رد فعل الأردن على الاحتجاجات المحلية والانتفاضات في المنطقة، كان أكثر ترددا بكثير من رد المغرب. ففي حين تحرك الملك محمد السادس بشجاعة مستبقا المحتجين من خلال ادخال اصلاحات، لم يقترح الملك عبد الله حتى الآن سوى إصلاح على مراحل وشيئا فشيئا. صحيح أن الأردن لم يشهد مظاهرات واسعة النطاق، إلا أن الاحتجاجات كانت حدثا متواصلا. وقد تراوحت المطالب بين ماهو سياسي، مثل الدعوات إلى إعادة توزيع السلطة بين الأفرع الثلاثة للحكم، وبين ماهو اقتصادي بما في ذلك المطالب بالمساواة الاجتماعية وبذل اهتمام أكبر بالمناطق الريفية خارج العاصمة. وقد عين الملك لجنتين، أنيط بالأولى تغيير القانون الانتخابي وكلفت الثانية باقتراح تعديلات دستورية، وذلك كاستجابة جزئية لمثل هذه المطالب، لكن ليس ثمة بعد خطة سياسية أو اقتصادية بعيدة المدى لمواجهة كل هذه التحديات. على أي حال، الفارق بين مقاربتي الأردن والمغرب يعكس التباين العميق بين نظاميهما السياسيين. فالمغرب لديه نظام حزبي حسن التطور، ما يخلق برلمانا تستطيع فيه الأحزاب أن تلعب دورا محتملا ذا معنى، هذا في حين يعيق قانون الانتخاب وسياسات النخبة الحاكمة تشكل أحزاب سياسية حقيقية في الأردن. ثم أن العاهل المغربي كان قادرا على الاعلان بأنه سيقبل نتائج الانتخابات في مجال اختيار رئيس الوزراء، هذا في حين أن الملك في الأردن لم يفشل في إبداء مثل هذا الاعلان وحسب, بل لم يكن في وسعه أيضا أن يفعل لأن ثمة حاجة لأن تتطور الاحزاب أولا. إحباط واسع النطاق يتمتع الأردن بنظام سياسي أكثر انفتاحا من العديد من البلدان المجاورة، حيث توجد فيه أحزاب شرعية وسقف حرية صحافة أعلى وقيادة تتمتع بالشرعية. وهذا سمح للمظاهرات السلمية والصغيرة بأن تنطلق مما أدى إلى تنفيس الغضب. لكن من الناحية السلبية احتواء مثل هذا الغضب قد يمنع الحكومة أيضا من إجراء تقييم سليم لمضاعفات ما يحدث في العالم العربي برمته،ومن المباشرة بعملية منهجية جدية لتحقيق الاصلاح. بدلا من ذلك تحاول الحكومة التحرك وفق الحدود الدنيا. لقد تركزت مطالب المحتجين في الاردن على التغيير من داخل النظام، لا على تغيير النظام نفسه وهذا لأن كل القواعد الشعبية في البلاد تدعم بقوة المؤسسة الملكية. وفي حين أن العديدين يريدون تحقيق تغييرات جدية في هيكلية الحكومة، إلا أنهم يريدون أيضا أن يكون الملك هو من يقود عملية الإصلاح. وعلى رغم أن النظام الملكي يواصل كونه ملاءة أمنية لكل الأردنيين بغض النظر على جذورهم موفرا بذلك الحماية لمختلف المجموعات الاثنية، إلا أن الاحباط كان يتنامى في السنوات الاخيرة. فالناس أثبطوا من نظام وعد كثيرا وغالبا بالاصلاح السياسي في الماضي، لكن من دون تنفيذ جدي. كما أن الاصلاحات الاقتصادية طبقت من دون نظام من الضوابط والتوازنات. ويشعر العديد من الاردنيين أن فوائد مثل هذا الاصلاح سقطت في أحضان حفنة نخبوية بدل أن تطال مجموع الشعب. كما أنهم تعبوا من عناد الطبقة السياسية والاجتماعية التي تستفيد من النظام الريعي (حيث الولاء يشرى بالمنافع والعطايا) والتي تحبط نجاح أي اصلاحات قد تستأصل مزاياها وتقيم مكانها نظاما يستند إلى معايير الكفاءة. الاردنيون موحدون وراء دعوة الحكومة إلى مكافحة الفساد، الذي يعتقد الكثيرون أنه تفاقم بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مدركات الفساد، هبط الاردن من المرتبة 37 (من بين 178 بلدا) إلى المرتبة 56 (من بين 182 بلدا) في الفترة بين 2003 و2011. ويريد الناشطون مأسسة التغييرات في النظام كي يمكن استئصال الفساد من جذوره، وليس فقط معاقبة الفاسدين حين يقبض عليهم متلبسين. أما بالنسبة إلى قضايا أخرى فلازال الاردنيون منقسمين وفق خطوط صدع متعددة: ليس فقط بين الشرق أردنيين وبين الفلسطينيين (كما يشدد المحللون دوما بطريقة تبسيطية) بل أيضا بين الفقراء والأغنياء، وبين السكان المدينيين والريفيين. بعض المطالب تركز على شؤون سياسية مثل إعادة توزيع السلطة بين الأفرع الثلاثة للحكم,و على طريقة أخرى لاختيار رئيس الوزراء والحكومة ,ثم إن الدور المتزايد الذي تلعبه أجهزة المخابرات في مختلف مناحي الحياة في البلاد - الذي يتجاوز بكثير الحاجات الامنية- أسفر عن شعور بالمرارة لدى قطاعات واسعة من المجتمع الاردني, ولذا فقد دعا المحتجون إلى الحد من دون هذه الاجهزة في الشؤون السياسية. لقد ازدادت الفجوة بين الفقراء والأغنياء كنتيجة للسياسات الاقتصادية التي اعتبر أنها تصب في صالح النخبة، فيما هي تهمل المناطق خارج العاصمة. وهذا ما حفز المطالبات بإحراز تقدم على صعيد العدالة الاجتماعية والاقتصادية. وعلى وجه الخصوص باتت المحافظات الأفقر تدعو إلى توزيع أكثر عدلا للموارد وفرص عمل أكبر. وكما في كل البلدان العربية وجد الاحباط واسع النطاق تعبيره في ارتفاع وتيرة حركة الشباب النشطة. وفي حين أن العديد من الشبان في البلد واعون سياسيا، ومدركون لحقوقهم وبارعون في الانترنيت وغير خائفين من طرح قضايا من دون كابح، إلا أنه ينقصهم التنظيم السياسي. لكن وعلى رغم ضعفها تمكنت الحركة الشبابية في بعض الاحيان من تخطي كل الخطوط الإثنية، ولذا فهي تمتلك إمكانية لعب دور متزايد الأهمية في مستقبل البلاد,خاصةحين نضع في الاعتبار أن 70 بالمئة من السكان هم دون سن الثلاثين. هذا بالطبع إذا ما نجحت هذه الحركة في تنظيم نفسها سياسيا وانفصلت عن الخطوط التقليدية الاثنية والقبلية والدينية. جهود الإصلاح السياسي منذ يناير 2011 لقد أجبرت الانتفاضات العربية، معطوفة على المظاهرات المنتظمة في الأردن (وإن كانت الاحتجاجات في الأردن أصغر حجما مقارنة بالبلدان العربية الأخرى) النخبة السياسية على التحرك، على الأقل بشكل هامشي، بعيدا عن خطابها المنمق والتملقي المنتظم حول الاصلاح الذي لا يخدم سوى مصالحها. فأولا وقبل كل شيء من شأن قانون انتخاب جديد أن يكون حجر الزاوية لأي عملية إصلاح جدي. ذلك أن نظام شخص واحد -صوت واحد في البلاد يسمح للناخبين باختيار مرشح واحد فقط، حتى ولو أن العديدين ينتخبون من كل دائرة، ومثل هذا النظام يحابي النخب القبلية والوجهاء المحليين، فيما يثبط تشكيل أحزاب سياسية. هذا، اضافة إلى التلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية لخدمة أطراف معينة، أنتج برلمانات ضعيفة بنيويا وغير تمثيلية. فالدوائر الانتخابية مصممة لزيادة عدد أعضاء البرلمان من المناطق القبلية والريفية - الذين هم تقليديا معتمدون على خدمات الدولة - على حساب أولئك الذين هم من المدن والبلدات. وما لم يتغير هذا النظام، سيبقى البرلمان تحت هيمنة العناصر القبلية أو المرشحين المستقلين وليس بإشراف أعضاء الاحزاب السياسية ما يؤدي إلى ادامة وتأبيد نموذج الدولة الريعية. في 14 مارس، أنشأ الملك لجنة الحوار الوطني لمناقشة نظام الاقتراع المثير للجدول. وقد أوصت هذه اللجنة بإلغاء صيغة شخص واحد - صوت واحد - وهذه كانت خطوة هامة. لكن ليس من المحتمل من سوء الحظ، أن تنتج هذه التعديلات الثانوية برلمانات تستند إلى أحزاب سياسية قوية في المستقبل المنظور، ما لم يشمل نظام الاقتراع المختلط الذي تدعو إليه اللجنة أكثر من مجرد تخصيص الحد الأدنى من المقاعد للوائح الوطنية. وحتى كتابة هذه السطور، لم تتم ترجمة هذه التعديلات على رغم محدوديتها في شكل قانون انتخابي جديد. وسبق لحكومة رئيس الوزراء عون الخصاونة أن أعلنت بأن هذا القانون لن يكون جاهزا لطرحه على البرلمان قبل مارس المقبل. والحال ان إحدى القضايا الرئيسة التي تؤثر على حديث الاصلاح في الاردن تكمن في هشاشة الهوية الوطنية الاردنية المشتركة، فبعد 65 سنة من الاستقلال و60 سنة على منح الفلسطينيين اللاجئين من حرب 1948 المواطنة الاردنية الكاملة، لاتزال هذه القضية دون حل سياسيا. ويعتبر النقاش العام حول قضية الهوية مدعاة انقسام وغالبا ما يغشى الطابع الانفعالي على الاشارات الموسمية إليها، فيما النقاشات العقلانية أو البناءة نادرة. علاوة على ذلك أثر عدم إيجاد تسوية للصراع العربي - الاسرائيلي على وجه الخصوص على تطور هوية وطنية حديثة وصحية، كما أن العديدين استخدموا هذا الصراع بطريقة مبررة وغير مبررة على حد سواء لإعاقة عملية الإصلاح السياسي. فأردنيو الضفة الشرقية يخشون من تضعضع» الهوية »الأردنية للضفة الغربية»« إذا ما أدى القانون الانتخابي إلى برلمان أكثر تمثيلا يشمل مزيدا من الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية، فيما الأردنيون من أصل فلسطيني يشكون من أنهم غير ممثلين بالكامل. وقد مال النقاش حول هذه المسألة بين كلا الطرفين لأن يكون مشحونا للغاية، في حين أن الدولة لم تكن قادرة على معالجة المشكلة بشكل صحيح. كما أن لجنة الحوار الوطني لم تكن قادرة على مجابهة مسألة الهوية الوطنية، وفشلت مجددا في تحديد من هو الأردني. في محاولة أخرى لتلبية مطالب المحتجين، عين الملك في 27 ابريل لجنة حول التعديلات الدستورية أنيط بها اقتراح تغييرات جديدة في دستور غالبا ما عدل في الماضي. بيد أن المشككين لاحظوا أن التعديلات عززت عادة السلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية، وهو نقيض ما يريده المحتجون. اللجنة الدستورية بلورت مجموعة من التوصيات التي تم إقرارها مع بعض التعديلات من جانب غرفتي البرلمان في نهاية شتنبر. التعديلات الأخيرة كانت إيجابية وهامة على رغم أن أعضاء اللجنة، وفي حين أنهم يحظون باحترام، لم يكن بينهم أي من ممثلي المعارضة. وقد تطرقت التعديلات إلى مطالب لطالما طرحتها مجموعات الاصلاح والرأي العام، وهي تشمل إنشاء محكمة دستورية للتدقيق بدستورية القوانين والتنظيمات وإقامة لجنة انتخابية مستقلة كي تحل مكان وزارة الداخلية في تنظيم الانتخابات وتحسين الحريات المدنية، وحظر التعذيب في أي شكل من الاشكال والحد من قدرة الحكومة على إصدار القوانين المؤقتة خارج دورات انعقاد البرلمان، علاوة على ذلك حددت التعديلات صلاحية محكمة أمن الدولة في قضايا الخيانة العظمى، والتجسس والارهاب وأشارت إلى أنه في ماعدا هذه التهم، يتعين محاكمة المواطنين أمام محاكم مدنية. ثم أنها نصت على أنه لا يمكن حل البرلمان من دون استقالة الحكومة أيضا، وأنه لن يكون من حق رئيس الوزراء المقال أو المستقيل إعادة تعيينه. على رغم كل ذلك، افتقرت التعديلات إلى جملة اجراءات ضرورية، إذ في حين أن الملك فقد قدرته على تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، إلا أن كل صلاحياته الاخرى بقيت كما هي. وعلى سبيل المثال الملك لايزال يعين ويقبل رئيس الوزراء ومجلس الأعيان. وعلى رغم أن اللجنة الدستورية ناقشت فكرة اضافة الجندر (جنس الفرد) إلى لائحة الفئات المحظور ممارسة التمييز ضدها، إلا أنها اختارت إبقاء الجندر خارج اللائحة لأسباب دينية وسياسة. وأخيرا وفيما تم الحد بشكل طفيف من دور أجهزة الأمن في الشأن السياسي من خلال بعض التعديلات إلا أنه لم يكبح. جهود الإصلاح الاقتصادي منذ يناير 2011 على رغم أن الإصلاح السياسي كان محدودا حتى الآن، إلا أنه تم على الأقل اتخاذ بعض الإجراءات. لكن على الصعيد الاقتصادي، لم يكن ثمة عمليا إصلاح اقتصادي. فرئيس الحكومة السابق معروف بخيت، الذي عينه الملك في فبراير، لم يعرف عنه أنه إصلاحي، وهو فشل في بلورة استراتيجية اقتصادية بعيدة المدى للتعاطي مع المشاكل الحادة في البلاد، بما في ذلك تفاقم عجز الموازنة الذي وصل إلى نسبة خطرة بلغت 11 في المئة (باستثناء المنح الخارجية التي كانت تساعد عادة على سد الفجوة)، والبطالة التي لاتزال تحوم فوق رقم رسمي هو 13 في المائة. وأكتوبر، تم استبدال بخيت بعون الخصاونة، وهو قاض سابق في محكمة العدل الدولية ويعتبر أكثر ميلا للإصلاح من أسلافه. وقد نالت الحكومة الجديدة الثقة في البرلمان. لكنها لم تعلن بعد عن استراتيجية اقتصادية بعيدة المدى. بالطبع، جرت محاولات للإصلاح في الماضي. كانت الأجندة الوطنية للعام 2005 تنطوي على استراتيجية للتعامل مع المشاكل الاقتصادية الهيكلية. وقد وضع ذلك البرنامج الخطوط الأولى لخطة مدتها عشر سنوات للقضاء على العجز في الميزانية بحلول العام 2016، باستثناء المنح. كما كان يهدف للوصول إلى فائض قدره 1.8 في المائة وخفض معدل البطالة إلى 6.8 في المائة بحلول العام 2017. ومع ذلك، لم تنفذ هذه الاستراتيجية أبدا، ولم تتم صياغة استرتيجية جديدة. بدلا من ذلك عندما ساء الوضع في ضوء الأزمة المالية العالمية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، تبنت الحكومة سياسة مالية توسعية زادت في حجم المشكلة إلى حد كبير. وفي حين أن هذا قد يكون مفهوما في المدى القصير، إلا أن الحكومة لم تقدم خطة متوسطة الأجل من شأنها أن تضمن المحافظة على المسؤولية المالية. فالمنح المالية مثل المنحة البالغة 1.4 مليار دولار من المملكة العربية السعودية ليست مضمونة في المستقبل، ولن تساهم في حل المشكلة البنيوية في الميزانية في الأردن، حيث أن الإيرادات غير قادرة على تلبية النفاقات التشغيلية للحكومة، ناهيك عن أي نفقات رأسمالية. لقد تم الإعلان عن استراتيجية وطنية للتشغيل من شأنها، من بين أمور أخرى، أن تستبدل العمالة الوافدة بأخرى محلية في مارس. لكنها لم تنشر حتى كتابة هذه السطور. علاوة على ذلك، أرسلت الحكومة إشارات مربكة حول سياستها. ففي شتنبر، على سبيل المثال، تم صرف محافظ البنك المركزي من الخدمة بسبب «آرائه الليبرالية»، وإيمانه ب «اقتصاد السوق»، وخلافه مع الحكومة حول سياستها الاقتصادية. كانت الدولة تحاول أساسا استرضاء الرأي العام بمزيج من زيادة رواتب الموظفين الرسميين، والدعم الإضافي، وإنشاء «صندوق تنمية» للمحافظات الريفية، والذي سيتم تمويله عن طريق المنحة السعودية (لم يتم الإعلان عن أي خطط بشأن الكيفية التي سيتم بها إنفاق الأموال). وبالتالي فإن الرد الاقتصادي علي الاضطرابات لم يتضمن أي تدابير إصلاح حقيقية. في ماي أعلن مجلس التعاون الخليجي، الذي يتألف من ملكيات الخليج العربية الست، أنه يرحب بانضمام الأردن والمغرب إلى عضويته، وبدأت المفاوضات في شتنبر الماضي، ويأمل الأردن بأن تتضمن العضوية الكاملة حرية حركة العمالة، و بالتالي زيادة التحويلات المالية وانخفاض البطالة. وقد أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي أيضا عن خطة خمسية لدعم الأردن اقتصاديا، وسيتم مناقشة تفاصيل الخطة من قبل قادة دول الخليج في اجتماعهم المقبل في شتنبر. الرأي العام الأردني غير متأكد بشأن هذه المسألة، وحجم المناقشات التي تجري حولها غير مسبوق. فالكثير من الأردنيين لم يعودوا راضين عن التدابير الاقتصادية التي يفترض أن تخفف من غلواء محنتهم المالية، لكنهم يلمحون أيضا إلى قيود على التغيير السياسي من جانب منظمة تمثل البلدان التي رفضت طويلا القيام بإصلاح سياسي. وفي حين أنه لا الحكومة الأردنية ولا بلدان مثل المملكة العربية السعودية قالت إن ثمة مقابلا سياسيا لعضوية مجلس التعاون الخليجي، فإن الكثير من الأردنيين يشكون، في الواقع في أن يكون هذا هو الحال. كما ألقت التصريحات الأخيرة لوزير خارجية دولة الإمارات، والتي قال فيها إن عضوية الأردن في مجلس التعاون الخليجي لم تحظ حتى الآن بالإجماع داخل المجموعة، مزيدا من الشكوك حول هذه المسألة. التطلع إلى المستقبل كانت استجابة الأردن للانتفاضات حتى الآن متباينة وبنت ساعتها. والحكومة لاتزال تفتقر إلى استراتيجية شاملة. سياسيا، تمثل التعديلات خطوة أولى جيدة. ومع ذلك، فإنها لازالت بعيدة عن كونها عملية إصلاح مؤسسي أكثر اتساعا وشمولا وقابلة للقياس تقدم رؤية أكثر شمولا لمستقبل الأردن، ويمكن أن تدمج بنجاح مطالب مختلف القواعد الشعبية بطريقة تؤدي إلى مستقبل صحي وتعددي ومزدهر للبلد. ولا يمكن إلا لعملية حوار شاملة تشرك جميع القوي الرئيسة في المجتمع أن تؤدي إلى تفاهم مشترك حول رسم مسار قد يفضي إلى الانتقال في نهاية المطاف من نظام قائم على الريعية إلى تنمية مستدامة للبلاد. لقد قام أحد مؤلفي هذه الورقة مؤخرا بزيارة إلى الأردن. على أرض الواقع، كان من الواضح أن الأردنيين ليسوا راضين عن الإصلاحات حتى الآن، لكنهم يأملون في أن تكون العملية أكثر جدية و تؤدي إلى نتائج ملموسة، بدلا من أن تكون جولة أخرى من الوعود التي لم تتحقق. ومع ذلك، من الواضح أيضا أن الشعب، بكل تنوعه العرقي والاجتماعي وتطلعاته السياسية والاقتصادية المختلفة، يريد من الملك قيادة هذه العملية الإصلاحية. ويبدو أن الملك يدرك هذا التحدي جيدا، لا بل هو يدرك أن عليه مواجهة القوى التي تعمل من أجل الحفاظ على الوضع الراهن، وهي قوى غالبا ما تأتي من داخل دائرة النخبة السياسية والتقليدية للنظام، و في حين أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار في الأردن، يمكن للإصلاح من فوق الى تحت أن ينجح، وفي الواقع، هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما في بلد فيه القوى السياسية المنظمة ضعيفة. والسؤال هو ما إذا كانت النخبة السياسية التي حالت دون حدوث التغيير في الماضي ستركن، بسبب عدم وعود احتجاجات ضخمة، إلى الاعتقاد بأنها قد نجت من العاصفة، وأن بإمكانها العودة إلى عاداتها القديمة.