الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملكيات وجماعات الإسلام السياسي ومآل الربيع العربي

كيف تعاملت الملكيات العربية مع جماعات الإسلام السياسي قبل الربيع العربي و بعده أيضا؟.. ماهي الأساليب التي استعملت في التعاطي مع ملف ظل خامدا تحت الرماد السياسي وأخرجه الحراك العربي الذي أسقط جمهوريات واستثنى الملكيات؟
هل كانت هناك خطاطة وحيدة نفذت مضامينها على كل جماعات الإسلام السياسي انطلاقا من المغرب و انتهاء بدول الخليج.
في مصر، يعرف الجميع ما انتهى إليه الإخوان المسلمون بعد صعودهم إلى سدة الحكم؛ وفي تونس وجد الإسلاميون أنفسهم مشدودين إلى «ترويكا» راعت الحضور السياسي لمختلف الحساسيات هناك ..
في الخليج تباينت الأساليب وتعارضت المواقف.. بين من يدعم حكم الإسلاميين (قطر نموذجا)، وبين من اختار التوافق نهجا سياسيا يوفر على النظام الدخول في القلاقل والتوترات غير المتحكم في نتائجها ( الأردن نموذجا).. في حين كانت القبضة الحديدية سيدة الموقف في التعامل مع الحركات الإسلامية في البحرين.. أما العربية السعودية، فقد كان ردها حاسما ولا يقبل التأجيل، ذلك أن الأدوار التي لعبها الإخوان المسلمون وشراهتهم غير المنتهية في ترسيم إيديولوجياتهم وتنسيقاتهم خارج الحدود الوطنية أشعل أضواء الخطر .. وهذا ما أجج الموقف الخليجي وجعله موقفا متصلبا إلى أقصى الحدود ضد كل القراءات والتصورات الإخوانية.
وفي الحالة المغربية، تم طرح مجموعة من الأسئلة الحارقة، من قبيل: ما مصير الإسلام السياسي في بلاد المغرب الأقصى وكيف يتوجب التعامل مع جماعاته، هل بالتمييز بين المعتدل والراديكالي، بين القابل للحوار و الرافض له، بين المؤمن بالانخراط في اللعبة الديمقراطية بدون شروط مع احترام الثوابت الوطنية وبين من يطمح إلى دولة الخلافة؟ ..
كان السؤال جاهزا كما الجواب أيضا. ففي المغرب تراكمات سياسية تاريخية لم تأت هكذا، وفيه ثقافة سياسية تحافظ على اللحمة الوطنية وتنحو في اتجاه حلحلة كل التوترات عن طريق الحوار.. كما كان المغرب مستعدا وجاهزا للانخراط في الورش الديمقراطي المتوافق عليه بين القوى السياسية الوطنية والمؤسسة الملكية.. لن يجد صعوبة في حجز مكانه في الحياة السياسية والحزبية.
وفي دراسة لمعهد كارنيجي توصل باحثان إلى خلاصة مهمة لا بأس من الاستئناس بها. تقول هذه الخلاصة: «إمكانات الإصلاح من فوق مرتفعة في جميع الملكيات العربية. والشرعية التي لا يزال الملوك العرب يتمتعون بها، توفر لهم الحماية من الخطر الذي يواجهه كل الملوك الإصلاحيين، وهو ما عرفه صموئيل هنتنغون بأنه «معضلة الملك»: أي قد يثير المطالب بتغيير أكثر راديكالية وفي النهاية يقود إلى رحيل الملك الإصلاحي. ليس ثمة أبدا ضمانة ضد قانون المضاعفات غير المقصودة، بيد أن الدعوات غير المنضبطة للتغيير تبدو غير مرجحة في الملكيات العربية، حيث كانت المطالب من جانب المواطنين حتى الآن محدودة للغاية، وفي الواقع يبدو أن الأمر أقل خطورة بالنسبة إلى الملوك لأن يتصرفوا الآن بدلا من الانتظار حتى تصبح المطالب كبيرة، والتي يمكن أن تتصاعد بالتأكيد لتتحول إلى عملية خارجة عن السيطرة.
وحدها البحرين وصلت إلى النقطة التي قد يكون فيها من الصعب على الملك أن يسيطر على عملية الإصلاح، فالبلاد واقعة في شرك جولة جديدة من الصراع والقمع والمطالب السياسية التي لم يتم التعامل معها مثل تلك التي اجتاحت البلاد في تسعينيات القرن الماضي. وفي نظر الغالبية الشيعية في البلاد، فقد الحكم الملكي بالفعل الكثير من شرعيته. ويبدو من غير المرجح في هذه المرحلة أن ثمة إمكانية لإخماد مشاعر السخط إلا من خلال إصلاحات تكبح سلطة الملك حقا. لكن لا يبدو أن المماطلة في الإصلاح تمثل حلا أيضا. فخلال العام 2011، حدا غياب الإصلاح بالمزيد من المتظاهرين للمطالبة بملكية دستورية حقيقية، أو في حالة الأصوات الأكثر تطرفا، جمهورية ينبغي أن تكون ثمة قصة تحذيرية هنا بالنسبة إلى البلدان الأخرى.
تمثلت استجابة الدول المختلفة حتى الآن بمواصلة سياسات الماضي أكثر منها بوجود دلالة واضحة على الاستعداد للشروع في عملية التغيير. ففي المغرب، أعلن الملك بسرعة عن دستور جديد يحد من سلطات الملك ويعزز سلطات البرلمان المنتخب. وأي تحليل دقيق يشير إلى أن الملك، في واقع الأمر، قد لا يكون مضطرا إلى التخلي عن الكثير من السلطة، لأنه يبدو أن الأحزاب السياسية لاتزال غير راغبة أو غير قادرة على القيام بدور أكثر حسما. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تعثر الإصلاح أو إلى انتفاضة إذا ما قامت المنظمات السياسية خارج البرلمان بالتعبئة.
الاستمرارية مع الماضي تبدو لافتة أيضا في الأردن. فقد وعد الملك، مرة أخرى، بالإصلاح وشكل لجانا لتقديم المقترحات، لكن شيئا لم يتغير في الواقع، وليس من المؤكد أن البلاد قد وصلت إلى نقطة تحول.
يمثل رد فعل المملكة العربية السعودية تجاه احتمالات حدوث اضطرابات باستخدام ثروتها لشراء مشاعر السخط، حيث أغدقت الفوائد على عامة الناس والدوائر الخاصة. وعلى ما يبدو، فإن السعوديين لم يتلفظوا أبدا بعبارة «الإصلاح السياسي» في المواقف الرسمية. وعلى الرغم من أن الحكومة قامت بخطوة صغيرة في اتجاه الإصلاح الاجتماعي عندما أعلنت أنه سيتم السماح للنساء بالتصويت وحتى الترشح في الانتخابات البلدية بعد أربع سنوات من الآن، فإن توقيت الإعلان في الوقت الذي لاتزال فيه الانتخابات بعيدة قلل من أهميته السياسية.
شهدت عمان الهادئة في العادة بعض الاضطرابات ولكنها ردت، مرة أخرى تمشيا مع الماضي، بخطوات صغيرة والقليل من القمع. دولة الامارات المتحدة وقطر لم تتعرضا للتحدي، وبالتالي لم يكن لزاما عليهما اتخاذ قرارات صعبة.
في غضون ذلك، يبدو أن الكويت لاتزال واقعة في شرك الصراع القديم نفسه بين البرلمان والأسرة الحاكمة، ويبقى من غير الواضح ما إذا كانت المظاهرات والاحتجاجات الأخيرة تشكل نقطة تحولا بعيدا عن لعبة سياسية مكثفة مارستها النخب، ونحو مجال المشاركة السياسية من قبل جمهور أكبر.
على الرغم من استمرار تواصلها مع الماضي، وبالتالي استمرار الاختلافات في ما بينها يبدو أن الملكيات العربية تشترك في سمة مشتركة في رد فعلها على الربيع العربي. فهي لم تقبل حتى الآن حقيقة أن التغيير الذي يحتاج المنطقة عميق، وأن الفرصة الفريدة التي لاتزال لديها لقيادة بلدانها إلى برنامج حاسم للإصلاح من القمة لن تدوم إلى الأبد.
ومع الاستثناء المحتمل لملك البحرين، لايزال الملوك العرب يمتلكون الشرعية في أعين مواطنيهم. والمتظاهرون يطالبون بدور أكبر للبرلمان وبفرض بعض القيود على سلطة المملكة، بدل المطالبة بنظام ملكي دستوري كامل. ثم إن المطالب بإقامة نظام حكم جمهوري نادرة. وأي ملك عربي مستعد لإدخال إصلاحات سياسية حقيقية سيحظى بالثناء من مواطنيه، وسيدخل اسمه التاريخ باعتباره الشخص الذي بدأ إعادة تنظيم الملكيات العربية بنظم حكم من القرن 21 من دون التخلي عن دوره السياسي تماما. لم يرتفع أحدهم إلى مستوى هذا التحدي حتى الآن.
في هذا الملف، نستعيد مع باحثين مغاربة أفكارا وآراء حول تاريخ العلاقات بين النظام وجماعات الإسلام السياسي المغربية.. الممكن السياسي، الإدماج، الاحتواء، ولم لا حتى الترويض..
باختصار هو ملف يحاول تلخيص تلك العلاقة من زاوية علمية تمقت و لا تنتصر للتحليلات السياسوية..
حظيت الفكرة بأن إقدام الأنظمة المَلَكية العربية على إصلاحات سياسية قد يكون أسهل بكثير من قيام الأنظمة الجمهورية بذلك، بدرجة من الشعبية دوماً. والمحاججة هنا كانت تقوم على أن الملكيات لديها ميزة أو خاصية كامنة فيها، تسمح لها بالإصلاح بشكل أكثر يُسراً من الجمهوريات. لماذا؟ لأن الملك يستطيع أن يتخلى عن الكثير من سلطته السياسية، لا بل حتى عنها كلها، ومع ذلك، يبقى ملكاً، مع كل ما يتضمنه ذلك من ثروة وجاه. هذا في حين أن الرئيس، في المقابل، يصبح مواطناً عادياً حالما ينزلق صولجان السلطة من يده.
ثم جاء رد فعل الملكيات العربية الثمان على الانتفاضات التي هزّت المنطقة العام 2011 ليثبت أن هذه الملكيات والأسر الحاكمة في العالم العربي لاتزال تتمتع بالفعل بدرجة استثنائية من الشرعية في نظر مواطنيها. وهذا وفَّر لها الفرصة لتدشين انطلاقة نحو إصلاح سياسي واسع النطاق من دون خسارة عروشها، تحظى في خضمه بالثناء والإطراء في الداخل، كما الخارج.
بيد أن ردود الفعل نفسها هذه كشفت النقاب عن أن الملكيات العربية، عدا حفنة استثناءات، لم تكن تميل إلى الإفادة من هذه الشرعية لدفع بلادها قدماً نحو الحكم الديمقراطي الذي يطالب به المحتجون العرب.
صحيح أن كل الملكيات العربية اتخذت خطوات لاسترضاء مواطنيها، إلا أنها فعلت ذلك من خلال تزويدهم بالمنافع المادية أو من خلال استحداث إصلاحات ضيقة منحتهم صوتاً محدوداً في حوكمة بلادهم. وقد تراوحت الإصلاحات السياسية بين اجراءات كانت شجاعة ظاهرياً لكنها في الواقع محدودة في المغرب، وبين أخرى مترددة وغير واثقة في الأردن، إلى عملياً لاشيء في البلدان الخليجية. وهكذا تبين أن الملكيات لا تسعى إلى الإفادة من شرعيتها لتدبُّر أمر عملية إصلاح مُسيطر عليه من فوق، من شأنها تجنب تصاعد المطالب من تحت. ونتيجة لذلك، قد تتآكل شرعيتها وستواجه على الأرجح تحديات أكثر حدة في المستقبل.
المغرب: مواصلة استباق الاحتجاجات
وحده من بين الملوك العرب، سارع الملك المغربي محمد السادس إلى تبني أجندة إصلاحات سياسية هامة، حالما اندلعت الاحتجاجات في 20 فبراير 2011. وهو سعى إلى نزع فتيل مطالب التغيير عبر موضعة نفسه في طليعة حركة الإصلاح.(..)
وفي 9 مارس، أعلن الملك عن خطة لصياغة دستور جديد(...).
القضيتان الأكثر إثارة للجدل في صياغة الدستور تعلقتا بهوية الدولة المغربية وسلطة الملك ودوره. وقد قدمت الوثيقة إجابة واضحة حول السؤال الأول وهو أن المغرب،(...) مجتمع تعددي في مجال الدين، واللغة والثقافة، وبأنه مستعد لاحتضان هذه التعددية، والاستهلال في الوثيقة يحدد المغرب بأنه دولة إسلامية. وتنص المادة الثالثة منها على أن الإسلام هو دين الدولة. وهذا كان أمراً حتمياً لأن الملك المغربي يُعتبر »أمير المؤمنين«، وبالتالي الدين يشكل دعامة شرعيته وسلطته.
مع ذلك، يضمن الدستور أيضاً حرية الممارسات الدينية لكل الأديان. وحين نقارن الدستور المغربي الجديد بمعظم الدساتير العربية، التي تنص على أن الشريعة هي أحد مصادر، إن لم يكن ال »مصدر«، للتشريع، نجد أنه (مثله مثل سلفه الدستور السابق) ليبرالي للغاية. لكن من الهام هنا الإشارة إلى أن التوصية بأن ينص الدستور على ضمان »حرية الضمير« قد رُفضت. إذا تمت المجادلة بأن السماح للناس بتغيير إيمانهم، قد يفتح صندوق شرور يتعلق بالاختيارات الفردية التي قد تكون أكثر خطراً من الدين المنظم.
كما يعترف الدستور الجديد بالأمازيغية كلغة رسمية، و يتضمن إشارة إلى تعددية النفوذ في الثقافة المغربية، من الثقافة الأندلسية وبشكل أعم المتوسطية، إلى ثقافة الشعب الصحراوي، كما إلى الثقافتين المسيحية واليهودية.
(...)هناك منطقة رمادية شاسعة يمكن فيها للبرلمان والحكومة أن تكون لهما سلطة واسعة، إذا ما قررتا ممارستها، ولكن أيضاً حيث الملك يستطيع التدخل عبر الإعلان أن هذا قرار استراتيجي. على سبيل المثال، لا يحوز الملك اسمياً على اليد العليا في قضايا التعليم. فالقرارات في هذا المجال ستتخذها الحكومة برئاسة رئيس الحكومة. لكن إذا ما ارتأى الملك أن قضية تعليمية ما على غرار التعديلات على المناهج هي قضية استراتيجية، فإنه يستطيع التدخل وإعادة هذا الأمر إلى زمام سيطرته. الملك أصر حتى الآن على دمغ اسمه على كل السياسات الجديدة كما حدث في العام 2001، حين أعلن عن تشكيل لجنة ملكية لصياغة قانون الأحوال الشخصية (التي تدير شؤون الزواج والطلاق وغيرها)، بدلاً من قبول توصيات سبق أن وضعتها المنظمات النسائية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى.(...) احتمال استفادة البرلمان من السلطات الأوسع التي منحت له في ظل الدستور الجديد، يعتمد على الحزب الذي فاز بأكثر الأصوات في الانتخابات البرلمانية في نونبر 2011، وهو حزب العدالة والتنمية.(...) إلا أنه من غير المحتمل في الواقع أن يبرز الحزب كمحبذ قوي للتغيير.
(..) أعلن هذا الحزب مرارا وتكرارا أن أحد أهدافه الرئيسة هو أن يكون مقبولا كلاعب سياسي شرعي، وبأن يصبح مندمجا بالكامل في النظام السياسي. هذه الرغبة في الاندماج كانت واضحة في البرلمان الأخير، حيث فاز الحزب بثاني أكبر عدد المقاعد في انتخابات 2007. فهو تصرف كحزب معارض موال إلى حد كبير، ولم يمارس قط الكثير من الضغوط من أجل التغيير، على رغم التزامه النظري ببلورة برلمان أقوى.
(...)
ربما الأكثر أهمية من حركة 20 فبراير نفسها هي المنظمات التي تدعمها وعلى وجه الخصوص العدل والإحسان التي تعتبر أكبر منظمة إسلامية في البلاد (على رغم أن تعداد عضويتها غير متوافر). فهذه المجموعة ترفض الاشتراك علنا في العملية السياسية لأنها لا تقبل شرعية النظام الملكي، ولا دور الملك ك »أمير مؤمنين« ولا النظام السياسي الذي تعتبره فاسدا إلى حد كبير. لكن، وفي حين أنها تعرب عن دعمها لحركة 20 فبراير، إلا أنها واصلت الوقوف جانبا، وعلى رغم أنها لا تشجع أعضاءها على الاشتراك في المظاهرات، إلا أن في وسعها ان تصبح سريعا لاعبا إذا ما استؤنفت الاحتجاجات. وهذا يمكن أن يغير قواعد اللعبة.(...)
الأردن: انسياق متردد
نحو الإصلاح
رد فعل الأردن على الاحتجاجات المحلية والانتفاضات في المنطقة، كان أكثر ترددا بكثير من رد المغرب. ففي حين تحرك الملك السادس بشجاعة مستبقا المحتجين من خلال ادخال اصلاحات، لم يقترح الملك عبد الله حتى الآن سوى إصلاح على مراحل وشيئا فشيئا. صحيح أن الأردن لم يشهد مظاهرات واسعة النطاق، إلا أن الاحتجاجات كانت حدثا متواصلا. وقد تراوحت المطالب بين ماهو سياسي، مثل الدعوات إلى إعادة توزيع السلطة بين الأفرع الثلاثة للحكم، وبين ماهو اقتصادي، بما في ذلك المطالب بالمساواة وبذل اهتمام أكبر بالمناطق الريفية خارج العاصمة. وقد عين الملك لجنتين، أنيط بالأولى تغيير القانون وكلفت الثانية باقتراح تعديلات دستورية، وذلك كاستجابة جزئية لمثل المطالب، لكن ليس ثمة بعد خطة سياسية أو اقتصادية بعيدة المدى لمواجهة كل هذه التحديات.
على أي حال، الفارق بين مقاربتي الأردن والمغرب يعكس التباين العميق بين نظاميهما السياسيين. فالمغرب لديه نظام حزبي حسن التطور، ما يخلق برلمانا تستطيع فيه الأحزاب أن تلعب دورا محتملا ذا معنى. هذا في حين يعيق قانون الانتخاب وسياسات النخبة الحاكمة تشكل أحزاب سياسية حقيقية في الأردن. ثم ان العاهل المغربي كان قادرا على الإعلان بأنه سيقبل نتائج الانتخابات في مجال اختيار رئيس الوزراء، هذا في حين أن الملك في الأردن لم يفشل في إبداء مثل هذا الاعلان وحسب، بل لم يكن في وسعه أيضا أن يفعل ثمة حاجة لأن تتطور الأحزاب أولا.
إحباط واسع النطاق
يتمتع الأردن بنظام سياسي أكثر انفتاحا من العديد من البلدان المجاورة، حيث توجد فيه أحزاب شرعية، وسقف حرية صحافة أعلى وقيادة تتمتع بالشرعية. وهذا سمح للمظاهرات السلمية والصغيرة بأن تنطلق، ما أدى إلى تنفيس الغضب. لكن، من الناحية السلبية، احتواء مثل هذا الغضب قد يمنع الحكومة أيضا من إجراء تقييم سليم لمضاعفات ما يحدث في العالم العربي برمته،بدلا من ذلك تحاول الحكومة التحرك وفق الحدود الدنيا.
لقد تركزت مطالب المحتجين في الأردن على التغيير من داخل النظام، لا على تغيير النظام نفسه، وهذا لأن كل القواعد الشعبية في البلاد تدعم بقوة المؤسسة الملكية. وفي حين أن العديدين يريدون تحقيق تغييرات جدية في هيكلية الحوكمة، إلا أنهم يريدون أيضا أن يكون الملك هو من يقود عملية الإصلاح.
وعلى رغم أن النظام الملكي يواصل كونه ملاءة أمنية لكل الأردنيين بغض النظر عن جذورهم موفرا بذلك الحماية لمختلف المجموعات الإثنية، إلا أن الاحباط كان يتنامى في السنوات الأخيرة. فالناس أثبطوا من نظام وعد كثيرا وغالبا بالإصلاح السياسي في الماضي، لكن من دون تنفيذ جدي. كما أن الاصلاحات الاقتصادية طبقت من دون نظام من الضوابط والتوازنات. ويشعر العديد من الأردنيين أن فوائد مثل هذا الإصلاح سقطت في أحضان حفنة نخبوية بدل أن تطال مجموع الشعب.
جهود الإصلاح السياسي
لقد أجبرت الانتفاضات العربية، معطوفة على المظاهرات المنتظمة في الأردن (وإن كانت الاحتجاجات في الأردن أصغر حجما مقارنة بالبلدان العربية الأخرى) النخبة السياسية على التحرك، على الأقل بشكل هامشي، بعيدا عن خطابها المنمق والتملقي المنتظم حول الإصلاح الذي لا يخدم سوى مصالحها. فأولا، وقبل كل شيء، من شأن قانون انتخاب جديد أن يكون حجر الزاوية لأي عملية إصلاح جدي. ذلك أن نظام شخص واحد - صوت واحد في البلاد يسمح للناخبين باختيار مرشح واحد فقط، حتى ولو أن العديدين ينتخبون من كل دائرة. ومثل هذا النظام يحابي النخب القبلية والوجهاء المحليين، فيما يثبط تشكل أحزاب سياسية. وهذا، إضافة إلى التلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية لخدمة أطراف معينة، أنتج برلمانات ضعيفة بنيويا وغير تمثيلية. فالدوائر الانتخابية مصممة لزيادة عدد أعضاء البرلمان من المناطق القبلية والريفية - الذين هم تقليديا معتمدون عليى خدمات الدولة - على حساب أولئك الذين هم من المدن والبلدات. وما لم يتغير هذا النظام، سيبقى البرلمان تحت هيمنة العناصر القبلية أو المرشحين المستقلين، وليس بإشراف أعضاء الاحزاب السياسية، ما يؤدي الى إدامة وتأبيد نموذج الدولة الريعية.
في 14 مارس، أنشأ الملك لجنة الحوار الوطني لمناقشة نظام الاقتراع المثير للجدول. وقد أوصت هذه اللجنة بإلغاء صيغة شخص واحد - صوت واحد، وهذه كانت خطوة هامة لكن، ليس من المحتمل، من سوء الحظ، أن تنتج هذه التعديلات الثانوية برلمانات تستند الى أحزاب سياسية قوية في المستقبل المنظور، ما لم يشمل نظام الاقتراع المختلط الذي تدعو إليه اللجنة أكثر من مجرد تخصيص الحد الأندى من المقاعد للوائح الوطنية. وحتى كتابة هذه السطور، لم تتم ترجمة هذه التعديلات، على رغم محدوديتها، في شكل قانون انتخابي جديد. وسبق لحكومة رئيس الوزراء عون الخصاونة أن أعلنت بأن هذا القانون لن يكون جاهزا لطرحه على البرلمان قبل مارس المقبل. والحال أن إحدى القضايا الرئيسية التي تؤثر على حديث الإصلاح في الأردن تكمن في هشاشة الهوية الوطنية الأردنية المشتركة. فبعد 65 سنة من الاستقلال، و60 سنة عليى منح الفلسطينيين اللاجئين من حرب 1948 المواطنة الأردنية الكاملة، لاتزال هذه القضية من دون حل سياسيا. ويعتبر النقاش العام حول قضية الهوية مدعاة انقسام وغالبا ما يغشى الطابع الانفعالي على الإشارات الموسمية إليها، فيما ا لنقاشات العقلانية أو البناءة نادرة. علاوة على ذلك، أثر عدم إيجاد تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي على وجه الخصوص على تطور هوية وطنية حدديثة وصحية، كما أن العديدين ا ستخدموا هذا الصراع بطريقة مبررة وغير مبررة على حد سواء لإعاقة عملية الإصلاح السياسي. فأردنيون الضفة الشرقية يخشون من تضعضع الهوية »الأردنية للضفة الشرقية« إذا ما أدى القانون الانتخابي الى برلمان أكثر تمثيلا يشمل مزيدا من الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية، فيما الأردنيون من أصل فلسطيني يشكون من أنهم غير ممثلين بالكامل. وقد مال النقاش حول هذه المسألة بين كلا الطرفين لأن يكون مشحونا للغاية، في حين أن الدولة لم تكن قادرة على معالجة المشكلة بشكل صحيح. كما أن لجنة الحوار الوطني لم تكن قادرة على مجابهة مسألة الهوية الوطنية، وفشلت مجددا في تحديد من هو الأردني.
في محاولة أخرى لتلبية مطالب المحتجين، عين الملك في 27 أبريل لجنة حول التعديلات الدستورية أنيط بها اقترح تغييرات جديدة في دستور غالبا ما عدل في الماضي. بيد أن المشككين لاحظوا أن التعديلات عززت عادة السلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية، وهو نقيض ما يريده المحتجون.
اللجنة الدستورية بلورت مجموعة من التوصيات التي تم إقرارها مع بعض التعديلات من جانب غرفتي البرلمان في نهاية شتنبر. التعديلات الأخيرة كانت إيجابية هامة على رغم أن أعضاء اللجنة، وفي حين أنهم يحظون باحترام، لم يكن بينهم أي من ممثل المعارضة. وقد تطرقت التعديلات الى مطالب لطالما طرحتها مجموعات الإصلاح والراي العام، وهي تشمل إنشاء محكمة دستورية للتدقيق بدستورية القوانين والتنظيمات، وإقامة لجنة انتخابية مستقلة كي تحل مكان وزارة الداخلية في تنظيم الانتخابات، تحسين الحريات المدنية، وحظر التعذيب في أي شكل من الأشكال، والحد من قدرة الحكومة على إصدار القوانين المؤقتة خارج دورات انعقاد البرلمان. علاوة على ذلك، حددت التعديلات صلاحية محكمة أمن الدولة في قضايا الخيانة العظمى، والتجسس والارهاب. وأشارت الى أنه في ماعدا هذه التهم، يتعين محاكمة المواطنين أمام محاكم مدنية. ثم أنها نصت على أنه لا يمكن حل البرلمان من دون استقالة الحكومة أيضا، وأنه لن يكون من حق رئيس الوزراء المقال أو المستقيل إعادة تعيينه.
على رغم كل ذلك، افتقرات التعديلات الى جملة اجراءات ضرورية: إذ في حين أن الملك فقد قدرته على تأجيل الانتخابات إلى اجل غير مسمى، إلا أن كل صلاحياته الأخرى بقيت كما هي. وعلى سبيل المثال، الملك لايزال يعين ويقيل رئيس الوزراء ومجلس الأعيان. وعلى رغم أن اللجنة الدستورية ناقشت فكرة إضافة الجندر (جنس الفرد) إلى لائحة الفئات المحظور ممارسة التمييز ضدها. إلا أنها اختارت إبقاء الجندر خارج اللائحة لأسباب دينية وسياسية. وأخيرا، وفيما تم الحد بشكل طفيف من دور أجهزة الأمن في الشأن السياسي من خلال بعض التعديلات، إلا أنه لم يكبح.
لقد قام أحد مؤلفي هذه الورقة مؤخرا بزيارة الى الاردن. على أرض الواقع. كان من الواضح أن الاردنيين ليسوا راضين عن الاصلاحات حتى الان، لكنهم يأملون في ان تكون العملية اكثر جدية وتؤدي الى نتائج ملموسة. بدلا من أن تكون جولة أخرى من الوعود التي لم تتحقق. ومع ذلك، من الواضح أيضا أن الشعب، بكل تنوعه العرقي والاجتماعي وتطلعاتهم السياسية والاقتصادية المختلفة، يريد من الملك قيادة هذه العملية الاصلاحية. ويبدو ان الملك يدرك هذا التحدي جيدا لا بل هو يدرك ان عليه مواجهة القوى التي تعمل من أجل الحفاظ على الوضع الراهن وهي قوى غالبا ما تأتي من داخل دائرة النخبة السياسية والتقليدية للنظام. وفي حين أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار في الاردن، ويمكن للاصلاح من فوق الى تحت ان ينجح، وفي الواقع، هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما في بلد فيه القوى السياسية المنظمة ضعيفة. و السؤال هو ما اذا كانت النخبة السياسية التي حالت دون حدوث التغيير في الماضي ستركن، بسبب عدم وجود احتجاجات ضخمة. الى الاعتقاد بأنها قد نجت من العاصفة، وان بإمكانها العودة الى عاداتها القديمة.
دول الخليج، في انتظار الإصلاح
باستثناء البحرين، ظلت ملكيات وإمارات الخليج بمنأى عن الاضطرابات الى حد كبير، لكنها لم تستفد من الهدوء لإدخال اصلاحات من فوق لتجنب حدوث مشاكل في المستقبل. وعلى رغم ان حجم الفوائد الاقتصادية التي وزعتها على سكانها يوحي بأنها واعية للغاية لاحتمالات الاضطراب، الا انه يبدو أنها غير قادرة على اتخاذ إجراءات حاسمة.
البحرين: بين الربيع العربي وايران
البحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي شهدت احتجاجات مديدة وواسعة النطاق شبيهة باحتجاجات الربيع العربي. فمنذ فبراير، شهدت البلاد تظاهرات مستمرة، لم يتم التمكن من إخمادها لا عن طريق محاولات مبكرة لرشوة مشاعر الاستياء بالسخاء الاقتصادي. ولا عن طريق القمع الشديد في وقت لاحق، بما في ذلك التدخل من جانب قوة درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجي والمكونة في معظمها من قوات سعودية وإماراتية.
ثمة عنصران اثنان يجعلان الوضع في البحرين يختلف عن الوضع في دول الخليج الأخرى او غيرها من الدول العربية التي تمر بانتفاضات شعبية واسعة النطاق. أولا، كان للاحتجاجات طابع طائفي بقوة، حيث أنها وضعت المتظاهرين الشيعة في مواجهة الحكومة التي يهيمن عليها السنة ثانيا، انتفاضة البحرين هي تكرار لنزاع سابق استمر خلال التسعينيات وتمت تسويته على نحو متزعزع بالاتفاق على ميثاق العمل الوطني الجديد في العام 2001. وكما كان الحال في الماضي، فان أحدث الاحتجاجات لاتزال تحدث على خلفية المظالم الشيعية الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك في سياق الاتفاق السياسي الفاشل الذي تم في العام 2001 والذي قدم دستورا جديدا وبرلمانا منتخبا من دون ان يكبح سلطة الملك. و مازاد الامور تعقيدا هو ان ايران كانت تعلن عن تأييدها للمتظاهرين في البحرين. ومن وجهة نظر الحكومة. فان هذا الدعم الخارجي هو السبب الحقيقي لاستمرار الصراع.
عندما بدأت الاحتجاجات، حاول الملك ارضاء المشاركين فيها عن طريق إصدار الاوامر بأن يتم منح كل عائلة 3.000 دولار بمناسبة الذكرى السنوية لميثاق العمل الوطني. بيد ان المطالب في البحرين كانت سياسية اكثر منها اقتصادية واستمرت الاضطرابات. وبحلول منتصف فبراير، استولى المتظاهرون على دوار اللؤلؤة للمطالبة بديمقراطية فاعلة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإزاحة رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سليمان آل خليفة، وهو عم الملك الذي يشغل المنصب منذ العام 1971، ويعتبر فاسدا للغاية. كما طالبوا بمزيد من المساكن وفرص العمل. فشلت محاولات بدء حوار بين المتظاهرين وولي العهد، على الرغم من الضغوط القوية من جانب الولايات المتحدة، والتي رأت ان المفاوضات هي السبيل الوحيد ليس لحل ورطة البحرين وحسب. ولكن لحل ورطتها هي نفسها أيضا، اذ وجدت واشنطن نفسها عالقة بين دعمها المعلن للربيع العربي وبين ضرورة الحفاظ على علاقات جيدة مع البلد الذي يستضيف الاسطول الامريكي الخامس.
مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات، تفاقمت اعمال العنف والانتهاك الجسيمة لحقوق الانسان من قبل الشرطة. وقد تم توثيق هذا بشكل جيد من قبل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، والتي اسندت اليها مهمة التحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الانسان اثناء الانتفاضة، على النحو المبين ادناه. وردا على استمرار الاضطرابات، وصلت الى البحرين في مارس قوات من عدد من دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، بناء على طلب الحكومة. وعلى رغم ان مثل هذا القمع فشل في استعادة السلم الاجتماعي. فانه اسهم في تهدئة الوضع بما يكفي لان تقوم الحكومة بمحاولة اقامة حوار جديد من المعارضة في يوليوز، في مسعى لوضع مبادئ مشتركة لإعادة اطلاق عملية الاصلاح السياسي، ودعت الحكومة مجموعة واسعة من الجماعات ا لمؤيدة للحكومة الى حد كبير، للمشاركة في الحوار، في حين لم تعط سوى عدد قليل من المقاعد لجمعية الوفاق السياسية، اكبر كتلة شيعية في البرلمان. وسرعان ما انسحبت جمعية الوفاق من المحادثات وأصبح الحوار مفاوضات بين القوى الموالية للحكومة. كما ان محاولة ثانية قام بها الملك لزيادة رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين لم تكن فعالة على حد سواء.
في تنازل اكثر جدية، انشأ الملك اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق للتحقيق في رد الحكومة عليى احتجاجات فبراير. قدمت اللجنة، التي ترأسها شريف بسيوني، وهو خبير قانوني يحظى بالاحترام ومن ذوي الخبرة في التحقيقات بجرائم الحرب، تقريرا صريحا بصورة مدهشة في 23 نونبر. ندد التقرير بالانتهاكات الفاضحة والممنهجة لحقوق الانسان، فضلا عن التدابير التي وصلت الى العقاب الجماعي للطائفة الشيعية، واشار التقرير الى أن الحكومة في حاجة الى إجراء تحقيق منهجي في سياستها وإعادة ترتيب قواتها الامنية للتعامل مع الاضطرابات. الردود الاولية من قبل الحكومة تشير الى أنها تعتزم الامتثال لرسالة التوصيات ولكن ليس لروحها. وقد فشلت الحكومة في ضم اعضاء من المعارضين يتمتعون بالصدقية او حتى مستقلين الى اللجنة التي شكلتها لوضع خطة لتنفيذ توصيات لجنة بسيوني.
لم ينجح اي تدبير حتى الان في كسر حلقة الاحتجاج والقمع البحرينية. وعلاوة على ذلك، فإن التسوية، على ما يبدو، بعيدة المنال حيث تصور الحكومة على نحو متزايد جميع المعارضين الشيعة على أنم متطرفون قريبون من ايران، في حين تزداد مواقف المحتجين صلابة، ويطالبون بتحول البحرين، الى ملكية دستورية حقيقية، وليس بمجرد اصلاح سياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.