قال أحد الحكام المعاصرين والذي مازال يزاول مهامه في نسخة ثانية، متناقضا مع الشرع والعقل والعرف والقانون « الصراع على السلطة حرام» .. فكيف فسر الصراع ؟ وكيف فهم السلطة؟ ومن أين استمد الحكم بالتحريم ؟ فلنعرض الرأي بهذا المقال لنرى درجة الخلط بين الاحكام وسياقاتها، والتي تستهدف منع فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لا يستقيم معناها إن ربطناها بقولة الحاكم أعلاه .. فالمعروف: هو اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه.. والمنكر: هو كل فعل تراه العقول الصحيحة قبيحا وتحكم الشريعة بقبحه ... والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي يصنف كفريضة ،يشمل كل المجالات والتصورات والشرائع والاوضاع والسياسات والافعال والاقوال التي تصدر من الفرد أو الجماعة أو الحكام أو واحد منهم. يقول تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» ال عمران 110 فربط الله عز وجل خيرية أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..وأكد الرسول الكريم على القيام به وأمر ناصحا فقال « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» الإمام مسلم. ولنتأمل كلمة « صراع «لنجد أنها تعني من يصرع الناس كثيرا وتعني خصومة ومنافسة ونزاعا ومشادة ، كما قد تعني «صراعا على السلطة «...ومن هنا أراد القائل أن يوجه اتهاماته للمخالفين والناصحين له والمنتقدين لقراراته وسياساته ومواقفه بأنهم يتصارعون معه على السلطة وكأنها محبسة عليه ومرتبطة به إن قام أو قعد، إن سكت أو تكلم ..وأراد أن يلبس كلامه على وجه غير صحيح بلباس الدين فجعل الامر حراما أو منزلا منزلته .. ولم يبق له ولمن يسير بسياسته إلا أن يعلن للملأ أن المخالف له أو لهم إنما يصارع السلطة فيرتكب بذلك محرما ...والمسكوت عنه أن الفعل المحرم له عقوبات في الدنيا والاخرة أقصاها القتل ...ومن هنا يحق للمتتبعين للكلام الرسمي أن يعرفوا من أين استمد الحاكم «الدليل الشرعي» لاتهامه ؟ فإن قال من الدستور المغربي وقوانين البلد، فقد جانب الصواب وخالف الفهم وأجحف في الشرح ؟ وإن قال من الشرع فقد دعا الى تعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ وأمر بالسكوت عن قول كلمة حق في مواجهة الحاكم .. وإن قال إنه اعتمد القياس، فقد خلط خلطا عشوائيا بين مؤسستين حدد الدستور اختصاصات كل واحدة منهما، ذلك أن رمز الدولة وإمارة المؤمنين يختص بها فقط الملك وحده لا غير.. فعندما يعتقد الحاكم بفعل الانتخابات ان كلامه أمر واجب التنفيذ وفعله سنة واجبة الاتباع، وقراراته لا يأتيها الباطل لا في منطوقها ولا دلالاتها ..فقد ذهب به ظنه مذاهب لا تنتج سوى التسلط والانزلاق بالقرارات السياسية للدولة نحو التعقيد والتأزيم بسبب ضيق في الصدر يجعله لا يقبل النصح بالمخالفة، والاختلاف وتصارع الافكار والاجتهادات ..فاجتهادات الحاكم لا تعني انه على صواب لأنه فقط يحكم ..كما أن اجتهادات غير الحكام من شعب واحزاب سياسية ونقابات وبرلمانيين وبرلمانيات و...لا تكون خاطئة دائما لأن أصحابها لا يحكمون .. إن الحق في الاختلاف والحق في المعارضة والممانعة المشروعة والصدع بالحق، بل والتضييق على كل فعل باطل لكسر شوكته وضرره، أمر ضروري وواجب في كل زمان ومكان وتعطيله عمدا أو بالقمع والزجر يجلب الفساد والافساد والظلم والطغيان ... فما حدود التكامل أو التعارض بين الاختلاف أو الخلاف ؟، ذلك أن ما عليه جمهور العلماء من الأصوليين والفقهاء هو عدم التفريق بينهما من جهة وتكاملهما والصراع من جهة أخرى .. فالصراع له آليات وضوابط يوضحها الشرع كما يضبطها دستور وقوانين البلد بالمنافسات الانتخابية وبالمؤسسات الدستورية، وبالتدافع الشرعي بالمجتمع بالعمل النقابي وبالإضراب وبالتظاهر والاحتجاج لمناهضة وردع ظلم أو تعسف أو انتهاك لمكتسبات أو حقوق. إن الاختلاف أو الخلاف هو التباين في الرأي والمغايرة في الطرح وبطبيعة الحال فيه المحمود والمذموم شرعا وعقلا ، كما أنهما يدلان على المعارضة بالمخالفة. كما يحمل دلالات من التكامل والتنوع البناء. إن تأمل مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام ما هو إلا تشريع لآلية الاختلاف .. قال تعالى للنبي المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم « وشاورهم في الأمر « ... قال تعالى «ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز» سورة الحج. فلا خلاف بين العلماء قبل الاسلام في العصور الاسلامية في وجوب مناصحة الحاكم وتقويمه، بل ومحاسبته وثنيه على ما يقدم عليه إن كان في ذلك ضرر أو هلاك ولنا في السلف الصالح ومنهم الخلفاء الراشدون القدوة الحسنة .. فها هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه يقول في أول كلام له بعد توليه الخلافة والحكم : « أيها الناس! لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، وما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله؛ فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم . وها هو الامام الشافعي يقول : «ما ناظرت أحداً إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه، فإن كان الحق معي اتبعني وإذا كان الحق معه اتبعته.» و ابن تيمية يقول : «وأمرنا بالعدل والقسط فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني - فضلا عن الرافضي - قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كله «. وسنختم هذه المقالة بطرح استفسار يتبادر الى ذهن الجميع، يتحدد في الكيفية التي وصل بها الحاكمون اليوم الى كراسي الحكومة: أليس بالمنافسة والصراع الانتخابي بالبرامج وتوجيه الاتهامات للحكومات السابقة، وبتقديم الوعود والالتزامات الممكنة وغير الممكنة وبالتشكيك بل والطعن في مصداقية وأهلية المتنافسين لولوج البرلمان الذي يفرز حكومة ما ... هل ذلك الصراع الذي مارسوه ومازالوا يديرونه ضد كل الناصحين والمنتقدين لهم قبل الاستحقاقات كان حلالا وبعدها أصبح حراما باعتباره كان صراعا من أجل الوصول للسلطة ثم تحول الى صراع من أجل المكوث بها ؟ أم أنه حلال لهم حرام على غيرهم ؟ .. ألا يمكن ان نفهم من قوله ذاك محاولة للتراجع عن مضامين الدستور المغربي ومأسسة لممارسات الزجر والقمع والتضييق على حقوق مورست حتى في سنوات الجمر والرصاص، وأصبحت تستهدف الاحزاب والقوى الحية الوطنية التي قدمت الشهداء والتضحيات الجسام من أجل بناء دولة الحق والقانون، وامتد الامر ليلج قبة البرلمان واستعمال القنوات العمومية لتقديم صور من التضييق على الحوار مع المتحاورين، وتمرير كلام يزرع اليأس والتشكيك في النفوس التي كانت تنتظر الكثير وتأمل خيرا من الاصلاح الدستوري والسياسي الذي قدم للشعب، وتنافس الشراح في إبراز مزاياه وخصوصية بلادنا وأسبقيتها في الاصلاح والتغيير ؟؟ نخلص الى فهم بسيط هو أن الصراع عندهم من أجل البناء الديموقراطي وتكريس الحريات وتقوية المؤسسات والاصلاح الاقتصادي والاجتماعي في حكم الحرام مادام الصراع هو الطريق لإقراره. ونقول للجميع ما قاله الإمام الذّهبيّ: الظّلم يكون بأكل أموال النّاس وأخذها ظلمًا،.. وظلم النّاس بالضّرب والشتم والتعدّي والاستطالة على الضّعفاء، وقد عدّه الكبيرة السّادسة والعشرين. ونقل عن بعض السّلف قوله: لا تظلم الضّعفاء فتكون من شرار الأقوياء. ثمّ ذكر نماذج من الظلم، منها: المماطلة بحقّ على الإنسان مع القدرة على الوفاء.. ظلم الأجير بعدم إعطاء الأجرة. ونختم بقوله تعالى :» يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .»