صدرت مؤخرا، ضمن منشورات دار نماء للدراسات والأبحاث، الطبعة الثانية لكتاب الباحث المغربي امحمد جبرون «إمكان النهوض الإسلامي، مراجعة نقدية في المشروع الإصلاحي لعبد الله العروي». وهو كاتب وباحث مغربي، متخصص في التاريخ والفكر السياسي الإسلامي، حيث سبق أن أصدر: الفكر السياسي في المغرب والأندلس في القرن الخامس الهجري، المقاصد في الفكر الإصلاحي الإسلامي، إشكالية الوظيفة الدينية في الدولة المعاصرة. وتتجلى أهمية هذا الكتاب في اعتبار ما يؤسس فكر العروي ويخترق كتاباته هو مفهوم «الإصلاح». ذلك أنّ هذا المفهوم- المشروع هو الذي يبني عليه العروي تحليلاته وتساؤلاته ومقترحاته. من هنا يتناول الكاتب بالتحليل والدراسة والنقد، مشروع العروي الفكري، من خلال مناقشة موقفه من مفاهيم أخرى لا تقل أهمية، وهي : الحداثة، الإيديولوجية، الغرب، الحرية، الإسلام التاريخاني، الدولة الإسلامية. بالإضافة إلى رأيه في العلاقة بين الإسلام والعقل، وبين الدولة والدين.. والخلافة والدولة الإسلامية. ومن ثمّ يطلعنا منذ البداية عن هدفه من نقد مشروع العروي الإصلاحي، الذي يقوم على أسس ثلاثة يمكن تلخيصها في: إعادة إدراك الذات، إعادة تعريف العقل، تبنّي مفهوم جديد للدولة، وتجاوز المفاهيم التقليدية التي تعوق التحديث الفكري والمجتمعيّ. فإذا كان العروي يجزم، في نظره، بأن الطريق الوحيد للتحديث في عالمنا العربي، هو الأخذ بأسباب الحداثة الغربية من فردانية وعقلانية وعلم حديث، وأنه مدرك تماماً أن للحداثة الغربية سياقها التاريخي والسياسي والاقتصادي، إلا أنه لا يرى أن التاريخ يعيد نفسه، وأن على المجتمع العربي أن يمر بالسياق نفسه، وأن يتتبع خطوات الحداثة الغربية بحذافيرها. ولذلك فإن دخولنا إلى عالم الحداثة أمر لا بد منه، لكن ليس عبر الأخذ بالتجربة الأوروبية بشكل شامل، مثلما أن الغرب الأوروبي، عندما شق طريقه إلى الحداثة في عصر النهضة، لم يأخذ بالحداثة الإسلامية آنذاك، إلا في جوانب محدودة. فتاريخ الغرب مختلف عن تاريخ البلاد الإسلامية.. وهذا يعني أن المفاهيم والقيم والمبادئ التي ينتظر منها أن تؤطر الحداثة والتحديث في عالمنا العربي، إنما ستتبلور في سياق نقد شامل للتاريخ العربي والإسلامي، وبالتزامن مع تاريخ جديد وفريد نعيشه ويرافقنا في عملية التحديث، من دون أن يعني ذلك، عدم الاستفادة من أدوات النقد الغربية في العلوم الإنسانية والتجريبية. ولا يفوته أن يلفت النظر إلى أن العروي لم يغفل المخاوف على الإسلام من الحداثة، ولعل هذا ما دفعه كما يبين المؤلف ، إلى التأكيد في مواضيع كثيرة، على أن : «لا خوف على الإسلام من الحداثة». ولا « خوف على العقيدة في نطاق الحداثة». والدليل على ذلك أن عدد المؤمنين الحقيقيين في بلاد الحداثة، أكثر منه في بلادنا. فالحداثة لن تستنسخنا على النموذج الغربي، بقدر ما تدفعنا إلى النهوض بصورة مستقلة وخاصة بنا، ما يعني أن العروي يعتقد أن لكل حضارة حداثتها وشخصيتها الحضارية التي تختلف عن الآخرين. ويوضح الباحث، أن العروي، ورغم إمكاناته التحليلية والتركيبية، إلا أن هناك بعض القضايا التي تبقى غامضة بعض الشيء في مشروعه، ولا سيما القضية التي تتعلق بمنهج تجاوز الحداثة، عبر استيعابها من جهة، ونفيها من جهة ثانية. ولعل فشل فرضيات العروي مردّه، كما يقول، إلى قصور المنهج الذي اعتمده والمتمثل في التاريخانية في فهم وتفسير الظاهرة الدينية وبشكل خاص ظاهرة النبوة والوحي، فالإسلام يجب فهمه انطلاقا من التعريف الذي وضعه لنفسه كما يقول جبرون، والذي أثبتت مسيرته في التاريخ انه لم يقف حجر عثرة أمام طموحات الأمة. وفي ما يتعلق بجهود العروي الإصلاحية، وتأكيده على ضرورة تجاوز المشروع الإصلاحي الإسلامي، يجد جبرون أن العروي بنى مواقفه الإصلاحية انطلاقاً من فهم خاص لتيار الأصالة عند الأفغاني وعبده وعلال الفاسي، وبناءً عليه حدد فهمه للعطل الحضاري الذي تعاني منه الأمة. ولم يتناول في كتاباته التجربة الإسلامية السياسية المعاصرة. ويرى الكاتب أن تيار الأصالة الإسلامي، مطالب اليوم، ليس فقط بنقد أطروحة العروي.. والابتعاد عن «تسفيه» رأيه في الذات والهوية، بل إنهم مطالبون، في الدرجة الأولى، باستيعاب سوء فهمه من ناحية.. وإدراك النواقص التي نبه إليها من ناحية ثانية، وذلك في أفق بناء نظرية إصلاحية صلبة تحترم الذات، وتتجاوز الآخر. من هنا يخلص جبرون إلى أن نقد المشروع الإصلاحي للعروي هو أرضية، ومنطلق لبناء عدد من المفاهيم المركزية ذات الصلة بالشأن الإصلاحي الإسلامي، يمكن أن تتحول مع تطور النقاش، إلى نظرية إصلاحية متماسكة، لديها القدرة على تأطير العمل الإصلاحي الإسلامي المعاصر، وتمكينه من «طريق ثالث»، غير «الرجعية» أو «الاغتراب». وينتهي الباحث من كتابه، بالدعوة إلى استعادة ل: نقدية ابن حزم وعقلانية ابن رشد وأصولية الشاطبي وتاريخية ابن خلدون. وذلك بغية ترتيب علاقتنا مع تراثنا بصورة تمكننا من فتح مجال الإبداع أمام العالم العربي، لأن العقل العربي لا يمكن أن يبدع إلا داخل الثقافة التي يتكون منها.