نادية لاميلي محاطا بمستشاريه وأعضاء الحكومة، كان الملك محمد السادس في قمة اغتباطه، يوم 12 ماي بالرباط. كان ينصت باهتمام إلى مدير صندوق «وصال» طارق الصنهاجي، الذي يستعرض أمامهم تفاصيل تخصيص 9 مليارات من الدراهم (حوالي 800 مليون يورو) المخصصة لمشاريع مهيكلة بالعاصمة الرباط. وأسبوعين قبل ذلك، ترأس الملك لقاء مماثلا بالدارالبيضاء رصدت فيه 6 مليارات درهم من قبل ذات الصندوق. الغاية، هي جعل المدينتين وجهة سياحية وثقافية بمقاييس عالمية. لقد تطلب الأمر من الملك محمد السادس، 3 سنوات من العمل الدؤوب والمحادثات مع ملكيات الخليج للحصول على التمويل المالي اللازم لمواصلة تطبيق سياسته المتمثلة في المشاريع الضخمة المهيكلة، خاصة وأن الميزانية الوطنية تعاني خصاصا هذه الأسابيع. ولقد تمت المحافظة في تلك المشاريع، على المخطط المدقق الذي كان قد وضعه منذ ثلاث سنوات وزير السياحة السابق ياسر الزناكي، المعين بعد ذلك مستشارا للملك، بغاية تنفيذ هذا المشروع الإستراتيجي الضخم. لقد انطلق مشروع صندوق «وصال» يوم 10 ماي 2011، غداة الربيع العربي، حيث قررت دول الخليج دعوة المغرب والأردن للإلتحاق بمجلس التعاون الخليجي. ارتبك المغرب قليلا بسبب فجائية الطلب. وكان رد وزير الخارجية المغربي حينها الطيب الفاسي الفهري هو «نحن على استعداد دائم للتعاون مع مجلس التعاون الخليجي لكن من خلال الحفاظ على علاقاتنا التاريخية التي تجمعنا بمنطقة المغرب العربي». أسبوعا بعد ذلك، سافر إلى الرياض وأبوظبي حاملا رسالة شكر ملكية إلى مجلس التعاون، مع التأكيد على أن المسلسل سيأخذ مداه الواجب. ولقد أدرك القصر أن الفرصة مواتية لاستغلال الفرصة لدعم ذلك التعاون، خاصة وأن اقتصاد البلاد يجتاز مرحلة صعبة بسبب آثار علاقاته مع أروبا [التي تعاني مخلفات الأزمة العالمية]. ففي سنة 2001 تراجعت احتياطيات المغرب المالية إلى حدود 4 أشهر بشكل مقلق بسبب ارتفاع فاتورة البترول المستورد. وبسبب دعم المواد البترولية فإن صندوق المقاصة يعاني عجزا يصل 45 مليار درهم. يضاف إليه لأول مرة منذ 11 سنة [منذ عهد حكومة التناوب] عجز ميزانية يتجاوز 5.5 % بسبب كلفة كتلة الأجور التي سعت من خلالها الدولة شراء السلم الإجتماعي ومواجهة السنوات الفلاحية الضعيفة. فكان صعبا التغاضي عن دعوة مجلس التعاون الخليجي. لقد انطلق موسم الذهاب والإياب بين الرباط وعواصم الخليج، منذ أعلنت تلك الدول تخصيص 5 مليارات دولار للمغرب والأردن. فقام الملك في شهر أكتوبر 2012 بالمبادرة إلى زيارة الخليج ليقنع شركائه بالإنخراط في صندوق «وصال» المغربي، المخصص لإنجاز المحطات السياحية الكبرى التي تعاني مشاكل تمويلية. مثلما أخذ معه ملفات عدد من المؤسسات التي تعاني مشاكل مالية مثل اتصالات المغرب التي باعتها فيفاندي في نهاية المطاف إلى شركة اتصالات الإماراتية، أو شركة الخطوط الملكية المغربية الباحثة عن شريك لم تفلح بعد في الحصول عليه. تأخرت عملية وصول صدى التجاوب، لأنه كان لا بد من خلق آلية ثقة مع قطر، المعروفة بمنافحتها للمغرب من خلال قناتها الفضائية «الجزيرة»، التي ظلت مواقفها من قضية الصحراء غير ودية. فيما كان أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني يعيب على المغرب اصطفافه إلى جانب السعودية. ولم يستطع قط نسيان أن الملك الراحل الحسن الثاني قد انتقد بشدة انقلابه على والده الشيخ خليفة آل ثاني سنة 1995 . ومع التغيير على رأس السلطة بالدوحة مع مجيئ الأمير الجديد للدولة تميم، تعززت العلاقات المغربية القطرية. وفي دجنبر 2013 زار المغرب لترسيم ذلك التعاون الجديد. ثلاثة أشهر بعد ذلك أطلق حصته البالغة 1.25 مليار دولار ضمن 5 مليارات دول الخليج المخصصة للمغرب. خلال هذه المرحلة من المحادثات واللقاءات، ترك جانبا أمر انخراط المغرب في مجلس التعاون الخليجي، بسبب عدم موائمته الجيو ستراتيجية، لصالح التعاون الإقتصادي والعسكري. ومما يؤكد عليه كاتب الإفتتتاحيات الكويتي ووزير الإعلام السابق، سعد أبن تفلا العجمي أنه «رغم الإختلافات بين دول الخليج فهي مجمعة حول الملف المغربي». بالنسبة لهم، فقد نجحت المملكة الشريفة في تجاوز تبعات الحراك العربي بدون إراقة قطرة دم واحدة، وأن دورتها الإقتصادية مغرية وأنها تتبع سياسة ديبلوماسية متوازنة وقوية معهم تسمح لها بالبقاء على مسافة واحدة من حسابات كل الدول العربية وخلافاتها. ورغم توجه المغرب الدائم صوب أروبا، فإن علاقاته مع السعودية والإمارات منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني قد ظلت مؤثرة. وأنه ظل دوما سندا لها داعما لها في مختلف مراحل الأزمات التي واجهتها. لقد أكد عارف بعمق العلاقات بين البلدين أن الحسن الثاني من قوة تناغم علاقاته مع الملك فهد بن عبد العزيز أنه طلب منه إلغاء السفارات بين البلدين وجعل علاقاتهما مباشرة. وخلال الثورة الخمينية بإيران سنة 1979، لم يتردد الحسن الثاني في انتقاد الخميني بعنف، مثلما اصطف ضد صدام حسين حين احتل الكويت وسارع إلى إرسال 1500 جندي مغربي لحماية السعودية. أما بدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن المغرب قد شارك بفعالية في ترسيخ النظام الفدرالي للدولة ووضع رهن إشارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ألفا من قواته العسكرية لحمايته الشخصية. وفي ما بين 1979 و 1989، كان حميدو لعنيكري (المدير العام للأمن الوطني بعد ذلك) مستشارا أمنيا بديوان الشيخ زايد. سار الملك محمد السادس على خطى والده، أكيد، لكن مع انخراط أقل حماسة، لكنه حافظ على سياسة تجاوز بين التعاون والمصالح المشتركة. فلم يتردد مثلا في مارس 2009 في أن يقطع علاقات المغرب الديبلوماسية مع طهران بعد اعتبارها البحرين الولاية 14 لإيران. مثلما أن انخراطه ضمن شبكة أصدقاء الشعب السوري ضد بشار الأسد التي التأم أول اجتماع لها بمراكش في دجنبر 2012، وأيضا في الملف الليبي قد أظهر لأمراء الخليج مرة أخرى أن الرباط حليف يعول عليه. لقد أكد وزير الإعلام الكويتي السابق «أن أمراء الخليج يشتركون في خصلة أنهم لا ينسون قط من أحسن إليهم ومن وقف إلى جانبهم. مثلما أنهم يردون الصاع صاعين لمن أساء إليهم». أحسن مثال هي حركة النهضة التونسية التي رفضت من قبل إدانة غزو الكويت من قبل صدام، مما لا يزال يجر عليها غضب السعودية. ومن باب الوفاء، تحرص دول الخليج على دعم المغرب في قضية الصحراء وفي دعم اقتصاده حتى يبقى له وزنه المؤثر في منطقته وفي العالم. في مقابل ذلك هم يطالبون المغرب بحمايتهم ودعمهم إزاء إيران وحلفائهم من شيعة اليمن الحوثيين. فالمغرب يمتلك خبرة عسكرية برزت أهميتها في مالي، وأنه قادر على إنعاش «درع الخليج» المحدث منذ 1984، أمنيا ضد كل التهديدات المهددة لاستقرار دول الخليج، خاصة أن ذلك الدرع قد أبان عن محدوديته أمام الغزو العراقي للكويت، ثم أثناء أحداث البحرين في 2011 . في شهر يناير الماضي قام الجنرال دوكور دارمي عبد العزيز بناني بزيارة إلى البحرين ثم إلى الإمارات لبحث التعاون العسكري معهما. ومما يؤكد عليه ماثيو هيدجس من معهد التحليل العسكري للشرق الأوسط والخليج المتواجد مقرة بدبي، أنه «بفضل قواته الخاصة بإمكان المغرب مساعدة دول الخليج لتكوين جيوشهم، التي تضم عددا مهما من الخبراء العسكريين المغاربة المشاركين في تداريب مشتركة». والخلاصة هي أن الطرفين رابحان في العملية كلها، بصيغة رابح رابح، وهو أمر استثنائي في المنطقة العربية، حتى وإن كان بعض المحللين متوجسين من مزاجية بعض دول الخليج. لأنه كما يقول الصحفي أكرم بلقايد: «ليست المرة الأولى التي يعلنون فيها أرقام استثمارات ضخمة مماثلة، لكن لابد من انتظار تحويلها فعليا والإنتباه إن لم يكن اعتمادهم سيكون فقط على المدخرات المحلية». ففي المغرب مؤسستان إماريتان مثل «سما دبي» و «إعمار» قد انسحبتا بسبب الأزمة. (*) عن مجلة «جون أفريك» الباريسية عدد 2785 (25/31 ماي 2014).