مضى عام على التاريخ أعلاه ، ولم تحدث القيامة ، أو نهاية العالم كما ترقبتها شعوب كثيرة ، خاصة تلك التي اعتقدت حدَّ الهستيريا في « نبوءة « شعب المايا . هذا التوقع العميق في الزمن جعل من 21 دجنبر 2012 خاتمة الحياة على برتقالتنا الزرقاء بتعبيرالشاعر الفرنسي بول إيلوار. هذا الوعد المشئوم رُوِّجَ له في الجهات الأربع من الكرة الأرضية ، وتم الاستعداد له بالهروب إلى الله بالتضرع والصلاة ليرفع هذا البلاء المحيق ، ويجنب الإنسانية كارثة الفناء، كما حدث ذلك قبل 65 مليون سنة حين محق الأرض ومن عليها نيزك عملاق ارتطم بالأرض، وأفنى سبعين في المئة من الكائنات الحية ، خاصة العملاقة منها كالديناصورات ، التي عاشت منذ حوالي 230 مليون سنة ، واستمرت سيدة للمجال إلى نهاية العصر الطباشيري منذ 65 مليون سنة . آخرون لم يهربوا إلى الله ، ولم يلتحقوا بالكنائس ، والمعابد طلبا للرحمة ، بل فضلوا الاحتماء بالمخابئ ، التي فكرت في إنشائها شركات وجدت في هذه الأكذوبة الكونية الكبرى فرصة سانحة للثراء والاغتناء ، فشيدت مخابئ عبارة عن فنادق وإقامات تحت الأرض ، وهي موجهة للراغبين من الأثرياء في النجاة من الهلاك المحتوم . هذه الإقامات ، أو المخابئ من شأنها أن تجعلهم في مأمن إلى أن تهدأ الأمور على السطح . كدَّسوا فيها ما يكفي من المؤن والطعام ، والوسائل الضرورية من الدواء واللباس ، وغيرها من الحاجيات ، كما اجتهد البعض منهم في جعل هذه المخابئ تتوفر على أماكن للرياضة ، ومختلف الهوايات التي يسمح بها مثل هذا الفضاء . هذه المخابئ انتشرت في أمريكا ومختلف بلدان أروبا ، وهي مفتوحة في وجه من يستطيع دفع المبالغ الباهظة المطلوبة ، كما هو حاصل في كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية ، التي شيدت فيها شركة عشرين مخبئا يستطيع كل واحد منها إيواء مائتي شخص مقابل 50 ألف دولار لمدة سنة مع ما يكفي من المستلزمات . أكدت وسائل الإعلام ساعتها أن نحو ألف شخص حجزوا بالفعل ، وعليهم ليلة الخميس 20 دجنبر الالتحاق بالمخابئ قبل أن تسقط السماء على رؤوسهم ، ويكونوا من الخاسرين . ذكرني هذا الهروب اللامجدي بقصة نوح مع ابنه ، الذي فر من الطوفان إلى الجبل مخاطبا أباه : « سآوي إلى جبل يعصمني من الماء . قال لا عاصم اليوم من أمر الله ، إلا من رحم ، وحال الموج بينهما فكان من المغرقين» . هود / 43. من المستفيدين أيضا من خرافة نهاية العالم هوليود التي أنتجت أفلاما حققت من ورائها أرباحا خيالية ، خاصة الفيلم الذي شاهدناه في المغرب ، وهو يحمل عنوان 2012 ، وقد أخرجه رولان إمِّيريش . هذا الشرط المطول نقل بالصورة سيناريو نهاية العالم ، وذلك عن طريق الكوارث الطبيعية ، كالبراكين القاذفة لآلاف الأحجار الملتهبة ، والتي أشعلت الحرائق في كل مكان ، والزلازل العنيفة ، التي طمرت مدنا بأكملها ، وحفرت في الأرض أبواب جهنم ، والعواصف المدمرة ، التي تكنس كل ما يوجد على طريقها ، وأخيرا المحيطات ، التي تفاعلت بدورها مع كل هذه العناصر المدمرة ، لتتحول بدورها إلى تسونامي فظيع اجتاح كل أنحاء المعمور بما في ذلك أعلى قمة في العالم بجبال الهيمالايا ، ثم عودة الأرض إلى ما كانت عليه في البدء . المؤمنون بديانات التوحيد لم يتحمسوا كثيرا لهذه الخرافة ، لأن لديهم العلامات الدالة على اقتراب الساعة ، وقد بدأ البعض منهم في عدها ، من خلال ما يعرفه العهد الحالي للأرض من سمو حضاري لا مثيل له ، من خلال ثوراته المتتالية منذ عصر النهضة ، مرورا بالثورة الصناعية والثورة التكنولوجية والرقمية ، والثورة النانولوجية . هذه الثورات ، أو القفزات الهائلة باتجاه المستقبل غذَّت الحقول المعرفية الأخرى كغزو الفضاء ، والطب وعلم الإحياء وصناعة الأدوية ، وما إلى ذلك من معارف مذهلة . بالإضافة إلى هذا العامل الحضاري الذي يسير بالإنسان إلى الجنون ، وما لا يصدق ، ثمة عامل آخر اعتبروه من العلامات ، ويتجلى في سلسلة من الكوارث الطبيعية ، من قبيل الأعاصير التي تجتاح العالم في أوقات معلومة ، والزلازل التي تحصد آلاف الأرواح ، وتلغي من الخرائط القرى والمدن ، ثم الموج العاتي ، أو التسونامي ، الذي يعلو جارفا لكل الإرث التاريخي والحضاري الطويل . من العوامل أيضا ما بلغه الإنسان برغم تحضره من عقوق ، وكفر ، وتنكر لقيم الخير والمحبة ، إذ السائد هو قيم الكراهية ، والأنانية المفرطة دفاعا عن المصالح ، والصراع على السلطة ، وما نتج عن ذلك من حروب مدمرة ، ليس بين شعبين فقط ، بل بين أبناء الشعب الواحد ، كما هوحاصل الآن في الشرق الأوسط ، بحيث لا تتورع الجماعات المتطرفة من هذا الجانب ، أو ذاك في جزِّ رؤوس العباد على قارعة الطريق مع التفاخر ، والتكبير، وأكثر بشاعة شق البطون ، ونزع القلب ، أو الكبد ، وأكله نيئا كما فعل أحدهم على مرأى عين العالم ؛ إذ شاهد الملايين من البشر تلك الوحشية المقززة ، والتي لا مثيل لها ، ولا نظير من خلال شريط يوتوب بالغ في الجرح والأسى . هذه هي القيامة الصغرى حسب هؤلاء ، لكن ثمة علامات ينتظرون ظهورها ، وهي في حكم الغيب ، إذ لا يعلم قيام الساعة غير الخالق . فهو تحدث في كل كتبه السماوية عن اليوم الرهيب الأخير ، لكن لم يحدده ، واكتفى بإرسال الإشارات والعلامات الدالة على اقترابه. في كتاب التوراة ورد في سفر أشعياء ما يلي «هو ذا يوم الرب قريب قادم من القادر على كل شيء « . وفي إنجيل متى نقرأ « تلك الأيام تظلم الشمس ، والقمرلا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء..». في القرآن الكريم نجد سورا كثيرة باسم القيامة ، منها القارعة . « القارعة ما القارعة ، وما أدراك ما القارعة ، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ، وتكون الجبال كالعهن المنفوش..» وفي القرآن سور أخرى موضوعها اليوم الموعود كالقيامة ، والحاقة ، والزلزلة ، والحشر، والواقعة ، وغيرها من السور والآيات . نقرأ في سورة الأنبياء « اقترب للناس حسابهم في غفلة معرضون» آية 1 ، وفي الآية 104 نقرأ «يوم نطوي السماء كطي سجيل للكتاب». هذه النصوص المقدسة كرست قناعة القيامة لدى أصحاب الديانات الثلاث ، لكن العلامات المعلنة للقيامة الكبرى لم تظهر بعد ، وهي خروج الدابة ، وقدوم الدجال ، وتحرير القدس ، ونزول عيسى، أو المهدي المنتظر ، وقتل الدجال ، ثم النهاية حيث سيأمر الله ملك بأن يموت بدوره ، وبذلك ينتهي فصل من التاريخ الطويل للبشرية ، كي يبدأ فصل آخر مقدر للإنسان . وجهة نظر العلم هو أن نهاية العالم وشيكة ، وربما في الأجل القريب ، لأن مجرة سوبِّر نوفا تسافر إلى مجرتنا من أعماق الكون بسرعة جنونية ، والاصطدام الرهيب كما هو متوقع سيكون بعد 75 سنة ، وساعتها لن تكون نهاية الأرض فحسب ، بل نظامنا الشمسي كله .