تراودها الفكرة منذ أن أصبحت حاملا بطفلتها، تخترق خيالها بين الفينة والأخرى، بعد أن قتل زوجها في إحدى الهجومات المسلحة، وبعد أن اشتدت وطأة الحرب والنزاعات في بلدها مالي، وضعت فاطماتو ذات الثمانية والعشرين ربيعاً مولودتها، استوفت الرضيعة شهرها السابع، حزمت الأم حقيبتها، وشدت الرحال إلى المغرب، بعد أن سمعت عن هذا البلد الكثير ممن قصدوه قبلها. رحلة صعبة وطويلة بالنسبة لامرأة رفقة رضيعتها. قصدت في البداية موريتانيا مشياً على الأقدام، كل هذه الطريق قطعتها فاطماتو، حيث تعرضت للسرقة من طرف قطاع الطرق، سلبوها مالها وأغراضها ومؤونتها، بل حتى طعام رضيعتها أخذوه منها، وكادت أن تتعرض للاغتصاب لولا توسلاتها وصراخ ابنتها التي كانت تسمع صوت أمها وهي تبكي وتصرخ. بكت فاطماتو وندبت حظها العاثر الذي وضع اللصوص في طريقها، لكن هذه الواقعة، لم تزدها إلا إصراراً وتشبثاً بمعانقة حلمها، والوصول إلى بر الأمان، هذا الأخير الذي افتقدته في بلدها وفي طريقها إلى مبتغاها. بعد موريتانيا، استقلت حافلة متوجهة من نواكشوط إلى العيون المغربية عبر الطريق الساحلية. وصلت إلى العيون، أمضت هناك ثمانية أيام بلياليها، تنام في العراء داخل المحطة الطرقية، تعيش تحت رحمة المسافرين والمارة وعطف السكان، تعرضت لعدة مضايقات وتحرشات جنسية، كما تعرضت طفلتها لنزلة برد، كادت أن تودي بحياتها، بسبب قلة التغذية والبرد القارس. بعد أن تعافت ابنتها، شدت الرحال نحو أكادير، في هذه المدينة كانت فاطماتو أوفر حظاً . لقد تعرفت على بعض المهاجرات من موطنها، اللواتي يمتهن التجارة، حيث يبعن الحلي والزيوت والأقمشة، وأصبحت مساعدة لإحدى البائعات، كما اقتسمت معها كذلك الغرفة التي تقطنها. ظلت فاطماتو سنة ونصف في مدينة أكادير، نصحتها إحدى صديقاتها بالتوجه إلى مدينة البيضاء أو المحمدية، بعد تفكير طويل، قررت أن ترحل إلى المحمدية رفقة ابنتها. عندما وصلت إلى المحمدية عانت الأمرين، لتجد غرفة تعيش فيها. في البداية كانت فاطماتو متسولة، أصبحت مشاكلها كثيرة مع السلطات المختصة في المدينة. بعد ذلك، اشتغلت خادمة في بيت إحدى السيدات المغربيات اللائي يفضلن الخادمات الأجنبيات، وأخذت معها ابنتها ذات السنتين والنصف لتعيش معها هناك. بعد مدة قصيرة، بدأت فاطماتو تلاحظ نظرات زوج سيدة البيت تلاحقها أينما ذهبت، بات يضايقها بتصرفات غير أخلاقية بعد مغادرة زوجته للبيت. كانت تتفاداه، لأن صاحبة البيت تتعامل معها معاملة حسنة، وسمحت لها أن تجلب معها ابنتها. لكن جاء اليوم الذي كانت تخشاه فاطماتو، عندما ذهبت صاحبة البيت إلى زفاف إحدى صديقاتها، فتسلل الزوج إلى بيت الخادمة وحاول اغتصابها، صدته فاطماتو بعنف، جمعت أغراضها وأخذت ابنتها وغادرت المنزل حوالي الساعة الواحدة صباحاً. قصدت بيت إحدى صديقاتها، وهي في حالة هستيرية، قررت بعدها ألا تشتغل خادمة في البيوت بعد ذلك. أصبحت فاطماتو بائعة متجولة في الأزقة، تبيع الحلي الافريقية وبعض الأدوية التقليدية واكترت غرفة مع ابنتها واستقرت في المحمدية، قرابة الأربع سنوات، وهي الآن تتطلع لغد أفضل لها ولابنتها، التي أصبحت ترتاد المدرسة كباقي أقرانها. وبعد أن قرر المغرب أن يمنح المهاجرين حقوقهم ويسوي وضعيتهم القانونية داخل المملكة، تنفست فاطماتو الصعداء. فبعد رحلة مريرة، وانتظار أمل تتوق إليه نفس كل مهاجر يقصد بلاد المهجر ليأويه ويأوي جراحه وأحزانه وآهاته، ستسوى وضعيتها القانونية داخل المغرب، وستتوفر على أوراق الإقامة.