عرفت الانتخابات الأوروبية رقما قياسيا في عدد الممتنعين عن التصويت وصلت 60 في المائة بفرنساو، وهي نفس النسبة تقريبا بمجموع البلدان الأوروبية. لكن ما ميز هذه الانتخابات بصفة عامة هو فوز أحزاب اليمين والوسط بالأغلبية داخل البرلمان الأوروبي، في حين تراجع، بل تقهقر عدد النواب الاشتراكيين واليساريين بالبرلمان الأوروبي. اليمين الأروربي رغم حكمه ب21 دولة أوروبية من بين الدول 27 دولة المشكلة للاتحاد. حصل على الأغلبية بحوالي 270 مقعدا في البرلمان الأوروبي، في حين لم يتجاوز عدد مقاعد الاشتراكيين حوالي 160 مقعدا للاشتراكيين (الى حدود منتصف يوم 8 يونيو لم يعط الارقام النهائية للانتخابات الاوروبية)، واذا كانت هذه هي الاتجاه العام بأوروبا، حيث فازت أحزاب اليمين بألمانيا، هولندا، إسبانيا وبريطانيا وحتى إيطاليا التي تعيش أزمة بسبب المسلسل العاطفي لزعيم اليمين برلوسكوني، فقد فاز نسبيا في هذه الانتخابات. فرنسا لم تخرج على القاعدة، فقد حصل اليمين الحاكم برئاسة نيكولا ساركوزي على 28 في المائة من الأصوات، ورغم أنه لم يحصل على الأغلبية، فإن هذه النسبة جد مهمة، ولم يحصل عليها أي حزب منذ ثلاثين سنة، فكل الأحزاب الفرنسية الحاكمة كانت تتعرض للهزيمة في الانتخابات الأوروبية، وهي القاعدة التي كسرت خلال هذه الانتخابات. فرغم الأزمة الاقتصادية الخانقة، فإن الأغلبية الرئاسية لم تتضرر رغم أن بعض المراقبين يعتبرون ارتفاع نسبة عدم المشاركة هو فشل لكل المسؤولين عن المشهد السياسي الفرنسي. أما الحزب الاشتراكي الفرنسي فقد تعرض الى هزيمة كبيرة، حيث لم تتجاوز نسبة الأصوات المحصل عليها 16،8 في المائة، وهي نفس النتائج التي حصل عليها حزب صغير للخضر 16،2 في المائة «أوروب ايكولوجي» برئاسة زعيم تمرد طلاب 1968 دانييل كون بنيديكت. وهي أحد أكبر الهزائم التي تعرض لها الحزب الاشتراكي الفرنسي في العقود الأخيرة. مما يعني أن الأزمة والتشرذم الذي خلفه مؤتمر رانس الأخير مازال طاغيا على الحزب وأن الكاتبة الأولى للحزب مارتينو أوبري لم تتمكن بعد من فرض بصماتها وتوجهها على الحزب. وقد صرحت عشية هذه الهزيمة «أن الحزب لا بد له من تجديد كبير، وكذلك لابد من جمع شمل اليسار الفرنسي». اليسار الفرنسي الذي حصل على الأغلبية في فرنسا، لكنها مشتتة بين أوروبا الإيكولوجية 16 في المائة، جبهة اليسار 6 في المائة، وحزب ضد الرأسمالية حوالي 6 في المائة والنضال العمالي واحد ونصف في المائة. وهو ما يعني أن أحزاب اليسار بفرنسا حصلت على حوالي 54 في المائة بهذه الانتخابات، لكن تشتتها والصراعات داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي بين مختلف تياراته كلها جعلت اليسار الفرنسي ضعيفا رغم فوزه. فيلم «هوم» ليان أرثير بيرترون الذي يعتبر إنذارا في مجال البيئة والذي تم عرضه في اليوم العالمي للبيئة يوم 5 يونيو خلق جدلا واسعا بعد أن تابعه 9 ملايين فرنسي حول تأثيره على نتائج الانتخابات الأوروبية بفرنسا، واعتبر أنه كان في صالح لائحة «أوروب ايكولوجي» التي خلقت المفاجأة بحصولها على 16 في المائة، وهي نفس نسبة حزب كبير مثل الحزب الاشتراكي الفرنسي. مخرج الفيلم يرد على هذا الجدل بالقول أن الفيلم برمج منذ سنتين، وأنه كذلك عرض ب 136 بلدا . الانتخابات الأوروبية تميزت بنسبة كبيرة من المقاطعة والامتناع عن التصويت وصلت الى 60 في المائة من مجموع البلدان الأوروبية، مما يعكس التخوف والحذر من الاتحاد الأوروبي والذي يتقاسمه أغلب سكان أوروبا مع استتناءات قليلة تشكلها إسبانيا والبرتغال. العديد من الأوروبيين خصوصا بالبلدان الكبرى مثل ألمانياوفرنسا وبريطانيا يعتبرون بروكسيل عامل تهديد لمصالحهم، وأن العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية هي نتيجة بناء أوروبا، وهو خطاب لا تقتصر على ترويجه أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب القومية، بل حتى الأحزاب الكبرى التي تحمل أوروبا أزماتها ومشاكلها . لهذا، فالانتخابات الأوروبية تعكس تخوفات أغلب الأوروبيين من بناء الاتحاد رغم أنه قطع أشواطا طويلة، وأن قوانيين بلدان الاتحاد هي أوروبية بنسبة 70 في المائة. فمتى تنتهي سكيزوفرينيا الأوروبيين ؟