هي ابنة زعيم سياسي مضطهد، مسلمة متفتحة، تحاول نور العزة أنور إخراج ماليزيا من انقساماتها العرقية والدينية. إنها تجسيد لجيل جديد من السياسيين، نائبة برلمانية، عمرها 34 سنة, وتبدو في نظر المحللين، كمرشحة محتملة لرئاسة الوزراء.... «أين مكتب نور العزة أنور؟» يشي إسكافي جالس على الطوار، في اتجاه درج ضيق يطل على مطعم مفتوح على السماء...«المكتب هنا في الطابق الأول» في حي شعبي جنوب غرب العاصمة الماليزية، كوالاسبور. حيث أغلبية السكان من الماليزيين. نور العزة أنور نائبة عن هذه الدائرة منذ 2008، تستقبل زوارها في هذا المكتب البسيط الذي تزين جدرانه أعلام حزبها، حزب العدالة والشعب. وصورها وصور والدها أنور إبراهيم زعيم المعارضة ."»عدت من سراواك (ولاية في شرق البلاد في جزيرة بورنيو) ركبت الميترو لتفادي الازدحام، آسفة للتأخير وهي تسلم بابتسامة عريضة. وحجاب أنيق على رأسها، نور العزة 34 سنة تقدم نفسها كمسلمة واثقة من نفسها، منفتحة وعصرية في بلد محافظ دينيا. جابت أرجاء ماليزيا لعدة أسابيع لقيادة حملة الانتخابات الداخلية لحزب العدالة والشعب, تقول "كانت حملة »متعبة جدا« ولكننا الحزب الوحيد الذي ينتخب قادته بشكل ديمقراطي..."وحسب الننتائج التي أعلن عنها قبل أيام، تم انتخابها نائبة لرئيس الحزب، وبالتالي فرضت نور العزة أنور نفسها كواحدة من الوجوه البارزة للمعارضة الماليزية. تحت مظهرها المطمئن للناخبين الماليزييين في الأرياف المتشبثين بالتقاليد الإسلامية، تبرز شخصية نور العزة في طليعة جيل جديد من السياسيين متعطشة لإرساء مجتمع ديمقراطي متعدد الثقافات. تحدي كبير في بلد تبقى فيه السياسة محكومة بشكل كبير بالانتماء العرقي (62% من سكان ماليزيا من أصول ماليزية، 24% من أصول صينية و7% من أصول هندية). وتضيف »ما هو فريد في ماليزيا هو أن الأغلبية - وليس الأقليات - هي التي تحتاج للحماية. والحكومة المشكلة من تحالف أحزاب عرقية تختار الحل السهل. وتحت برنامج وحدة وطنية يسمى »ماليزيا واحدة« تراهن الحكومة على الإحساس بعدم الأمن لدى الماليزيين وإحساسهم بأنهم ضحايا خوفهم من العولمة »تشرح بنبرة أمريكية موروثة من سنوات دراستها في جامعة جون هوبكيسن بواشنطن. منذ سنوات 70، تم اقرار برنامج تمييز إيجابي يتيح امتيازات للماليزيين من أصول مالية يسهل لهم الولوج الى التعليم والوظائف العمومية من أجل تقليص تأخرهم تجاه الأقلية الصينية الأكثر ديناميكية من الناحية الاقتصادية ,ومع الوقت تمت مأسسة هذا البرنامج. والدستور الماليزي يؤكد أن المواطنين من أصول ماليزية هم مسلمون بالضرورة. وغالبا ما تأخذ الصراعات بين المجموعات العرقية طابعا دينيا. وبشكل غريب يشعر المسلمون الماليزيون بالقلق من حملة تمسيح زاحفة في بلادهم، لكن دون دليل ملموس. في السنة الماضية، قام مواطنون مسلمون بالعبث برأس بقرة كتعبير عن إدانتهم لبناء معبد هندي في أحد أحياء كوالالمبور. وتقول نور العزة" »الحكومة تدعم مبادرات سخفية... هناك جماعة تدعى" »عصمة« "تروج لدعاية لدى المسلمين الماليزيين الذين يدرسون في جمعات الشرق الأوسط, بأن الإسلام يمكن أن يتعايش مع التعددية، وبسرعة تأخذ هذه الدعاية أصباغا عنصرية...«. ومنذ استقلال ماليزيا سنة 1975، يقود البلاد تحالف سمي الجبهة الوطنية, يتألف من حوالي 15 تشكيلا سياسيا, تتحدد كلها حسب انتمائها العرقي. والحزب الأساسي في هذا التحالف حزب »"المنظمة الوطنية الوحدة للماليين LIMNO"، ترتكز على الماليين وإلى جانبها نجد أحزابا صينية وأحزابا هندية. وأهم قوة في المعارضة, حزب العدالة والشعب (نور العزة نائبة لرئيسه) حزب متعدد الثقافات ويشكل تحالفا مع حزب ماليزي آخر وحزب آخر يهيمن داخله الصينيون. وترى نور العزة أن المقاربة العرقية الضيقة للسياسة أصبحت متجاوزة"كنت دائما أقول بأن التعدد الثقافي أهم من الفوز بالانتخابات. والسياسة المبنية على الهوية لم يعد لها مكان في ماليزيا,« لكنها تعترف في نفس الوقت بأن العمل من أجل تغيير العقليات "»سيكون طويلا محفوفا بالتحديات"« لكن هذه الشابة المتشبعة بالتعدد الثقافي أثبتت في الماضي أنها لا تستسلم وقادرة على تجاوز أعتى العراقيل... في سنة 1998، لم يكن عمر نور العزة أنور يتجاوز 18 سنة، عندما انخرطت في خضم مياه السياسة الماليزية. وقتها تمت إقالة والدها أنور ابراهيم من منصبه كنائب لرئيس الوزراء بعد صراع مع مهاتير محمد الذي كان يرأس البلاد. اعتقل وسجن أنور إبراهيم وتعرض للضرب من طرف سجانيه, ثم حكم عليه بالسجن ست سنوات بتهمة هتك عرض والفساد. وخرج عشرات الآلاف من المواطنين في شوارع العاصمة احتجاجا على المعاملة التي تعرض لها أنور. وتحدثت المنظمات والمحافل الدولية عن "»محاكمة مهزلة«" كانت نور العزة ماتزال طالبة، وجابت العالم للدفاع عن قضية والدها و التقت العديد من الزعماء الدوليين، وعندما ألغت المحكمة العليا سنة 2004 الحكم ضد أنور وأفرج عنه، تحولت الشابة لدراسة العلاقات الدولية بالولايات المتحدة، وتتذكر نور العزة. هذه الفترة كحلقة منعشة تمكنت من خلالها من ربط صداقات عديدة دون اعتبار للحدود الوطنية,« بعيدا عن المناخ الخانق للسياسة في ماليزيا. عند عودتها الى البلاد سنة 2008 انخرطت مباشرة في الحياة السياسية وترشحت في دائرة انتخابية بالعاصمة، كانت منافستها في الدائرة ثلاث مرات. ولكن خلافا لكل التوقعهات فازت نور العزة بالمقعد، انجاز كررته سنة 2013 وهذه المرة في مواجهة وزير في الحكومة له الامكانيات المادية الكافية للتأثير على الناخبين. وهكذا اكتشفت ماليزيا وجها سياسيا جديدا عنيدا ويتوفر على كاريزما قوية. وبسرعة أطلقت عليها وسائل الإعلام الأجنبية ومواقع التواصل الإجتماعي في ماليزيا لقب "أميرة الاصلاح" ويعتبر الكاتب الماليزي ناتانييل تان انها "ذكية ومعتدلة, لها معرفة جيدة بالمشاكل التي يواجهها المواطنون" وقالت عنها مجلة وورلد بولتيكس الامريكية" انها وزيرة أولى محتملة". في نظر نور العزة النظام السياسي الماليزي هو »افضل نموذج بالنسبة لجميع المستبدين في العالم، لان كل شيء يتم بهدوء. كل شيء يرتكز على التقطيع الانتخابي للدوائر. وقد اظهرت الدراسات انه كلما تم اعادة تقطيع الدوائر، فإن ذلك يكون في مصلحة الحزب الحاكم, يضاف الى ذلك ان %90 من وسائل الإعلام الوطنية موالية للحكومة. والنظام القضائي الذي اعتبر لفترة طويلة نموذجا للاستقلالية والنزاهة وفق التقاليد البريطانية، سقط منذ حوالي 20 سنة تحت سلطة الحكومة. وتحلل نور العزة الوضع قائلة "»الامور تدهورت شيئا فشيئا, خاصة بعد إقالة أنور, ولا شيء تم من أجل تضميد الجراح أو حل المشاكل. ليس هناك فصل للسلط في ماليزيا. العدالة ليست مستقلة، وليست هناك وسائل لمراقبة انحرافات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية". الحملة ضد أنور ابراهيم التي قادتها الحكومة عادت سنة 2008 عندما اتهم مرة أخرى بالاغتصاب، تهمة تعود دائما في ماليزيا عندما يريد الخصوم تحطيم رجل سياسي. لكن النتيجة كانت عكسية بالنسبة للحزب الحاكم. حيث حققت المعارضة تقدما تاريخيا في الانتخابات التي جرت بعد أسابيع على هذه التهمة. في مارس 2014 حكم على ابراهيم بالسجن 5 سنوات من طرف محكمة الاستئناف التي قلبت الحكم الابتدائي. قرار صدر قبل أسبوعين على انتخابات محلية كان أنور مرشحا قويا للفوز بها. الإصرار والعناد ضد زعيم المعارضة أو ضد زعمائها, والطابع المغشوش للسياسة الماليزية طال أيضا أنور العزة. فهي بدورها كانت هدفا لهجمات طالت قناعاتها الدينية ونزاهتها.و تشرح نور العزة هذا الأمر قائلة "أعضاء الحكومة يفكرون قبل كل شيء في بقائهم ويعتبرون انه اذا قاد أنور البلاد، فإن مستقبلهم سينتهي.. للاسف القادة لا يأهبون بالمعاناة التي يتسببون فيها ولا بتدهور مؤسساتنا المدنية والديمقراطية" كما أن خطاب "المصالحة" الذي يحمله الوزير الأول نجيب رزاق يبدو في نظري غير مقنع" انه شيء محزن ومأساوي بالنسبة لبلادنا... لم يبق أي منطق, الحكام يعتبرون أنه من الضروري الهجوم على الخصوم و سبهم من أجل تحطيم شعبيتهم..." بتصرف عن ليبراسيون