عقدت مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم الثلاثاء الماضي بكلية الآداب و العلوم الإنسانية أكدال ندوة علمية حول موضوع « المجتمع المغربي بين الثوابت و المتغيرات: تحاليل و رؤى». الندوة حاولت تقديم بعض التحاليل والرؤى للقضايا المفصلية المجتمعية التي يعيشها المجتمع المغربي بكل إشكالاتها وأسئلتها المتوترة إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو القيمي، من خلال مساهمة أساتذة باحثون ومؤسسات إحصائية واجتماعية واقتصادية وبيئية. أشغال الندوة افتتحت بكلمة ترحيبية وتأطيرية لمحمد الدرويش رئيس مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة والعلوم وألقيت بالإضافة إلى ذلك كلمات كل من وائل بن جلون رئيس جامعة محمد الخامس أكدال ونزار بركة رئيس المجلس الاجتماعي والاقتصادي و البيئي و كلمة عبد الرحيم بنحادة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وكلمة رئيس الجمعية المغربية لعلم الاجتماع. الجلسة الصباحية ترأسها الأستاذ عبد الرحمان طنكول و قاربت التحولات الديموغرافية والمجالية بمداخلات ممثل المندوبية السامية للتخطيط وممثل المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، فيما تركزت مداخلة الأستاذ عبد السلام الرجواني حول تحولات الهجرة الدولية المغربية وجه آخر للعلاقات المغربية الأوروبية و قام بتشريح هذه التحولات في تمظهراتها و الخيط الرابط بين تشكل معالمها و أفاقها، في حين عنت الجلسة الثانية برئاسة الأستاذ محمد الداهي بالتحولات الاجتماعية و القيمية، وذلك بمداخلة الأستاذ محمد السدرة الذي تطرق لإشكال الازدواجية في أحكام القضايا الأسرية في القانون المغربي من خلال الطلاق و المواريث نموذجا، حيث قدم تمايزا بين مفاهيم الفقه و القانون و الواقع و القضايا الأسرية، مسلطا الضوء على عدة تناقضات تعمتل في الخطاب والمواقف و البنية الاجتماعية و الثقافية. أما مداخلة الأستاذ عبد الفتاح الزين فقد تركزت حول التحولات المجتمعية و البناء الاجتماعي للشباب من خلال محطات مفصلية في تاريخ المغرب الحديث، ودعا إلى القيام بتقييم للواقع السوسيولوجي في المغرب و جبر الضرر المعرفي في سنوات الرصاص، والعمل على تأصيل السوسيولوجيا إلى جانب العلوم الإنسانية الأخرى، والاهتمام بالباحثين الشباب، مداخلة الأستاذ عبد الرحيم المصلوحي عالجت إشكالية: بين الحداثة و التقليد: قراءة في التوترات القيمية في المغرب الراهن، مؤكدا على أن الدولة المغربية ليس لديها هوية انطلاقا من تبنيها لخطابات تتماشى و المرحلة السياسية في وقت المجتمع هو الذي ينتج القيم و الدولة ترعى هذه القيم، فيما صبت مداخلة الأستاذ عمر بن عياش في اتجاه إشكالية الشباب المغربي اليوم مؤكدا على أن المغرب اليوم يعج بالأجوبة في غياب الأسئلة، مبديا عدة ملاحظات حول المسارات الفكرية لحراك الربيع الديمقراطي في غياب كلي لمفاهيم تم إنتاجها إبان هذا الحراك و ليس لها أثر في كتابات و مراجع الفكر العربي مثل شعار إسقاط الفساد و السلمية. الأستاذ يونس زكاري من جهته عالج إشكالية الانتقال الديمقراطي في المغرب من خلال عدة محطات بلورت انخراط المغرب في الإصلاحات مثل الإنصاف و المصالحة و مدونة الأسرة واتفاقية التبادل الحر. الجلسة الثالثة والتي ترأسها الأستاذ الموساوي العجلاوي فقد تطرقت إلى القيم بين الثابت والمتغير حيث تميزت بمداخلة الأستاذة عائشة بلعربي في المسألة النسائية بين الثابت و المتغير، و مداخلة الأستاذ إدريس بن سعيد التي قاربت القيم الاجتماعية و مرجعياتها في مغرب ما بعد الاستقلال: محاولة توصيف، فيما توجهت مداخلة الأستاذ المختار الهراس إلى التوغل في إشكالية العلاقة الشاب/أسرة محددات و انعكاسات التحول، أما الأستاذ عبد اللطيف كداي فقد قارب إشكالية التحولات الاجتماعية و القيمية للشباب المغربي، مقاربة سوسيولوجية بينما تطرق الأستاذ مصطفى المريزق إلى إشكالية دينامية التحول الاجتماعي في المغرب بين تقليدانية المجتمع القروي و معاصرة المجتمع الحضري، ليتم ختام أشغال الندوة بمناقشة عامة. جميع مقاربات المداخلات سعت إلى تشريح الواقع المغربي من خلال عدة زوايا لرصد التحولات العميقة التي تعتمل في البنى و الأنساق الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و القيمية في مغرب يعيش على ازدواجية الثوابت و المتغيرات في كل المناحي، فكان لا بد من رصد علمي دقيق لهذه التحولات و تشريحها بآليات علمية و تحليلها و تفسيرها و اقتراح بعض الحلول الناجعة، و كان السؤال المتوتر و القَلِق حاضرا بقوة بكل استفزازيته العلمية و المعرفية كآلية من أجل إعادة فهم المجتمع المغربي في حركياته و لحظاته المفصلية و تقديم أجوبة علمية و معرفية تواكب المجتمع في جدليته و إشكالاته الحقيقية. و حول دواعي تنظيم ندوة بهذه المعايير العلمية و الأكاديمية يجيب الأستاذ محمد الدرويش رئيس مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة و العلوم قائلا: « إننا نؤكد على أن المجتمع المغربي اليوم يعيش في أغلب طبقاته أزمة قيم ناتجة عن عجز منظومة التربية و التكوين و الأسر و المنظومة الدينية و الثقافية عن خلق شروط و ظروف المواطنة الحقة، مواطنة الحقوق و الواجبات، مواطنة تجعل من المواطن إنسانا ملتصقا بأرضه الكبرى المغرب، ملتصقا بقيمه الإسلامية و المدنية في مجتمع ديمقراطي حداثي يساهم فيه بشكل إيجابي في تطوير مستويات العيش اقتصاديا و تنمويا و اجتماعيا و ثقافيا، إننا نبغي مواطنا متشبثا بوطنه متعايشا مع أفراده محاورا مستمعا متسامحا، و من المؤكد أن الندوة الوطنية هذه تلامس من خلال العروض التي قدمت مستويين اثنين، تفسيرا و تحليلا وتقديما لبعض الحلول على المستوى الاجتماعي لكل مظاهره و مستوى القيم بكل تمظهراتها». هكذا تكون أشغال الندوة قد رصدت بعض التحولات التي عرفها المغرب و طبيعتها و شروط إنتاجها مخلفة سيلا من الأسئلة و الإشكاليات، لتكون بذلك قد وضعت أرضية لنقاش علمي معرفي موسع يواكب تحولات المجتمع المغربي.