حوالي 370 ألف مغربية ومغربي، وفقا لأرقام تقريبية، أغلبهم متقدمون في السن، أي أن عمرهم يتجاوز 60 سنة في أغلب الحالات، جلّهم من النساء بمعدل 9 نساء مقابل رجل واحد، يعيشون تداعيات صحية ونفسية متعددة الأوجه والأبعاد، نتيجة لضعف أو افتقاد الدموع من جهة واللعاب من جهة أخرى، بسبب إصابتهم بمرض لم يكونوا على علم واطلاع بتفاصيله قبل أن تظهر علاماته على أجسادهم، ويتعلق الامر بمتلازمة «جوغرين» او ما يصطلح عليه بمرض «النشوفية» . متلازمة «جوغرين» هي أحد أنواع أمراض المناعة الذاتية، وأحد الأمراض الرومتويدية الأكثر انتشارا، ولكنها الأقل تشخيصا من بينها، وتقدر نسبة انتشارها بحوالي 0.5%، وذلك وفقا للإحصائيات الوبائية التي تم إجراؤها في عدة دول أوروبية. وتظهر متلازمة «جوغرين» بالأساس عند النساء، اللواتي تشكل نسبة الإصابة في صفوفهن 90 في المئة من المصابين مقارنة بالذكور. ووفقا للمختصين فإن المرض يظهر بالأساس في الفترة ما بين 40 و 50 سنة، ولكنه يمكن أن يظهر أيضا في سنوات عمرية قبل ذلك، لكن بنسب قليلة جدا. وتعرف متلازمة جوغرين، باسم آخر كذلك وهو متلازمة الجفاف، بسبب الجفاف في الأغشية المخاطية المرافق لها، وينقلب خلال الإصابة بالداء جهاز المناعة عند الإنسان الذي يكون على عاتقه حماية الجسم من المكروبات و الفيروسات، إذ يهاجم مكونات الجسم السليمة كما لو أنها أجسام غريبة، و.يمكن أن يطال هذا المرض عدة أعضاء أخرى منها المفاصل و العضلات والرئتين والأعصاب و الكبد، كما أنه يرفع احتمال الإصابة بأمراض سرطانية لمفاوية إلى أربعين مرة، فضلا عن أن الأجنة هي الأخرى قد تصاب بمشاكل في القلب في بطن أمهاتهم الحوامل نظرا لاحتمال مرور الأجسام المضادة التي تصاحب المرض من الأم إلى الجنين عبر المشيمة. يعاني مرضى «النشوفية» من مضاعفات عدة متعددة في ظل غياب ثقافة صحية توعوية، وفي ظل غياب علاج نهائي، هذا في الوقت الذي تعرف السوق الدوائية تعثرا في منح أدوية ملائمة لحالاتهم ، عكس الواقع في دول أخرى، الأمر الذي يدفع المتخصصين إلى إثارة الانتباه لخطورة الداء ولتمظهراته المختلفة على صحة المواطنين، في غياب أرقام رسمية حول مدى انتشار المرض بشتى تجلياته وتداعياته الصحية. ما المقصود بمتلازمة جوغرين؟ متلازمة «جوغرين» أو المتلازمة الجفافية ، هي مرض من أمراض المناعة الذاتية الجهازية التي لا تقتصر على عضو واحد بل تطال أعضاء عدة، لكن أهم ما يميزها أنها تصيب خصوصا الغدد الخارجية الإفراز ، وبالأخص الغدد الدمعية واللعابية، لذلك نجدها مرتبطة وبشكل خاص بجفاف العين وجفاف الفم. وقد سمي المرض بهذا الاسم نسبة إلى السويدي، الدكتور «هنريك جوغرن» طبيب العيون الذي هو أول من وصف هذه الحالة في سنة 1933 عندما كان يعالج مجموعة من النساء اللواتي كن يشتكين من آلام في المفاصل المصحوبة بجفاف بالعيون والفم. هل يعني ذلك أن أمراض المناعة الذاتية هي متشابهة؟ أمراض المناعة الذاتية الجهازية تتشابه في ما بينها، لكن لكل منها ملامحها الخاصة التي تميزها عن غيرها، فإذا كان جفاف العيون و الفم هو نواة متلازمة جوغرين، فإن الأمراض الأخرى التي تشبهها لها مميزاتها الخاصة مثل الالتهاب المزمن لمفاصل اليدين مع إمكانية إتلافها، الشيء الذي يميز الروماتيزم الرثياني، والحساسية المفرطة للشمس مع إمكانية إصابة أعضاء أخرى خصوصا الكليتين، الشيء الذي يميز الذئبية الحمراء. كيف يحدث هذا المرض؟ جفاف العيون وجفاف الفم الذي هو في صدارة متلازمة جوغرين، ينتج عن التهاب في الغدد الدمعية والغدد اللعابية من بعد مهاجمتها من طرف جهاز المناعة الذي لم يعد يميز بين مكونات الذات وماهو خارج عن هذه المكونات، إذ ما يسبب جميع أمراض المناعة الذاتية وهو فقدان جهاز المناعة أهم خواصه المتمثلة في تقبل مكونات الجسم التي يحتضنها و عدم مهاجمتها. هل هناك إحصائيات عن أعداد المرضى، وهل يصيب فئة بعينها؟ يمكن أن يصيب هذا المرض جميع الأشخاص من جميع الأعمار، لكن النساء هن الأكثر تضررا منه مقارنة بالرجال، إذ أنه من بين عشرة أشخاص مصابين بمتلازمة «جوغرين» نجد رجلا واحدا في مقابل 9 نساء ، خصوصا من هن في سن الخمسينات واللواتي هن في سن اليأس. لا يعرف بالضبط عدد المصابين بمتلازمة «جوغرين» نظرا لأن جفاف العيون والفم له مسببات كثيرة ليست دائما مرتبطة بهذا المرض، والمشكل في المعايير التشخيصية له، لكن يمكن أن أؤكد على أن هذا المرض يصيب 0.5 في المائة من الناس ، ويأتي في المركز الثاني في الأمراض الالتهابية المزمنة بعد الروماتوييد. 50 في المائة من حالات الإصابة تكون بمعزل عن أمراض أخرى للمناعة الذاتية، ونسمي ذلك مرض «جوغرين» أو متلازمة جوغرين الأولي، و في النصف الثاني من الحالات المتبقي، يكون المرض ثانويا ، أي مصاحبا لمرض آخر مناعي ذاتي، إما عضويا أو جهازيا يطال أعضاء عدة. كيف يمكن لهذا الداء أن يؤثر على أعضاء أخرى من الجسم، كالمفاصل والعضلات، والأعصاب والرئة، والكلى، والكبد ..؟ كما سبق وذكرت فإن مرض «جوغرين» هو مرض مناعي ذاتي جهازي يصيب خصوصا الغدد اللعابية والدمعية، لكن من الممكن أن يؤثر على غدد أخرى خارجية الإفراز مثل الغدد التي تفرز العرق و الزهم على صعيد الجلد، و غدد المعدة. ولا ينحصر مشكل الداء في الغدد، بل يحدث آلاما و التهابا في المفاصل وفي العضلات ويمكن أن يؤثر على الرئتين والكبد، وفي بعض الحالات النادرة يحدث المرض اضطرابات على صعيد الأعصاب و الدماغ. وتكمن الصعوبة في تشخيص هاته الحالات إذا كان المريض لا يشكو من جفاف العيون والفم، وهما العلامتان المهمتان لتشخيص المرض، حيث تغيب في بعض الحالات هذه الخصائص المميزة المؤشرة على المرض، مما يعسر عملية التشخيص. هل هناك أية أعراض أخرى تدل على إمكانية الإصابة بالمرض؟ من أشهر الأعراض نجد النقص في كمية الدموع واللعاب مع إمكانية انتفاخ الغدة النكفية والغدة اللعابية تحت الفك السفلي، ونادرا ما تكون سببا في انتفاخ الغدة الدمعية، بالإضافة إلى الإحساس بالإعياء المفرط والمتواصل. ما هي تداعيات ذلك؟ يمكن لجفاف العين أن يسبب تقرح القرنية، كما أن نقص اللعاب يؤدي إلى صعوبة في المضغ والبلع مع تغير في الإحساس بمذاق الأطعمة، فضلا عن إمكانية إصابة الفم بالفطريات وتسوس الأسنان. بالإضافة إلى ذلك يكون جفاف الجلد مسؤولا عن ظهور حكة وبروز طفح جلدي، ناهيك عن جفاف المهبل الذي يكون هو الآخر جد مزعج. وتجدر الإشارة إلى أن هناك تباينا كبيرا بين المرضى في حدة الجفاف، إذ في بعض الحالات المفرطة يصعب على المريض فتح عينه تلقائيا عند القيام من النوم، لهذا فهو لا بد أن يستعين بيديه لتحقيق ذلك. وإذا كانت كمية اللعاب ضئيلة، فإن الأطعمة تلتصق آنذاك باللسان معيقة عملية المضغ، خصوصا بالنسبة للأطعمة الجافة، إلى جانب آلام في الفم تزعج المريض في نومه والتي قد تحرمه من لذته. تحدثم عن نوعين من الداء، فما هي الخطوات المتبعة في كل منهما؟ هذا المرض ، وكما قلت آنفا ، يتسم بميزة خاصة ، إذ انه يمكن أن يصاحب تقريبا جميع الأمراض المناعية الذاتية، سواء منها الخاصة بعضو واحد أو المنتشرة في أعضاء عدة (الأمراض المناعية الجهازية ) مثل التهاب المفاصل، الروماتويدي والذئبة الحمراء. هذا النوع يسمى بالثانوي، والمرض الرئيسى هو الذي يحاط بالأهمية و تكون له الأولوية في استراتيجية العلاج و المتابعة، وفي نصف الحالات يكون المرض أوليّا أو غير مصاحب لأي مرض مناعي و نسميه مرض «جوغرن» . في بعض الحالات النادرة يكون هناك حدوث لمرض مناعي ذاتي جهازي آخر لاحقا في سياق تطور المرض. وحتى يمكن تشخيص الداء، لا بد من اختبارات لتقييم إفراز الدموع واختبارات للدم للبحث عن أجسام مضادة متخصصة توجد عند المصابين بهذا المرض، وقد يتم التشخيص من خلال أخذ عينة دقيقة من الشفة لفحصها. ما هي الأسباب الرئيسية المسببة لهذا المرض ؟ الأسباب الأولية لهذا المرض غير معروفة، لكن تشترك أمراض المناعة الذاتية في أنها أمراض متعددة العوامل، منها المحيطية ومنها الجينية. جل أمراض المناعة الذاتية تصيب النساء بدرجة أولى، لذلك يشتبه في أن الهرمونات النسوية تهيج جهاز المناعة لمهاجمة أعضاء الجسم، إذ في حالة متلازمة «جوغرين» تتم مهاجمة الغدد الخارجية الإفراز. كما يشتبه كذلك في وقوع المرض عند الحمل من خلال مرور خلايا الجنين عبر المشيمة إلى الأم، وتتمركز هاته الخلايا في أنسجة الأم لفترة طويلة تمتد في بعض الأحيان إلى 50 سنة، ولا يعرف لماذا يعتبرها جهاز المناعة بعد احتضانها ، أجساما غريبة وتتم مهاجمتها مع الأنسجة التي تضمها. و تتضمن الأسباب ، كذلك ، بعض الالتهابات الفيروسية والبكتيرية التي تؤدي إلى المرض لكن شريطة أن يكون هناك تأهب جيني له. وهناك بعض العوامل التي تزيد من مخاطر الإصابة بالمرض من قبيل وجود إصابة بأحد الأمراض الروماتيزمية ، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، الذئبة الحمراء ، تصلب الجلد. ما هي العلاجات المتوفرة لحد الآن؟ لا يوجد علاج قطعي للمرض، لكن يمكن السيطرة على الأعراض التي يشكو منها المريض، حيث يستعان ببدائل الدموع للتخفيف من معاناة جفاف العيون وحمايتها، كما تتوفر كذلك مراهم للعين للاستخدام الليلي. ومن المهم تجنب تيارات الهواء القوية والدخان ، وأجهزة تكييف الهواء، والهواء الجاف داخل المنزل باستخدام مرطب للجو. كما أن اللعاب المتسبب في جفاف الفم هو أكثر صعوبة في علاجه، ويمكن رش بدائل اللعاب داخل الفم، ونظرا لأن البكتيريا تتكاثر في الفم عندما يقل اللعاب، فإنه من الضروري المحافظة على صحة الفم، مع تجنب بعض أنواع معجون الأسنان التي تزيد من جفاف الفم ، خصوصا تلك التي تستعمل لتبييض الأسنان. هل هناك خطوات وقائية يمكن القيام بها؟ لا توجد وقاية ممكنة لهذا المرض، لأن أسبابه غير معروفة، و الأسباب المحتملة لا يمكن السيطرة عليها. كما أن أكبر خطر يواجهه المرضى في النوع الأولي من المرض هو حدوث سرطانات الغدد اللمفاوية. ويمكن بالمتابعة الملائمة التنبؤ بهذا المشكل ومعالجة المرض في المراحل الأولية منه. بالإضافة إلى ذلك، يجب الانتباه أثناء الحمل إلى مشكل من نوع خاص، إذ يمكن للأجسام المضادة أن تخترق المشيمة مخلفة أضرارا في قلب الجنين، وبالتالي يجب مراقبة قلب الجنين في بطن أمه طول مدة الحمل، هذا الطارئ يستوجب اتخاذ تدابير معينة يمكن أن تصل إلى حد زرع جهاز تنظيم دقات القلب عند الولادة.