ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتقال داعية سعودي تحدث عن مشروعية المظاهرات ضد الفساد والاستبداد (+ نص المحاضرة والفيديو)
نشر في لكم يوم 26 - 12 - 2012

لقت السلطات السعودية، يوم الأربعاء 11 ديسمبر الجاري، القبض على الناشط السياسي سليمان الرشودي، بعدما ألقى محاضرة تحدَّث فيها عن "مشروعية المظاهرات".
وقال خالد الرشودي، نجل الناشط السياسي، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": إنَّ المباحث العامة ألقت ظهر اليوم القبض على والده وهو في طريقه إلى القصيم شمال الرياض، وأبلغته أنَّ عليه حكمًا بالسجن لمدة 15 عامًا.
من جانبها، قالت زوجة الرشودي: إنَّ القبض على زوجها "جاء عقب إلقائه محاضرة عن مشروعية المظاهرات، أمس الأول في الرياض".
يشار إلى أنَّ الرشودي شخصية معروفة باعتباره محاميًا وناشطًا في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وملتزم بالدفاع عن سجناء الرأي في المملكة.
وسبق للرشودي أن أعتقل في تسعينيات القرن الماضي، فهو لا يكاد يخرج من السجن حتى يعاد إليه بسبب التعبير عن رأي، أو الإدلاء بتصريح، أو التوقيع على عريضة. اعتقل الرشودي خمس مرات: 1993، 1995، 2004، 2007، ولم يخرج من السجن إلا قبل نحو عام، وها هو يعاد إليه في 2012، و التهمة هذه المرّة هي إلقاء محاضرة تخالف الرأي الديني الرسمي. لمجرد أنه قال بأن المظاهرات (مباحة)! وليست (محرمة) كما يقول وعاظ المملكة.
فيما يلي نصّ المحاضرة التي ألقاها الرشودي، فكانت سبباً في اعتقاله.
الحكم بالتحريم والتحليل لا يجوز إلا بدليل شرعي، وبرهان علمي واضح. ولا بدّ من التنبيه على امر مهم وهو: ان الاحكام في الشريعة الاسلامية تنقسم الى قسمين.
القسم الأول: ما يتعلق بالعبادات والحدود والقربات التي شرعها الله ديناً يتعبد عباده بها، وفقاً لما شرعه الله في كتابه، وفي هدي رسوله صلى الله عليه وسلم. فهذه أحكامها توقيفية. بمعنى انها لا تجوز إلا بنص شرعي من الكتاب او السنة؛ كما ورد في الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
القسم الثاني، ما يتعلق بالعادات وشؤون الحياة المدنية، فهذا الأصل فيه الإباحة، وفقاً للقاعدة الأصولية الفقهية التي تقول: الأصل في الأشياء الإباحة. وموضوعنا: (حكم الإعتصامات والتظاهرات في الشريعة الإسلامية) هو من هذا القسم الثاني قطعاً، وبناءً على ذلك، نقول وبالله التوفيق:
كثر الكلام في الاونة الأخيرة حول حكم المظاهرات والإعتصامات والمسيرات. فالمظاهرات من حيث اللغة كما في القاموس المحيط: ظهر، ظهوراً: تبيّن. وتظاهروا: تدابروا، وتعاونوا. أي أنها تأتي بالمعنيين المتضادين. والظهير المعين. وفي المعجم الوسيط: المظاهرة: إعلان رأي وإظهار عاطفة بصورة جماعية. فالمظاهرة لغة تجمع بين معنى الظهور ومعنى التعاون، وكلاهما محمود، ما دام بمقصد مشروع كالدعوة لرفع الظلم، وإحلال العدل محله. وأما حكمها شرعاً، ففيه تفصيل، يمكن اجماله في عدة محاور، أهمها ما يلي:
المحور الأول ان المظاهرات والإعتصامات من القسم الثاني، أي المباح، أي ما أصله الإباحة، كما تقدّم. والقاعدة التي تفيد بأصل الإباحة، مبنية على عدّة نصوص شرعية عامّة وخاصّة، كما في حديث ابن عباس الذي قال: (فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل كتابه، وأحل الحلال، وحرّم الحرام، فما أحلّه فهو الحلال وما حرّمه فهو الحرام، وما سكت عنه فهو عفو)، أي باق على البراءة الأصلية.
وروى أصحاب السنن والأسانيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، انه قال: (بعثت بالحنيفية السمحة). وفي الصحيحين عن أنس بن مالك انه صلى الله عليه وسلم قال: (يسروا ولا تعسروا وسكنوا). وفي رواية: (وبشروا ولا تنفّروا). وبهذا المعنى وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين والسنن تفيد ان الدين يسر، كما في مسند الإمام أحمد وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان خير دينكم أيسره)؛ وفي الحديث الآخر عنه: (إن دين الله في يسر)، مصداقه قوله تعالى: (بريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (وما جعل عليكم في الدين من حرج). فهذا أصل ومقصد من مقاصد الشريعة.
المحور الثاني أن المظاهرات والإعتصامات من الوسائل، والقاعدة الفقهية تقول: الوسائل لها حكم الغايات. وما دامت الوسيلة هنا هي المظاهرات السلمية، والمقصود منها هو رفع الظلم، وإحقاق الحق والعدل، الذي فرضه الله على عباده جميعاً.. قال تعالى: (ولقد ارسلنا رسلنا بالبينات وأرسلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط).. فالرسل كلهم أرسلهم الله بالوحي من السماء ليقيموا القسط والعدل بين الناس: (فطرة الله التي فطر الناس عليها). فحب العدل فطرة أقرها الله وشرعها. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من الفرائض واصل من الأصول التي جاء بها الإسلام وأقام عليه بناء. قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
فالدعوة الى المظاهرات السلمية لرفع الظلم والإستبداد وإزالة الفساد، واعطاء الشعب حقوقه وحريته المسلوبة، وكرامته المهانة.. هذا من الدعوة للخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي شرعه الله. وما دامت هذه هي الغاية المشروعة، فأي وسيلة مباحة توصل اليها، فهي مشروعة، بل واجبة. والمظاهرات السلمية تعبير ووسيلة لهذه الغاية المشروعة. فهي مشروعة لأن الوسائل لها حكم الغايات.
فالدعوة الى المظاهرات السلمية لرفع الظلم والإستبداد وإزالة الفساد، واعطاء الشعب حقوقه وحريته المسلوبة، وكرامته المهانة.. هذا من الدعوة للخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي شرعه الله. وما دامت هذه هي الغاية المشروعة، فأي وسيلة مباحة توصل اليها، فهي مشروعة، بل واجبة. والمظاهرات السلمية تعبير ووسيلة لهذه الغاية المشروعة. فهي مشروعة لأن الوسائل لها حكم الغايات.
المحور الثالث الأدلة والبراهين على إباحة وجواز المظاهرات:
الدليل الأول/ ان المظاهرات من العادات وشؤون الحياة المدنية التي الأصل فيها الإباحة كما تقدّم، وليست من العبادات التي لا تشرع إلا بأمر شرعي من الكتاب والسنة الصحيحة. وما كان كذلك فالأصل فيه الإباحة. فينظر في حكمه، أي في دواعيه ومقاصده. فإذا كان الدافع اليه مشروعاً، وهو وجود منكر كبير، بل منكرات يجب تغييرها، كالظلم والاستبداد والفساد.. هذه منكرات موجودة وظاهرة يجب تغييرها بأي وسيلة مشروعة. أو كان الدافع اليه وجود فريضة، أو أمر واجب تجب إقامته، كالعدل، وإقامة الفرائض التي هي من مسؤوليات الحاكم العامة التي ضيعها ولم يقم بها، أو قصّر في بعضها، كالحكم الشوري وفق الكتاب والسنة، ونشر التعليم النافع، وإعداد العدة الكافية للدفاع عن البلاد للحفاظ على السيادة؛ والإعلام الصالح الصادق الذي ينير المجتمع، وينشر الحق والفضيلة... فهنا تجب إقامة هذه الفرائض بأية وسيلة مشروعة. والمظاهرات السلمية أصبحت في هذا العصر هي الوسيلة المتاحة للشعوب للضغط على صاحب القرار، بإسماعه صوت الشعب، الذي يجب عليه تلبية طلباته، لأنه وكيل عن هذا الشعب، وليس وصياً عليه، ولإسماع من لم يسمع من هذا الشعب ليشارك في القيام بهذا الواجب.
الدليل الثاني/ قول الله سبحانه في سورة الشورى: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق اولئك لهم عذاب أليم). قال ابن كثير: أي ليس عليهم جناح في الإنتصار ممن ظلمهم. وقال سيد قطب في الظلال: (فالذي ينتصر بعد ظلمه فليس عليه من جناح، وهو يزاول حقه المشروع، ولا يجوز ان يقف في طريقه أحد؛ إنما الذي يجب الوقوف في طريقهم، هم الذين يظلمون الناس، فإن الأرض لا تصلح وفيها ظالم لا يقف له الناس ليكفوه ويمنعوه عن ظلمه. ولكن على الناس كذلك أن يقفوا له ويأخذوا عليه الطريق).
الدليل الثالث/ قول الله سبحانه في سورة النساء: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم). فهذا يجوز له أن يجهر حتى بالسوء من القول؛ مع أن المظاهرات جهرٌ بالحق وليس بالسوء. اورد ابن كثير رأي ابن عباس في الآية: (لا يحب الله أن يدعو احد على أحد إلا أن يكون مظلوماً، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه). كما أورد عن ابن عباس ايضاً: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للنبي: إن لي جاراً يؤذيني. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أخرج متاعك فضعه على الطريق، فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريق. فكل من مرّ به قال: ما لك؟ قال: جاري يؤذيني. فيقول هذا المار: اللهم العنه، اللهم اخزه. فبلغ جاره ذلك فأتاه فقال: ارجع إلى منزلك فوالله لا أؤذيك أبداً.
فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، أراد أن يستعين الرجل بالجمهور، ليكونوا عامل ضغط على جاره حتى يكف ظلمه. فكيف بالحاكم العام الظالم؟ فهو أولى بضغط الجماهير عليه لكف ظلمه بل مظالمه.
المحور الرابع ان النظام الإستبدادي قد أوصد الأبواب الأخرى للإصلاح، فلم يقبل الحوار، ولم يقبل النصيحة السرية التي يراها بعض العلماء التابعين له، ولم يقبل الخطابات والنصائح الجماعية، بدء بمذكرة النصيحة قبل عقدين من الزمن، وانتهاء بخطاب الدستور قبل ثمان سنوات، ثم لم ينفذ شيئاً من الإصلاح الجدي بعد مجيء الربيع العربي؛ ومئات بل ألوف من الإصلاحيين قد وجهوا للنظام من خلال تويتر والفيس بوك وجهوا له آلاف الرسائل التي يدعونه فيها الى الإصلاح الجدي، فلم يستجب، بل ازداد الفساد المالي والإداري، فلم يبق للشعب من وسيلة لرفع الظلم والإستبداد والفساد سوى المظاهرات والإعتصامات السلمية.
المحور الخامس أن من يحرم المظاهرات بحجج واهية، كدعوى انها يترتب عليها الفوضى والتخريب والتكسير والأذى، أو مساندة هذه الطائفة وتلك، فهذه كلها حجج باطلة. أما دعوى التخريب التي يدعي أنها تترتب على المظاهرات، فالمظاهرات التي ندعو لها، ونراها هي المظاهرات السلمية، التي لا يترتب عليها شيء من ذلك، ويمكن حراستها ومراقبتها من قبل الشرطة الرسمية، لحمايتها من أن يعتدي عليها أحد، أو يعتدي بعض أفرادها على أحد، كما هو معمول به في سائر الدول. أو يلتزم من يدعو اليها ويقودها بالسلمية، وعدم وقوع تجاوزات من افرادها، وحمايتها من المندسين. وأما دعوى مساندة طوائف أو أحزاب أخرى، فهذه دعوى باطلة لأن من يتبنى المظاهرات إنما يطالب برفع الظلم والإستبداد والفساد عن الشعب كله.
المحور السادس أن المظاهرات السلمية مظهر من مظاهر حرية التعبير التي هي حق أصيل من حقوق الإنسان، قال الله تعالى: (الرحمن، علم القران، خلق الإنسان، علمه البيان). البيان الذي يميزه عن سائر الحيوانات بالقدرة على التعبير، فحق المسلم في حرية التعبير عن رأيه أولى وأكثر. إذ عليه تعتمد أكثر التكاليف الشرعية في العبادات والمعاملات. وحرمان الإنسان من حرية التعبير ظلم، وإهدار لكرامة الإنسان التي منحها الله له: (ولقد كرمنا بني آدم). فالإنسان كما ولد حراً يجب أن يعيش حراً. إلا من عبوديته لله وحده. وحرية التعبير والتفكير نابعة من حريته التي قال عنها الفاروق: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً). كما ان حرية التبعير في الإسلام هي أساس الدعوة الى الخير الذي أمر الله به، في قوله: (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير).
المحور السابع هل يشترط اذن الحاكم المسلم بالمظاهرات؟ هذا الحكم يتوقف على قيام هذا الحاكم بشروط البيعة على كتاب الله وينة رسوله صلى الله وسلم، من تحكيم الشريعة، وإقامة العدل، وأداء جميع الأمانات المناطة بالحاكم العام، كالشورى الحقيقية، والمساواة بين جميع أفراد الشعب، بمن فيهم الحاكم نفسه، يساوي بين القريب والبعيد، وبين القوي والضعيف. فالمسلمون سواسية كما ورد في الحديث (كأسنان المشط). قال تعالى: (ان الله يامركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
اما أئمة الجور فهم كما سماهم الإمام الزمخشري في كتابه (الكشاف): (اللصوص المتغلّبة). هذا في القرن الخامس والسادس الهجري، مع أنهم كانوا يقيمون الشريعة، فكيف لو عاش الزمخشري زماننا هذا. فالمنع من حرية التعبير بالمظاهرات السلمية ظلم ومنكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ إنما الطاعة في المعروف). فلا سمع ولا طاعة لمن يظلم ويصرّ على منكرات عامة.
المحور الثامن إن انكار المنكرات على الحاكم الظالم المستبد، والأخذ على يده.. فريضة تقع مسؤوليتها على الأمة جمعاء، أي على الشعب. قال تعالى: (لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون). وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك ان يعمهم الله بعقاب منه). وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم). فمن هم هؤلاء الناس الذين قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (ان الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه..)؟ انهم الشعب؛ وعلى رأسهم العلماء والمفكرون؛ المطلعون على مدى ظلم الظالم؛ وخطورة تركه على مستقبل الأمة بل وعلى حاضرها أيضاً.
المحور التاسع إن المظاهرات السلمية اصبحت اسلوباً حضارياً عالمياً شفافاً من أساليب حرية التعبير التي أقرتها الشرائع السماوية، والدساتير والقوانين الأرضية، وتمارسها جميع شعوب الأرض، بما فيها شعوب العالم العربي والإسلامي. وقد سمعت احد العلماء والدعاة المرموقين يخصّ بلاد الحرمين بفتواه بتحريم المظاهرات دون سائر العالم. في الواقع: ذهبت اليه، وعندما حاورته في هذا، وقلت له اليس الأصل في المظاهرات الإباحة؟ وتعتورها الأحكام الخمسة التي ذكرها فقهاء الشريعة، أي: الوجوب والإباحة، والإستحباب، والتحريم، والكراهة.. وذلك بحسب المقصود منها. قال: بلى. قلت: فلم تخص بلاد الحرمين بذلك؟ فحار ولم يجب، سوى قوله: إنني مقتنع بما أفتيت به وقد شاورت فيها. فقلت له ما قال الشاعر: (أحرام على بلابله الدوح/ حلال للطير من كل جنس؟). لا أدري لم يخصون بلاد الحرمين بتحريم المظاهرات، ولم ينكروا على شعوب البلاد العربية الأخرى الذين خرجوا في مظاهرات مليونية؟.
يقول الله سبحانه: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون). ويقول جل ذكره: (ولا تقف ما ليس لك به علم، ان السمع و البصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا).
+ الشيخ المحامي والقاضي سليمان الرشودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.