هل تحقق الأحزاب المتطرفة المعادية لأوربا الأغلبية بالبرلمان الأوربي؟ هذا السؤال يؤرق المسؤولين الأوربيين والأحزاب الكلاسيكية التي تلاحظ ارتفاع الممتنعين عن التصويت وكذلك الأحزاب المناهضة لأوربا, خاصة أحزاب اليمين المتطرف المحافظة والتي تتقدم بمختلف بلدان أوربا.هذه الأحزاب التي كانت في السابق لا تهتم بالانتخابات الأوربية ولا تهتم بالمؤسسات الأوربية تسعى اليوم الى تفكيك المؤسسات الأوربية من خلال السيطرة على مؤسساتها الأساسية, خاصة البرلمان الاوربي والمندوبية الاوربية.فهل يمكننا الحديث عن بداية تفكيك المشروع الاوربي بعد عدة عقود من بناء مؤسساته, أم أن الأزمة هي عابرة وتعكس غضب المواطنين من سياسة التقشف التي تعيشها اغلب بلدان اوربا.فرنسا التي تعتبر من البلدان المؤسسة الى جانب المانيا تعيش نفس الوضعية اليوم وهي ارتفاع المقاطعة لهذه الانتخابات وتوقعات بفوز اليمين المتطرف. شهران على الانتخابات البلدية بفرنسا والتي شهدت تراجعا كبيرا للحزب الاشتراكي الحاكم لصالح المعارضة اليمينية « الاتحاد من اجل حركة شعبية» والتي فاز بأغلب المدن الفرنسية. كما أن اليمين المتطرف تمكن من الفوز ب10 مدن فرنسية. هذا الفوز شجع اليمين المتطرف الفرنسي على الاستمرار في هدفه من أجل السيطرة على مواقع القرار بباريس. والانتخابات الأوربية هي مختبر لهذا الحزب من اجل التقدم في الانتخابات المقبلة. وتتوقع عدة استطلاعات للرأي فوز هذا التيار المتطرف المعادي للوحدة الأوربية بهذه الانتخابات بفرنسا ، وهو الأمر الذي يمكن ان يحدث بالعديد من البلدان الاوربية. ويهدد الوحدة الاوربية بصفة عامة. وقد انطلقت هذه الانتخابات يوم الجمعة بكل من بريطانياوهولندا من أجل انتخاب 751 برلمانيا لولاية من خمس سنوات.وتمتد هذه الانتخابات لمدة اربعة ايام في البلدان 28 الاعضاء بالاتحاد الاوربي. لكن ما يميز هذه الانتخابات هو ارتفاع القوى المعادية للوحدة الاوربية, حيث من المحتمل ان تحقق الاحزاب المشككة في البناء الاوربي والتي تريد ان تتخلى عن العملة الاوربية الموحدة تقدما كبيرا في العديد من البلدان الرئيسية بأوربا مثل فرنسا.واذا كان الاوربيون لا يصوتون في يوم واحد, فإن النتائج سوف تعلن في نفس اليوم اي بعد اغلاق آخر مكاتب التصويت بايطاليا يوم الاحد على الساعة 10 ليلا. ويوم الاحد المقبل سوف تتنافس الاحزاب الفرنسية على انتخاب 74 نائبا سيمثلون فرنسا بالبرلمان الأوربي, وهو ما يمثل 10 في المائة من مجموع البرلمانيين الاوربيين البالغ عددهم 751 برلمانيا. لكن ما يميز هذه الانتخابات هو ارتفاع القوى المعادية للوحدة الاوربية, حيث من المحتمل ان يفوز بها اليمين المتطرف حسب عدة توقعات، هذا الحزب الذي يرغب في الخروج من الاتحاد الاوربي. زعيمة هذا التوجه المتطرف مارين لوبين تعتبر اوربا هي مصدر اغلب مشاكل الفرنسيين :» اوربا التي تطالب بها الجبهة الوطنية, هي اوربا التي سوف تجعلنا نتمتع بالسيادة في بلدنا. ونقرر في سياستنا الهجروية،وسياستنا المالية وسياستنا النقدية. وان نتوقف عن وضع سيادتنا بيد التوقنوقراط ببروكسيل وهم غير منتخبين وليست لهم اية شرعية.» وتضيف زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي التي تريد تفكيك الوحدة الاوربية « الاتحاد الاوربي اليوم هو حلم مرعب و يعني الحرب الاقتصادية والحرب الاجتماعية والتقشف. اليوم الشعب الفرنسي هو ضحية كباقي الشعوب الاوربية لفكرة دوغمائية تدمر الشعوب الاوربية وتدمر اقتصادها وتجعلها تعاني، هناك وسيلة اليوم لقول لا وهي التصويت على لوائحنا.» هذا التصويت هو الذي تنتظره فرنسا وأوربا هل سيدفع الغضب الفرنسيين الى التصويت اوربا ام لا. رشيد العلوي الذي يشارك في هذه الانتخابات الاوربية بمنطقة الشرق الفرنسي في لائحة حزب «لا نوفيل دون» يعتبر تصاعد التطرف السياسي ليس ظاهرة جديدة بفرنسا : « اعتقد ان نمو الاحزاب المتطرفة ليس جديدة, بل بدأت منذ الثمانينات, سواء على مستوى فرنسا وبعض البلدان الاوربية وان نمو هذه الظاهرة بالمجتمعات الاوربية يمشي بتواز مع ارتفاع الأزمة الاقتصادية بهذه البلدان .» ويضيف رشيد العلوي المرشح في لائحة لا نوفيل دون ، «ان هناك ترسيخا لهذا الفكر المتطرف بالمجتمعات الأوربية ويعود ذلك الى عجز الاحزاب الكلاسيكية سواء اشتراكية او يمينية عن ايجاد حلول و تقديم اجوبة عن الاوضاع الاقتصادية المتأزمة. ومن المتوقع ان تكون نسبة المقاطعة جد مرتفعة او ان تحتل الاحزاب المتطرفة المقدمة وهو ما يمكن أن يشكل زلزالا سياسيا بفرنسا وأوربا. الجالية المغربية والمغاربية المقيمة بأوربا كباقي سكان هذه المنطقة ليس لها اهتمام كبير بالانتخابات الأوربية, خاصة بفرنسا حيث لا يوجد عدد كبير منهم باللوائح إلا باستثناءات قليلة مثل رشيدة داتي مرشحة بلائحة باريس والضواحي عن حزب «الاتحاد من اجل حركة شعبية» وكمال الشبلي بلائحة «الحزب الاشتراكي بمنطقة الجنوب الغربي»، بالإضافة الى مرشحة من اصل جزائري كريمة الديلي عن حزب «الخضر بالشمال الغربي» لفرنسا وكريم الزريبي عن حزب «الخضر بالجنوب الشرقي. « اذا تحققت توقعات استطلاعات الرأي وفاز اليمين المتطرف بالصف الأول, سواء بفرنسا او بعدد من البلدان الاوربية سوف تكون النتيجة رسالة سلبية تجاه الاتحاد الاوربي ومؤسساته. لكن النتائج التي وردت يوم الجمعة من هولندا تبعث على الاطمئنان،اليمين المتطرف الذي رشحته استطلاعات الرأي للفوز بهذه الانتخابات على مستوى هولندا جاء في الصف الرابع من الترتيب. ارتفاع نسبة المقاطعة لهذه الانتخابات يمكنها أن تسجل أرقاما قياسية وتعكس لامبالاة الأوربيين بمؤسساتهم السياسية. لكن هذه الصعوبات التي تعرفها أوربا على المستوى السياسي والاقتصادي هي نتيجة تردد البلدان الأوربية في إقامة وحدة حقيقية, خاصة فرنسا التي تعتبر من البلدان المؤسسة. سياسيوها سواء في اليمين أو في اليسار متشبثون بسيادة باريس القومية ولا يرغبون لحد الآن في وحدة حقيقية كما تطالب بذلك ألمانيا, وهو ما يعني أن المسلسل الأوربي للبناء الذي بدأ منذ أكثر من ثلاثة عقود سيبقى مهددا بالزوال في حالة فوز الأحزاب المتطرفة.