2 - من حيث القول بخرق الفقرة 3 من الفصل الأول و الفقرة الثانية من الفصل الثاني و الفقرة 1 من الفصل 11 من الدستور: لقد اعتمد المجلس الدستوري في تقريره إلغاء نتائج اقتراع 25/11/2011، بالنسبة لممثلي العدالة و التنمية على القواعد الدستورية الواردة في الفقرة 3 من الفصل 1 و الفقرة 2 من الفصل 2 و الفقرة 1 من الفصل 11 من الدستور، و التي مفادها، بأن الأمة تستند في حياتها على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، و الوحدة الوطنية متعددة الروافد، و الملكية الدستورية، و الاختيار الديمقراطي، إضافة إلى تأكيده على أن الأمة تختار ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر و النزيه و المنتظم، أي أن الإنتخابات الحرة و النزيهة و الشفافة أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. يستخلص من مقتضيات الدستور المستند إليها في تعليل القرار القاضي بإلغاء نتائج الاقتراع، أن مرشحي العدالة و التنمية بالدائرة الإنتخابية بطنجة حين استعمالهم لصومعة مسجد يكونوا قد خالفوا ثوابت الأمة، و يفهم من ذلك أنهم وظفوا الرموز الدينية في الحملة الإنتخابية مما أثر على حرية إختيار الناخبين و على مشروعية التمثيل الديمقراطي، وهذا ما يرتب إلغاء الإنتخابات. لكن بالرجوع إلى مقتضيات الدستور و خاصة الفصل 3 فإنه ينص صراحة بأن « الإسلام دين الدولة»، ما يعني أن الدستور أقر مبدأ « الدولة الدينية» في حين أن التعليل الذي تبناه قرار المجلس الدستوري استند إلى مبادئ الدولة المدنية» وهذا ما يخلق نوع من التعارض بين المفهومين، و يطرح إشكالية الأولوية في التطبيق، هل مبدأ الدولة الدينية الذي أورده الدستور؟ أم مبدأ الدولة المدنية الذي قال به المجلس الدستوري؟ هذا التأويل الدستوري يعتبر من وجهة نظرنا غير صحيح، أمام صراحة النص الدستوري القائل بالدولة الدينية،لأن الدستور يقول بالدولة الدينية و ليس بالدولة المدنية، هذا القرار يكشف عن تناقض البنية القانونية للدستور وعن أزمة ملائمة الفصول فيما بينها و مع الإتفاقيات الدولية. وحيث أكثر من ذلك فإن تنصيص تصدير الدستور بأن الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، و في نطاق أحكام الدستور، كونها تسمو على التشريعات الوطنية، لا يعني ذلك بان الاتفاقيات الدولية تعلو على الدستور. و هذا ما يستخلص من أحكام و مضمون الفصل 3 من الدستور، حين تأكيده على الطبيعة الدينية للدولة أي « الدولة الإسلامية» و بأن الدستور هو « دستور إسلامي» يخص المسلمين. لكن ما يعاب على الدولة الدينية أنها تتبنى دينا بعينه و هو ما يشكل رفضا للديانات ألأخرى قد تتعايش معها أو لأي فكر مخالف، علما أن مفهوم الدولة الدينية يتمثل في أن يكون رجال الدين هم الحاكم أو مؤثرون في الحاكمين لكونهم المؤهلين علميا و فقهيا بان يتبوؤا هذه المكانة في هرم الدولة و بوصفهم الأقرب إلى الله، و خلفاؤه في الأرض، أي إن رجال الدين هم من يحكمون في ظل الدولة الدينية، كالدولة اليهودية أو الدولة المسيحية أو الدولة الإسلامية، فالحاكم من سلاطين و أمراء يحكمون بما يقول به رجال الدين، لذلك تتحدد الدولة الدينية بأنها تلك الدولة التي يتحكم فيها رجال الدين. لكن رجال الدين في المغرب لا يتحكمون في الدولة بل أن الدولة هي التي تتحكم في رجال الدين، لسبب بسيط و هو أن الدولة ليست « بدولة دينية» رغم قول الدستور بان الإسلام دين الدولة. أضف إلى ذلك أن رجال الدين أو العلماء هم موظفون تابعون للدولة ولا يتمتعون بأية استقلالية في الرؤى أو التعبير ذات الصلة بالامورالدينية. وفي حالة المغرب هل الدولة دينية ؟ بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 3 من الدستور يفهم منه بان الأمر كذلك، بتنصيصه صراحة أن « الإسلام دين الدولة» كما أن الفقرة 3 من الفصل 1 تنص بأنه « تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، ...» لكن تأكيد الدستور على هوية الدولة بأنها إسلامية لا يعني أن فصول الدستور الأخرى جميعها تقول بالدولة الدينية، بل إن غالبيتها تقضي بأن الدولة مدنية، و هذا ما كان يجب على التشريع الدستوري أن يتبناه وان يعمل بمبدأ « الدولة المدنية». علما أن الدولة الدينية أخفقت في كونها النموذج الأمثل والأصلح في إدارة الحكم كما تؤكده تجربة الدولة الإسلامية مع الخلفاء الراشدين التي عرفت بتسلطها و سرع سقوطها و انهيارها، و ذات الأمر عرفته الدولة المسيحية، و تأسست على أنقاضها «الدولة المدنية، المستندة إلى « العقد الاجتماعي» الذي تمثله حاليا الدساتير. 3 -في مأزق التوليف بين حرية التعبير وحرية العقيدة. إن الدستور المغربي أقر مبدأ حرية التعبير 7، دون القول بحرية العقيدة 8. فحرية التعبير تلزم إحترام جميع المعتقدات، لكن يصعب في ظل الدولة الدينية أن تحترم حرية العقيدة، لكون دين الدولة لن يسمح بالتعددية الدينية، كما أن ممارسة حرية التعبير مشروطة بعدم الإضرار بالغير أو بالمجتمع . من خلال ما ذكر، وطبقا لما أورده المجلس الدستوري في قراره، و ما هو منصوص عليه في الدستور، نكون أمام حالة « التنازع الدستوري» المخالفة لمبدأ « وحدة النظام الدستوري». فاستعمال صومعة مسجد ضمن أوراق الدعاية الإنتخابية يعتبر من الناحية النظرية تعبير عن عقيدة المرشح وهو الأمر الذي تؤكده أطروحة حزب العدالة و التنمية و تصريحات قياد ته التي ما فتأت تؤكد بأنه حزب ذات مرجعية إسلامية، وفي هذه الحالة نكون أمام إشكالية العلاقة بين حرية التعبير و حرية العقيدة، فتعبير الفرد عن معتقده الديني و إظهاره و إقامة الشعائر أمر جائز شرعا و قانونا راجع المادة 18 / ف 1 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية)، لكنه قد يصطدم حرية الفرد حين تمارس من طرف جماعة سياسية لبلوغ مقاصد سياسية تعتمد الدين أساسا في عملها السياسي الذي يوحي للعموم بأنه شكل من الأعمال الدعوية، وهنا نكون أمام أزمة التنازع بين حرية التعبير و حرية العقيدة، بحيث يجب أن لا تتعدى حرية العقيدة على حرية التعبير و ألا تتناقض حرية التعبير مع حرية العقيدة . حقا إن حزب العدالة و التنمية هو حزب سياسي، لكنه يعتمد الخلط بين المشاركة السياسية و حرية العقيدة الدينية، علما أنه وفقا لمدلول الفصل 7/ف 4 من الدستور لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وهذا ما يعنى بأن الدستور لا يجيز ممارسة نشاط سياسي أو تأسيس حزب سياسي على المرجعية الدينية. 7 - راجع المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ( 1966). 8 - راجع المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ( 1966). وعليه و لما كان حزب العدالة و التنمية لا يتوانى في الإعلان عن مرجعيته الدينية الأمر الذي يشكل مخالفة صريحة للقواعد الدستورية، لأن ذلك مفاده أن المرجعية الدينية هي أساس الاختيار السياسي و هذا فيه مساس صريح بالدستور و قانون الأحزاب، لكن هذا لا يبرر إلغاء الإنتخابات رغم التوظيف السياسي للدين. إما في شكل رموز أو خطابات، بل أن المشكلة تكمن في النص الدستوري المأزوم بالتناقضات، بحيث أنه أقر مبدأ « الدولة الدينية» ضدا على مبدأ « الدولة المدنية « و الحال أن معظم فصول الدستور تؤكد على مبادئ الدولة المدنية، لذلك فإن واضعي الدستور تعمدوا في إتباع منهجية تجريبية لرسم الهندسة القانونية لفصول الدستور التي جاءت متسمة بالتضخم في إعلان المبادئ و التناقض فيما بينها، مما يوحي بأن الدستور المغربي هو بمثابة أطروحة سياسية و ليس بدستور للدولة العصرية, خاصة إذا علمنا أن تصدير الدستور أكد بأن المملكة المغربية دولة إسلامية و هدا معناه بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع . لكن الدستور لم يتضمن صراحة الإعلان عن هدا المبدأ, أي كون الشريعة الإسلامية هي المصدر للتشريع,الذي يقتضي إلغاء القوانين التي تتعارض مع الشريعة, أو إعادة صياغتها لتتلاءم مع مبادئ الشريعة. إن قول الدستور بالدولة الإسلامية إنما هو توظيف سياسي للدين الإسلامي من طرف الدولة أي الطبقة الحاكمة, لأن طبقة الدولة في الإسلام مدنية وليس دينية استنادا إلى أن القرآن و الحديث لم يتضمنا دلك صراحة و هدا مفاده أن الإسلام لم يحدد شكل الدولة و نظامها السياسي بل ترك آمر دلك لإرادة الشعب, وهو الاتجاه الذي أجمع عليه جمهور الفقهاء المسلمين بتأكيدهم أن نضام الحكم في الإسلام ليس من أصول الدين أو الشريعة. فالقول بدلك هو بدعة شيعية وليس بقول المذهب السني, لأنه عند الشيعة, ولاية الفقيه أي الإمام, تعلو و تسمو على سلطة الحاكم(الرئيس) و هدا ما يعطي للدولة صفتها كتأويل شيعي سياسي للدين.