أقول بعد باسم الله الرحمن الرحيم يقول تعالى في سورة آل عمران الآية 159 ... «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(159) » ...كلام الله سبحانه وتعالى بمنطوق النص مع استحضار أسباب النزول موجه لنبينا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ..الذي أمره الله بأن يشاور الناس في الأمر ..والأمر هنا في عمومه ينصب على كل مجالات اهتمامات الإنسان ومستلزمات حياته وعيشه وحاجاته. فإذا علمنا أن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم معصوم من الخطأ والزلل .. فسيزداد الفهم عمقا والتبصر وضوحا ... والاستنتاجات المنطقية والحتمية كما يقول علماؤنا التي تنتج عن الفضاضة والغلظة .. في كل الأمور والسياسات ينجم عنها انفضاض الناس عن الفض والغليظ القلب أيا كان موقعه ومركزه حتى وإن كان نبيا ... وليقم كل واحد منا بإجراء تحليل اجتماعي واقتصادي وفكري وسياسي وسلوكي ..ليضبط تجليات ذلك في الميدان الآن وتاريخيا للانفضاض ثم الانتفاض والحراك والثورات كنتيجة حتمية لذلك إن الله ربى نبيه وعصمه ودعمه ونصره ... ورغم ذلك أمره بأن يشاور الناس برحابة صدر وحسن تعامل وتبصر .. وهذا منهج رباني في تدبير الأمور وليس إجراء اختياريا عند من ولوا أمر الناس ... ولنتأمل ما الذي تنتهجه العديد من الحكومات في تعاملها مع الشعوب في ما يطلق عليه السياسة التدبيرية لأمور البلاد والعباد، حيث نجد مثلا ببلادنا ...ما تقدم عليه الحكومة المغربية في محاولاتها تصريف إجراءاتها وقراراتها التي قد ترهن حاضر الناس ومستقبلهم إما كشعب أو كطبقات اجتماعية أو كفئات...حيث يتم تصريف أوامر معقدة وحساسة جدا يتأسس عليها الاستقرار والتوازن من عدمه وقد تصل درجة الخطورة مستوى يرهن الحاضر والمستقبل في متاعات أزمات لاشك سيكون لها ما بعدها - دون تشاور ولا استطلاع رأي النخب وبالأحرى الأمة بالاستناد إلى منطق الاستقواء بامتلاك سلطة تنفيذ القرارات ..- إن ضرب القدرة الشرائية بالاقتطاع من الأجور بضرب الحق في الإضراب مثله مثل ضرب المعطلين والمحتجين على الحيف والظلم بالعصي المملوكة للحكومة والموضوعة رهن إشارة الأمن الذي تتحمل مسؤوليته الحكومة كذلك ..........فأي مشاورة هاته ؟؟....إنها أكثر غرابة من المنطق الثاني للحوار الرسمي الذي يجمله المثل الدارج في «شاورو اولاتدير برايو..» فأن تكون حزبا أغلبيا «بالانتخابات » أو بغيرها ؟ ليس معناه أنك تمتلك الحقيقة والمعرفة، بل فقط لأنك اعتليت كرسيا من كراسي الحكم والتحكم لتتحاور من موقعك الجديد مع الشعب وقواه الحية ليشاركوا في إنتاج الأعمال والبرامج المناسبة لمصالحهم الوطنية العامة والخاصة ...ذلك أن الذين صوتوا لأسباب سياسية أو حزبية أو احتجاجية أو حتى شخصية أو نفعية أو اقتناعا ببرنامج، وما تضمنه من التزامات بعد أن قرأوها أو استمعوا لها بالإعلام العمومي أو الخاص أو بالتجمعات الخطابية ... ينتظرون بلورة البدائل التي طرحت في مواجهة الآخرين وينتظرون حلولا لمشاكلهم ... وإن تمتلك طبقا للقانون سلطة التشريع والتقرير والتنفيذ «بأغلبية» معينة ...فإن ذلك لايعني البته أنها أغلبية فعلية أن احتسبنا كل الذين لم يصوتوا في اتجاه التحالف الحكومي أو ألغوا تصويتهم .. أما إن احتسبنا المقاطعين وغير المسجلين والذين لم يقتنعوا بعد بجدوى الانتخابات أو لايؤمنون بها لوجدنا أن الحكومة تستند إلى أقلية .... مما يصبح لزاما أعمال المشورة والحوار والتواصل المنتج للحلول لاستقطاب الناس للاهتمام بالفعل الديموقراطي والشأن العام من موقع الدعم والإسهام والاهتمام البناء ...باستناء إن كان القصد هو تنفير الناس من إنجاح الورش الكبير لبناء الدولة الوطنية الديموقراطية الحداثية ... فهل في قرار الاقتطاع من أجور المضربين الذين بعد أن استنفدوا، وفق اجتهادهم، كل الأساليب لحل مشاكلهم وتحسين أوضاعهم طعم أو رائحة حوار أو تشاور أو احترام إرادة الناس ونضالاتهم المشروعة بقوة القانون وقوة المنطق الشرعي والحقوقي ... لأنهم لم يروا في السياسات العمومية ما يفيد الاهتمام بأحوالهم، بل أكثر من ذلك رأوا ما هدد ويهدد قدراتهم الشرائية ومستوى عيشهم وحريتهم النقابية والنضالية ؟....فمن يحمي عشرات الآلاف من الأجراء والعمال بالضيعات الفلاحية والمعامل والمناجم والمؤسسات الخصوصية والعمومية وشبه عمومية و.. بعدما استباحت الحكومة لنفسها ما تفعله من تكبيل وزجر؟ أليس هذا العمل من الفظاظة السياسية والإدارية والمادية ؟ إننا اليوم أمام مفارقات غريبة جدا .. فما قامت به النقابات كلها ومنها بشكل أكبر خلال العشرية الأخيرة من إضرابات امتدت من المحلي إلى الإقليمي إلى الجهوي إلى الوطني إلى الفئوي داخل نفس القطاع من نقابة الحزب الأغلبي و أحيانا بمبادرة منفردة منه أو باتفاق مع نقابات أخرى في إطار التحالف - هؤلاء الحلفاء بالأمس هم الذين أصبحوا اليوم أعداء رغم أن الملف المطلبي هو هو - ... حيث كان «الإضراب» حلالا ومشروعا ودستوريا ..أصبح بفعل الكراسي الحكومية حراما أو مكروها كراهة تحريم تستوجب، كما يقول الفقهاء في حق صاحبه، بأن «لايثاب على فعله» وعقابه متروك لله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ... وهذه الجملة الأخيرة هي الفرق بين المكروه كراهة تحريم عند الفقهاء عامة وعند «فقه» الحكومة الذي ما أنزل الله ولا الدستور به من سلطان، حيث عجلوا بالعقوبة الحكومية بإصدار الأمر بعدم أداء أجرة يوم أو أيام الإضراب ....؟؟؟ أليس من المنكر الديني والسياسي أن تحارب الحكومة من ينهى عن المنكر السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي ...الذي تلجأ إليه الحكومة ومؤسساتها وإداراتها بممارساتهم وإجراءاتهم ؟؟... إن قيام النقابات بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحسنى عن طريق المطالبة بحوار جدي وإثارة الانتباه ودق ناقوس الخطر ثم الإضراب عن العمل ثم المسيرات السلمية لإلزام أولي الأمر بالجلوس إلى الحوار الشفاف وعدم الإقدام على أي فعل دون استشارات جادة تنتج قرارات يطمئن لها الجميع أو لمضامينها العامة على الأقل بدل العجلة غير المحمودة ... وأي منكر هذا عندما تعتمد الحكومة على مقولة إنها «أغلبية» لتفرض رأيها على الشعب وتجعل كلامها ومواقفها لايتسرب إليها الباطل من أية ناحية ؟وإن ما عداها فهو باطل؟ ومتى كان الأنبياء والرسل والفقهاء الحكماء في أمتنا الإسلامية يربطون «الحق» بمنطق الفئة التي تكون أغلبية ؟ فالديانات السماوية وعلى رأسها الإسلام دائما يواجهون من الأغلبية العددية من «الجن» والإنس عبر التاريخ وإلى اليوم .. ولم يقل عاقل إن الحق يكون دائما مع الأغلبية مرتهن ... فالقاعدة الفقهية تنص على أنه أينما كانت المصلحة فثم شرع الله .. كما تنص على أن الحكمة هي ضالة المؤمن فلينشدها أنا وجدها ... سقنا هذا النموذج.. على سبيل المثال لا الحصر، ولنقم بقياسه في كل مجالات الحياة ببلادنا بشكل موضوعي ...ولا نريد أن نصل بما قلناه إلى أن كل شيء أسود وفاسد وباطل عند الأغلبية الحاكمة الحالية بقدر ما يعني أنها بالغت كثيرا وتجاوزت الحدود المعقولة والخطوط الحمراء إذ شرعت في التضييق والتهديد وتوزيع الاتهامات و... والكيل بمكيالين في أغلب أمور العامة والمعارضة.. والالتجاء إلى قطع الأرزاق والقوة العمومية والتحريض الإعلامي وتصنيف ونعت المعارضين أو المخالفين بالتماسيح والعفاريت والفلول ... بهدف إبطال ومحاربة مبادرات المعارضة النصوحة المناضلة التي لاتقوم إلا بدورها الشرعي الدستوري والمؤسساتي والوطني من نصح وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ... وهنا نسوق من تراثنا وتاريخنا المجيد الأمثلة التالية التي يجب الانتباه لها والتي تشكل جوهر الدين وقاعدته الكبرى التي لاتستقيم الأمور إلا بها ............... 1 )... قالت أمنا عائشة رضي الله عنها ...« ما رأيت رجلا أكثر استشارة للرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم » 2) وقال أبوعمر بن عبد البر...« الاستبداد مذموم عند جماعة الحكماء ..والمشورة محمودة عند عامة العلماء . ولا أعلم أحدا رضي بالاستبداد وحمده إلا رجل واحد مفتون مخادع لمن يطلب عنده لذته فيرقب غرته .أو رجل فاتك يحاول حين الغفلة ويرتصد الفرصة وكلا الرجلين فاسق..» 3) وقال الحسن البصري ..الناس ثلاثة ..فرجل رجل. ورجل نصف رجل. ورجل لارجل ..فأما الرجل رجل ذو الرأي والمشورة. وأما الرجل نصف الرجل فالذي له رأي ولايشاور . وأما الرجل الذي ليس برجل الذي ليس له رأي ولا يشاور ...» 4) وقيل ...ما تشاور قوم قط إلا هدوا لارشد أمورهم .. فأين نحن من «وشاورهم في الأمر» ؟ وأين نحن من تجنب الفظاظة والغلظة من أولي الأمر ببلادنا ؟ ...وأيننا من برامج ووعود قدمت من الحاكمين ؟ وأين نحن من بنود في الدستور دبجت وجملت حتى ظننا أنها بالحق نطقت وأفصحت .. ولنصرة الضعيف والمقهور سعت .. وللعدالة وقفت وانتصبت .. فنسأل الله لنا وللحكومة الحكمة في التفكير والتعقل في المواجهة وردود الأفعال والعمل من أجل بناء أمة العدل والعدالة والمساواة في الحقوق والعيش الكريم ونصرة المظلوم، لأن هذا الوطن ملك لكل المغاربة وأرزاقه وخيراته بالبر والبحر والجو هي من أجله، ولأن الذين يتعاقبون على حكمه مأمورون برعاية مصالحه وحقوقه وتطوير قدراته وصناعاته ومؤسساته وإرساء قواعد العدالة وجعلها كالهواء والماء والطعام ... ولأنهم هناك لخدمة الشعب وليس لغير ذلك مما أشرنا إليه ومما يعرفه عامة الناس ... ونختم بأن نسأل العلي القدير .. اللهم لانسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه؟