الصديقات والأصدقاء الأعزاء، مساء الخير والحب والوفاء والاعتراف، أشكر الإخوة في حلقة أصدقاء ديونيزوس على تنظيمهم هذا اللقاء الممتع، احتفاء بأستاذنا الكبير، الصديق الأديب محمد برادة، وتكريما له ولعطائه، واحتفاء أيضا بصدور روايته الجديدة، داخل هذا الفضاء الحميمي الخاص، بحضور أصدقائه وقرائه وعشاق كتاباته. لم أكن مبرمجا لأقول كلمة في حضرة أستاذي الصديق محمد برادة، مع صعوبة هذا الأمر بالنسبة لي طبعا، ومع ذلك، أجد أنه تغمرني سعادة خاصة، في هذه المناسبة الأنيقة، في حضرة إنسان استثنائي قل نظيره. لقد عودنا الأستاذ برادة على أن نتحدث معه، وليس عنه، هو الذي يحرص دائما على أن يشعرنا بأننا في حضرة صديق لنا فقط، يوثر الاستماع إلينا، وإلى رغائبنا وهمومنا وأسئلتنا... ومع ذلك، لا بد من قول كلام حق في حضرة محمد برادة، وإن كان من الصعوبة لملمة مختلف صوره، في مثل هذه العجالة، في تعدد حضوره وتنوعه وفيض ألوانه، فهو الإنسان والرائد والأديب والباحث والمترجم والمناضل والأستاذ والمثقف الكبير. تحدث الإخوة قبلي عن جوانب من محطات مضيئة للأستاذ محمد برادة، واسمحوا لي أن أتحدث بدوري عن أوجه أخرى لهذا الرجل، الذي يعتبر من القلائل الذين يتحقق حولهم الإجماع، محليا وخارجيا، فهو أحد الأسماء البارزة والمؤثرة في مشهدنا الثقافي والأدبي العربي، عرف بمساهماته، منذ عقود خلت، في تحديث الدرس الجامعي ببلادنا، وفي توطيد جسور التواصل الثقافي بين المغرب والمشرق، بمثل مساهمته، أيضا، في تفعيل المشهد السياسي، وتحديث المشهد الثقافي والأدبي والنقدي في المغرب، عدا دوره البارز الذي لعبه، الأستاذ برادة، إبان رئاسته لاتحاد كتاب المغرب لفترات متتالية، على مستوى تطوير هذه المنظمة الثقافية العتيدة، والدفع بها نحو ارتياد آفاق جديدة، هي أكثر تحررا، وأكثر حداثة ومردودية وإشعاعا. فمع رئاسة الأستاذ محمد برادة لاتحاد كتاب المغرب، تعمق الانفتاح أكثر على الأفق الثقافي والأدبي العربي، بالنظر لطبيعة العلاقات والصلات التي كان محمد برادة قد نسجها، ولا يزال إلى اليوم، مع المثقفين والأدباء المشارقة، وغيرهم، فكان بذلك خير من ساهم في تحريك عجلة الحوار الثقافي العربي، وفي التكوين الحقيقي للثقافة والإبداع العربيين، سواء من موقعه الاعتباري كأستاذ جامعي، أو باعتباره رئيسا لاتحاد كتاب المغرب، ومناضلا ومثقفا تقدميا. ولم يتوقف حضور محمد برادة ودوره، على مستوى تعميق أواصر التواصل والحوار الثقافي والأدبي بين المشارقة والمغاربة، عند هذا الحد، إذ يشهد له، أيضا، بإسهامه الكبير في تنظيم اللقاءات والحوارات العميقة بين المبدعين والنقاد والباحثين، في كل من مصر والمغرب وفرنسا وبلجيكا، وفي مد جسور الصداقة لصالح تطوير الأدب العربي. ويكفي أن نشير هنا إلى بعض الأدوار الطلائعية التي لعبها محمد برادة في سبيل تقريب المثقفين والمبدعين والنقاد المغاربة من زملائهم المشارقة، ولم تتوقف مبادرات محمد برادة الجميلة والمضيئة... يشهد لمحمد برادة، كذلك، ومنذ زمان، بتشجيعه المتواصل للأقلام وللأصوات الشابة والأجيال الجديدة، فتجده لا يتوانى عن حفزهم على الكتابة والعطاء، وعلى مساعدتهم على نشر أعمالهم وكتبهم، فتجده يوفر لهم منابر النشر وفضاءاته، داخل المغرب وخارجه، ويدفع بهم لحضور اللقاءات والأنشطة الثقافية والمشاركة فيها، هنا أو هناك، كما يقترحهم لعضوية اللجان الثقافية، في أكبر المراكز والهيئات الثقافية ودور النشر بالعالم العربي وخارجه... كل ذلك، إذن، يجعلنا أمام شخصية مبدعة وأصيلة من العيار الثقيل، وأمام شجرة وارفة الظلال، تتوزع أغصانها المثمرة كاتبنا. ونحن في هذه الأمسية البهية، إذ نستعيد جوانب من سيرة محمد برادة العطرة والمتوهجة، فإننا نستعيد في الأصل تاريخا وتجربة إنسانية وإبداعية استثنائية، طافحة بالعطاء والإنتاج والممارسة والنبل والتفاني، وتتميز بحسن الإصغاء للآخر، وإعادة الاعتبار للغة الأدب والإبداع، والتنبيه إلى حقيقة الحياة وجوهرها، وإلى صعوبات الكتابة ولذتها... وفي هذا الإطار، لابد من الإشارة، أيضا، إلى التأثير الكبير الذي مارسه محمد برادة، ولا يزال، على فئة عريضة من النقاد والباحثين المغاربة وغيرهم، سواء فيما يتعلق بطريقة تمثله وقراءاته للنصوص وتحليلها، أو فيما يتصل بطريقة كتابته لنصوصه الإبداعية، بما خلفته من دهشة حداثية غير مسبوقة، أو ما يرتبط بطبيعة لغته النقدية، حيث يشهد له باكتساح معجمه اللغوي النقدي الخاص عديد الدراسات والأبحاث الجامعية وغيرها، بل وثمة الكثر من المصطلحات والكلمات والمفاهيم التي يرجع الفضل في نحتها إلى محمد برادة، فأضحت اليوم تشكل معجما لغويا نقديا مرجعيا متداولا بشكل واسع، هنا وهناك... ومن يذكر اليوم اسم محمد برادة، يذكر أسماء بعض المدن الشهيرة، الراسخة في الذاكرة والوجدان: فاس، الرباط، القاهرة، باريس، بروكسيل، هناك حيث يقيم الطرف الآخر من برادة، وحيث تمتد رحلة أخرى للأستاذة ليلى شهيد، بشموخها وكرمها ونبلها وقوة شخصيتها، والتي يسعدنا أن نحييها جميعا بهذه المناسبة الأنيقة، في نضالها الدائم لإسماع صوت وطنها فلسطين في المحافل الدولية، وفي دفاعها المستميت عن عدالة قضية وطن وشرعيتها. هذا، إذن، جزء يسير من سيرة إنسان استثنائي بامتياز، بما هي سيرة شجرة ستبقى ممتدة فينا وفي الأجيال اللاحقة، مهما تباعدت الأزمنة، ومهما تغيرت الأمكنة وتبدلت الوجوه... فتحية خاصة للأستاذ محمد برادة في حضرة الأصدقاء الجميلين، أصدقاء ديونيزوس...