إن الأصل في الأنظمة الديمقراطية الآخذة بآليات النظام البرلماني تتمثل في حصول الحكومة على ثقة ممثلي الأمة كيفما كان ذلك، سواء بشكل صريح أو ضمني، وبالتالي فلا يمكن للحكومة الشروع في عملها دون توفرها على السند البرلماني على اعتبار أن جل الأنظمة البرلمانية لا تعترف بالميلاد القانوني للحكومة إلا بعد تنصيبها من طرف البرلمان. رغم الجدال الفقهي العريض حول وجود التنصيب البرلماني في المغرب من عدمه، فلا أحد ينكر انه أهم آلية لتعزيز التوازن الدستوري بين المؤسسات، إذ تكمن أهميته في مجال مراقبة العمل الحكومي، في كون النواب يقفون على محتويات البرنامج الذي تعتزم الحكومة تنفيذه، حيث يطلعون على ما يحمله من جديد وما يتوخى تحقيقه، إضافة إلى ذلك فهو يشكل أرضية يقوم البرلمانيون على أساسها بمراقبة الحكومة ومحاسبتها، إذا لم تف بما وعدت به في برنامجها. فالتنصيب البرلماني للحكومة يعني أن التشكيلة الحكومية كما لو كانت منتخبة من لدن البرلمان، بحيث يشكل هذا الأخير هيأتها الانتخابية، وفي هذه الحالة يكون البرلمان هو من اختار الحكومة كما أنه يتوفر على آليات تمكنه من وضعها تحت مراقبته الصارمة. فكيف إذن تناول دستور 2011 هذه الإشكالية؟ وما هي المستجدات الدستورية التي جاء بها بهذا الشأن؟ وقصد الوقوف على هذه الإشكالية من خلال محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، سنحاول الرجوع إلى دستور 1996 لمعرفة كيف تعامل مع الموضوع، قبل الخوض في المستجدات الدستورية التي جاء بها دستور 2011. وبالرجوع إلى الفصل 24 من دستور 1996 نجده صريحا في تحديد طريقة تشكيل الحكومة وإعفائها، حيث قضى بأن الملك هو الذي يعيين من يراه مناسبا ليشغل منصب الوزير الأول، بغض النظر عن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات التشريعية، إذ يعمل الملك وبملء إرادته على اختيار الشخص القادر على تحقيق الأغلبية، كما يضمن الفصل 24 للملك حق تعيين باقي اعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول، ولا يوجد في النص ما يلزم الملك بالتقييد باقتراحات الوزير الأول ويمكن رفضها، وهذا ما وضحه خطاب الملك الحسن الثاني المؤرخ بتاريخ 6 نونبر 1994 حيث أشار إلا أنه بإمكان الملك رفض الأشخاص المقترحين من طرف الوزير الأول. كما يضمن الفصل 24 للملك حق إعفاء أعضاء الحكومة من مهامهم، والذي اعتبره اختصاصا خالصا للملك، بل وله الحق في وضع حد لحياة الحكومة بإعفائها من مهامها بناء على استقالتها او بمبادرة منه، مما يعني أن الحكومة في ظل دستور 1996 كانت مسؤولة أمام الملك إلى جانب مسؤوليتها أمام البرلمان باعتبار أن مهامه تشمل مراقبة عمل الحكومة. أما في ما يخص تنصيب الحكومة ففي ظل دستور 1996 بعد تعيين الحكومة من طرف البرلمان يتقدم الوزير الأول بعرض برنامج حكومته على البرلمان بمجلسيه في جلسة واحدة، ويتم التصويت عليه من طرف مجلس النواب لوحده، ولكي تصبح الحكومة منصبة، وبالتالي تباشر مهامها كسلطة تنفيذية، ينبغي أن لا تصوت الأغلبية المطلقة ضد برنامجها، حتى وإن لم تتمكن من تحقيق غالبية الأصوات المعبر عنها بالمجلس، حيث أن الممتنعين عن التصويت والغائبين، يتم اعتبارهم كما لو صوتوا لصالح الحكومة. بهذه الطريقة إذن كانت الحكومة تعين وتنصب في ظل دستور 1996، أما بالنسبة لمقتضيات الدستور الجديد، فقد طرأت العديدة من التغيرات على عملية تنصيب الحكومة، ذهب البعض إلى حد اعتبارها قفزة نوعية مهمة في النظام السياسي والدستوري المغربي، بل هناك من قال بأن جوهر الدستور يمكن في التعديلات التي طرأت على هذه المسألة، والتي ارتقت بالمغرب إلى مصاف الدول الديمقراطية ذات النظام البرلماني، فهل فعلا يمكن الحديث عن طريقة ديمقراطية في تعيين الحكومة وتنصيبها وإعفائها في ظل الدستور الجديد؟ وهل حقا تم تقييد صلاحيات الملك في هذه المسألة؟ وهل من شأن الطريقة المعتمدة حاليا إقرار مبدأ الديمقراطية بين الأحزاب السياسية وخلق جو من المنافسة السياسية حول السلطة؟ ..... وغير ذلك من الأسلئة الجوهرية التي يمكن أن تتبادر إلى ذهن كل مهتم بالشأن السياسي بالمغرب، وحتى نجيب عنها ينبغي العودة إلى الفصل 47 والفصل 88 من الدستور، التدقيق فيهما بشكل كبير حتى يتسنى لنا فهم الامور على أحسن وجه. وعند الوقوف على مقتضيات الفصل 47 من الدستور 2011 نجد أنه أكد على أن الملك يعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر الانتخابات بناء على نتائجها، مما يفيد بأن حرية الملك في تعيين رئيس الحكومة لم تعد مطلقة كما كان الحال بالدستور السابق، بل مقيدة حيث لا يحق له منح رئاسة لحكومة لأي شخص كان، عدا الذي ينتمي إلى الحزب المتصدر للانتخابات، ويلاحظ أنه بمقتضى هذه الفقرة فالملك غير ملزم باختيار شخص معين -الأمين العام مثلا- كما أن عهد الحكومة التيقنوقراطية قد ولى، إضافة إلى ان الفقرة الثانية تمنح الملك حق تعيين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، ولا يوجد في النص ما يفرض على الملك ضرورة التقييد باقتراحات الرئيس، مما يمكننا من القول بأن مضمون خطاب 6 نونبر 1994 الذي ألقاه الحسن الثاني لازال ساري المفعول. وبالنسبة لتنصيب الحكومة, فعلى عكس ما كان معمولا به في دستور 1996، أصبح من المفروض على الحكومة أن تتقدم أمام مجلسي البرلمان في جلسة مشتركة من أجل تقديم برنامجها الحكومي، ولا تعتبر منصبة إلا إذا صوتت الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب لصالح برنامجها الحكومي، أن أنه في حالة غياب بعض البرلمانيين أو امتناعهم عن التصويت يتم اعتبارهم كما لو صوتوا ضد البرنامج الحكومي، مما يفرض على الحكومة ضرورة البحث عن تحالفات متينة من أجل تحقيق الأغلبية داخل المجلس، وإلا فإن مآلها هو السقوط. أما فيما يتعقل بمسألة إعفاء الحكومة، فالفقرة الثالثة منحت الملك حق إعفاء عضو او أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم بعد استشارة رئيس الحكومة، لكن السؤال المطروح، هو هل من حق رئيس الحكومة الاعتراض على قرار الملك؟ أم أن الاستشارة تبقى شكلية فقط؟ كما منحت الفقرة الرابعة لرئيس الحكومة حق طلب إعفاء أحد أعضائها أو أكثر من الملك بناء على استقالتهم أو بمبادرة منه، لكن هنا كذلك يبقى السؤال مطروحا، إذا كان طلب الإعفاء الذي قدمه رئيس الحكومة للملك جاء بمبادرة منه، فهل يحق للملك رفض الطلب؟ أما الفقرة الخامسة فقد اكدت أن استقالة رئيس الحكومة، يساوي إعفاء الحكومة كاملة من مهامها من لدن الملك، في حين أقرت الفقرة السابعة والأخيرة بأن الحكومة المنتهية مهامها تواصل تصريف الأمور الجارية إلى حين تشكيل حكومة جديدة. يلاحظ من خلال الوقوف على مسألة تعيين الحكومة وإعفائها أن صلاحية الملك في هذا الصدد قد تقلصت، مادام يعد ملزما بتعيين الرئيس من الحزب المتصدر، ومادامت صلاحيات الرئيس توسعت فيما يخص إعفاء الحكومة، لكن الأمر الذي يثير الاستفهام هو ان من خلال مقتضيات الفصل 47 لم يعد بإمكان الملك إعفاء الحكومة بأكملها أو إقالة رئيسها، هذا الأمر الذي اعتبره البعض بأنه نقطا إيجابية سجلت في هذا الفصل، مما يعني أن مسؤولية الحكومة أمام الملك لم تعد كما كانت عليه في دستور 1996، لكن بمجرد العودة إلى الفصل 51 الذي منح الملك حق حل أحد مجلسي البرلمان أو هما معا، نجد ان الملك بإمكانه إسقاط الحكومة انطلاقا من هذا الفصل، مما يعني أن الملك لازال قادرا على التحكم في مصير الحكومة. صحيح أنه من خلال قراءة الفصل 24 من دستور 1996 و الفصل 47 من دستور 2011 يمكن القول بأن اختصاصات الملك تم تقليصها فيما يتعلق بمسألة تعيين الحكومة وإعفائها، لكن حينما نتعمق في التدقيق بمقتضيات الفصل 47 وباستحضار الأسئلة التي طرحناها أعلاه نجد أن دور الملك رغم ما طرأ عليه من تعديلات في هذا الجانب، لازال قويا كفاية مما يجعله يلعب دورا مركزيا في هذا الصدد. * باحث متخصص في القانون الدستوري والعلوم السياسية، كلية الحقوق أكدال الرباط