شكل النقاش التقاطبي الحاد حول سؤال الهوية إحدى عناوين التوتر الذي صاحب مسارات الدسترة في بلدان الربيع العربي، وإذا كان من الطبيعي أن يُعاد طرح السؤال التأسيسي حول تعريف وإعادة تعريف «النحْنُ»،في سياق المحطات التاريخية الكبرى التي تعرفها الأمم والمُجتمعات و في لحظات تحولها الحاسمة، فإن المُثير هنا هو حجم الرهان على دسترة هذه الخطابات الهوياتية ،رهان يبدو أن حجم الحركات الإسلامية في مشهد مابعد الثورة قد أسهم في تأجيجه. يعتبر الباحثون أن إحدى الأثار الحاسمة للثورات تكمن في «إعادة صوغ الترابطات الشعورية مع الرموز الوطنية»،و ربما في إعادة تمثل مفهوم الوطن نفسه، و إعادة تحديد معالم الإنتماء الجماعي ومُكونات المُشْترك. والنمادج التاريخية في هذا الباب لايُخطئها الملاحظ، لقد تابعنا كيف أثر تفكك المنظومة الإشتراكية في نهاية التسعينات ،على «إنفجار «-قاتل و درامتيكي في بعض الحالات -للهويات الفرعية الثقافية والدينية والفرعية ،التي ظلت الأنظمة الشمولية والشيوعية تقمعها تحت مبررات الإنتماء الايديولوجي الأحادي. مصر وتونس: مأزق الإنزياح الهوياتي للنقاش الدستوري وهكذا أدى تصاعد الخطابات الهوياتية في بلدان الربيع العربي ،الى إستهلاك أكبر جزء من زمن صياغة الدستور في النقاش حول الديباجة والفصول الأولى، وبالضبط حول طبيعة الدولة، ومدى مدنيتها، وفي علاقتها بالإسلام، ففي الحالة التونسية مثلاً أُثير الكثير من الجدل حول الفصل الأول من مشروع الدُستور الذي ينص على أن «تونس دولة حرة، مستقلة ، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها»، والفصل الثاني الذي ينص على مدنية الدولة وقيامها على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون، ثم الفصل السادس الذي يعتبر الدولة راعية للدين ، كافلة لحرية المُعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمُقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي». أما في مصر فقد استأثرت المادة الثانية لوحدها من دستور 2012، التي نصت على «أن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع»، بأكثر مما استغرقته أي موضوع آخر من الجدل والنقاش، والى جانبها المادة الأولى التي حددت الشكل الجمهوري للدولة، والإسلام كدين لها، ثم المادة الثالثة التي نصت على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود تعتبر المصدر الرئيسي للتشريعات المُنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤنهم الدينية. وتحت ظغط التيار السلفي تمت إضافة المادة التي تهم تفسير مبادئ الشريعة، وقد جاء ذلك في مادة مستقلة هي المادة 219 التي نصت على أن»مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة»، ولتحقيق بعض التوازن دافع ممثلو التيار الليبرالي على ضرورة تحديد المرجع في تفسير مبادئ الشريعة، وهكذا جاءت المادة الرابعة التي نصت على أن «يؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية». كما أقر دستور 2012 المادة 11التي تنص على أن تقوم الدولة برعاية «الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية، والحقائق العلمية، والثقافة العربية، والتراث التاريخي والحضاري للشعب، وذلك وفقا لما ينظمه القانون»والمادة 44 التي نصت على حظر الإساءة والتعريض بالأنبياء والرسل كافة. وهي المادة 44. أما دستور 2014 فقد غير مضمون المادة التي تفسر مبادئ الشريعة، كما اعتبر أن «المرجع في تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية هو مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا» وليس هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف. وإذا كان قد احتفظ بالنص على أن «الإسلام دين الدولة» واعتبار أن «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»، فإنه ألغى الفصول التي تنص على رعاية الدولة للآخلاق والآداب، وعلى حظر الإساءة للأنبياء. من جهة أخرى أعاد دستور 2014، تحديد انتماء الشعب المصري من دائرة «الأمتين العربية والإسلامية» (دستور 2012)،الى دائرة «العالم الإسلامي». من نحن؟ كسؤال مغربي!
يكثف سؤال «من نحن؟» كل جدل وتوتر قضايا «الهوية». من نحن؟: جماعة مؤمنين؟ سلالة خالصة لعرق نقي؟ مواطنون تعاقدوا على دولة القانون والولاء المدني للوطن الواحد؟ مسلمون، أم عرب أو أمازيغ، أم مغاربة منخرطون في مغامرة إنسانية أشمل؟ سؤال يحيل الى آخر: ما «الوطن»؟ بوثقة ذكريات مشتركة لأجيال تقاسمت الآلام والحروب والأحزان والأفراح والرموز والأساطير؟ شراكة أحلام تنهض على رغبة ملحة في العيش المشترك وعلى إحساس قوي بالمصير المشترك؟ قومية مكتملة التشكل أم مجرد محطة عابرة في أفق محطة قادمة، على مرمى حلم أو وهم، قد تكون: أمة الإسلام، وطنا عربياً أو بلاد تامزغا .. الدستور ليس بعيداً عن ما قد يبدو «قلقاً ثقافوياً» الدستور ليس مجرد خريطة للصلاحيات وهندسة للمؤسسات، إنه تدوين لروح الأمة، ترجمة لهويتها، تجسيد للقيم وللمشترك الإنساني والسياسي لشعب ما. هنا كذلك فلا مجال لتربية الأوهام، إن الهوية ليست بالتأكيد مجرد ديباجة إنشائية في تصدير الوثيقة الأسمى، إنها قبل هذا الإقرار القانوني والسياسي، خلاصة مركزة للتاريخ وللسياسة وللجغرافيا، للدين واللغة والثقافة، بالجمع وبالمفرد، لذلك فهي دائماً متحولة، دينامية ومفتوحة على المستقبل. إن تمثل شعب ما حول ذاته، يختلف من جيل الى الذي يليه، يختلف من حالة السلم الى حالة الحرب، من حالة الاستبداد الى حالة الديمقراطية. لقد كان على الاستعمار، موضوعياً، أن يعيد بناء التمثل الجماعي الذي يعرف به المغاربة أنفسهم، من خلال «وطنية» مغربية، بروافد دينية، لغوية وثقافية محددة ببصمات وذاكرة النخبة، وبأجواء الصراع مع الآخر/ المستعمر. ثم كان لهذه الهوية أن تترسخ بآثار المدرسة الموحدة والإعلام الرسمي والاندماج المجتمعي وتوجهات الدولة الوطنية، بعد 1956 . على أن التدافع الثقافي الداخلي، في مغرب ما بعد الاستقلال، وسياق التحولات الديمقراطية، وتصاعد خطابات الحقوق الثقافية والانفجار العالمي للهويات، سيثير الانتباه الى الحاجة للتدبير الديمقراطي لقضية الهوية في إطار احترام التعدد خدمة للوحدة الوطنية، وهو ما انطلق مع مسلسل المصالحة مع الثقافة واللغة الأمازيغية. وهنا لابد من التأكيد إن الدولة المدنية ليست دولة لادينية بالضرورة، إنها لا تعادي الدين، بل قد تجعله جزءاً من الهوية الجماعية للأمة وللوطن، كما قد تجعل من شرعيتها ووظيفتها حماية دينها الرسمي والحرص على تأمين ظروف ممارسة شعائره، لكنها في المقابل، لن تجعله إيديولوجيا للحكم، غطاء سماوياً لقرارات السلطة واختياراتها، لن توزع المواطنين على خانات: المؤمنين، أهل الذمة والكفار ،ولن تختزل فكرة الانتماء للوطن في رابطة الديانة. ان الحرص على مطابقة الهوية مع انتماء واحد، ديني أو إثني أو قبلي أو عرقي، معناه الانزلاق نحو ما يسميه أمين معلوف بخطر «الهويات القاتلة». إن هويات بلون واحد، بانتماء أحادي مغلق، معناه مواطنة معاقة. فالوطن ليس قبيلة ولا ديناً. الدستور المغربي وجدل الهوية والمواطنة
كان للسياق التاريخي دوره الحاسم في بصم الدستور المغربي بطابع النص الموزع بين هاجسي الهوية و المواطنة. فمن جهة لم يشكل هذا الدستور استثناء عن موجة تصاعد خطابات الهوية كإحدى الآثار المباشرة لدينامية ما عرف ب»الربيع العربي»، ومن جهة أخرى أسهم انفتاح معادلة الإصلاح الدستوري على فاعلين جدد يمثلون تعبيرات مدنية وحقوقية، في تجاوز ثنائية المؤسسة الملكية/أحزاب سياسية، وبالتالي في الانتقال من رهان السلطة والمؤسسات، كهاجس وحيد للإصلاح، الى هاجس المواطنة والحقوق. ولعل هذا ما جعل من مطلبي إعادة بناء «الوطنية المغربية»، والتأسيس الدستوري للمواطنة المغربية، محورين مهيكلين للحوار العمومي الواسع الذي شهدته بلادنا في المرحلة الممتدة من فبراير إلى يونيو 2011. وإذا كان حضور خطابات الهوية والمواطنة، خلال هذا الحوار، قد تميز بالتضخم، كما وصل في بعض الحالات الى وضعية تقاطبات حادة بين الفاعلين السياسيين، فإن الصيغة النهائية التي سيظهر بها الدستور ستكون في النهاية حاملة لتوترات قيمية واضحة، بين مرجعيتي «الهوية»بإحالاتها على منطق الخصوصية، و«المواطنة» بإحالاتها على منطق الكونية. لقد شكل تركيز خطاب 9 مارس على «التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة»، المدخل المباشر لإحتلال النقاش حول مسألة الهوية موقعاً أساسياً، وغير مسبوق، داخل الحوار الذي تلى هذا الخطاب 9 مارس كعرض عمومي متعلق بمراجعة الدستور. كما اعتبر نفس الخطاب بوابة حاسمة لاهتمام الحوار العمومي حول مراجعة الدستور، بقضايا حقوق الإنسان، فقد دعا هذا الخطاب التاريخي إلى «ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والإلتزامات الدولية للمغرب» وكذلك إلى «دسترة هيآت الحكامة الجيدة وحقوق الإنسان، وحماية الحريات». الدولة والدين ، مدنية الدولة وحرية العقيدة: تفاوتات سياسية في التقدير إذا كان استعراض عناصر اهتمام الجمعيات الحقوقية، إبان تقديمها لمقترحاتها حول مراجعة الدستور، قد يوحي بأن مسألة حقوق الإنسان قد كانت موضوع إجماع واسع داخل الحوار العمومي الذي سبق دستور 2011، فإن الواقع أن المشهد السياسي والمدني قد عاش تقاطباً واضحاً حول العديد من القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان، خاصة ما تعلق بالعلاقة مع سؤال الهوية، وهذا التقاطب سيكثف فيما سيعرف إعلاميا، بمعركة الربع ساعة الأخير من زمن المشاورات حول الصيغة النهائية للدستور الجديد، وبالضبط على مستوى قضيتي حرية العقيدة والتنصيص على إسلامية الدولة. لقد عبرت العديد من الجمعيات الحقوقية في مذكراتها المرفوعة إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور عن ضرورة التنصيص على مدنية الدولة مع ضمان حرية العقيدة وحرية الضمير. من جهتها باقي جمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، اهتمت كذلك بتحديد طبيعة الدولة المغربية، على ضوء علاقة الإسلام بالهوية الوطنية، حيث دعا «الحزب الاشتراكي الموحد» مثلا إلى أن يتم التنصيص على أن المغرب دولية مدنية ديمقراطية حديثة تفصل بين مجال القداسة ومجال السياسة، ودافعت «جبهة القوى الديمقراطية» على ضرورة توضيح ضمانات احترام حرية العقيدة الدينية والرأي الفلسفي في الدولة المغربية التي دينها الرسمي هو الإسلام، مع التنصيص على مبدأ التسامح الديني الذي يشكل أحد المقومات الحضارية للأمة المغربية فيما اعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن الإسلام دين الدولة وأن هذه الأخيرة تضمن حرية المعتقد وحرية الممارسة الدينية، في حين دعت مثلا جمعية بيت الحكمة إلى التنصيص الدستوري على أن المغرب «بلد مسلم تعاش فيه الديانة الإسلامية بشكل يومي ومتسامح ومتنوع» وإذا كان «حزب العدالة والتنمية» قد اعتبر في مذكرته أن المجتمع المغربي أصيل يتطلع إلى دولة مدنية حديثة وحرة ذات سيادة، فإنه جعل هذه الدولة تعتز كذلك بمرجعيتها الإسلامية، وهذا يفرض عدم مخالفة التشريعات لأحكام الدين الإسلامي. في نفس السياق دافع حزب الإستقلال على التنصيص في تصدير الدستور، على أن قوانين البلاد يجب أن لا تتعارض مع تعاليم الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر التشريع للقانون المغربي. تذكير صغير: معركة الإسلاميين المغاربة ضد مدنية الدولة وإذا كانت هذه التفاوتات في تقدير التأطير الدستوري لقضية الهوية في علاقتها بالدين من جهة وبالحرية والحقوق الأساسية من جهة أخرى، قد ظلت مُعلنة منذ بداية المشاورات مع تنصيب اللجنة الإستشارية لمراجعة الدستور في مارس 2011، فإن حالة التقاطب الحاد حول موضوع حرية المعتقد، سترتبط بالأيام القليلة التي سبقت يوم 17 يونيو 2011 تاريخ الإعلان عن مضمون المراجعة الدستورية، خاصة بعد تداول وسائل الإعلام لما تم اعتباره «تسريبات» حول الاتجاهات التي اعتمدتها اللجنة الاستشارية، فيما تعلق باقتراحها التنصيص على الدولة المدنية وحرية المعتقد، واستبدال صيغة «المغرب دولة إسلامية» بصيغة «المغرب بلد مسلم». فمن جهة وبتاريخ 7 يونيو 2011 ستبادر مجموعة من أبرز منظمات المجتمع المدني، سواء العاملة في مجال حقوق الإنسان (المنظمة، منتدى الهيئة والإنصاف، منظمة مجال العفو الدولية...) أوفي مجال الثقافة الأمازيغية (أزطا، الجمعية المغربية للبحث والتبادل، تاماينوت، المرصد الأمازيغي للحقوق...) أو في مجال العمل النسائي (جسور، اتحاد العمل النسائي، الرابطة الديمقراطية...)، إلى إصدار وثيقة تحت عنوان المرافعة من أجل تسييد جميع الحقوق في الدستور المغربي، ستتم الدعوة من خلالها إلى التنصيص على أن الدولة المغربية دولة مدنية، «كمدخل أساسي لممارسة المواطنات والمواطنين لحقوقهم وحرياتهم بما يضمن حرية المعتقد وممارسة الشعائر»، وكتجسيد «لإعتبار الشعب مصدر للسلطة»، و»كإطار للمجتمع الديمقراطي الحداثي» و»كتحصين وصمام أمام ضد استغلال أحكام الدين والضمير لتنميط تجليات الشأن العام». وفي المقابل، سيتعبأ حزب العدالة والتنمية وحركة الإصلاح والتوحيد، في اتجاه ما سيتم وصفه «بإرهاصات انقلاب هوياتي ومرجعي تتمثل في بوادر التراجع عن المقتضيات الدستورية ذات العلاقة بالهوية المغربية والمرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع»، حيث سيعبر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عن أنه إذا تم المس بهوية المغرب ومرجعيته الإسلامية فسيكون حزبه مضطراً للتصويت ضد الدستور،أما حركة الإصلاح والتوحيد فقد دعت في بيان لها صادر في 11 يونيو 2011، إلى «التصدي لمحاولات التشويش على هوية ومرجعية المغرب والعمل من أجل دستور يحقق الديمقراطية والكرامة مع تعزيز المرجعية الإسلامية وتقوية الهوية الوطنية»، فيما حذر المكتب الوطني للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب من «أي توجه نحو علمنة الدولة وتوهين طابعها الإسلامي»ومن جهته سيعتبر د.أحمد الريسوني بأن «التنصيص على حرية المعتقد في الدستور تهديد لإمارة المؤمنين، وسحب الصفة الإسلامية عن الدولة المغربية هو بمثابة سحب لشرعيتها». ولا شك أن هذا التدافع، سيجعل مشاورات اللحظات الأخيرة من مسلسل صياغة المراجعة الدستورية تقف في وجه إدخال التنصيص على حرية العقيدة أو تغيير صبغة «الدولة الإسلامية» كتوصيف للدولة المغربية، هذه المشاورات ستصفها إحدى جمعيات المجتمع المدني، - فيما بعد - بالمستوى الثالث من «التفاوض والتشاور»، الموازي لعمل الآلية لسياسية، بين رئيسها وبين عدد محدود من الأمناء العامين لأحزاب سياسية. الهوية الوطنية في دستور2011 عموماً لقد أعاد تصدير دستور 2011 تعريف الهوية الوطنية من خلال العناصر التالية: - التأكيد على إسلامية الدولة من خلال الإقرار بأن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية. - الإقرار بوحدة الهوية الوطنية من خلال انصهار مكوناتها الثلاثة: المكون العربي الإسلامي، المكون الأمازيغي، والمكون الصحراوي الحساني. - الإعتراف بغنى الهوية الوطنية من خلال روافدها الأربع: الرافد الإفريقي، الرافد الأندلسي، الرافد العبري، والرافد المتوسطي. - الإقرار بتميز الهوية المغربية بتبوأ الدين الإسلامي يتبوأ مكانة الصدارة فيها. - التأكيد على تشبث الشعب المغربي بقيم الإنفتاح والإعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء. - الإنتماء إلى «المغرب الكبير» وإلى «الأمة العربية والإسلامية». جزء من العناصر المؤسسة للهوية، سيتم الحديث عنه داخل الدستور من خلال الفقرة الثالثة من الفصل الأول، عبر التطرق إلى «الثوابت الجامعة» التي تستند إليها «الأمة» في «حياتها العامة» والمتمثلة في: - الدين الإسلامي السمح. - الوحدة الوطنية متعددة الروافد. - الملكية الدستورية. - الإختيار الديمقراطي. كما أن جزء من الثوابت سيتم تحصينه تجاه أي مراجعة دستورية، حيث اعتبر الدستور أن الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية، لا يمكن أن تتناولها المراجعة. الدستور سيجعل كذلك من «الهوية الوطنية الراسخة» محدداً لنطاق سمو الاتفاقيات الدولية، - كما صادق عليها المغرب - على التشريعات الوطنية، تماماً مثل ما سيجعل من الدين الإسلامي السمح كأحد ثوابت الأمة، محدداً لنطاق تتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات الواردة في الدستور، وفي الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب من جهة أخرى، سيعتبر الدستور الأمازيغية لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة بدون استثناء، كما سيعلن التزام الدولة بالعمل على حماية اللغة العربية، التي «تظل» اللغة الرسمية للدولة، وتطويرها وتنمية استعمالها، وكذلك العمل على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب. هويات فرعية أم هوية جامعة؟المواطنة أم الهوية؟
لاشك أن هاجس هذه الدسترة قد تجلى في البحث عن ترضية الجميع، مما انعكس على الإصرار على تعريف الهوية بإعادتها إلى روافدها المتنوعة، وهو ما لا يضيف بالنسبة للأستاذ بلقزيز عبد الإله شيئاً إلى حقيقة أن المغاربة شعب واحد بقدر ما قد يحول الهوية المغربية من منطق التطابق إلى مجرد عبارة عن روافد لا جامع بينها ولا نسيج يمنحها المعنى، مما قد يفتح الباب ، في رأي الأستاذ كمال عبد اللطيف على استقطابات هوياتية، مشرعنة دستورياً ، ويجعل بشكل مفارق النص الدستوري الذي صيغ بمنطق التوافقات و»التراضيات» الثقافية، يدشن لبداية صراع «قيمي» على الأقل. بالنسبة لكثيرين فإن منطلق الترضية، هو الذي جعل البناء المرجعي للدستور المغربي ، ولمجمل دستورانية الربيع العربي ،غارقة في التباسات اللغة الدينية واللغة المدنية، بشكل يسمح بتقديم حجج للدفاع عن إسلامية الدولية، كما يسمح بتقديم حجم مضادة للدفاع عن مدنية الدولة، ويساهم في إنعاش خطابات الهوية وهي خطابات يرى الكثير من المُفكرين أنها تتلمس منطق المحاصصة، ولا تسعف على انبثاق مفهوم المواطنة وثقافة حقوق الإنسان، خاصة إذا اهتمت بمنطق الماحصصة بين الهويات الفرعية وليس بمنطق الهوية الجامعة. المؤكد أن هذه الإلتباسات، تغذي التوتر القيمي والمعياري الذي ستنتجه هذه الدستورانية مما سينعكس على تجاذبات القراءة التأويلية، بين الديني والهوياتي والخصوصي من جهة، وبين الكوني والحقوقي من جهة أخرى، وهي تجاذبات تعود في العمق إلى عدم الحسم في المرجعية التي ستؤطر المجتمع، وهذا ما يعني في نهاية التحليل استمرارية التوافقات الغامضة والهشة داخل الساحات العربية ، على حساب الإختيارات السياسية والثقافية الواضحة المتعلقة بالمشروع المجتمعي . أسئلة لما يشبه الخاتمة: أو من الهويات القاتلة لأمين معلوف إلى الوطنية الدستورية لهابرماس! لماذا كل هذا الجدل حول الهوية؟، ولماذا كل هذا القلق الذي يقف وراء الخطابات الهوياتية؟و هل مكان الحسم في الهوس الهوياتي هو بالضبط وثائق الدستور؟وما الذي يمكن أن يقدمه توصيف مكونات الأمة ودوائر انتمائها وعلاقتها بالدين ، في تفاعلات وتطورات وديناميات وتعقد وتحول الهوية الجماعية لشعب معين . إنها أسئلة شائكة، بقدر ما حاول الفكر العربي تلمسها والإقتراب منها، بقدر ما عبرت عن نفسها بأشكال غير متوقعة الحِدة ! فبالنسبة لمُحمد سبيلا فإن الثورات العربية ستُطلق «العنان لتحولات ثقافية أكثر جرأة مما يسمح بنقد وكسر الجمود الفكري والثقافي الذي يحكم المُجتمعات باسم ماضٍ نموذجي تليد»، موقف يعتبره نورالدين آفاية مثيرا في التفاؤل، دون أن ينفي دخول الساحات العربية في ما يشبه «براديگم «جديد للهوية الثقافية ،حيث يبدو كل بلد كأنه مُختبر يعج بالمطالب الهوياتية التي تستوجب معالجة ملائمة، سواء بإسم الحقوق الثقافية،أو بإسم الإعتراف بالتنوع الثقافي ،أو باسم الحق في الوجود في المجال الثقافي والسياسي. إن إنفجار الهويات الفرعية كأثر مباشر لانهيار السلطوية السياسية ،التي رعت تنميطاً ثقافياً دولتياً و أحادياً، لا شك أنه يحتاج الى معالجات ثقافية و مٌجتمعية أكثر مما تحتاج الى مجرد توصيفات دستورية وقانونية، وهنا فإن أطروحة المفكر الألماني هابرماس حول «الوطنية الدستورية» (patriotisme constitutionnel)،تقدم الكثير من مسالك التفكير التي لاتجعل من خطاب الهوية مناقضاً بالضرورة لخطاب المواطنة، حيث يُصبح القانون هو الرابط القوي الذي يصهر علاقة المواطنين بالدولة ، ضمن الحرص على حماية التعدد الثقافي والديني واللغوي من جهة، وتحصين المشترك الوطني من جهة أخرى. فهل نحلم بأن تكون - في نهاية التحليل - هويتنا الأصيلة ليست شيئا آخر غير حقوقنا الإنسانية؟