يستعرض الباحث المغربي في العلوم السياسية و القانون الدستوري محمد ضريف من خلال هذه الدردشة ، أهم المراحل و السمات التي انطبعت بها التجربة البرلمانية المغربية منذ بداياتها الأولى ، بكثير من التدقيق و الملاحظات الموضوعية المرتبطة بنفس التجربة .. خمسون سنة من الحياة البرلمانية، ماذا تعني لكم كباحث متخصص.. ؟ خمسون سنة من الحياة البرلمانية ، أي من نونبر 1963 إلى نونبر 2013 توجه المغاربة تسع مرات قصد انتخاب أعضاء البرلمان ، برلمان 1963 كان مؤطرا بمقتضيات أول دستور للبلاد و نعني به دستور 1962 الذي كرس برلمانا بمجلسين.. لكن هذا البرلمان تم تجويده بعد لجوء الملك الراحل الحسن الثاني و اضطراره إلى استعمال الفصل 35 لإعلان حالة الاستثناء في يونيو 1965. إذن تعطلت الحياة البرلمانية في المغرب ..؟ نعم كان هناك نوع من «البياض» في الحياة البرلمانية إلى حين خروج دستور 1970 الذي تشكل فيه ثاني برلمان بغرفة واحدة ، لكن الأوضاع السياسية التي لم تكن مستقرة آنئذ و التي عاشها المغرب و مقاطعة المعارضة للتشريعيات، حكمت على هذا البرلمان الوليد منذ البداية بالفشل . دستور 1970 لم يعمر طويلا .. ؟ بالطبع، مارس 1972 عرف تقديم مشروع دستور ثالث صودق عليه بواسطة الاستفتاء، لكن تفعيل الممارسة البرلمانية لم يقع إلا في حدود سنة 1977 حين تشكل ثالث برلمان بغرفة واحدة، و فيه أيضا طغى حضور المرشحين اللامنتمين الذين حازوا على الأغلبية المطلقة . دستور 1972 كان قد حدد مدة الولاية البرلمانية في أربع سنوات، لكن الملك و عبر تعديل دستوري سنة 1981 سيضيف سنتين إلى مدة الولاية البرلمانية لتصبح ست سنوات. «الزوابع» السياسية حالت دون انتظام الحياة البرلمانية في المغرب التي لم تكن تخضع لأجندة محددة دستوريا، بقدر التصاقها بقرار الفاعل المركزي في النظام السياسي..؟ نعم .. في 1983 و التي حالت الصعوبات دون إجراء الانتخابات في موعدها المحدد ، و هنا نتذكر استخدام الحسن الثاني لصلاحياته كأمير للمؤمنين طبقا للفصل 19 من الدستور ، و هنا تعطلت الحياة البرلمانية لمدة سنة ، قبل أن يتقرر إجراؤها في شتنبر 1984 ( الانتخابات) لتشكيل رابع برلمان في حياة البلاد ، و نفس الشيء وقع حيث لم تجر الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد سنة 1990، و جرى تمديد الولاية البرلمانية لسنتين إضافيتين . لم تكن الطريق سالكة دائما لإرساء حياة برلمانية طبيعية..؟ دستور 1992 كان هو المقدمة لانتخاب البرلمان الخامس الذي يتشكل من مجلس واحد ، لم يكمل هذا البرلمان ولايته التي ابتدأت في يونيو 1993 حتى صدر دستور جديد صادق عليه الشعب بتاريخ 13 شتنبر 1996 ، أعاد العمل بنظام المجلسين .. مجلس النواب و مجلس المستشارين على غرار أول دستور معتمد في المملكة سنة 1962 ، و هكذا أجريت الانتخابات التشريعية لتشكيل سادس برلمان و نقصد تجربة 14 نونبر 1997 . هنا ربما سننتقل إلى العهد الجديد بعد وفاة الحسن الثاني .. بعد وصول الملك محمد السادس إلى الحكم في يوليوز 1999 ، تقرر الاستمرار في العمل بدستور 1996 ، و أكمل البرلمان المنتخب ولايته ، و جرت انتخابات 27 ستنبر 2002 ليتشكل سابع برلمان في التجربة المغربية و أول مجلس منتخب في عهد الملك محمد السادس ، و دائما من داخل المقتضيات المؤطرة لدستور 96 ، جرت تشريعيات 2007 لانتخاب ثامن برلمان الذي لم يكمل مدة ولايته . لقد تفجرت الاحتجاجات التي اخترقت العالم العربي في 2011 ..؟ في خضم هذه الاحتجاجات التي جرت في العالم العربي ، شكل الملك لجنة لتعديل الدستور انتهت إلى إعداد دستور و اعتماده من خلال استفتاء فاتح يوليوز 2011، و هنا تقرر إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها انسجاما مع مقتضيات الدستور الجديد و التي أعطت ، بل أنتجت تاسع برلمان في تاريخ البلاد . في الذكرى الخمسينية ، لابد و أن تكون هناك ملاحظات حول مسارات الحياة البرلمانية .. أستاذ ضريف ..؟ الملاحظة الأولى.. لا ينبغي و نحن نحتفل بذكرى مرور خمسين سنة على تشكيل أول برلمان ، لا ينبغي أن ننسى أن أكثر من 10 سنوات خلال الخمسين سنة تميزت بتعطيل الحياة البرلمانية ، خمس سنوات بين 1965 و 1970 ، و خمس أخرى بين 1972 و 1977 ، و سنة واحدة كانت هي سنة 1983 . * ماذا أيضا..؟ الملاحظة الثانية تتمثل في كون ثلاثة دساتير من أصل خمسة ، هذا إذا نحينا جانبا الدستور الجديد ، قد أجريت في إطارها انتخابات تشريعية مرة واحدة لتشكيل البرلمان، و يرتبط الأمر بدساتير 62 و 70 و 92 ، في حين انتخب مجلسان نيابيان في إطار الدستور 72 و تشكلت ثلاثة مجالس نيابية في تجربة دستور 1996 . هل ما تزال هناك ملاحظة جوهرية .. ؟ التجربة البرلمانية في عهد الملك محمد السادس اتسمت بالانتظام على مستوى إجراء الاستحقاقات التشريعية في مواعيدها المحددة قانونا ، عكس ما كان عليه الأمر و الوضع في زمن الملك الراحل .