيات بالإعدام.
تقف سيدة بوجه صارم، تأخذ الكلمة» »قلبي يحترق، لأن أمي اختطفت شهرا قبل فتيات شيبوك، كنت أتمنى أن يساعدوني، لم أحصل على أي خبر، لا أحد يساعدني، ليست لنا حكومة...««
يأخذ الكلمة آباء فتيات شيبوك وصلوا للتو إلى العاصمة, بعد رحلة مضنية على الطريق، أناس بسطاء يعتذرون لكونهم لا يستطيعون الحديث بالإنجليزية ولا الإفصاح عن أسمائهم خوفا من الانتقام من بناتهم. ما قالوه بسيط وقاس «الجنود يوجدون في الحواجز الطرقية يأخذون الأموال بدل البحث عن بناتنا. ولذلك نحن ذهبنا بأنفسنا إلى غابا سامبيزا. كنا نتوفر على معلومات، وصلنا بالقرب من مخيمهم، رزينا غبار سيارات متمردي بوكوحرام، وجدنا علب السردين فارغة التي أكلوها. قال لنا قائد محلي »لا تذهبوا أبعد، سيتقلونكم«, عدنا وناشدنا العسكريين لمرافقتنا، لا أحد منهم أراد المغامرة في الغابة««.
ترتفع الصرخات والدموع والاحتجاجات ضد السلطة السياسية والجيش، جو من الغضب يهب على المكان, تؤطره السيدة أوبي أكويزيلي، إحدى كبريات النساء في نيجيريا، وزيرة التعليم السابقة ومؤسسة منظمة ترانسباراني الدولية، اشتغلت مع جيفري ساش بهارفارد قبل أن تصبح نائبة مدير قسم افريقيا بالبنك الدولي، أغضبها عدم تحرك السلطات (الرئاسة ذهبت الى حد نعت الآباء بالكذابين)، وهي تقف وراء حركة «»أعيدوا لنا بناتنا» التي يعتبرها النظام واجهة تختبئ وراءها المعارضة للنيل من الرئيس غودلوك جوناتان في أفق الانتخابات المقبلة (فبراير 2015) التي يتوقع أن تتم في أجواء سيئة.
أوبي ازيكويزلي لا تتحدث عن الانتخابات، وإنما عن ألم جميع آباء المخطوفات في بلد يبدو غير مهتم بالانتخابات. لذلك فهي تردد »لا يجب البقاء في مرحلة اليأس، نحن أقوياء، لأننا مواطنون,« بعد مرور أيام سيتم الإجهاز على ساحة الدموع والغضب هاته، غضبت السلطة لكون العالم أجمع تعاطف مع مختطفات شيبوك، وكشف ذلك شلل قوات الجيش.
وصلت مجموعة من المستفزين إلى ساحة الوحدة، رجال أشداء قدموا أنفسهم كمتطوعين, جاؤوا لمؤازرة عائلات المخطوفات... في اليوم الموالي اندلعت بعض المواجهات، دمرت بعض الكراسي البلاستيكية، وكسر مكبر الصوت, تلا ذلك زحام، وفي سياق هذه التطورات تم منع أي تجمع. وهكذا أصبح آباء الفتيات المفقودات في شيبوك مكرهين على الصمت.
وحوش مايدوغوري
في شوارع مايدوغوري، كانت الجماعة الاسلامية »بوكو حرام« تفرض قوانينها حتى منتصف 2013 ، عندما طرد أعضاؤها على أيدي ملشيات محلية, وهي صيغة »أمنية« لتحالف قوى الأمن المكلفة بمحاربة عناصر بوكوحرام.
وعندما تمكنت هذه العصابات التي استقطبتها ومولتها السلطات السياسية المحلية، من السيطرة على الأحياء، سقط العديد من القتلى. بعض المصادر من الحكومة المحلية تتحدث عن 600 عملية قتل. وتحدثت منظمة أمنيستي سنة 2013 عن »مئات« من الضحايا، فر الناجون من جماعة بوكوحرام نحو المناطق القروية أو نحو البلدان المجاورة، لكن بعضهم عادوا مرة أخرى. ويشير مصدر قريب من المتمردين «أنه حتى الآن، ترك مايدوغوري آمنة، هو خيار (لقادة بوكو حرام)، في وقت ما سينتهي هذا الوضع ربما ستقع مفاجآت خلال شهر رمضان...«.
في خضم الحرارة التي تسبق انتهاء موسم الأمطار، تبدو مدينة مايدوغوري آمنة، حيث تم فتح شبابيك بنكية أوتوماتيكية في وسط المدينة، وتم تأخير وقف إطلاق النار إلى التاسعة ليلا، لكن في الأحياء الهامشية، فإن المناخ العام هو مناخ حرب أهلية. في حي زوناري، قبل رجل الحديث عن تجاوزات الجيش والمليشيات المدنية، وهو يظهر جرح ابنه بالرصاص, »عالجناه عن طريق بعض المعارف. ففي المستشفى يعتقلون الجرحى، حيث لا نراهم بعد ذلك، وهو ما أكده طبيب طلب عدم ذكر اسمه.
في حي كاليري المجاور، لم يبق سوى بعض السكان، ويحكي أحد الأشخاص أنه بعد تفجير قنبلة «»أصيب الجنود بغضب جنوني« «أطلقوا النار على ابن أخيه قتل على الفور، ابنه محمد رفضوا حتى تسليمهم جثته، يقول إنه أحصى »أكثر من 40 شخصاً قتلوا في الحي« «في مركز عسكري مجاور يحاول ضابط متوتر طرح أسئلة والتحقق من الهوية وإشعال سيجارة دون وضع سلاحه ودون أن تغادر عيناه الصحفي الأجنبي، ليصدر حكمه »»علي أن أنبهكم، هنا الأشرار في كل مكان، أنا لا أعرفهم، وأنتم لا تعرفونهم. ولكنهم يروننا وفي أول فرصة سيختطفونكم أو يطلقون علينا النار, هذه هي مايدوغوري«.
في عاصمة ولاية بورنو، لم يعد الأمر يتعلق بالحديث عن مشتبهين والأسئلة ممنوعة. ويؤكد أحد المدافعين عن حقوق الإنسان» »تم اعتقال 4200 شخص خلال السنة الماضية... لا نعرف من تمت تصفيته ومن لايزال معتقلا في معتقلات القواعد العسكرية«« وعمليات الإفراج الوحيدة تمت عندما هاجمت بوكو حرام هذه المعسكرات، كان آخرها في مارس, حيث تعرضت ثكنة جيوا لهجوم، حيث تم الإفراج عن 1600 معتقل من بينهم عناصر من بوكو حرام عادوا للقتال, وأبرياء تمت تصفيتهم.
وتؤكد عناصر الملشيات المدنية, أنها نجحت حيث فشل الجيش، و »ظهرت« أحياء بأكملها, حيث التحق بهم بعض المتمردين العائدين، كما يوضح أحد قادة المسليشيات» »نعرف من يحضر خطب (محمد يوسف زعيم الحركة الاسلامية المتطرفة)، نعرف من كان متورطاً في اغتيالات مايدوغوري، نعرف بعضنا البعض واستطعنا قلب اتجاه الخوف.
هذا الزعيم المحلي للمليشيات مهنته محاسب, يقوم بمهام تقليدية وله قدرات خارقة، ولكنه في العالم الواقعي هو كذلك, قريب بالمصاهرة لزعيم بوكو حرام السابق الذي قتلته قوات الجيش سنة 2009. عبد الله يوسف زعيم المليشيا المحلي يؤكد أن «الرجل الذي يمثل جماعة بوكو حرام في أشرطة الفيديو، أبو بكر شيكو، ليس هو شيكو الحقيقي، لقد جاء مع يوسف خلال سنوات لزيارة والداي ولم يكن نفس الشخص. أبو بكر شيكو الحقيقي جرح سنة 2012 وتوفي بالكاميرون. والرجل الحالي الذي يظهر في أشرطة الفيديو التي تظهر فيها فتيات شيبوك رجل آخر««. وتتحدث العديد من المصادر في المدينة عن هذا الموضوع. ولكن أين تكمن أهمية ذلك؟ يعترف زعيم المليشيا المحلي، في الأثر البسيكولوجي, «»بوكو حرام» لم تعد حركة وحيدة إنها خلايا متعددة، ولو أنهم يريدون أن يظهروا أن زعيمهم واحد شيكو المزور ومثل هؤلاء كثيرون« ويثيرون الفزع وهذا هو هدف العملية.
في الأزقة, تتوفر المليشيا على حواجزها الخاصة والمليشيات تتوفر على أسلحة بيضاء وبنادق صيد وهراوات... وفي مدخل المدينة يشهر طفل نسخة من سلاح M16 منحوثة على الخشب اللين، لا أحد يضحك من ذلك، إنه سلاح »أسطوري« يجلب الحماية ويثير خوفاً كبيراً في صفوف أعدائهم في جماعة بوكو حرام الذين يولون بدورهم أهمية لهذه الممارسات رغم أن الخلفاء الراشدين الذين يدعي أفراد بوكو حرام اتباعهم ,يحرمونها...
ومنذ أن ربحت المليشيات المدنية معركة مايدوغوري، أكثر حاكم الولاية من الإطراء والثناء تجاهها، حيث وصفها ب» »المفاجأة الإلهية««، كما لو أنه لا يعرف شخصياً أن حركة المليشيات ممولة من طرفه. ويضيف أحد مستشاري حاكم الولاية «»تتذكرون سيدي قبل بضعة أشهر، كنا في هذه الغرفة، وكنا نحصي الانفجارات عبر المدين. 18انفجاراً في يوم واحد! هؤلاء الشباب أعادوا الهدوء للمدينة (يعني المليشيات).
لكن في البوادي، كان ثمن استعادة السيطرة على عاصمة الولاية باهظا من خلال تصاعد المجازر. يوضح ذلك رئيس كنيسة مايدوغري «عندما تم طردهم من المدن، بدأوا يتحركون في القرى» الاخطر في الامر ان سكان القرى هم رهائن هذه الوضعية. «عناصر بوكرحرام يذبحون القرى التي تتشكل بها لجان المليشيات المدنية لمواجهتهم، بالمقابل يعتبر الجيش ان القرى التي يرفض سكانها تشكيل ملشيات مدنية هم من أنصار بوكو حرام وبالتالي هم هدف مشروع««.
حاكم الولاية كاشيم شيتما يفضل رؤية التمرد المضاد من جانبه الايجابي. الحاكم يستعد لإعادة انتخابه ويمول بسخاء حملته الانتخابية. وعلى بعد 8 اشهر من الانتخابات التي ربما لن تتم، يؤكد الحاكم ان بوكر حرام هي نتاج للفقر وربما كذلك نتاج لانعدام التربية، ويخلص من ذلك الى التأكيد على ضرورة تحقيق وانجاز التنمية في هذه الولاية بشكل خاص وفي كل نيجيريا, البلد الكبير الذي يتكون من 170 مليون مواطن.
هذه التفاهات تخفي الأهم. أولا المشكل هو التربية «الغربية» أو على الاقل التربية التي لا تستند على الشريعة وهو مشكل عميق وحقيقي في شمال نيجيريا، ويؤكد أحد أعيان مايدوغورو «لازلنا نتذكر انه إبان الاستعمار كانوا يأخذون الاطفال قسرا ويجبرونهم على الذهاب إلي مدارس البيض. ولكن الى جانب هذه الجدور العميقة التي غدت نشأة جماعة دينية تحولت الى العنف تدريجيا مع توالي القمع، فإن بوكو حرام تقوت واغرت بسبب علاقاتها مع السياسة المحلية منذ بروزها في النصف الاول من سنوات 2000.
فحاكم ولاية بورنو السابق علي مودو شريف ترك بصمتين في الولاية: أولا قصرا يتجاوز في جماله وروعته حماقات قصور ملوك البترول النيجيريين في لاغوس، وذلك في ولاية تعد من افقر ولايات البلاد. ومن جهة أخرى بتسهيل صعود بوكر حرام في مايدوغوري باموال هائلة قبيل انتخابات 2005 بهدف الحصول على مساعدتهم من أجل فوزه.
لكن جماعة بوكر حرام لم يكن لها فقط علي شريف كمصدر للتمويل. في البداية قاموا بسرقة ابناك, حيث وقعت مابين 200 الى 300 عملية سرقة للبنوك في مجموع البلاد ومع زيادة الاجراءات الامنية، قلت الموارد في خزائن الحركة. وبالتالي تحولوا الى عمليات خطف الرهائن, وبطبيعة الحال تحولوا نحو الاموال الكثيرة التي تغرق السياسة في نيجيريا على كل المستويات.
ويختم مصدر أمني قائلا: »ربما هناك أيضا بعض الاموال من الخليج، لكن بوكو حرام ليست حركة جهادية دولية, بقدر ماهي تعبير عن مشاكل محلية.
ولذلك, فإن علي مودو شريف عائد، هو مرشح لمنصب سيناتور محلي, وفي أفق الانتخابات ماذا يفعل؟ يمول فصيلا من الملشيات تحمل نفس اسم الملشيات التي يمولها خليفته وعدوه اللذوذ.. أي أن لكل واحد ملشياته. وكل هذه الملشيات حسب احد اعيان المدينة هي «الغول القادم بعد بوكو حرام، وكلاهما من صنع محترفي وعرابي السياسة النيجيرية.
هذه النار التي تتسع
على متن سيارة صغيرة، لم يعد زجاجها الخلفي يفتح، قطعت 300 ألف كلم حسب عدادها، ومحرك يتطلب تبريده بسكب المياه والوقوف باستمرار، لكن رغم ذلك، فسيارة »أوبل« تبقى سيدة الطريق في مايدوغوري.
السائق يحاول ما أمكن السير بسرعة تصل في بعض الأحيان 180 كلم في الساعة، بالرغم من الزحام والحيوانات والسيارات التي تتجاوز في أي لحظة دون أدنى اعتبار لمن هو قادم في الاتجاه المعاكس. لكن شيطان السرعة والخوف من وقوع الحوادث ليسا شيئاً بالمقارنة مع فكرة مجنونة لكنها ليست مستحيلة تتمثل في أنه إذا خففت السير، فإن احتمالات السقوط بين أيدي رجال بوكو حرام تكبر.
في بعض المرات أيضاً,عناصر بوكو حرام لا تظهر. في مدينة بوشي التي تبدو مثل العديد من المدن في نيجيريا آهلة بالسكان والنفايات. في اتجاه مدينة كانو, هناك رجل يبيع السيارات, كانت له قصة مع رجال بوكو حرام في مناسبتين، ذات يوم اختطفوا والده.
يحكي أحد أصدقاء صاحب ورشة السيارات قائلا: نصب نفسه مفاوضاً للإفراج عن والده وذهب للقاء رجال بوكو حرام على بعد بضع كلمترات، طلبوا منه 90 مليون نايرة (العملة في نيجيريا). كان المبلغ كبيراً اتفقوا على 20 مليون نايرة (90 ألف أورو) تؤدى على 10 دفعات، دفعة كل أسبوع، وفي آخر الدفعة الأخيرة أفرجوا عن والده. لكن بعد مرور شهر، أخذوه مجدداً من باب الورشة، ذهب للقائهم وقال لهم: »حسناً احتفظوا به...! ردوا عليه: »آه، في هذه الحالة، سنحرق ورشتك، اضطر للاقتراض وأدى الفدية مرة أخرى، والآن هو يعيش الإفلاس...«.
بعد بلدة بوشي، لم تعد مايدوغوري تبعد سوى 5 ساعات، إذا كان السائق يسوق بسرعة ويبقى ذلك رهيناً أيضاً بالانتظارات على نقط التفتيش الكثيرة. شحادون وبائعو الماء يظهرون من أي مكان للحصول على شيء ما من زبناء هذه السيارات والحافلات والشاحنات.
بالنسبة لكل هؤلاء، رجال الشرطة والجنود على الحواجز يفترض أن يكونوا سنداً لا محيد عنه في هذه الطريق غير الآمنة، لكنهم في الحقيقة يبدون كممثلين بخودات ثقيلة مرة بوجوه منشرحة ومرة بسلطوية صارمة.
تداهن بالسيارة من أجل الحصول على بعض المال, سواء بالتهديد أو الاستعطاف أو الإغراء... إنهم عطشى، إنهم خائفون. لقد تم التخلي عنهم أمام عدو يفاجئهم دائما وغالبا يقتلهم قبل أن يستوعبوا ما يجري: هم ليسوا من أبناء الشمال, لا يتكلمون أي لغة من لغات هذه المنطقة (الهاوسا، كانوري)، وانجليزيتهم الجنوبية لا تفهم تماما.
وينتظرون، محصورين وراء أكياس رملية بسيطة، ساعة التجمع في قرى حيث يضطرون للسكن في أكواخ أو خيام بالقرب من الجدران المفحمة لمراكز الشرطة أو تكناتهم التي تحمل آثار هجمات بوكوحوام. المتمردون تمكنوا من اختراق الجيش، يعدون هجماتهم بدقة وهي هجمات قاتلة.
عند الاقتراب من مدينة مايدوغوري أصبحت آثار التدمير أكثر وضوحا, هناك ثقوب في جدران البيوت، أعمدة كهرباء محطمة، مولدات كهربائية مدمرة، وآثار حرائق على الأرض, حيث انفجرت القنابل وأشياء أخرى تطورت أعدادها ونوعيتها خلال الأشهر الأخيرة.
في بلدة بني الشيخ, على بعد حوالي 50 كلم من مايدوغوري، رائحة البارود تلف الأجواء، أغلب المنازل فارغة، وما تبقى من سكان البلدة تم تجميعهم حول مقر المليشيا المدنية التي شكلتها الحكومة. المعارك مع بوكوحرام دمرت ما تبقى من البلدة. على هذا الجزء من الطريق لا بائعات ماء ولا جنود، رعاة يدفعون قطعانهم من البقر نحو مراعي جافة أكثر فأكثر، السيارات تسير هنا بأقصى سرعة ولا تخففها تحت أية ذريعة.. لماذا هذا الجزء من الطريق يثير الخوف؟
الجواب سنجده في مايدوغوري عند مصدر له معرفة جيدة ببوكوحرام. »هناك عدة مناطق يتواجد بها المتمردون بقوة. نحو شمال الولايات في اتجاه تشاد, ولكن أيضا نحو الجنوب في مناطق مجاورة لمدينة شبوك في غابة سامبيزا وبين الاثنين تمر طريق قديمة للهجرة الموسمية (لقطعان المواشي). على هذه الطريق التي لا تكاد تتحرك فيها سيارات عناصر بوكوحرام , خاصة في الصباح أو مع نهاية النهار, يجب تفادي لقائهم عند ما يمرون، إنهم يقتلون كل من يقترب«.
وسط هذا الحمق، تتوقف السيارات العاقلة في مايدوغوري، ووحدها الشاحنات هي التي تغامر بالسير أبعد لإيصال البضاعة على طول طرق القوافل القديمة التي تمر عبر الدول المجاورة (خاصة وأن الحدود نظريا مغلقة) ثم هناك بوكوحرام المتواجدة في هذه الفضاءات التي لا تغامر قوات الأمن بدخولها.
أحد رجال الأعمال من مايدوغوري الذي يواصل زيارة زبنائه في المنطقة.
لا يركب هذه الطريق دون أداء الصلاة وأخذ حزمة معتبرة من الاوراق النقدية، والجندي الذي يتصبب عرقا منذ الصباح. قد يجد بعض الفرحة والرغبة في الحياة بفضل هذه الاتاوات البسيطة, وبالمقابل إعطاء المعلومة التي تحدث الفارق.» »في سبتمبر عندما كانت الهواتف النقالة مقطوعة في مايدوغوري بسبب حالة الطوارئ, الجميع أصيب بالجنون، الناس ركبوا سياراتهم وذهبوا الى داماتورو (على بعد 130 كلم) لإجراء مكالمة، لأنه كانت توجد هناك تغطية هاتفية، كثير منهم قتلوا على يد بوكو حرام على الطريق..«
هذا التاجر هو نفسه من الناجين من هذا المقطع الطرقي، ذات يوم أخبره أحد الجنود عند نقطة للمراقبة بأن مجموعة تقدر ب 200 متمرد شوهدت في الغابة, غير بعيد، تحاشى أخذ طريق العودة. في نفس اليوم. لحسن حظه، في نهاية النهار, كانت المجزرة جارية »»رأى اثنان من اصدقائي عناصر بوكو حرام قادمة، كانوا آخر من مروا بفضل السرعة, وبقوا أحياء, وكل من أتى بعدهم قتل، كان رجال بوكو حرام يلبسون الزي العسكري كانوا يوقفون السيارات كما في حاجز عادي، ثم يقتلون الجميع حتى الذين يحاولون الفرار في الادغال.
وفي ذلك اليوم من شتنبر 2013 ذكرت عدة مصادر أن حوالي 200 شخص قتلوا على تلك الطريق, »كانت السيارات هناك محترقة، طبعا السيارات التي لم يأخذوها، كان المشهد مأساويا, يهمس سائق السيارة، الذي لم يتخل عن السفر «اذا توقفت، بماذا سأعيش؟ انها مسألة حياة بالنسبة لي.»
رجال بوكو حرام أو مختلف المجموعات المشكلة لها, أو التي تتحرك تحت هذا الإسم الذي أصبح مشهورا عبر العالم، لا يقتصرون على قتل الركاب على الطرقات، بل يتم تنظيم حملات في القرى انطلاقا من غابة سامبيزا وحيث ينتهي الغطاء النباتي، تبدأ الهجمات خاصة نحو الحدود الكاميرونية في ضواحي غوزا، حيث تعرضت كنيسة لهجوم يوم 1 يونيه خلفت 13 قتيلا.
في الغابة، حيث يعتقد أن جزءا من الفتيات المختطفات يوم 14 أبريل محتجزات هناك, أنشأ المتمردون قواعدهم على مر السنوات، والمجموعات المسلحة لا تغادرها إلا للقيام بغارات على القرى أو تنفيذ مجازر، إنهم يحمون أنفسهم عبر الرعب. لم يحاول الجيش النظامي القيام بأي هجوم واسع ضدهم, والسبب «»آخر عملية انتهت بكارثة. قبل اشهر سقطوا في منطقة مزروعة بالالغام ثم في كمين، فقدوا 17رجلا، وأقسموا ألا يعودوا الى هذه
الغابة مرة أخرى»« يقول أحد المقربين من القيادة العسكرية بالمنطقة.
لكن الخوف ليس محصوراً خارج مايدوغوري. في يناير، تعرضت القاعدة الجوية للمدينة لهجوم، ويقول مصدر دبلوماسي: »لو كان هناك طيارون، لأخذوا معهم المروحيات«. وبدل ذلك، دمروا المروحيات وبثوا على الأنترنيت شريط هذه الأحداث. ويحكي عسكري آخر في مايدوغوري عن الخوف من هجوم آخر. في المرة الأخيرة كان الهجوم قبل يومين, »قضينا الليل ننتظر هجوماً وصلت بشأنه معلومات، اضطررنا لشرب القهوة حتى نبقى متيقظين، لكن لم يقع شيء«.
جماعة بوكو حرام أصبحت في النهاية تشكل خطراً على الجيش, بغض النظر عن هذه الهجمات: فالجنود النظاميون يتقاضون أجوراً هزيلة وتجهيزاتهم ضعيفة لا يريدون القتال. والضباط الكبار حولوا الجزء الأكبر من الموارد الضخمة المخصصة لمواجهة بوكو حرام: ميزانية الأمن تضاعفت تقريباً سنة 2014 لتصل إلى 1000 مليار نايرة (حوالي 4,5 مليار أورو).
وهكذا، كما يحلل ذلك أحد المقربين من مصالح الأمن النيجيرية، فإن »الغضب وصل إلى الثكنات، وسيطرح ذلك في النهاية مشاكل مع اقتراب الانتخابات (فبراير 2015). الجيش تعرض للإهانة، ويعتقد أن السلطة المدنية هي المسؤولة عن هذه المشاكل، ومشاريع الانقلاب العسكري قد تنضج، كما حصل سنة 2010 (خلال الأزمة السياسية التي أعقبت وفاة الرئيس الأسبق عمرو يار أدوا)، ولامحالة هذا ما تأمله جماعة بوكو حرام، أي المزيد من عدم الاستقرار...«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.