أصبح الإعلان أو الاشهار جزءاً من الحياة اليومية للأفراد والأسر، فهو من خلال الفضائيات، ضيف يطرق الأبواب بلا ميعاد، وزائر لا يأبه بشعور من يزورهم، ولا يهمه إن كانوا له منتظرين مشتاقين، أو كانوا له ولزيارته مبغضين، فهو إذاً وثيق الصلة بالناس وبالمجتمع، لأنه يوفق مابين فئات يتربص بعضها ببعض، ففئة المنتجين المعلنين ترى فيه سلاحها الفتاك الذي تقتنص به ضحاياها من الفئة الثانية: فئة المستهلكين المشترين من الحاليين والمستهدفين، إذ استطاع الإعلان أن يغتال حواسّ الناس، فصار يحدّد لهم ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون وما يستخدمون من عطور ومن وسائل تسلية وترفيه، ويتم ذلك كله عبر ضخ إعلامي مستعر ليل نهار، يستهدف في النهاية إعادة إنتاج حواسّ المستهلك. ولعل أهم ظاهرة تهدد حياة الفرد والمؤسسات الإنتاجية الوطنية حاليا هو التزييف للماركات التجارية والسلع الذي أصبح يكلف الدولة ميزانيات ضخمة ويفقد البلد مناصب شغل كبيرة، ويهدد المستهلك في بدنه وماليته. التزييف يخدش الشريعة قال الأستاذ شفيق الادريسي إن ظاهرة التزييف تعتبر من الظواهر التي تخدش الشريعة وتخدش الاسلام وتهزه من أركانه وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام " من غش فليس منا"، وفي رواية أخرى "من غشنا فليس منا "، وفي عبارة أخرى عنه صلى الله عليه وسلم " من غش" بمعنى إن غش أي أحد ولو لم يكن مسلما فإنه ليس منا. وأكد الادريسي أنه يجب أن يطابق الظاهر الباطن بمعنى أن يطابق المواصفات التي يباع من أجلها وأن يطابق المنتوج ما يدل عليه الملصق الخارجي لهذه العلبة ولهذا المنتوج، وأضاف أن الغش والتحايل والاعتداء على حقوق الغير في الماركات المشهورة وغير المشهورة ظلم كبير يكون صاحبه على خطر عظيم في الدنيا والأخرة. لأنه يهدم الاقتصاد الوطني ويعتدى على حقوق الغير، مع العلم أن هذه الحقوق كما هو معلوم مبنية على المشاحة، فيما أن حقوق الله سبحانه وتعالى مبنية على المساحمة. الحق لا جغرافية له وذكر الأستاذ شفيق حديث الرسول الكريم الذي يقول فيه "أتدرون من المفلس ؟ قالوا:المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.. (رواه مسلم). وأورد المتحدث أن حقوق الناس يجب ألا يعتدى عليها ولو كان هذا المعتدى عليه يهوديا أو نصرانيا أو لا دين له، لأن الحق حق مجرد عن كل جغرافية، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ "إتقي دعوة المظلوم ولو كان كافرا، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" بمعنى أن الحق مجرد من عند الله سبحانه وتعالى لا يجوز الاعتداء عليه. وبالتالي فلا يجوز الاعتداء عليه بأي حال من الأحوال، والأكثر من هذا فلو كان المعتدي مسلما والمعتدى عليه غير مسلم فوجب على المسلمين، إمامهم وجماعتهم أن يأخذ على يد المسلم الظالم في اعتدائه على حقوق الغير. صيانة الحقوق وبالجملة أقول، يردف الادريسي، أنه لا يجوز إعتداء أحد على أحد في أخذ حقه سواء كانت ملكية تجارية كماركة من الماركات أو سلعة من السلع أو ملكية فكرية. فكل ما توافق رجال الشريعة والقانون على أنه حق من الحقوق فيجب صيانته، فبذلك لا يجوز باي وجه من الوجوه الاعتداء عليها، وأشار الادريسي الى أن القرصنة بدورها وما تخلفه من خسائر على الأشخاص والمؤسسات، وضرورة الاستئدان من أصحاب هذه الحقوق أو شرائها قبل استعمالها أو قرصنتها، كيفما كان الحال أو نسخها بدون أن يعود المستهلك لصاحبها ليأذن له وإلا فسيندم الانسان على كل ذلك في الدنيا والأخرة. اللين في الخطاب على الداعية أن يكون ليناً في الخطاب، فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم لين الكلام بشوش الوجه، وكان صلي الله عليه وسلم متواضعاً محبباً إلي الكبير والصغير، يقف مع العجوز ويقضي غرضهن ويأخذ الطفل ويحمله، ويذهب إلي المريض ويعوده، ويقف مع الفقير، ويتحمل جفاء الإعرابي، ويرحب بالضيف، وكان إذا صافح شخصاً لا يخله يده من يده حتى يكون الذي يصافحه هو الذي يخلع، وكان إذا وقف مع شخص لا يعطيه ظهره حتى ينتهي من حديثه، وكان دائم البسمة في وجوه أصحابه صلي الله عليه وسلم لا يقابل أحد بسوء )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك)(آل عمران: الآية159) فإذا فعل الإنسان ذلك كان أحب إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة! ويرسل الله موسى وهارون عليهما السلام إلي فرعون ، ويأمرهما باللين معه فيقول: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:44). فالقول اللين سحر حلال، قيل لبعض أهل العلم: ما هو السحر الحلال؟ قال: (( تبسمك في وجوه الرجال)). وقال أحدهم يصف الدعاة الأخيار من أمة محمد صلي الله عليه وسلم : (( حنينون، لينون، أيسار بني يسر، تقول لقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري)). فأدعو الدعاة إلي لين الخطاب، وألا يظهروا للناس التزمت ولا الغضب ، ولا الفظاظة في الأقوال والأفعال ، ولا يأخذوا الناس أخذ الجبابرة، فإنهم حكماء معلمون أتوا رحمة للناس. )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) . فالرسول صلى الله عليه وسلم رحمة، واتباعه رحمة، وتلاميذه رحمة، والدعاة غلي منهج الله رحمة، وعلي الداعية كذلك أن يثني علي أهل الخير، وأن يشاور إخوانه فلا يستبد برأيه. والله سبحانه وتعالي يقول : ) وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)(آل عمران: الآية159) ويقول: ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)(الشورى: الآية38). فيشاور طلابه في الفصل، ويشاور إخوانه، ويشاور أهل الخير ممن هم اكبر منه سناً، ويشاور أهل الدين، ولا بأس أن يعرض عليهم حتى المسائل الخاصة كي يثقوا به، ويخلصوا له النصح ، ويكونوا علي قرب منه، ويشاور أهل الحي، وأهل الحارة، فإن الرسول صلي الله عليه وسلم جلب حب الناس بسبب المشاورة، فكان يشاورهم حتى في المسائل العظيمة التي تلم بالأمة ، كنزوله في يوم بدر، ومشاورته لصحابه في الأسري ، ونحو ذلك من الغنائم وأمثالها من القضايا الكبرى.