يعرض الشاعر والتشكيلي عزيز أزغاي أعماله الفنية الأخيرة بالمكتبة الوطنية بالرباط، ابتداء من 11 أبريل الجاري، وإلى غاية 10 ماي 2014، وهي أعمال جاءت حصيلة ثلاث سنوات من الاشتغال، حاول من خلالها الفنان الإستناد إلى موضوعة الجدار، بكل ما ينطوي عليه من «تكوينات عفوية» سواء كانت كتابات أو أرقام أو رسوم أو علامات. ولذلك اختار الشاعر- التشكيلي لمعرضه هذا العنوان «تكوينات عفوية» مانحا لوحاته حرية تشكلها، ومشاهديها ومتأمليها حرية القراءة والتأويل. في هذه الدردشة الحوار يتحدث الفنان، الشاعر أزغاي عن أعمال هذا المعرض، وعن علاقة الشاعر أزغاي عن أعمال هذا المعرض، وعن علاقة الشاعر بالتشكيلي فيه: أولا لماذا اخترت لأعمال معرضك الأخير هذا العنوان «تكوينات عفوية» وهو عنوان لا يخلو من شعرية على كل حال؟ نعم، إنه عنوان لا يخلو من شعرية، و فيه تضمين لحس الشاعر الذي يختار عناوينه، وفيه لعب أيضا، إلا أنه لعب يشبه الجد، ثم هناك جانب آخر مرتبط بالعمل الفني، باعتبار الموضوعة التي اشتغل عليها، وخاصة في الجانب التقني، إذ لا أستحضر الموضوعة، بل أختارها وأحاول أن اشتغل عليها تقنيا بالدرجة الأولى، لأن التصوير الصباغي في عمقه ليس هو الشعر. طبعا في الشعر قد تحس أنك في مأزق أمام الآخر، الآخر كلغة مختلفة، لذلك حتى الترجمة في كثير من الأحيان لا تفي بنقل الجملة الشعرية، فما بالك بالمعنى؟ وهذا على عكس التصوير الصباغي والتشكيل عموما الذي يبقى ذا لغة كونية. من هنا جاء اشتغالي على موضوعة الجدار كذاكرة وكحيز للاعترافات الفردية الحميمية، وهو بمعنى آخر فسحة للتفريغ، وبالنسبة للمبدع حينما يتعامل مع هذا الأمر تصويريا، فإنه من خلاله أن يبرز اقتناعاته الجمالية ونظرته للكائن وللحياة. كيف استطعت أن تسوق هذه الخلائط من الأصباغ والألوان والمواد لتحقق جمالية هذه التكوينات وإن وصفتها بالعفوية؟ كما هو ملاحظ تقنيا، هناك تركيز كبير وواضح على المادة (وهي هنا مسحوق الرخام كأساس أولي لملء السند سواء كان خشبا أو قماشا)، كما يلاحظ كذلك في أعمال هذا المعرض والذي سبقه أيضا، أن هناك تعاملا فقيرا، أو بالأحرى تفقيريا مع اللون، بل يكاد يكون هناك غياب تام للمفردة اللونية بالمعنى المتعارف عليه، إذ يتم الاكتفاء ب «اللونين» الأبيض والأسود باعتبارهما كوكتيلا لكل الألوان، وهي على كل حال مغامرة حينما يتعلق الأمر بالجمهور المغربي الذي مازال يطرب للأعمال الملونة وللتصوير الانطباعي عوض التجريدي. يلاحظ من خلال تصفح الأعمال الموجودة في الكاتالوغ أن ثمة علامات و«موتيفات» تتكرر في هذه اللوحات، فلم التركيز على هذه الرموز؟ إن هذه العلامات، من قبيل الأرقام والحروف والكلمات والجمل، هي في تقديري نوع من التأثيث الجمالي الذي يعكس نفسيتي أثناء الاشتغال على اللوحة، وربما الأمر قد لا يحتاج إلى تفسير، وهل أستطيع؟ وبدون مبالغة يمكنني القول إن لحظة إنجاز عمل فني، على الأقل كما أعيشها وأتمثلها شخصيا، هي حالة وجودية تكتسي غير قليل من الجذب والارتفاع، وهذا ما يفسر إصراري في هذا المعرض - كما في المعارض السابقة على عدم عنونة اللوحات، لأترك للمتلقي إمكانية ورحمة التأويل على كل طريقته الخاصة. كيف كان انتقالك من الشعر إلى التشكيل، وكيف تعيش هذه المزاوجة بينهما؟ شخصيا بدأت تشكيليا وليس شاعرا، وهذا أمر لا يعرفه كثير من الأصدقاء، وبما أنني ولدت في وسط يتصارع مع لقمة العيش كان من العسير توفير اللوازم الخاصة لممارسة هذا العشق الفني، فلجأت إلى الشعر في محاولة لتصريف هواجسي الإبداعية عبر الكلمة، دون أن أنقطع عن العالم الملون، مواكبة وحضورا للمعارض واللقاءات الفنية، وفي تقديري ليست هناك أية فواصل بين الكتابة الشعرية والتشكيل، اللهم إلا إذا تحدثنا عن أداة الإنجاز.