يونيه 1967، إسرائيل تهزم مصر وسوريا والأردن في ستة أيام, كانت الهزيمة العسكرية شاملة وعواقبها الجيوسياسية كبيرة. ولدت فكرة الانتقام في الأشهر الموالية. كانت الفكرة في البداية عامة ثم توضحت أكثر مع مرور الوقت في ذهن الرئيس أنور السادات خليفة جمال عبد الناصر. في سنة 1972 تحولت الفكرة إلى يقين: ستقع الحرب ضد اسرائيل، سيكون هدفها زعزعة الدولة العبرية و استعادة كرامة الدول العربية واستعادة الأراضي التي ضاعت سنة 1967. وإلى جانب مصر ستشارك فيها عدة دول افريقية، وكان ذلك موضوع الزيارة الدبلوماسية العسكرية للجنرال الشاذلي رئيس أركان القوات المصرية في فبراير 1972، لليبيا والمغرب مرورا بالجزائر. الجزائر: إنجاز في التخطيط واللوجستيك رغم حذره، أبدى الرئيس بومدين ترحيبا تجاه الجنرال الشاذلي عندما زار الجزائر يوم 6 فبراير 1972، في مذكراته يذكر الضابط المصري عن الرئيس الجزائري قوله: »... عندما تندلع الحرب، سنرسل ما نستطيع من الجنود للقتال إلى جانب إخواننا المصريين«. وطيلة يومين تفقد الجنرال الشاذلي الجيش الجزائري، ودائما يشير في مذكراته الى إعجابه بما شاهده، وبالتالي ستكون القوات الجزائرية في المشروع... لكن بومدين وضع شرطا. كان يريد إخباره ثلاثة أشهر قبل بدء الحرب، شرط سيرفضه السادات بقوة في بداية الأمر. وفي النهاية، يوم 17 شتنبر 1973، سيعود الجنرال الشادلي إلى الجزائر: أخبر بومدين بأن الحرب ستبدأ في غضون ثلاثة أشهر... أبدى الرئيس الجزائري مرونة أكبر مما كان عليه الأمر قبل سنة ونصف. تساءل بشكل خاص حول تدمير 12 طائرة ميغ سورية قبل أيام. وهو الحدث الذي لا يبشر في نظره بالحالة الجيدة لإعداد القوات العربية... لكنه مع ذلك قبل الاتصال بالسادات بهدف بحث تفاصيل مشاركة القوات الجزائرية. في الواقع، عشية الحرب، كانت القوات الجوية المصرية متواجدة بالقرب من منطقة المعارك. كان سرب من طائرات ميغ 13-F-21 وسرب من طائرات ميغ PF22 متمركز في ليبيا, تقوم بحماية سرب من الطائرات الهجومية نم نوع SV7BMK، وسرب من الطائرات الهجومية المقاتلة MIG-17F، مع مركز قيادة متقدم في مصر. وهذه الطائرات دخلت المعركة في اليوم الثاني للهجوم (7 أكتوبر 1973). وقع إعادة انتشارها انطلاقا من ليبيا حتى مصر ما بين 9 و11 أكتوبر. وفي المجموع تمت تعبئة حوالي 80 طائرة وحوالي 1000 رجل من سلاح الجو بقيادة محمد طاهر بوزروب, وخلال توقيع وقف إطلاق النار كانت حصيلة الخسائر هي فقدان طائرة ميغ F17 وطائرتي BMK7-SV قتل ربابنتها في الجو. المصريون كانوا يخشون أن يقوم الإسرائيليون المنتصرون باختراق السويس تم كذلك إرسال قوات برية بعد اندلاع الهجوم (ربما في وقت مبكر أكثر مما كان يفترض بومدين)، ولهذا الغرض تمت تعبئة وحجز جميع الشاحنات المدنية لنقل المعدات الثقيلة (حتى 65 طنا) في شرق البلاد. حيث ستستعمل لنقل الدبابات, مما مكن من نشر الفيلق الثامن للمدرعات الذي كان يستعد منذ 12 أكتوبر. وبعد رحلة طويلة عبر تونس ثم ليبيا وصل إلى مصر يوم 25 أكتوبر حوالي 3000 رجل و128 ذبابة 54-T و55T) و670 سيارة مختلفة، و12 قطعة مدفعية و16 قطعة مضادة للطائرات، تمركزت بضواحي القاهرة ليلة 6 إلى 7 نونبر، تابعة للوحدات شبه العسكرية للحرس الجمهوري المصري. خلق وصولهم نوعا من الارتياح لدى المصريين: فقد كان المصريون يخافون من إقدام الإسرائيليين المنتصرين على اختراق السويس (الذي ظل يقاوم في كل النقط من خلال معارك شوارع شرسة بالنسبة للقوات الاسرائيلية) قبل التقدم في اتجاه القاهرة... وبالتالي فإن وصول الفيلق الثامن أعطى نوعا متنفسا ونوعا من الإطمئنان للجيش المصري المنهك والمحطم. التحرك الاستراتيجي للعناصر العراقية التي وصلت لتعزيز القوات السورية، المتقدمة لمواجهة الاسرائيليين يوم 12 أكتوبر 1973، اعتبر عملية ناجحة من حيث التخطيط والدعم. أما تحرك الفيلق الثامن الجزائري اعتبر إنجازا. وإذا كانت المعدات والأعداد ليست بنفس حجم الجيش العراقي. فإن المسافة التي قطعها كانت أكبر، بينما وسائل الجيش الجزائري كانت أضعف بكثير من وسائل الجيش العراقي (في سنة 1973، كانت ميزانية الدفاع الجزائرية تقدر بحوالي 100 مليون دولار , بينما كانت تقدر بحوالي 338 مليون دولار في العراق) والملاحظ أن نسبة المعدات بالمقارنة مع ما يتوفر عليه الجيش الجزائري نسبة لا يستهان بها. ذلك أنه حسب الميزان العسكري 1974-1973 في ذلك التاريخ لم تنشر الجزائر سوى فيلقا واحدا للمدرعات, بينما مخزون مدرعاتها يتشكل من مائة دبابة من طراز «تي 34» و 300 دبابة من طراز «تي 54 « و «تي 55» إضافة إلى 100 مدفع هجومي و أخيرا 350 شاحنة مدرعة وشاحنة نقل، كان اللواء الثامن الجزائري يمثل إذن أكثر من 30 بالمائة من الدبابات الحديثة العاملة بالجزائر. و ليس هذا فقط، بل إن الجزائر دفعت في بداية نوفمبر 1973 ما مجموعه 200 مليون دولار إلى الاتحاد السوفياتي لتمويل التجهيزات العسكرية الموجهة إلى مصر و سوريا...و أخيرا كان هناك فريقان طبيان على الجبهة السورية. المغرب: الحسن الثاني يفي (جزئيا) بوعوده في تاسع فبراير 1972 ،حل الجنرال الشاذلي بالمغرب,أوضح للملك الحسن الثاني بأنه بالإمكان استعادة سيناء بالقوة. تحمس الملك و رد عليه بالقول أن «القوات المسلحة المغربية رهن إشارته». و كما في الجزائر، طلب الجنرال المصري أن يقوم بجولة تفتيشية للجيش الملكي، مما يسمح له بتحديد الوحدات المفيدة في العملية. ثم عاد إلى الملك طالبا أسطولا من طائرات «إف 5» ولواء بريا. قبل الملك. و في سبتمبر 1973 وفور لقائه مع بومدين للمرة الثانية، عاد الجنرال الشاذلي للقاء الحسن الثاني، الذي قال له أنه بسبب تورط ربابنة ال»إف5» في المحاولة الانقلابية ل16 يوليوز 1972، وهم جميعا رهن الاعتقال يتعذر عليه تزويد مصر بأسطول المقاتلات الحربية «إف 5». وبدون دليل (موثق) على العكس ، فإنه لم يتم إرسال أي طائرة «إف5» مغربية إلى مصر خلال الحرب. وفي المقابل،توجه اللواء البري الموعود إلى سوريا منذ صيف 1973 ، تحت قيادة الجنرال الصفريوي. لم تتم الأمور بسهولة: فالعلاقات بين الرباط و دمشق كانت معقدة. بل إن الملك الحسن الثاني قد أجبر حافظ الأسد على قبول التجريدة بإرسال العناصر الأولى جوا فيما تم نقل الجزء الأكبر من التجريدة بواسطة سفن سوفياتية حتى اللاذقية, حيث نزلت في يوليوز 1973 (أو يونيه حسب مصادر أخرى). كانت الدبابات الثلاثون «تي 55» تابعة للجيش السوري بينما كان الجنود مغاربة. جبهة سيناء وعيا منه بقيمة القوات المغربية، طلب الشاذلي إذا كان من الممكن تعزيز القوات العربية بوحدات برية مغربية. فكان رد الحسن الثاني إيجابيا. ووضع رهن إشارة الجنرال الشاذلي وحدة مدفعية آلية، وذلك من أجل جبهة سيناء. وفور الغد، تم تدارس عملية انتشارها تحت إشراف الفريق الشاذلي. ووضع الجنرال المصري تاريخ فاتح أكتوبر كموعد لسفر الوحدة ، إلا أن الحسن الثاني رفض التاريخ قائلا أنه يريد منح رجال الوحدة المسافرة رخصة للقاء عائلاتهم قبل التوجه إلى الحرب... فاختار إذن فاتح نوفمبر 1973 . كان الجنرال المصري يعرف أن الحرب ستنطلق في شهر أكتوبر (التاريخ النهائي لن يتم تحديده ). على الواجهة الدبلوماسية، شكل المغرب موضوع قلق لواشنطن. ففي يوم 8 أكتوبر سجل تقرير للمخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إي» غضب الملك الحسن الثاني من الدعم الديبلوماسي الأمريكي لإسرائيل، من خلال سفن القطع السادسة الأمريكية. وبشكل علم، فقد وضع خبراء ذلك الجهاز تحذيرات جدية من أن ردود فعل ضد ولشنطن قد تحدث في حال بلغت الضربات إلى الوحدة المغربية بالجولان. فالقاعدة الأمريكيةبالقنيطرة المغربية مهددة بهجوم شعبي مغربي. معتبرين أن الملك سيكون محرجا وربما يكون عرشه مهددا إذا ما لم تبتعد مواقفه عن واشنطن. فمعارضوه سيجدون مادة لاتهامه بالخيانة إزاء القضية العربية، بكل ما يستتبعه ذلك من نتائج. وفي يوم 21 أكتوبر وضعت مصالح الأمن في القنيطرة والتمثيليات الديبلوماسية تحت حراسة مشددة، لكن لن يقع أي حادث رغم كل ذلك. خلاصة لقد شكلت حرب الغفران (حرب رمضان في أكتوبر)، عكس ما اعتقده الكثير من الملاحظين، المناسبة لمسح الهزيمة المذلة لسنة 1967، من خلال مفاجأة إسرائيل بهجوم ناجح معد باحترافية عالية. هجوم دقيق بدون ادعاء مما حقق نتائج سريعة في الميدان تتلخص في: اختراق قناة السويس والتحكم في مجال يمتد ل 15 كلمترا في الجهة المصرية، والتوغل في الجولان واستعادته في الجانب السوري. كان السادات قد قرر القيام بهجوم (عكس نصيحة الشاذلي) خارج غطاء صواريخه أرض جو، وبما يتجاوز طاقات جيشه، مما حول نصرا عسكريا إلى مجال للتفاوض من أجل نصف انتصار. وبينما بدأت تتراءى هزيمة جديدة للجيوش العربية، لم تتراجع القوات الجزائرية والمغربية. ولو طالت الحرب لبضعة أيام (وهو أمر غير وارد حينها بسبب الضغوط السوفياتية على واشنطن لوقف تل أبيب)، فإن قواتهم التي أرسلت إلى الجبهة المصرية كانت ستتحمل الضربة الإسرائيلية. لقد شكل الجزائريون والمغاربة آخر ورقة لدى السادات، جنبا إلى جنب. (*) يشتغل لوران توشار حول الإرهاب والتاريخ العسكري، ساهم في وضع عدة مؤلفات. كما تستعمل جامعة جون هوبكينس بالولايات المتحدة العديد من أعماله.