في نفس الأسبوع الذي اشترت فيه شركة «فيس بوك» شركة «واتس أب» بقرابة 20 مليار دولار، أعلنت شركة «كومسات» أنها تريد شراء شركة «تايم وورنر» 45 مليار دولار. على مسرح الرأسمالية الأميركية، ليس هذا جديدا. لكن، لأنه يؤثر على حرية التعبير، آثار مناقشات كثيرة في الولاياتالمتحدة. في الأسبوع الماضي، كتبت صحيفة «هافنغتون بوست» الإلكترونية: «يمكن أن تبلع الأسماك الكبيرة الصغيرة، لأن الصغيرة كثيرة، ولأن التي لم تبلع ستكبر وستبلع الأصغر منها». لكن، عدد شركات الإعلام الأمريكية الرئيسة محدود. ويبدو أن بعضها يريد، حقيقة، الاحتكار. مثل «كومسات». قبل خمس سنوات، اشترت شركة «إن بي سي يونيفيرسال» بأكثر من 40 مليار دولار. وها هي تريد المزيد. ليس ذلك فحسب، بل إنها تريد توسيع احتكاراتها خارج الولاياتالمتحدة. وخصوصا في أمريكا اللاتينية. في مثل: البرازيل، وفنزويلا، والأرجنتين، والمكسيك. ما «كومسات»، ومن وراء هذا الطموح الاحتكاري؟ يختصر اسمها عبارة «مؤسسة الاتصالات الفضائية». وكما يدل اسمها، وعكس شركات أخرى في هذا المجال، بدأت بالأقمار الفضائية. عكسها، بدأت «تايم» بالصحف، وبدأت «وورنر» بالأفلام، وبدأت «إن بي سي» بالتلفزيون. ويوجد اختلاف آخر: بدأت »كومسات« مؤسسة شبه حكومية، بقرار من الكونغرس عام 1963 لتشجيع الاتصالات الفضائية السلمية. وصارت تنتج، وتوزع، وتدير، مختلف أنواع الأقمار الفضائية. في ذلك الوقت، كان البنتاغون، لمنافسة الروس الذين سبقوا الأميركيين بالقمر «سبوتنيك»، قطع مجالات بعيدة في إطلاق الأقمار الفضائية العسكرية. في وقت لاحق، أسست »كومسات« منظمة «أنتلسات» (مجموعة الاتصالات الفضائية الدولية)، والتي يبلغ عدد الدول الأعضاء فيها اليوم 150 دولة. لكن، كان لا بد أن تثير شركات الاتصالات التجارية مشكلات مع هذه الشركة شبه الحكومية. وفي عام 1998، تحولت «كومسات» إلى شركة خاصة، وفي الحال، وحسب ترتيبات مسبقة، اشترتها شركة «لوكهيد مارتن» (التي تساعد البنتاغون في مجال الأقمار والاتصالات الفضائية). وفي وقت لاحق، تخصصت «كومسات» في مجال اتصالات التلكس، والفاكس، والموبايل، والإنترنت. ومثل غيرها من الشركات العملاقة في هذا المجال، بدأت تشتري وتبيع شركات كبيرة وصغيرة. ولم تخف رغبتها، أن ليس لاحتكار كل المجال، ولكن للسيطرة عليه. وحسب تفسير ديفيد كار، صحافي في صحيفة «نيويورك تايمز»، تثير «كومسات» تساؤلات لأنها تعمل بطريقة «ستليث» (خفاء). واتهمها آخرون بالآتي: أولا: تعمل في صمت عندما تخطط لشراء شركات أخرى. ثانيا: يبدو أنها تتعاون سرا مع شركة «لوكهيد مارتن» التي تنتج أسلحة ومعدات عسكرية. ثالثا: يبدو أنها تتعاون سرا مع أجهزة استخباراتية. ويقف وراء الاستثمارات الأخيرة، المريب منها وغير المريب، رئيسها بريان روبترز، الذي خلف عملاقا آخر هو: جون مالون. لسنوات، كان مالون مرشد روبرتز. وكان طبيعيا أن يخلفه. ويشتهر الاثنان بالعمل بعيدا عن الأضواء. غير أنهما نجحا، حتى الآن في الولاياتالمتحدة، في السيطرة على الآتي: أولا: نسبة 30 في المائة من سوق تلفزيون الكيبل. ثانيا: نسبة 40 في المائة من سوق التلفزيون اللاسلكي. ثالثا: القدرة على المساومة في تحديد الأسعار في مجالات مثل: اشتراكات التلفزيون، اشتراكات الإنترنت، أفلام الإنترنت مثل «نيتفليكس». وفي تعليق على نفس الموضوع، كتبت صحيفة »هافنغتون بوست« الإلكترونية أن «كومسات» صارت تتمتع بقوة شبة احتكارية. ويبدو أنها، حقيقة، تريد الاحتكار. لكن، طبعا، توجد في القانون الأميركي مواد قوية تمنع الاحتكار. حتى دون الاحتكار، صارت »كومسات« تركز على حقيقة أن الناس صاروا يتحولون، تدريجيا، من التلفزيون العادي إلى تلفزيون الإنترنت. لكن، لأن نسبة كبيرة من إرسال التلفزيون، وإرسال الإنترنت، تنتقل عبر شركات «كيبل»، تستثمر شركة «كومسات» حسب نظرية »وين، وين« (تكسب وتكسب: يمينا ويسار). تكسب اشتراكات التلفزيون، واشتراكات إشارت الإنترنت (الذي تنتقل نسبة كبيرة من إشاراته عبر شركات «كيبل»). ومن هنا تأتي أهمية سيطرة «كومسات» على «تايم وورنر»، صاحبة حصة كبيرة في استثمارات الكيبل. وحسب «هافنغتون بوست»، بدأت أجراس الخطر تدق في مكاتب «نيتفلكس» التي تقدم الأفلام في الإنترنت. وهنا، يوجد احتمالان: أولا: ستزيد «كومسات» رسوم نقل هذه الأفلام عبر الكيبل الذي تملكه. والثاني: ستريد شراء «نيتفلكس». هذا، رغم أن الرئيس الجديد روبرتز قال، في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه شراء «تايم وورنر»: «نعمل نحن لصالح المستهلك، ولصالح المنافسة، وللصالح العام». وكتب ديفيد كار: «يوجد فرق بين القول والواقع». وقصده أن «كومسات» تريد مصلحتها طبعا. ليس ذلك فحسب، بل تقدر على إقناع أعضاء في الكونغرس ومسؤولين في المؤسسات الحكومية لإجازة شراء «تايم وونر». في عام 2009، عندما اشترت «إن بي سي يونيفيرسال»، واجهت نفس صيحات الحذر من نوياها الاحتكارية. لكنها حققت ما تريد. لا يمكن القول إنها تقدم رشوة مباشرة أعضاء الكونغرس المختصين في هذه المجال. كنها تقدم تبرعات لحملاتهم الانتخابية. وفي كل سنة، تأتي على رأس الشركات التي تتبرع لأعضاء الكونغرس. (جملة 20 مليون دولار في عام 2013 فقط). ولا يمكن القول إنها تقدم رشى لأعضاء لجنة الاتصالات الفيدرالية (إف سي سي) رشوة مباشرة. لكنها، مثلا، عينت ميرديث أتويل، عضوة اللجنة السابقة، مديرة لمكتب «اللوبي» (الضغط على أعضاء الكونغرس وعلى المسؤولين في الحكومة) الذي تملكه في واشنطن. ولا بد أن ميرديث ستستفيد من علاقاتها السابقة مع أعضاء اللجنة. في نفس الوقت، صار توم ويلار، مدير سابق في مكتب «لوبي» شركات «الكيبل»، بما فيها «كومسات»، عضوا في لجنة «إف سي سي». ولا بد أنه سيتأثر بظروف وظيفته السابقة. وهكذا، تعمل «ستيلث واشنطن» (واشنطن في الخفاء). ولا بد أن هذه يناسب «ستيلث كومسات».