صلاح الدين بصير اللاعب الدولي السابق، والذي سحر الجماهير بفنه الكروي، هو الآن على رأس اللجنة التقنية لنادي الرجاء البيضاوي، بمثل سحره الكروي الممزوج بنبل أخلاقه، وبمثل حنكته في تسيير اللجنة التقنية، كان أيضا متألقا وهو يتحدث معنا بعد ملحمة الرجاء. روى قصة الإبهار، وحلل واقع الكرة المغربية، وأبدع في طرح مقترحات كوصفة لرفع أداء البطولة الوطنية وتكوين نجوم عالميين.. رحب كثيرا بجريدة الاتحاد الاشتراكي، التي قال لي إنه مواظب على قراءتها، وتعجبه الكلمات المسهمة لأبي سلمى، ويتابع عمود كسر الخاطر لعبد الحميد الجماهيري، لذلك رحب بالحوار، في وقت كان فيه على أهبة الخروج لقضاء مأرب بأسواق المدينة الحمراء.. { فريق الرجاء أشعل الفرحة في قلوب المغاربة وأنجز ملحمة كروية غير مسبوقة وطنيا وعربيا بوصوله الى المباراة النهائية لكأس العالم للأندية، كيف يمكن لصلاح الدين بصير أن يروي لنا هذه القصة الجميلة؟ لاشك أنني أعيش اليوم فرحة كبيرة كجميع الرجاويين، وفرحة أكثر لأنني أمثل رئيس اللجنة التقنية للرجاء البيضاوي، ولأننا، ومنذ 21 يوما بعد مباراة الحسنية، ونحن نفكر ونهيئ الفريق تقنيا وتكتيكيا، وكذا من الناحية المعنوية أيضا. لقد حاولنا أن نوفر له جميع الظروف ليعيش في احترافية مائة في المائة، لأننا سنواجه فرقا محترفة، وبالتالي هيأنا خريطة طريق، تتقدم خطوطها العريضة عدم مناقشة الفرق التي سنواجهها جملة، ولكن نتحدث عن كل فريق على حدة، وكان همنا الأول هو أن نفوز أولا على الفريق النيوزيلندي أوكلاند سيتي كي نعبر إلى الدور الثاني، إذ لا يعقل أن نكون مجرد عابري سبيل ونحن ننتمي إلى البلد المنظم، وبالفعل دخل اللاعبون بعزيمة كبيرة ولعبوا ندا للند، وفزنا على فريق أوكلاند، حيث لم نعد ضيوفا، بل أصبحنا رسميين. عندها تحررنا من الضغط، لأن هدفنا كان هو أن نمر لهذه المرحلة فقط، فلم يعد لدينا ما نخسر، وحتى لو خسرنا كنا سنلعب مباراة الترتيب. لكن درسنا الفريق الخصم، وقلنا مع أنفسنا أنه بما أننا وصلنا هذه المرحلة فلم لا نؤمن بحظوظنا وبمؤهلاتنا ونعمل على الفوز على الفريق المكسيكي رغم قوته. لقد كان خصما جد قوي ومنظم تكتيكيا منضبطا وسط الملعب، يقوم بحملات منسقة وخطيرة، لكن فريق الرجاء كان ندا للند، واستطعنا أن نكون سباقين للتسجيل، وتعادلوا معنا ودخلنا في مرحلة الشك، و كان الخصم تعادل كان قاب قوسين أو أدنى من أن يسجل هدفا ثانيا، لكننا بقينا مؤمنين بقدرتنا على الفوز، وهو ما تأتي لنا، والحمد لله، بعد 120 دقيقة، قدم اللاعبون مباراة ماراثونية وأشكرهم فيها على الأداء، وعلى لياقتهم البدنية وعلى تنظيمهم التكتيكي، وعلى إيمانهم بعدم الاستسلام. حين فزنا على الفريق المكسيكي، ومررنا لنصف النهاية، كنت شخصيا جد متفاءل، وصرحت بذلك لوسائل الإعلام، وقلت بأننا سنفوز على الفريق البرازيلي. لماذا؟ لأنني أعرف كيف يلعب أتليتيكو منيرو، كما أن الفريق المكسيكي منتيري، الذي فزنا عليه، هو أقوى وأخطر من الفريق البرازيلي، وبالتالي قلنا ممكن أن ننتصر على أتليتيكو، لكن مع الحيطة والحذر، لأنه يضم لاعبين كبارا ككارديلي وماديسون وجلبرتو ورونالدينو، وهؤلاء كلهم لعبوا ضمن المنتخب البرازيلي، ومنهم من لازال يلعب. على العموم دخلنا وقمنا بجس نبض خصمنا وسرنا مع مجريات المباراة مرحلة بمرحلة، وسجلنا الهدف الأول فسجلوا التعادل، ومرة أخرى دخلنا مرحلة الشك، لكن لأننا لم نرفع أيدينا في ربع النهاية، آمنا بحظوظنا وسجلنا الهدف الثاني ثم الثالث، وبالتالي عبرنا إلى المباراة النهائية عن جدارة واستحقاق بالطريقة والأداء والنتيجة، وهو ما جعل الجمهور يخرج ويعبر عن تلك الفرحة الكبيرة، وهذا هو السبب الذي جعلني أقول بأننا لم نمر صدفة، بل ذلك ناتج عن عمل جبار قامت به كل مكونات الفريق ككل من لاعبين وإدارة تقنية وطاقم الطبي إلى حاملي الأمتعة، فضلا عن المكتب المسير والجمهور الرجاوي والمغربي عموما. كل هذه الجهود تضافرت وجعلتنا نحقق هذا الإنجاز غير المسبوق. وبعد وصولنا إلى المباراة النهائية، لم يعد لدينا بطبيعة الحال ما نخسر، لكن ورغم أن الخصم كبير وقوي، وبما أن لا منطق في كرة القدم، قلنا إننا قادرون على أن نتعادل معهم، وقد نصل إلى ضربات الترجيح، أو على الأقل ننهزم بحصة صغيرة. لكننا قدمنا شوطا أول دون المستوى، بسبب الضغط، الذي فرض علينا، حيث أحس اللاعبون بنوع من الرهبة أمام بايرن ميونيخ، إضافة إلى أن الخصم كان مستحوذا على الكرة، وكان منظما ويقوم بالحملات متى شاء، واستطاع أن يسجل هدفا أول في الدقيقة الخامسة، وبما أن الفريق الذي يسجل مبكرا، يتحرر ويلعب مرتاحا. فتضاعف الضغط علينا وصرنا نبحث عن التعادل، فتلقت شباكنا هدفا ثانيا في الدقيقة 22، لكن في الشوط الثاني عرف فريق الرجاء البيضاوي استفاقة، وكنا أفضل وأحسن من البايرن من ناحية المحاولات القابلة للتهديف، حيث أتيحت لنا ثلاثة فرص كان اللاعبون فيها وجها لوجه مع الحارس.. { هذا يقودني إلى السؤال عن سبب تألق الرجاء في كل مبارياته بالمونديال في الشوط الثاني، رغم أن الكثيرين قبل البطولة تخوفوا من اللياقة البدنية للاعبين؟ من ناحية اللياقة البدنية نحن دائما مرتاحين، لدينا طاقما طبيا في المستوى يساعد اللاعبين على تجاوز كل الصعاب واسترجاع لياقتهم في حالة وجود مشاكل، وبشكل علمي عالي الجودة على مستوى التغذية، التدليك، الفيتامينات، النوم الجيد، كل العوامل تترك اللاعبين في أحسن حال، إضافة إلى أن الملعب كان عالي الجودة، واللاعبون تحرروا من الناحية الذهنية، والتعب يكون نفسيا، وإذا ما تغلبت عليه لن تحس به أبدا، والحمد لله جارينا البايرن، وكنا الأحسن في الشوط الثاني، رغم أن الخصم امتلك الكرة أكثر، ويجب أن لا ننسى أن البايرن هي ماكينة ألمانية لا تهدأ، ناهيك عن أن المدرب غوارديولا أضاف إليهم فنيات وتقنيات والاحتفاظ بالكرة، فأصبح الفريق متكاملا من جميع النواحي، ومع ذلك لم ننهزم سوى بهدفين، وكان بالإمكان أن نسجل هدفا على الأقل، ولكن على العموم ظهرنا بصورة مشرفة وقدم اللاعبون أداء بطوليا أشكرهم عليه، كما أشكر الجمهور، الرجاوي خاصة والمغربي عامة، على مساندته القوية للاعبين، وكان محفزا لتألقهم.. { غير الفريق مدربه قبل أربعة أيام من انطلاق هذه البطولة، وباعتبارك رئيسا للجنة التقنية، هل هناك عمل جماعي لا يترك المجال لأي تراجع فني وتقني، حتى لو أن اسما ذهب وجاء آخر؟، وهل ساعد في ذلك مجهود على المستوى النفسي والذهني للاعبين؟ محمد فاخر قام بعمل، وجاء مدرب جديد وأتمم هذا العمل ، محمد فاخر وضع بصمته في الفريق وجاء البنزرتي فأضاف لمسته، بمعنى أن هذا كمل ذاك، ونعرف دائما أن مرحلة من الفراغ تتم أثناء تغيير المدربين، ولكن الحمد لله لم نمر منها، فالمدرب الجديد حين يحل بالفريق يعطي دفعة جديدة من مجهوده، والدفعة التي أعطاها البنزرتي للرجاء هي نفسانية وذهنية أكثر منها لياقية أو تقنية، لأنه يرسخ في ذهن اللاعب مبدأ الثقة في النفس، فعلى سبيل المثال" الوليدات لعبوا، الى خسرتو أنا اللي كنتحمل المسؤولية، أنتم الرجاء، أنتم قادرون على أن تقارعوا كبار النجوم العالميين ولا تقلون عنهم في شيء، وأنا أثق في مقدراتكم جيدا،" إذن فالعامل النفسي مهم جدا، خاصة بالنسبة للاعب المغربي، لأنه مازال نصف محترف ونصف هاو، يمكن أن يتأثر بكلمة ما سلبا أو إيجابا.. إضافة إلى أن هناك جهودا متضافرة للجنة التقنية، والمكتب المسير والجمهور الذي حضر وشجع، وكل هذه الأشياء ترفع من المعنويات.. ومعلوم أن فريق الرجاء يلعب جيدا كلما توفرت له شروط اللعب الجيدة، فنحن الآن سنعود الى البطولة الوطنية، وهناك ملاعب غير جيدة، وأخرى فارغة من الجمهور، كما أن ظروف الإقامة أحيانا لا تكون في المستوى، كل هذه العوامل تقف أمام تطور البطولة الوطنية، ولا تجعل اللاعبين يكشفوا عن كل مقدراتهم. { ملك البلاد، اتصل بعد انتصاركم في نصف النهاية على الفريق البرازيلي أتليتيكو مونترو، كيف كان وقع ذلك على اللاعبين وكل مكونات الفريق؟ بطبيعة الحال فهذا تشريف للاعبين وتشريف لنا جميعا، فقد حس المغاربة جميعا أن ملك البلاد يتابع كل شاردة وواردة على الكرة، ويحب كل ما هو إنجاز وكل من يتفاني في الدفاع عن القميص الوطني ويموت من أجل بلده. وهذه شهادة من جلالته رفعت من معنويات اللاعبين وأفرحتهم وأحسستهم بأن ذلك المجهود الذي قاموا به لم يذهب هدرا، صاحب الجلالة يتصل ويحضر النهائي، وكان استقبال على شرف اللاعبين والمكتب وكل مكونات الفريق، فهذا والحمد لله خاتمة جميلة وجميلة جدا.. { إذا ما اعتمدنا على نفس الصيغة في بطولتنا، يعني نفس الإعداد من الجانب التقني والبدني والذهني، وتواجد لاعبين كبار قدماء من أمثالكم داخل اللجن التقنية للأندية المغربية، هل للاعب المغربي أن ينافس على أعلى المستويات؟ نحن اليوم في المغرب ليس لدينا تكوين، هناك تكوين نسبي قد يصل 50 في المائة. صحيح، هناك مراكز تكوين الرجاء والجيش وغيرهما، لكن ذلك مازال في البدايات، وسابقا لم تكن هناك مراكز التكوين، ومع ذلك أعطى المغرب نجوما كفرس والتيمومي وظلمي وبتشو والنيبت، لاعبون من مستوى عال خرجوا من رحم البطولة المغربية آنذاك، رغم ضعف الملاعب وقلة الإمكانات وغياب الحوافز، ومع ذلك وصلوا. الآن المغرب من أكبر الدول التي تصدر اللاعبين للخارج، وأكثرهم يلعب في البطولات الأوروبية أكثر من أي دولة إفريقية، بما فيها الكوت ديفوار. أنا أتصور أنه لو أسندت الأمور إلى أهلها، يعني من يسير جيدا يبقى في التسيير، وفي الجانب التقني يجب أن نعتمد على اللاعبين السابقين والحاصلين على الديبلومات لكي يصقلو المواهب، بشرط أن نتوفر على مراكز تكوين حقيقية، فإننا بالتأكيد سنكون لاعبين من ذوي الكعب العالي في جميع الفئات، وقادرين على انتزاع مكانهم في أي فريق عالمي، مهما كان، وعندها سينافسون على الكرة الذهبية العالمية، لأن جورج واياه جاء من دولة إفريقية صغيرة وفاز بالكرة الذهبية العالمية، فما بالك بالمغرب وتونس والجزائر ومصر، بمعنى أنه لابد من العناية باللاعب والمؤطر والإداري، انطلاقا من مراكز التكوين بمفهومها الحقيقي، وتخصيص ميزانية محترمة وقارة للتكوين، ونهتم بالمؤطرين والمدربين لكي يعطونا خلفا جيدا، ونصلح الملاعب، ونقوم بحملات تحسيسية للجماهير، قصد نشر قيم الروح الرياضية، ونجلب لاعبين كبارا ممن يمكن أن يعطوا الإضافة أحسن من اللاعبين الموجودين في البطولة، حتى يكون هناك تنافس، العمل طويل ويحتاج الى خريطة طريق طويلة المدى..