«تلعب الخوارزميات (البرمجة) دورا محوريا في استهلاكنا الإعلامي بدءا من اختيارات سبوتيفاي ونتفلكس إلى التغذية الإخبارية في »فيسبوك« ونتائج البحث في »غوغل«. لكن تأثير الخوارزميات على ميداني الصحافة والديمقراطية بشكل عام، كان محور أحد أبرز الأبحاث التي عرضت أخيرا في مؤتمر الجنوب عبر الجنوب غربي في هيوستن. بدأ غيلاد لوتان، من شركة «بيتاوركس آند ويكلي ماكبرايد« من كلية بونتر إنستتيوت للصحافة، بمناقشة التساؤل حول الدعم الذي يمكن أن تقدمه لنا الخوارزميات لفهم العالم بشكل أفضل، أو ربما تشويه إدراكنا للحقيقة. قالت ماكبرايد: «أعتقد أن أخلاقيات الصحافة بدت أكثر اهتماما في الوقت الراهن بإمكانية نجاح الديمقراطية». وأضافت، مشيرة إلى أماكن التجمع في المدن اليونانية القديمة: »عندما نتحدث عن الديمقراطية، فإننا نتحدث عن سوق للأفكار، وعن قدرة فكرتك على العثور على مكان لها داخل هذه السوق»«. وأضافت: «ربما كان السبب في نجاح الديمقراطية في اليونان هو وجود هذه المساحة. ونحن نقبل بفكرة السوق كأمر مسلم به، لأننا نعيش في عالم نابض بالحياة». وزعمت ماكبرايد أن سوق الأفكار في القرن العشرين تتمثل في الصحافة المهنية بالتكامل مع حراس بوابة هذه الأفكار الذين يمثلهم الصحافيون، وقالت: «إما أن تكون رئيس تحرير أو أن تملك الوصول إلى رئيس تحرير أو أن تتمكن من الوصول إلى وسائل الإنتاج». وأضافت، مشيرة إلى أول صورة شهيرة للطائرة التي هبطت في نهر هادسون، إضافة إلى التدوينات التي لاقت رواجا على نطاق واسع: »لقد تغيرت السوق الحديثة للأفكار كلية خلال السنوات الست أو السبع الماضية؛ فقد تكون أول من ينشر الخبر على الإنترنت». فمن الناحية النظرية، أصبحنا في وقت يمكن لأي فرد فيه أن يكون صاحب فكرة، وينشرها، لتلاقي رواجا كبيرا بين قطاع عريض من السكان دون إذن من حراس البوابة (الصحافيين). لكن التحدي الذي تواجهه هو أن سوق الأفكار في الوقت الراهن تحولت إلى مكان صاخب بدرجة تجعل من الصعوبة بمكان متابعة كل أفكار الآخرين. وقالت ماكبرايد: «إذا نظرت إلى البحث الذي يتناول كيفية حصول الأفراد على الأخبار الآن فستسمع هذه العبارة كثيرا: (إذا كانت الأخبار مهمة، فسوف تعثر عليك الأخبار)، لكن الحقيقة وراء هذه العبارة مهمة للغاية، وهي أنه إذا كانت الأخبار ستعثر عليك فالسبب في ذلك يعود إلى الخوارزميات». كان ذلك هو أساس حديث ماكبرايد ولوتان، فالعمليات الحسابية البطيئة التي تجري في خلفية «فيسبوك» أو «غوغل» والمواقع الإخبارية الكبيرة هي التي تحدد نوعية الأفكار التي يشاهدها الأشخاص. وقال لوتان: «عندما نفكر بشأن هذه الخوارزميات، نضطر إلى التفكير بشأن القوة التي تجذب انتباه الأفراد. لا تتوقع أن يركز الأشخاص انتباههم إلى نقطة معينة في وقت ما لقراءة مقالك؛ فالقوة الكامنة داخل الخوارزميات هي التي تتمكن من جذب انتباهك، ويمكنها جذب انتباهك دون أن نعلم تحديدا كيفية عملها». وانتقد لوتان الانطباع القائم بأن هذه الخوارزميات حيادية، مشيرا إلى أنه ينبغي على المهندسين تقديم عدد من الخيارات لدى عمل هذه الخوارزميات، سواء أكانت نظام إدج رانك الذي يحدد نوعية القصص الإخبارية التي ينبغي عرضها في التغذية الإخبارية لصفحات «فيسبوك» للأشخاص، أو تلك التي تشكل قوائم أكثر عشرة موضوعات أهمية على المواقع الإخبارية. وقال: «أنت دائما ما تغير هذه الأنظمة لتوليد هذا المحتوى الأبرز أو هذه القوائم، لكنك تفعل ذلك معتمدا على حواسك كمهندس، لكن النتائج تبدو جيدة، أو لأن الأفراد يضغطون عليها، لذا فهي ينبغي أن تكون جيدة«. وأضافت ماكبرايد: «هناك فكرة خاطئة شائعة بأننا نعيش سوقا رائدة للأفكار لأن الخوارزميات حيادية. إنها ليست حيادية، لأنها كلها قائمة على هذه الأحكام الحسابية التي قام بها المهندسون باستخدام الخوارزميات«. وللتبيان على ذلك تحدث لوتان عن قائمة أفضل الموضوعات، التي كانت تهيمن عليها في بدايات نشأة هذه الخوارزميات، مثل تهنئة جاستن بيبر لجمهوره النشط على الشبكة الاجتماعية، حيث قام مهندسو «تويتر» بتعديل الخوارزميات لتعديل البيانات المستخدمة لوضع القائمة استجابة لذلك. وتحدث الاثنان عن الأهمية التي منحت لزيادة الإقبال على موضوعات بعينها، مشيرا إلى أن أحداثا مثل زفاف كارادشيان سيظل الأبرز بين القصص الأخرى. على الجانب الآخر، لم يكن السبب في تراجع شعبية هاشتاغ «احتلوا وول ستريت» على «تويتر» عام 2011 يعود إلى ممارسة شركة «تويتر» رقابة على الهاشتاغ، بل لأنها لم تكن نشطة بما يكفي لتدخلها الخوارزميات ضمن أشهر الموضوعات. وقالت ماكبرايد: «إن أكثر ما تبحث عنه المؤسسات الصحافية هو أهم الأخبار التي تنتشر بقوة في السوق«. وأضاف لوتان: «الأشياء التي تحظى برواج في السوق مثل زفاف كيم كارداشيان، سيتغلب على أي خبر آخر على المدى الطويل». وأشارت ماكبرايد إلى أن «تلك الخوارزميات تحظى بتأثير مباشر على قيمة الأخبار، حيث أعطى الكثير من الصحافيين والمنابر الإعلامية بالمقابل أولوية أكبر للأحداث المهمة لأنهم يتوقعون قدرا أكبر من الزيارات إلى مواقعهم. وهو ما يجعل الخوارزميات تؤثر على قراراتهم التحريرية». من ناحية أخرى تتمتع أفكار السوق بتأثير كبير على الخوارزميات، لأن شركات الصحافة في أغلبها تحركها الدوافع الاقتصادية، فهي مجبرة على البحث عن زيادة دخلها؛ فشركات الصحافة تستجيب لهذه الحلول الحسابية لأن هذه الحلول الحسابية لها تأثير على اقتصاديات المؤسسات الصحافية. هل هناك مشكلات؟ ربما. أشارت ماكبرايد إلى أنه في سوق الأفكار في القرن العشرين، كان حارسو البوابات هم رؤساء التحرير الذين ينحدرون من الطبقات المتوسطة الذين يدعمون أفكارهم الخاصة بشأن نوعية القصص والأفكار المهمة، وهي مشكلة بالنسبة لميادين مثل الحقوق المدنية وحركات حقوق المرأة. والتساؤل الآن هو عما إذا كان لقرارات مهندسي البرمجيات عند بناء الخوارزميات عواقب غير مقصودة بشأن نوعية الأخبار التي تبحث عن جمهورها. قالت ماكبرايد: «هؤلاء الأفراد ليست لديهم نوايا سيئة، فهم بصفتهم رؤساء للتحرير يسيطرون على السوق في القرن العشرين لا توجد لديهم نوايا سيئة أيضا، لكننا نعلم أن هناك عواقب غير مقصودة من السماح لهم بالسيطرة على سوق الأفكار». غير أن الأفكار ليست حكرا على الصحافيين وحدهم، فتحدث لوتان وماكبرايد عن خدمة فيديو «فيسبوك» لأشهر الصور التي نشرت على صفحة المستخدم، التي جرى تشكيلها عبر الخوارزميات لتظهر لمستخدمي الإنترنت أبرز اللحظات في حياتهم على الشبكة الاجتماعية، ولمشاركتها مع أصدقاء آخرين كفيديو عاطفي. وقد أعطت هذه الخوارزميات أولوية للأطفال والوجوه الباسمة والصور الجماعية والصور والبيانات التي تلاقي ردا أكبر من الأصدقاء. وقالت: »كان الهدف من فيلم (فيسبوك) فئة معينة من مستخدمي (فيسبوك)». وأشارت إلى أن »الأفراد الذين لا تناسب حياتهم هذه الخوارزميات كانت هذه الفيديوهات أقل إرضاء لهم». وأضافت: «نحن ندرك طبيعتنا كمجتمع عبر القصص التي نرويها بأنفسنا، لكن هناك هذه الفجوة بين ما أنت حقا، والقصة التي ستسمح لك الخوارزميات بروايتها. وكان من أفضل الأشياء أن هذه الفيديوهات لم تستمر، لأنها أسهمت في سعادة الأشخاص الذين صنعت من أجلهم، أما البقية فقد كانت مخيبة للغاية بالنسبة لهم».