حينما بادر المغرب إلى قطع علاقاته الديبوماسية مع إيران احتجاجا على «تنامي النشاط الشيعي»، وأعطت وزارة الداخلية تعليمات لمختلف مصالحها بالمدن والأقاليم بتنظيم حملات مراقبة على مختلف المكتبات العمومية ومصادرة الكتب التي لها علاقة بالفكر الشيعي أو بإيران وحزب الله اللبناني، لم يكن يخطر على بال المشرفين على «الأمن الديني» أن الثقب الذي يتسرب منه غاز التشيع يقع خارج التراب الوطني، وتحديدا من بلجيكا، ومن بعض الشيعيين المستقرين ببعض دول جنوب غرب إفريقيا. ويبدو من خلال ذلك أن استراتيجية إيران في توسيع مده الشيعي بمنطقة شمال افريقيا وضمنها المغرب تتمثل في تكثيف ديناميكية مؤسساتها وتمويل عنصرها البشري المكلف بالدعوة في منطقتين رئيسيتين . الأولى جنوب غرب افريقيا والثانية في الدول التي تشهد كثافة عددية للمهاجرين المغاربية وأبرزه بلجيكا. وحسب إحصائيات يتم تداولها في الآونة الأخيرة فإن هناك أكثر من 20 ألف شيعي مغربي بهذا ببلجيكا من بين 30 ألف معتنق لهذا المذهب ينحذرون من أيران والعراق ولبنان وتركيا وسوريا . وقد عملت إيران على خلق بنية استقطاب دعوية تتمثل في إنشاء مراكز وجمعيات ومساجد ومكتبات، وبالأخص في بروكسيل ولييج وأنتويربن. أما في غرب إفريقيا فأناطت استراتيجية إيران بالجاليات اللبنانية المتواجدة بالكوت ديفوار والغابون وسيراليون بدعم شيعة المغرب العربي. إذ يوجد 350 ألف لبناني بدول غرب افريقيا يشتغلون في التجارة ويستثمرون في المعادن النفيسة ويسيرون فنادق ومؤسسات سياحية. وجزء كبير من هذه العائدات التي هي في الأصل تأتي كنتيجه لرؤوس أموال اتستثمرها إيران، جزء من هذه العائدات يوجه إلى شيعة المغرب والجزائر وتونس وليبيا بطرق مختلفة أبرزها التهريب عبر الحدود الجنوبية لهذه الدول. إذن هناك استقطاب في أوروبا ودعم مالي من إفريقيا كي يتسع المد الشيعي الذي يتغذي من كذلك من تطورات سياسية تشهدها المنطقة الإسلامية منذ نهاية الثمانينات . وقد جاء في تقرير انجليزي صدر العام الماضي بأن إن المسلمين الشيعة ...هم الأكثر زيادة حيث أرتفع عددهم إلى أكثر من 400 مليون نسمة, وهو مايشكل ربع عدد المسلمين في العالم البالغ عددهم مليار و 600 مليون نسمة. وكان ممثلون عن الجالية المغربية في بلجيكا قد عبروا، قبل سنوات، عن قلقهم إزاء انتشار المذهب الشيعي بين بعض أبنائهم الذين يتبعون تقليديا المذهب السني المالكي. وجاء هذا تزامنا مع تحذير أصدره عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، من أن أربعة مساجد كبيرة للجالية المغربية في العاصمة البلجيكية بروكسل أصبحت تتبع المذهب الشيعي. ويتحدث ممثلون عن الجالية في بلجيكا خصوصا عن انتشار جمعيات ومراكز شيعية وتنظيمها أنشطة دعوية متنوعة خصوصا خلال شهر رمضان ونهاية كل أسبوع، حتى إن إماما مغربيا شهيرا قد أعلن اعتناقه للمذهب الشيعي، ويتعلق الأمر بالإمام الورداسي المنحدر من مدينة طنجة، وهو يعتبر الأن أول إمام شيعي مغربي، مما أدى إلى تشيع العديد من المترددين من المغاربة على مسجده، نظرا لمكانته في صفوف الجالية المغربية. كما أن هناك حاليا في بروكسيل عدد لا بأس به من الأئمة المغاربة الشيعة. وهذا النشاط تحديدا كان له تأثير مباشر على التحول الى المذهب الشيعي في المغرب وخاصة بمدن الشمال. وقال نور الدين الطويل أمين الهيئة التنفيذية للمسلمين في بلجيكا في تصريح صحافي إن المشكلة تتمثل في أن بعض أبناء الجالية لا يعرف العلم الشرعي ولا المعلومات الخاصة بالدين الإسلامي وبالتالي يتأثرون بالمذهب الشيعي. وشدد على ضرورة قيام الآباء بتوعية أبنائهم بخصوص هذا الأمر. ويتحدث الطويل أيضا عن انتقال هذا التأثير «الشيعي» من بلجيكا إلى المغرب قائلا: «هناك أعداد غير قليلة من المغاربة اتبعوا المذهب الشيعي في بروكسل وينشرون هذا في المغرب، وأستطيع أن أقول لك إن التشييع ينطلق من بلجيكا إلى المغرب والتطرف ينطلق من بلجيكا إلى المغرب». ولدى سؤاله عن الجهات التي تقف وراء نشر التشيع بين مغاربة بلجيكا يقول: «لا أستطيع أن أحدد لك بالضبط من يقف وراء ذلك. بالطبع هناك مصادر خارجية تحرص على تقديم المساعدة والدعم لنشر التشييع في أوروبا وفي المغرب». ولدى سؤاله عن عدد المساجد التي يتردد عليها المغاربة وصارت شيعية قال: «لا أعلم بالتحديد إن كان العدد أربعة أو أقل، لكن الهيئة التنفيذية فيها أعضاء من الشيعة، وهم من المسلمين، والهيئة تمثل جميع المسلمين». وفي رده على سؤال حول وجود نقاش أو حوار مع ممثلي الشيعة داخل الهيئة حول محاولات تشييع المغاربة قال الطويل: «أبلغناهم أننا لا نقبل أن ينشروا مذهبهم في أوساط أبنائنا أو أن تكون لديهم خطط حول هذا الصدد. هم يستخدمون قصصا عاطفية يتأثر بها من لا يملكون خلفية دينية، وتتركز تلك القصص العاطفية حول أهل البيت». وهناك جدل بشأن تسمية الجمعيات التي ينشط فيها الشيعة في مدن بلجيكية مساجد. ويقول موسى كاظم، وهو من الشيعة العراقيين في أنتويرب البلجيكية، إنه لا توجد مساجد للشيعة لكن نسميها جمعيات. وأضاف: «لا يوجد مسجد للشيعة بمعنى كلمة مسجد في أنتويرب. قد يكون هناك ثلاثة أو أربعة جمعيات للشيعة في بروكسل ومسجد واحد أو اثنان على الأكثر، أحدها يُعرَف باسم مسجد الرضا، ويتردد على هذه الأماكن شيعة من جنسيات مغربية وعراقية وإيرانية ولبنانية وإيرانية». ويتفادى غالبية المغاربة في بروكسل الحديث حول الموضوع بحجة أنه موضوع حساس. وكانت صحيفة إلكترونية بلجيكية تُدعى «إيرفيان»، قالت إن العاصمة بروكسل تعد المدينة الأولى من حيث النشاط «الدعوي» الشيعي ببلجيكا، وينشط بها لتحقيق هذه الغاية عدد من الجمعيات والمراكز الشيعية منها المركز الإسلامي الثقافي الشيعي أهل البيت، ومكتبة بيروت، وجمعية الهادي المغربية. وتضيف أن هناك مساجد خاصة بالشيعة ضمنها مسجد خاص بالأتراك الشيعة ويتردد عليه الكثير من المغاربة.