أوبرا وينفري تحقق المعادلة الصعبة وتتحول من خادمة فقيرة إلى أثرى وأقوى سيدة في العالم كما أصبحت أيقونة إعلامية وقبلة لملايين المشاهدين. حصدت الإعلامية العالمية «أوبرا وينفري» لقب «أكثر المشاهير تأثيرا في أمريكا» وذلك للعام الثاني على التوالي على الرغم من أنها توقفت عن تقديم البرامج منذ عامين بعد نصف قرن من العطاء. واحتفت بها الحكومة الامريكية بتكريمها بمنحها وسام الحرية، بجانب العديد من المؤسسات، ولكنها وجدت التكريم اللائق من جمهورها الذين تطل عليهم عبر الشاشة البلورية، فقد ارتفع عدد مشاهدي برنامجها الحواري المعروف «أوبرا شو» والذي يبث عبر أكثر من (200) محطة تلفزيونية و(110) دولة، بجانب تحميله على شبكة الإنترنت ما يزيد عدد المتابعين لبرامجها. لذلك كانت تتسلل إلى قلوب الملايين هكذا دون استئذان وتمتع جمهورها حد الإفراط والحب والانسجام. وذلك من خلال مادة تعالج المشاكل الاجتماعية في المجتمعات المختلفة. استطاعت وينفري أن تترجم حقيقة أن الإعلام رسالة تعالج قضايا المجتمع تحمل العبء عنه وتعالج قضاياه وليس عبئا عليه، فالصعود إلى القمة لم يكن بالأمر الهين وكذلك الحفاظ عليه ولم يكن الطريق أمامها مفروشا بالورود بل على العكس تماما، فهي بعزيمة وإرادة، وبصبر وجلد كبير صممت أن تحوّل الهزيمة إلى نصر، وحياة وينفري قصة صاغها الحزن والأسى ألوانها ومعاناة ارتسمت على وجهها منذ الطفولة فتعرضها للاغتصاب وحده كانت البداية، لكنها لم تستسلم فحولت معاناتها الداخلية إلى تفاعل مع الجمهور، ومواقفها إلى دروس وعبر برامجها تعالج الأزمات الاجتماعية ثم تضع ثروتها تحت تصرف المحتاجين والفقراء وقد كان بالفعل، وكلما صعد نجمها إلى القمة إلا وتزداد معاناتها، فكانت نتيجة ذلك كله أن تنال الرضا والقبول من جمهور المشاهدين. أغلقت أوبرا صفحة في مسيرتها الإعلامية ولكن علاقتها مع الناس لا تزال قائمة من خلال ما تقدمه من أعمال خيرية، وتواصلها الدائم مع أهم القضايا الإنسانية حول العالم، وكانت أوبرا قد أضافت خلال تاريخها مع الإعلام، قيماً ومعايير خاصة بها، وكونت منظومة ثقافية وفكرية واجتماعية لا تخضع لقوانين المنافسة المهنية، فبقيت على مدار ربع قرن حالة استثنائية يتعامل معها المجتمع الأمريكي بمنتهى التجاوب والألفة. يعشقها الكبير والصغير هناك، ويلقى برنامجها قبولا واسعا وتستجيب له كافة الدوائر هناك، وربما لم تكن بدايات أوبرا وينفري مبشرة بمستقبل مماثل، ولكن في كثير من الأوقات يولد النجاح من رحم المعاناة فقد نشأت أوبرا في عائلة فقيرة يعمل والدها حلاقاً ووالدتها خادمة، عاشت مع جدتها في أفقر أحياء المسيسيبي وارتدت أثوابا مصنوعة من أجولة البطاطس مما عرضها لسخرية دائمة. وكانت أقصى آمالها أن تجد لها جدتها عملا كخادمة في أحد البيوت، وربما كانت فترة المراهقة في حياة أوبرا هي الأكثر قسوة، فعلاوة على الفقر والإدمان تعرضت للاغتصاب، وحملت ثم مات طفلها، ولكن حياة أوبرا اتخذت منحى مختلفا كليا عندما حصلت على منحة دراسية من إحدى الجامعات الأمريكية، وهناك حصلت على رتبة الأوائل بين الطلاب الأمريكيين من أصل أفريقي. وفي الجامعة تبلورت مواهبها، واكتشف المحيطون بها قدرتها الإعلامية، وبسرعة انتقلت إلى إحدى محطات الإذاعة ومن ثم التلفزيون لتصبح أول مذيعة سوداء تقدم نشرة الأخبار، لمع نجم أوبرا خلال تقديمها برنامج الناس يتحدثون، وفي عام 1984 انتقلت إلى شيكاغو لتقديم برنامج حواري صباحي بعنوان أنا شيكاغو حقق نجاحاً غير متوقع وتغير اسمه فيما بعد ليصبح أوبرا وينفري شو. واستطاعت السيدة السمراء الصغيرة بإطلالتها المتميزة وحوارها الدافئ، أن تتحول إلى أيقونة إعلامية وقبلة لملايين المشاهدين في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي العالم، فقد كان لدى أوبرا قدرة خاصة على إلهام المشاهدين والتطرق إلى أدق تفاصيل حياتهم. كما استطاعت على مر عقدين ونصف من الزمن أن تطرح خلال برنامجها معظم القضايا الهامة، التي أثارت الرأي العام حول العالم، وعرضت مشكلات كثيرة من أنواع شتى لمغمورين ومهمشين من فئات المجتمع، وساهمت بتحقيق الكثير من الأمنيات الغالية، لدى مشاهديها، والكثير من الهدايا القيمة. وقدمت العديد من المشاهير في الفن والسياسة والمجتمع، اعتادت وينفري تقديم فقرة نادي الكتاب في برنامجها، وقدمت آلاف الكتب التي صارت بالطبع أكثر مبيعاً بعد أن عرضت في البرنامج. وقد منحها اتحاد الكتاب الأمريكي ميدالية ذهبية في عام 1999، ونالت جائزة الشرف من اتحاد الناشرين الأمريكيين عام 2003 تقديرا لمساهمتها في دعم ورواج صناعة الكتاب في الولاياتالمتحدة، كما كانت أوبرا على موعد مع الفن السابع، فظهرت لأول مرة في العام 1985 في فيلم للمخرج ستيفن سبيلبيرج بعنوان «اللون البنفسجي» وتلقت جائزة من أكاديمية السينما وجائزة أخرى من جولدن جلوب في الأداء، وفي العام 1989 لعبت دور سيث في رواية «محبوبة لتوني موريسون»، وقدمت ثلاثة أفلام تلفزيونية هي «نساء بروستر بليس» وفيلم «لم يعد هناك أطفال» وفيلم «قبل أن يصبح للنساء أجنحة. لم تتوقف نشاطات أوبرا ضمن نطاق مدة العرض اليومية، فخارج الإستوديو كانت صاحبة المبادرة في سن قانون حماية الأطفال في العام 1991، والذي عرف بمذكرة أوبرا وعرضت مكافأة مالية ضخمة لمن يقوم بالتبليغ عن إساءة ضد أحد الأطفال. أما أعمالها الخيرية فحدث ولا حرج، ولعل أبرزها كفالة خمسين ألف طفل أفريقي، كما أنشأت مؤسسة أوبرا وينفري الخيرية العام 1983 ،التي تهدف لدعم الإبداع والتعليم وتحسين وضع النساء والأطفال والأسر حول العالم، وبالنسبة لما تقدمه في برنامجها فإن أوبرا تعالج مشاكل تهم مجتمعها الأمريكي، والذي تتباين ظروفه عن مجتمعاتنا العربية، وأن يتم عرضه على قناة عربية دون مراعاة هذه الفروق فهذا شأن يخص أصحاب تلك القنوات. كما حققت المعادلة الصعبة وتحولت من خادمة فقيرة إلى أثرى وأقوى سيدة في العالم، ورغم ظروفها الاجتماعية الصعبة نبغت في دراستها، ولم يقف لونها الأسود حائلا دون تحقيقها ألقابا كثيرة مثل ملكة جمال تينيسي، وأول مذيعة أخبار سمراء والسيدة الأكثر نفوذا في العالم وأول بليونيرة سمراء، ووجّه لها نيلسون مانديلا في عيد ميلادها رسالة تلفزيونية خاصة قائلا لها شكرا لك أوبرا لقد غيرت وجه العالم.