كشفت التدخلات الأمنية الأخيرة ببعض أحياء مدينة طنجة، المعروفة بإيوائها لتجار المخدرات بكل أصنافها، عن بروز ظاهرة خطيرة تستدعي من الجميع وقفة تأمل لتفكيك جميع خلفياتها وملابساتها. فقد لوحظ مؤخراً أن جميع العمليات الأمنية التي تستهدف تجار المخدرات تواجه بمقاومة عنيفة من طرف ساكنة الأحياء المستهدفة بهدف إرباك رجال الشرطة وعرقلة عملية توقيف المبحوث عنهم. الخطير في الأمر أن مقاومة رجال الأمن يتزعمها دائما منتسبون لتنظيم السلفية الجهادية، بحيث صار مألوفا بمدينة طنجة أن تتحول الأحياء المعروفة كمعاقل للسلفية الجهادية إلى بؤر سوداء ومرتع لتجار المخدرات الصلبة على الخصوص والأقراص المهلوسة، يتضح ذلك من أخطر حيين بطنجة(مبروكة وأرض الدولة)، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب والدوافع الكامنة وراء تحول معاقل السلفية الجهادية إلى ملاجئ آمنة لتجار المخدرات وللمبحوث عنهم من المتورطين في مختلف الجرائم؟... الجريدة استقت آراء العديد من المتتبعين لهاته الظاهرة، وكلهم أجمعوا على أن نقطة التحول المفصلية لهاته الظاهرة بدأت مع تظاهرات 20 فبراير، وما رافقها حينذاك من نزوع السلطات العمومية إلى التهدئة وتفادي الدخول في الاحتكاك مع المواطنين، حيث بدأت المؤشرات الأولى لتحالف تجار المخدرات مع التنظيم السلفي تظهر إلى العلن، وهو ما فسره البعض بميلاد ما يمكن تسميته ب «تبادل المنافع والمصالح بين الطرفين»، كيف ذلك تسأل الجريدة؟. مع بداية الحراك الشعبي، توضح المصادر، بسط التيار السلفي سيطرته على أرصفة شوارع وأزقة المدينة وبصفة خاصة بمقاطعة بني مكادة، وتحول حينها أغلبية المنتسبين لهذا التيار إلى باعة جائلين أو ما بات يعرف ب «الفرّاشة»، وهنا بات من الواجب على قياديي التنظيم توفير الموارد المالية الكافية لتمويل الأنشطة التجارية لمنتسبيهم، ولما كانت القاعدة الفقهية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب» والتي تبيح فعل أي شيء ما دام يخدم ما يرونه واجبا شرعيا، هي التأصيل الشرعي لكل خطواتهم، فإنهم وجدوا ضالتهم في تجار المخدرات الذين كانوا في أمس الحاجة إلى الحماية من الملاحقة الأمنية وتوفير فضاء آمن لممارسة أنشطتهم الإجرامية، وهو ما التزم السلفيون بتوفيره مقابل إتاوات تدفع لقادتهم. ومع إحساس تجار المخدرات بالأمان، وصاروا يتجولون بكل حرية داخل أحيائهم، وأصبحت طوابير الباحثين عن الجرعات اليومية شيئا مألوفا، فإن صفقة التحالف تجاوزت تمويل الأنشطة التجارية لمنتسبي التنظيم السلفي، لتشمل تمويل عمليات تسفير «المجاهدين» إلى سوريا، وهذا ما يفسر التزايد اللافت لعدد «المجاهدين» المغاربة بسوريا المنحدرين من مدينة طنجة. وبالفعل، فإن القوات الأمنية استحال عليها لما يقرب من سنتين، منذ اندلاع الحراك الشعبي، الاقتراب من الأحياء التي تعتبر معاقل للسلفية الجهادية، تضيف المصادر، حيث نجحت هاته الأخيرة في بسط سيطرتها المطلقة على هاته المناطق، التي أصبحت غير خاضعة للمراقبة الأمنية، وصارت أي محاولة لاختراق هاته الأحياء مغامرة غير مأمونة العواقب، وفي كل مرة كان رجال الأمن يحاولون اختراق هاته المناطق كانوا يتعرضون للتهديد بالتصفية الجسدية. غير أنه مع تعيين بلحفيظ واليا على أمن المدينة، تغيرت المقاربة الأمنية، وتقرر اختراق معاقل السلفية بالمدينة، وكان أول تدخل يوم 02 أكتوبر 2012 عندما تدخلت القوات الأمنية لتنفيذ حكم قضائي بإفراغ أحد المنازل الكائنة بحي أرض الدولة، لتندلع أحداث عنيفة نتيجة المقاومة الشرسة التي لقيها رجال الأمن من طرف ساكنة الحي شارك فيها السلفيون وتجار المخدرات والمليشيات الممولة من طرفهم، كل ذلك بتوجيه مباشر من قيادات التنظيم السلفي، اضطرت معه ولاية الأمن إلى استدعاء قوات الدعم من خارج المدينة وتم استعمال الغاز المسيل للدموع من أجل السيطرة على الأوضاع. لقد تفاجأ الجميع، تؤكد مصادر الجريدة، بحدة المواجهات والشراسة التي ووجهت بها القوات الأمنية، غير أنها كانت بمثابة ناقوس الإنذار الذي كشف عن مدى خطورة الوضعية، وصار من اللازم على الأجهزة الأمنية سرعة التحرك لتدارك الموقف قبل أن تتطور هاته العلاقة إلى مستويات يصعب التكهن بتداعياتها، حيث سارعت مختلف الأجهزة الأمنية مباشرة بعد أحداث أرض الدولة إلى تضييق الخناق على قيادات التنظيم السلفي وملاحقتهم، توجت باعتقال العديد من قيادات الصف الأول ممن كانت لهم القدرة على الحشد والتنظيم. هاته الضربات الأمنية المركزة ساهمت في إضعاف نفوذ وهيمنة التيار السلفي الجهادي بأرض الدولة، وهو ما دفع ولاية أمن طنجة إلى تنفيذ تدخل أمني بالحي المذكور يوم 28 غشت من السنة المنصرمة، رصدت له إمكانيات بشرية ولوجستيكية غير مسبوقة، واستمر لثمانية أيام، مكنت من إخضاع حوالي 4000 موقوف لإجراءات الكشف عن الهوية، أسفرت عن اعتقال حوالي 700 شخص أغلبهم تجار مخدرات، من بينهم 120 شخصا كانوا موضوع مذكرات بحث لتورطهم في جرائم مختلفة. وإذا كان التدخل الأمني المذكور قد قوبل بارتياح من طرف ساكنة المدينة، واعتقد الجميع حينها أنه تم تفكيك تحالف تجار المخدرات مع التنظيم السلفي، غير أن تطور الوقائع كشف أن الأمر أعقد مما يتصور، بدليل الأحداث التي اندلعت يوم السبت الأخير بنفس الحي، وكادت تخرج عن السيطرة لولا سرعة الإنزال الكبير للقوات الأمنية مدعومة بفرقة الكمندوس المعروفة بالكفاءة الميدانية لعناصرها. و هي الأحداث التي اندلعت شرارتها مباشرة بعد قيام دورية أمنية بعملية مراقبة روتينية لتوقيف بعض المشتبه فيهم من تجار المخدرات، إذ سرعان ما ووجهت العناصر الأمنية بمقاومة عنيفة من أعضاء منتسبين للتنظيم السلفي مدعومين بمليشيات ممولة من طرف تجار المخدرات، الذين يبدو أنهم سرعان ما استوطنوا هذا الحي مباشرة بعد اعتقال سابقيهم، وهو ما يعطي الدليل الملموس على أن تحالف الطرفين لا زال قائما، بل قادرا على الصمود في وجه الضربات الأمنية. ما تعرض له رجال الأمن من مقاومة عنيفة وشرسة من شأنه أن يشكل رسالة لمن يهمه أمر السهر على استتباب الأمن بهذا الوطن، قصد إيلاء ما يكفي من الاهتمام لتفكيك خيوط هذا التحالف غير الطبيعي بين مافيا المخدرات وتيارات سلفية متشبعة بالفكر الجهادي، ذلك أن عدم التعاطي السريع مع هاته الظاهرة من شأنه أن يؤدي إلى تعقيدات غير محسوبة العواقب، مثلما بات من الواجب أيضا بذل اهتمام مضاعف بالوضع الأمني في هاته المدينة المعروفة بخصوصيتها عن باقي مدن المملكة.