قرأت عددا كبيرا جدا من المقالات والتحليلات والأخبار والتعليقات، وشاهدت عشرات البرامج التي تتحدث عن علاقة قطر بالتطرف الإسلامى ،وخاصة بجماعة الاخوان المسلمين،وبعد كل هذه القراءات والمشاهدة مازالت أسباب دعم قطر للإخوان وللتيار الإسلامي عموما تمثل لغزا غير واضح لدى. وقد ظهرت أضرار هذا الدعم القطري للإسلام السياسي بشدة فى السنوات الأخيرة، سواء فى سوريا أو مصر أو ليبيا أو تونس أوفلسطين أو اليمن وحتى مالي وشمال أفريقيا وصولا إلى الولاياتالمتحدة ذاتها التى تتهم بأنها هى التى تحرك قطر فى هذا الأتجاه. ورغم أن مصر من الدول المتضررة بشدة من دعم قطر للاخوان إلا أننى لم اقرأ تحليلا جادا يفسر سر هذه العلاقة بين الاخوان وقطر، بل امتلأت الصحف المصرية والفضائيات بالتفسيرات التآمرية وبالردح والإهانات والشتائم التى طالت حتى نساء الأسرة الحاكمة فى قطر. أما فى الغرب فأغلب ما قرأته من تحليلات ينتمى إلى التخمينات السياسية أكثر من كونها كشفا لحقائق وخبايا هذه العلاقة. ورغم الإنكار الذى تردد على لسان مسؤوليين قطريين بدعم الإسلاميين بقولهم بأنهم يدعمون العملية الديموقراطية والحريات،إلا أن اللقاء الأخير لرئيس الوزراء الأسبق حمد بن جاسم على قناة «بى بى أس» الأمريكية قد أكد دعم قطر للأخوان وللإسلاميين عموما حيث قال «نحن ندعم الإسلاميين لأن لهم دورا مؤثرا فى المنطقة من العراق إلى المغرب،وهم قيمة سياسية مهمة لا يمكن تجاهلها. وإذا كانت السعودية تدعم المشير السيسى صراحة وإذا كانت قطر تدعم الاخوان فمن يملك الحق فى تحديد صواب أو خطأ أى من السعودية أو قطر؟»، رغم أن نفس المسؤول نفى عدة مرات أثناء وجوده فى السلطة دعم قطر للاخوان والإسلاميين مدعيا أننا ندعم الشعوب وندعم مصر وليس الإخوان. هناك أيضا مئات الوقائع والمشاهدات التى تبين بجلاء دعم قطر للإسلاميين وخاصة الاخوان،حتى اصبحت قطر الرئة الأساسية التى يتنفس منها الاخوان المسلمين حاليا.، وأنتقل هذا الدور القطرى من دعمهم إعلاميا إلى دعمهم ماليا إلى دور الحاضنة التى تضم الهاربين منهم وتدافع عنهم دوليا، ووصل الأمر إلى أن الأمير تميم دافع عن الاخوان فى القمة العربية الأخيرة بالكويت بقوله «لا يجوز وصف الاخوان بالإرهابيين، فالإرهابيون هم من يقتلون المدنيين.» ودفعت قطر الصادق المهدى بأن يصرح من الدوحة فى أبريل الماضى بأن جماعة الاخوان ليست جماعة إرهابية، وزاد على ذلك حديث الأمير الأب الشيخ حمد بن خليفة بقوله لقناة الجزيرة عن الإسلاميين فى ليبيا «معظم من يطلق عليهم متشددين فى ليبيا يؤمنون بالمجتمع المدنى والتعددية والديموقراطية»!!! ، رغم أن هذا الكلام ينفيه تماما الواقع الكارثي فى ليبيا. فى هذا الاطار يصف البعض قطر بأنها صندوق للمتناقضات وليس لديها مشروعا سياسيا، إلا أننى أرى العكس، فمن خلال متابعتى للسياسة القطرية ولقناة الجزيرة فى السنوات العشر الأخير أقول بثقة أن لدى قطر مشروعا سياسيا واضحا وهو دعم الإسلاميين والتروييج لمشروعهم ومساندة وصولهم للحكم وتقوية دورهم كمعارضة بل ومساندة جماعات عنيفة وإرهابية منهم. إذن فى تقديرى المشروع القطرى واضح ولكن أسباب الدعم غامضة، فالتفكير المنطقي العقلانى يقول أن أمارة غنية وواعدة مثل قطر عليها أن تنأى بنفسها عن هذه الجماعات وتبعد عن المشاكل الكثيرة التى تأتى من وراءها،إلا أن الدعم القطرى الغزير والمتواصل لهذا التيار يقول عكس ذلك، والأكيد له أسبابه. فهل تبحث قطر عن علامة تجارية خاصة بها بعيدا عن السعودية ودول الخليج كما تقول كريستيان ساينس مونيتور؟ أم أن قطر تحاول وضع بصماتها على خريطة المنطقة برهانها على الإسلاميين والربيع العربى كما قالت واشنطن بوست؟ أم أن قطر تحاول استعراض عضلاتها فى المنطقة على حساب الدول الكبرى مثل السعودية ومصر كما تقول الفاينانشيال تايمز؟ أم أن غرض قطر مجرد شراء نفوذ فى المنطقة كما قالت النيوزوييك؟ أم أن قطر تستخدم أموالها لنشر الشر والتطرف فى العالم كما ذكر الكاتبان الفرنسيان نيكولاس بو وجاك مارى بورجيه فى كتابهما « قطر القبيحة الصغيرة: الصديق الذى يريد بنا شرا»؟ أم أن هذا الدعم للإخوان تم عبر صفقة يتم من خلالها تأمين الداخل القطري من التيارات الدينية وتصدير العواصف للخارج ولهذا تم حل جماعة الأخوان فى قطر عام 1999، وهذا لم يحدث فى دولة أخرى سوى قطر؟ أم أن قطر تدعم الإخوان لإسقاط النظام الملكي السعودي كما نشرت وورلد سيتزن ريفيو؟ أم أن قطر تعاملت مع الإخوان على أنهم شركة مساهمة قامت بشراء أسهمها بالكامل وضمها للشركة القابضة القطرية كما قال لى رجل دين عربي مرموق؟ موضحا أن الخلاف بين السعودية وقطر ليس على فكر الاخوان بل على من يمتلك الشركة ويوجهها،أم أن قطر تعتبر الاخوان ورقة ضغط فى يدها تفاوض بهم؟ أم أنها استخدمت الاخوان ويوسف القرضاوى بذكاء ضد أعدائها فى الدول الإسلامية كما يقول آخر؟ أم أن قطر تلعب دورا وظيفيا لصالح أمريكا كما يردد بكثرة الإعلام العربى؟ رغم أن الجزيرة تحرض ليل نهار ضد أمريكا وتمول قطر جماعات تعاديها أمريكا بل وتعتبرها إرهابية أم أن مشروع قطر والجزيرة مشروعا إسرائيليا كان وراءه شيمون بيريز كما يقول اصحاب نظرية المؤامرة العربية من المهوسيين بالعداء لإسرائيل؟ وذلك رغم أن الجزيرة والقرضاوي حرضوا آلاف المرات على قتل المدنيين فى إسرائيل وحللوا العمليات الأنتحارية هناك؟ هل تعتبر قطر جزء من مؤامرة دولية تخطط لسايكس بيكو جديد كما المح محمد حسنين هيكل؟، أم أن الدولة القطرية والشعب القطرى تأثروا بشدة بنشاط ودأب الخلية الاخوانية التى وصلت عام 1960 إلى قطر وكان أبرزها الشيخ يوسف القرضاوى والشيخ عبد البديع صقر الذين عملوا بشدة مع باقى الخلية على أخونة جزء كبير من الفكر الدينى القطرى ولم يتركوا فردا فى الدولة الصغيرة إلا وتعاملوا معه كهدف للأخونة؟ هل أعتنق بعض أفراد الأسرة الحاكمة الفكر الأخوانى كما يروج البعض؟ أم أن الأسرة الحاكمة فى قطر بعيدة تماما عن هذا الفكر كما قال الشيخ محمد بن راشد المكتوم حاكم دبى؟. هل تتعامل قطر مع التنظيم الاخوانى من منطلق برجماتى وليس أيدولوجى؟ أم أن الفكر الاخوانى تغلغل فى قطاعات هامة فى قطر؟ هل رئاسة القرضاوى للمعهد الدينى الثانوى فى الدوحة وتأسيسه لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية عام 1977 صبغا الامارة الصغيرة بفكر الاخوان؟،أم أن قطرتستمتع بدور صانع المشاكل والشريك المخالف فى المنطقة؟. هل تدرك قطر عواقب الاستمرار فى دعم هذا المشروع وأنها فى حالة انفصام شخصية، وأن السحر سوف ينقلب على الساحر كما قال ضاحى خلفان؟أم أن فؤائد المشروع تفوق خسائره المتوقعة؟، هل تساند قطر الاخوان نكاية فى السعودية التى تعتبرهم يشكلون تهديدا وجوديا على الحكم السعودى؟ أم أن الطموح القطرى يتجاوز ذلك؟.هل تسعى قطر للحلم المستحيل والطموح السياسى المدمر كما يقول موقع بلومبرج؟، أم أن قطر تتجه بسرعة نحو المقامرة الخاسرة كما يقول الموقع الأمريكى الشهير وورلد بوليتكس؟،أم أن كل ما تقوم به قطر مجرد مراهقة سياسية من طفل مشاغب يلعب بالنار؟.هل تسعى قطر لحماية نفسها من جيرانها الكبار المتربصين بها؟،أم أنها جلبت لنفسها عداء شديدا من جيرانها بدل الحماية المرجوة؟. هناك عشرات الأسئلة حول هذا الموضوع التى لا أدعى أننى أملك إجابة عليها ولكننى أطرحها هنا لتنشيط الحوار حولها بين الباحثين والمحللين من جهة،والأهم من ذلك أسعى من خلال طرحها للحصول على أجابة واضحة عليها ممن بيديهم الأمر والسلطة فى قطر. (+) ناشط حقوقى بارز ومدير منتدى السشرق الأوسط للحريات-واشنطن