لعل المتتبع لرياضة الكرة الطائرة الوطنية يحن منذ مدة إلى أيام الحقبة الذهبية لهذه الرياضة الأولمبية، خاصة سنوات السبعينيات والثمانينيات، حيث كان عمالقة الطائرة يحلقون عاليا، داخل وخارج الوطن، أمثال المرحوم بوجلابة وحمدي وكذلك السرحاني وعلكي، دون نسيان عبد الرزاق العلام، الذي تألق في إسبانيا وإيطاليا. وكما جاء على لسان رضوان الزوين، أحد قيدومي التحكيم في هذه الرياضة، في أحد تغريداته الالكترونية، فإن هؤلاء الأسماء أصبحت بدونهم رياضة الكرة الطائرة يتيمة ولقمة سائغة للذئاب التي تتربص بها وأوصلتها إلى ماهي عليه حاليا، وجعلتها تدور في حلقة مفرغة ولا من منقذ لها. بل أكثر من ذلك تشتت الآراء والحلول بين فعاليات ما يزيدها تدهورا ويدخلها في مصير مجهول .. فبالرجوع إلى كرونولوجيا تاريخية حول هاته الرياضة، والحالة المزرية التي وصلت إليها، فلا يختلف اثنان أن تعيين لجنة مؤقتة لإدارة شؤون اللعبة بعد بطولة افريقيا التي احتضنتها طنجة كان بداية دخول اللعبة في غيبوبة وموت إكلينيكي ممنهج من طرف أشخاص كان همهم الوحيد هو إسقاط المكتب الجامعي، الذي كان يرأسه آنذاك عبد الهادي غزالي، حيث كانت المؤامرة محبوكة قبل انطلاق البطولة. وحسب مصدر من المكتب القديم، فضل عدم الكشف عن هويته تفاديا لزيادة الاحتقان، فقد بدأ التخطيط للإطاحة بالمكتب الجامعي السابق، بحشد وتأجير مجموعة من الأشخاص لحمل لافتات وشعارات ضد الجامعة القديمة المنحلة، وكذا تسليط بعض المدربين والمسيرين من المدينة المحتضنة للتظاهرة، أي طنجة، لتحريض عناصر المنتخب الوطني آنداك على العصيان والدخول في إضراب جماعي والاحتجاج عند زيارة الوزير المكلف بالرياضة في تلك الحقبة، بغاية التضغط على المكتب الجامعي ورئيسه الغزالي عبد الهادي ودفعه إلى الرحيل عن الجامعة. هذا السيناريو نجح خاصة بعد الظهور الباهت للنخبة الوطنية، والذي كان جانبا من الخطة، واضطرت الوزارة إلى استدعاء الغزالي وتخييره بين الاستقالة الاجبارية أو الاقالة، حيث فضل الرئيس تقديم استقالته اضطراريا، وهو ماتم التخطيط له بطنجة، ليتم تشكيل لجنة مؤقتة تدير شؤون اللعبة، بعد استسلام أعضاء المكتب المديري في الجامعة المنحلة رغم أن القانون يخول لهم عقد جمع استثنائي لانتخاب رئيس جديد. كما أن حزم الوزارة عجل بتعيين لجنة مؤقتة يرأسها كمال الهجهوج ويساعده ككاتب عام عمر السوالي، حيث أدارت هاته اللجنة دواليب الجامعة لمدة سنة كاملة، وكانت محط انتقادات، خاصة من طرف الضالعين في خبايا اللعبة. وتعد خطوة الوزارة بحل الجامعة انذاك حركة غير محسوبة العواقب وتدخلا سياسيا في جامعة رياضية، الشيء الذي يخالف الاعراف الرياضية الدولية. ودائما وللتاريخ، بدأت اللجنة المؤقتة تهيء لعقد جمع عام انتخابي اعتمدت خلاله، و تطبيقا للقانون الجديد للتربية البدنية، الانتخاب باللائحة الذي يعتبر ولحد الساعة غير ملائم لاغلب جامعاتنا الرياضية، وتتخلله اختلالات كبيرة، كما ان اللجنة المؤقتة راسلت الاندية بخصوص القانون الاساسي للجامعة، والذي سيثير خلال الجمع العام ردود أفعال كثيرة واحتجاجات بلغت الى حد مشادة كلامية كادت تتطور الى تشابك بالايدي خاصة بين العضو الجامعي الاسبق العموري ورئيس اللجنة المؤقتة الهجهوج، بالاضافة الى استعانة ثريا أعراب بعون قضائي لتدوين ومعاينة خرق القانون المتمثل في حذف الفصل التاسع من القانون الاساسي، والذي يفرض على رئيس اللائحة الانتخابية ان يكون قد مارس سنتين على الاقل في تسيير نادي منضو تحت لواء الجامعة، وهو الشرط الذي لم يكن متوفرا في عبد العزيز بنشقرون، ممثل الفتح الرباطي والمرشح لرئاسة الجامعة، إذ رغم كل الاحتجاجات قبل وأثناء و بعد الجمع العام، انتخبت لائحته، التي كانت وحيدة بالرغم من عدم توفره على أهلية رئاسة الجامعة، رغم أن الهجهوج رئيس اللجنة المؤقتة اعترف في تصريح لجريدتنا خلال ندوة صحفية عقدها بقاعة الاجتماعات التابعة للقاعة المغطاة، بأن الفصل 9 كان موجودا بالقانون الاساسي، وأن وجوده يعد خطأ مطبعيا، مما أثار ضجة أخرى في الاوساط الرياضية المهتمة باللعبة، وإشارة واضحة لتحيز اللجنة المؤقتة ومديرية الرياضات بوزارة الشباب والرياضة، حسب المعارضين انذاك للطريقة التي انتخب بها بنشقرون، حيث لم يستطيعوا مواجهة الجهاز الوصي على الرياضة، في حين هللت جل الاندية للائحة المنتخبة، خاصة الاندية الفقيرة التي وعدها الرئيس بجلب مليار سنتيم للجامعة، وهو الشيء الذي لم يتحقق لحد الساعة. يتضح من خلال هذا السرد التاريخي أن بداية نكسة هذه الرياضة الاولمبية فيها مسؤولية كبيرة لوزارة أوزين، التي كثرت أخطاؤها في الآونة الأخيرة، وجعلت الاتحادات الدولية تتدخل في الشؤون الرياضية الوطنية. وإذا كان تدخل وزارات الرياضة في الدول الأخرى غالبا ما يكون في مصلحة الرياضة وتطويرها، يبدو أن زمن لمسات الوزير أوزين ستجر الويلات على الجامعات الرياضية المغربية، وخير دليل على ذلك هو الصفعة القوية التي تلقاها من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) لما رفض جمع جامعة الكرة وماترتب عنه لعدم توافق نظامها الأساسي مع قوانين (الفيفا)، ولم يستفق أوزين من هذه الصفعة حتى تلقى صفعة أخرى من (الفيبا) عندما هددت بتجميد عضوية جامعة السلة، إذا لم يتراجع الوزير عن التدخل في شؤون الجامعات الرياضية، ورغم ذلك يبدو أنه لم يستوعب الدرس، حيث ألغى جمع الكرة الطائرة، التي ظل يتفرج على اختلالاتها منذ مدة دون أن يحرك ساكنا، مع العلم بأنه كان يتوصل عبر بريده الإلكتروني بكل المستجدات من خلال الرسائل الإلكترونية التي يرسلها موقع أطلق على نفسه اسم ففناني فولي بول Fanativolleybll أنشئ للدفاع عن هذه الرياضة وفضح كل ما يقع داخل مكتبها الجامعي وذلك منذ انتخاب بنشقرون عبد العزيز، حيث جاء تدخل أوزين في هذه الجامعة متأخرا كثيرا، ولم يرق، حسب المتتبعين، الى ما كان منتظرا، إذ أن قراره بإلغاء الجمع الذي دعا إليه الرئيس، والذي كان مقررا يوم 16 من هذا الشهر، وأيضا جمع الأندية الذي كان منتظرا يوما واحدا قبل جمع الرئيس، يعد قرارا ارتجاليا وغير مدروس، ولم يأت بحل ناجع ودائم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الرياضة، التي كانت تجلب مبارياتها العائلات والمثقفين، وأصبحت الآن تحت رحمة بعض الأشخاص، الذين يوظفون «الحياحة»، وهو ما تضح بشكل جلي في نهاية كأس العرش بطنجة، حيث استقدمت مجموعة من المنحرفين بقاعة الزياتن، من أجل إرهاب جمهور الفريق المنافس، واحتلوا رقعة الملعب بعد نهاية المباراة، إذ لو لا يقظة رجال الأمن لتحولت الأمور إلى الأسوأ . هذا الوضع، وإن كان قد تنبأ به البعض، فإنه لم يخطر ببال من تشبثوا بوهم الإقلاع مع ذهاب المكتب المديري المنحل وانتخاب بنشقرون، وكنا قد نبهنا اكثر من مرة لحساسية المرحلة، خاصة وأن أغلب أعضاء الجامعة غير متمرسين، ومنهم من لم يفلح في تسيير ناديه، قبل أن ترمي به الأقدار الانتخابية والحسابات المصلحية في حضن الجامعة، مما جعل الانتقادات تأتي من كل جانب على رأس المكتب المديري الجديد، وبرزت الانقسامات والخلافات الداخلية بين الأعضاء منذ الشهور الأولى من تسيير دواليب الجامعة، الأمر الذي أدى بثلاثة أعضاء فإلى الانسحاب «قبل خراب مالطة،» وكانوا محقين في ذلك والتاريخ سيحسب لهم شجاعتهم في هذه اللحظة، حيث كان نائب الرئيس صلاح بنيد رئيس الاتحاد الرياضي صائبا في قرار استقالته، لأنه لم يجد الجو الملائم ، قبل تليه استقالات أعضاء جماعيين آخرين، لان فقد كانت وجهات النظر كانت متباينة بين أعضاء المكتب المديري ورئيس الجامعة في أغلب الأوقات وفي أمور عديدة برزت عندما نصب رئيس الجامعة نفسه مسؤولا عن اللجنة المركزية للتحكيم بعد إزاحة رئيسها شكيب الزلاجي، ممثل جمعية سلا لخلافات بينهما ستتبين أسبابها لاحقاً، قبل أن يعمل على تنصيب نفسه مرة أخرى ناطقاً رسمياً باسم الجامعة ورئيس لجنة التواصل، خلفاً لصديقه عبد الله لعتريس ممثل النادي القنيطري، عندما احتدم الصراع بينهما على أمور تسييرية بالجامعة انتهت بإصدار بلاغات متباينة، لتحتد الصراعات والاتهامات فيما بعد بين مجموعة من الأعضاء والرئيس وصلت إلى نشر غسيل الجامعة عبر وسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة، في حياد سلبي تام للوزارة التي لم تتدخل لإصلاح ما يمكن إصلاحه، باعتبارها وصية على الرياضة دون أن تنصب نفسها طرفاً كما فعلت في السابق، بعدما حلت الجامعة وأتت بلجنة مؤقتة. الاستقالة الجماعية لعشرة أعضاء من المكتب المديري لجامعة الكرة الطائرة، لم تأت للاحتجاج على التسيير فقط، بل كان أساسها هو الاختلاف على صرف تعويضات التنقل وعدم اقتسام كعكة الجامعة بالطريقة التي يريدها بعض الأعضاء، هذا لا يعني أن الكل استقال من أجل ذلك، بل هناك من وجد نفسه قد تورط في دخول الجامعة مع بعض الأشخاص الذين يريدون الركوب على صهوة الجامعة لقضاء مآرب شخصية والاستفادة من امتيازات على حساب الرياضة ووجدوا أنفسهم في نفس سلة هؤلاء، ففضلوا الانسحاب ولو أن أسماءهم معروفة وعددهم جد قليل. الأمور الآن بجامعة الكرة الطائرة تشابكت والعبث خيم بجنباتها وارتجالية الوزارة في معالجة المشاكل زادت الطين بلة، والمصير نحو المجهول أصبح أمراً واقعاً، كما أن الانقسامات بين العناصر المتدخلة في اللعبة تجر هذه الأخيرة إلى الهاوية، فالرئيس ينتظر لقاء الوزير للاستمرار في الرئاسة والأندية تتحد للإطاحة به نهائياً، وأوزين يأتي بفتوى تشكيل لجنة لتصريف أعمال الجامعة إلى حين عقد جمع عام انتخابي، في خطوة مسؤول يبحث عن أسهل الحلول، مما يعكس عدم وجود رؤيا واضحة لإرجاع الكرة الطائرة إلى سكتها ولو أنها مهترئة ويلزمها الوقت قصد الترميم والإصلاح. إن المتضرر من كل ما يقع في الكرة الطائرة حالياً هو الممارس، وبعده النادي، فالبطولة الوطنية لم تنطلق إلى حد الساعة، وهو أمر يعد كارثة رياضية وحالة شاذة، وأصبحنا الآن أمام سنة بيضاء، لأن الموسم الرياضي يوشك على الانتهاء، وموعد انطلاق البطولة رهين بعقد الجمع العام السنوي، حسب الفصل 17 من النظام الأساسي للجامعة. ويلاحظ أن بعض الفعاليات بدأت تحس ولو متأخرة بضرورة انطلاق البطولة، ودعوت إلى تنظيم أيام تشاورية وتصالحية، فبعد اليوم التشاوري بالجديدة المنظم بمبادرة من بعض الأعضاء بمعية وجوه رياضية في الكرة الطائرة، فإن دعوة أخرى تحث الأندية على الانضمام لها يوم 22 من الشهر الجاري، بمعهد مولاي رشيد للتشاور من أجل العمل على انطلاق البطولة الوطنية، إذا لم يدع رئيس الجامعة بنشقرون خلال أسبوع إلى عقد جمع عام غير عادٍ، حيث أن القانون النموذجي 30.09 يخول للأندية بثلث أعضاء المكتب المديري أن تدعو إلى عقد جمع عام استثنائي في أجل أقصاه شهرين. نحن الآن أمام خيار واحد، وهو تغليب المصلحة العليا للرياضة، من أجل للنهوض بهذه اللعبة وإخراجها من النفق المظلم، الذي دخلت فيه بسبب تضارب مصالح أعضاء انتخبوا من أجل الإقلاع بهذه الرياضة، كما أن الأندية مطالبة هي الأخرى بتحمل مسؤولياتها ، لأن النوادي القوية هي التي تفرز جامعة قوية وقادرة على الإقلاع باللعبة بعيداً عن الرغبات الشخصية. و أن تتضافر الجهود وتذوب الخلافات وتغلب الروح الوطنية والمسؤولية الرياضية في تجاوز هذه الأزمة، التي ضربت برياضتنا الوطنية عامة والكرة الطائرة خاصة.