في المقالة الثالثة، بحث متواضع عن أسباب الإذعان لمخطط الآخر،عن حيثيات انحصار مشروع الاستقلال اللغوي، وعن نتائج هذا المسار في الواقع الملموس... خرج الاستعمار من النافذة، بعدما أن تأكد من انتهاء مدة صلاحية « الاستعمار المباشر»، خصوصا وأنه قد تأكد من خاسراته في الميدان في إفريقيا و أمريكا الجنوبية وغيرها، وكان قد مهد لما بعده، زارعا لغته واختياراته ومؤسساته وثقافته و» أبناءه»... كل الاستعماريات، عبر توالي العصور والحضارات، تطلعت وعملت على الخلود في مواقعها المستعمرة، وفق استراتيجيات وسياسات محينة في الزمان والمكان. فأي نصيب كان لنا منهما، ومن غيرهما ؟... فرنسا، في أواخر النصف الأول من عقد التسعينيات، فرضت « العربية العامية» ضمن لغاتها، في الميثاق الأوربي حول اللغات الإقليمية. وقبل هذا « ألإنجاز»، كانت قد أدخلت هذه العانية مادة اختيارية شفوية في امتحان شهادة الباكالوريا أو الثانوية العامة، وقد أصبحت مادة كتابية، بحرف لاتيني أو عربي، منذ يناير منتصف التسعينيات من القرن الماضي. فرنسا، قبل هذا بوقت طويل، وبأهداف استعمارية تنصيرية أسست مدارس ومعاهد اهتمت بالعاميات، في جميع المجالات التااريخيةمختلف المجالات التاريخية والانتربولوجية في المجالات التاريخية، الأنتربولوجية، الإثنوغرافية، السوسيولوجية واللسانية، من مثل مدرسة اللغات الشرقية الحية. وفي عشرينيات الألفية المنصرمة أحدثت كرسي اللغة العامية المغربية بمعهد « الإنالكو». المغاربة، في العقود الأولى للاستقلال السياسي، تطلعوا للتحرر الشامل من رواسب الاستعمار وسياساته. ولقد كان الشأن اللغوي في صدارة هذا التطلع الذي تلاه العمل لإعطاء الاستقلال المضمون التحرري الذي يترجمه في الواقع الملموس إلى انعتاق شامل ونهضة مستدامة. في الشأن اللغوي، تعيينا وتحديدا، كانت اللغة الفرنسية تستبد بجميع فضاءات الإدارة، التعليم المسمى عصريا، التجارات والمعاملات الكبرى والمتوسطة في الداخل والخارج، بكل مجالات السيادة الحيوية والجوهرية وبأعداد وازنة ونافذة من الأطر والمتمدرسين المفرنسين والمتفرنسين. وفي المقابل كانت العربية محاصرة في ما ينعت بالتعليم التقليدي والمدارس الوطنية، المساجد، وبعض الوسائط الديوانية. التركة ثقيلة جدا، الإرث ازدواجية لغوية قاتلة، الاستقلال شكلي وناقص ومنقوص والقرار بيد الاستعمار غير المباشر عبر أطره وأبنائه الذين رضعوا حليب خدمة فرنسا والولاء لها من ثدي لغتها وثقافتها ونمط عيشها...في هذه الشروط والظروف والملابسات، طرح استحقاق الاستقلال اللغوي من خلال بوابة التربية والتعليم وبواسطة المبادئ الأربعة، وذلك منذ فجر الاستقلال الشكلي للمغرب. يضاف إلى هذا الواقع، بموازين القوى المختلة لصالح مشروع ومخطط الآخر، حالة الأمية المستبدة بغالبية المغاربة، قلة الأطر المعربة إلى حد انعدامها في التخصصات العلمية، ضعف الوسائل، عاطفية جامحة على حساب عقلانية برغماتية، وضبابية ملحوظة وملموسة في جانب الرؤية الاستراتيجية... إن الأمر، ومن دون أدنى شك، كان يتعلق- قولا وفعلا- بالانتقال من «الجهاد الأصغر» إلى «الجهاد الأكبر»، وبكل ما تحمله العبارتين من معنى، خصوصا على صعيد الجبهة اللغوية والسياسة والتخطيط اللغويين. وإذا كانت طبيعة هذه المقالات ومقاصدها- في الزمان والمكان- غير موجهة لتفصيل القول في محطات هذا النزال وأشواطه. فإن العودة إلى بحوث ومؤلفات عديدة لأقلام مغربية وبأسئلة وأجوبة مغربية، قد تشفي غليل من كان عطشه للتفاصيل قويا وللمعرفة جامحا. إن ما سأحاول إثارته يقتصر- هنا والآن- على إثارة سؤال يشغلني، ويمهد لي السبيل إلى إثارة أسئلة أخرى في المقالة الرابعة المقبلة... هل كان مسعى المغرب ونخبته غير المفرنسة والمتفرنسة إلى التعريب مؤطرا ضمن رؤية لغوية استقلالية، نهضوية، واضحة،عقلانية، وفي صلب سيرورة شاملة تتكون من تكييف اللغة وحركة الترجمة ومن إرادة انفتاح على وقائع وتجارب ولغات جديدة..؟؟ سؤال نطرحه للمهتمين، ونستثمره لصياغة رؤوس أقلام بخصو علاقة اللغة بالعلم والمعرفة، والعكس بالعكس صحيح، إن لم يعترض الفقهاء والمناطقة... محاولة لذلك في المقالة الرابعة، ما قبل الأخيرة في هذه السلسلة الصحفية... [email protected]