{ بودي لو أسألك، الحاج علي المانوزي عن ما فعلتموه بعد اختطاف الحسن، أي كيف علمتم باختفائه؟ كنت قد غادرت السجن حديثا، أي شهرين أو ثلاثة قبل اختطافه بتونس ك.. وصدقني فخبر اختطافه، جاءنا من المغرب، وكان المصدر موثوقا، لأنه مصدر مطلع ونافذ حينها في الجهاز المخزني.. وعلمنا منه أنه نقل إلى الرباط وبعد مدة قصيرة جاءنا تأكيد لخبر الاختطاف من فرنسا، حيث تحرك ابني رشيد المانوزي وعدد من المناضلين الاتحاديين المنفيين، أذكر منهم ابراهيم أوشلح لمعرفة حقيقة ما جرى... ولقد كاتبوا، حينها، الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، مثلما كاتبوا وزارة العدل المغربية ووزارتي الخارجية والداخلية، وبقيت رسائلهم بطبيعة الحال بلا جواب... بل لقد نفى الجهاز المخزني نفيا قاطعا معرفته بأي شيء عن الموضوع ونفس الموقف وقفته السلطات التونسية. لكن، سيخبرنا مناضلان اتحاديان، كانا ضيفين بدار المقري بالرباط، أنهما التقيا بالحسين في ذلك المعتقل وأنه عذب بشكل فظيع... الأمر يتعلق بالدكتور عمر الخطابي أحد أنجال بطل المقاومة الريفية، المجاهد عبد الكريم الخطابي، وأيضا بلفروح... لكن ما لبثت المخابرات أن قامت بتنقيله إلى المعتقل السري «ب ف3»، حيث سيلتقي هناك الاخوة بوريكات وأربعة عسكريين متورطين في المحاولة الانقلابية للصخيرات، أي الكولونيل عبابو، مزيرق، الشلاط وعقا. وبعد مدة سيلحق بهم، ربما في سنة 1974 المجرمون الثلاثة، قتلة الشهيد المهدي بن بركة أي بوشيش، نولي ودوباي. بقي ابني الحسين هناك. في ذلك المعتقل والسلطات تنكر دوما أي علم لها بموضوعه وبحادث اختطافه حتى يوم 13 يوليوز 1975، حين نجحوا في الهروب من معتقلهم السري ذاك.. هناك وقعت الواقعة، حيث اعترفت السلطات باعتقال الحسين، من خلال المنشور الذي وزعته وعليه صورته، وكانت صورة حديثة، لأنه يظهر فيها بلحية، حيث أعلنت البحث عنه وضرورة اعتقاله. { عفوا، هل عرفتهم بعض التفاصيل عن عملية الهروب، كيف تمت ومن شارك فيها... الخ؟ كان -كما أكد الإخوة بوريكات- ثمة تفكير دائم في الهروب. ولقد استغلوا يوم 13 يوليوز 1972، لأن عدد الحراس كان قليلا، ولا يتعدى حارسين، تمكنوا من إحكام القبضة عليهما بخطة محكمة تماما مثل ما نشاهده في بعض الأفلام، حيث سيطروا على الأول، ثم نادوا على الثاني وكبلوه ووضعوهما داخل مكان الاعتقال وأغلقوا دونهما الباب، بعد أن استولوا على أسلحتهما. ولقد أخذ الأسلحة العسكريون الأربعة، بحكم الاختصاص. إذن، بعد هروبهم تفرقوا إلى ثلاث مجموعات... المجموعة الأولى كان فيها الشلاط وحده. وقد قرر البقاء في الرباط، المجموعة الثانية تضم الإخوة بوريكات ومزيرق وعبابو، اتجهوا صوب مدينة مكناس، أما المجموعة الثالثة فكانت مكونة من الحسين المانوزي وعقا. ولقد اتجهت صوب »عين عودة« أي الطريق المؤدية إلى الدارالبيضاء.. ولابد من أسجل هنا، أني كنت أنا حينها في سجن أغبيلة بعد أن قضيت تلك الفترة الرهيبة التي حكيت لك عنها من معتقل »الكوربيس،« بالتالي لم أعلم بأمر هروبهم سوى بعد أيام اثناء زيارة افراد العائلة لي، حيث أكدو ا لي أن رجال الدرك طوقوا منزلنا وشرعوا يبحثون فيه صبيحة يوم 14 يوليوز 72 وكان ذلك باكرا، حيث الليل لايزال غطاء.. ولخبثهم، فقد أوهموا زوجتي وأبنائي (وبالمناسبة فزوجتي امرأة فاضلة ومناضلة حقيقية، أريد أن اعترف لها بهذه المناسبة بأنها كانت نعم الزوجة والأم والانسانة، وكانت سندا لي ولأبنائنا، وسيجازيها الله عن كل المحن التي شاركتنا فيها... فهي فخر لنا جميعا ولي أنا شخصيا).. قلت لقد أوهموا العائلة أن الأمر يتعلق بابن عمي، المعتقل بسجن القنيطرة المحكوم ضمن محاكمة مراكش الشهيرة سنتي 1971/1970 واسمه هو أيضا الحسين المانوزي.. لقد بقي بالبيت وجواره 13 دركيا وشرطيا، ضمنهم امرأة وكانوا موزعين على سيارات ودراجات نارية بلباس مدني. المهم سأعرف فيما بعد، أن عبابو شقيق قائد المحاولة الانقلابية بالصخيرات ومزيرق قد اعتقلا في الغد، أي يوم 14 يوليوز 1972 بإحدى الغابات القريبة من الرباط، وبعدهما في نفس اليوم الاخوة بوريكات بنفس المنطقة، بعد أن ضبطت طائرة هيلكوبتر الجميع، وأعيدوا إلى نفس المعتقل... مثلما اعتقل الشلاط، أي ثالث العسكريين يوم 14 يوليوز بالرباط. أما عقا والحسين فقد مضى أسبوع كامل دون أن يعثروا لهما عن أثر. ولقد أعلنت حينها حالة طوارئ قصوى في طول البلاد وعرضها، بحثا عنهما ووزعت صور عنهما في كل مصالح الشرطة والدرك والجيش وفي الموانئ والمطارات.. ولقد حكى لي أبنائي وزوجتي أنه حين أفاقوا صبيحة يوم الأحد 20 يوليوز 1972 لم يجدوا لعناصر المخابرات والدرك والشرطة أي أثر جوار المنزل، فأدركوا أن الحسين اعتقل مجددا. وكانوا كلما استيقظوا ووجدوا الشرطة مرابطة يفرحون فرحا عظيما، لأن ذلك بالنسبة لهم معناه أن الحسين لايزال فالتا، وأنه لم يقع في أيديهم.. ولقد أخبروا العائلة أنه اعتقل. { طيب، كيف تأكدت العائلة، الحاج علي، أن الأمر يتعلق بالحسين الابن وليس الحسين ابن العم، كما حاولت السلطات ايهامكم بذلك في بداية الأمر؟ كان هناك أمران:الأول أن مصادر لنا أكدت أن الحسين ابن عمي في سجنه وأنه لم يهرب، والثاني الصور التي وزعتها هذه السلطات وكنا نملك نسخة عنها.. { كيف تم اعتقاله إذن؟ اعتقل وهو عائد إلى الرباط على متن دراجة نارية مع شيخ أواه طيلة ذلك الأسبوع. أما عقا، فقد اعتقل يوما واحد قبل اعتقال الحسين بعين عودة، وعكس ما يقال أنه قتل، فثمة مصادر أخرى تؤكد أنه اعتقل حيا وأنه تمت تصفيته بعد ذلك. { بعد اعتقاله مجددا، هل ثمة شهادات أكدت أنه على قيد الحياة، وأين أصبح مكان اعتقاله؟ هناك شهادات متطابقة نحتفظ بأسماء أصحابها، تؤكد أنه كان حيا، بل لقد تواصلنا معه إلى حدود سنة 1998 أي أواخر 98 وبدايات 99 والمجلس الاستشاري يطالبنا بأصحاب هذه الشهادات ونحن لا نقول لهم شيئا، لأنه ماهي الضمانات. بل ثمة مصادر تؤكد لنا أنه لا يزال حيا، هو ورفاق آخرون.. بل إن السلطات العليا في وزارة الداخلية اتصلت بنا سنة1991ثم في1994 وأكدت لنا أن الحسين حي وسيطلق سراحه في إطار العلو العام الشامل، وطلبوا منا أن نكون متفهمين، وأن لا نقيم أي ضجة إعلامية وما شابه... لكن لا شيء من ذلك تحقق، وأؤكد لك أن مختطفين سابقين تعرفوا عليه في هرمومو (رباط الخير حاليا) سنة 91، ثم مصادر أخرى أكدت لنا أنه نقل إلى الرباط سنة 94.. ولقد توصلنا سنة 1998 أنه لايزال في الرباط.. وبالتالي، نحن عائلة المانوزي نؤكد أنه لا يزال هناك أحياء وضمنهم ابني الحسين المانوزي.. وإذا كان الأمر عكس ما نمتلكه من يقين نطالب أن نتسلم رفات ابننا الحسين وأن نتمكن من التأكد من هوية ذلك الرفات... أما غير ذلك فمعلوماتنا تؤكد أن الحسين لايزال حيا.. وإن طال الله العمر لي ولأمه، فإننا سنلتقي، أما إذا كان قد فارق الحياة مؤخرا، وأنا الآن أقارب التسعين سنة وأمه تجاوزت السبعين، فموعدنا الجنة عند الله. من حوار سابق أجراه مع الزميل لحسن العسيبي