رغم مرور 33 عاما على حرب أكتوبر، إلا أن الكتب والمقالات الصحفية التي تتناولها بالشرح والبحث والتحليل، والكشف عن مزيد من أسرارها يتوالى صدورها بين حين وآخر وحتى الآن. ومن أهم الكتب التي صدرت في الآونة الأخيرة كتاب حرب يوم كيبور.. ملحمة المواجهة التي غيرت الشرق الأوسط. مؤلف هذا الكتاب الموسوعي هو إبراهام رابينوفيتش وهو صحفي إسرائيلي كان يعمل مراسلا عسكريا لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية وقد قام بتغطية حروب 1967 والاستنزاف و 1973 على الجبهة الجنوبية الإسرائيلية أو جبهة المواجهة مع مصر. ويقول رابينوفيتش إن كتابه الذي استغرق منه 10 سنوات جاء اعتمادا على تغطيته الخاصة لهذه الحرب الفاصلة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، علاوة على اطلاعه على أرشيف الموساد أو جهاز المخابرات العامة الإسرائيلية وأمان أو جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية، علاوة على تمكنه من الاستحواذ على عدد كبير من الأشرطة التسجيلية الإذاعية والتليفزيونية التي سجلتها إسرائيل مباشرة للمعارك على الجبهة المصرية. الموساد الإسرائيلي يجدد اتهاماته في كتاب جديد عن حرب يوم كيبور والأهم من ذلك اطلع رابينوفيتش على تسجيلات المصادر التي زودت إسرائيل بالمعلومات قبل الحرب وبعدها وأهم هذه المصادر العاهل الأردني السابق الملك حسين وسكرتير الرئيس السادات السابق للمعلومات أشرف مروان.وهكذا فان أهم ما يميز كتاب رابينوفيتش الذي يقع في حوالي 550 صفحة هو أنه اعتمد على عدد هائل من المعلومات المخابراتية السرية. يحدد رابينوفيتش ثلاثة مصادر أساسية أمدت إسرائيل بالمعلومات قبل الحرب وكشفت لها كل الخطط المصرية بصورة شبه كاملة. ويحدد رابينوفيتش هذه المصادر في الملك حسين والدكتور أشرف مروان، علاوة على وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ال سي. آي. إيه ويذكر الكتاب تقريبا نوعية كل المعلومات التي قدمتها هذه المصادر الثلاثة. قبل عام واحد من حرب أكتوبر تولى مسئولية جهاز أمان أو جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية الجنرال يلى زائيرا. عندما تولى زائيرا مسئولية هذا الجهاز اكتشف أن إسرائيل لها مصدر معلومات واسع في مصر، وأن هذا المصدر صاحب سلطة ونفوذ سياسي واقتصادي، وهو الدكتور أشرف مروان. كان أشرف مروان كما يقول الكتاب قد ذهب إلى السفارة الإسرائيلية في لندن عام 1969 وعرض عليهم تقديم خدماته، ورغم الشكوك الأولية التي انتابت الإسرائيليين حوله إلا أنهم تأكدوا من صدق نواياه، ومن المعلومات التي يستحوذ عليها. كما أجرى الموساد من جانبه عدة عمليات واسعة للتأكد مما إذا كان مروان عميلا مزدوجا، إلا أنه تأكد لديها أنه ليس كذلك. بل وصل الحال في ثقة الإسرائيليين في أشرف مروان أن موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت كان دائما ما يقول إن المعلومات المخابراتية التي حصلنا عليها عن العقلية القيادية المصرية قبل حرب 1973 كانت قائمة على أعلى درجة من الثقة واليقين، لأن إسرائيل كانت تمتلك مصدرا مهما قدم لها معلومات يحلم بها كل بلد عن عدوه. وكان هذا المصدر هو الدكتور أشرف مروان. أما رئيس أمان إيلى زائيرا فيقول إن أي جهاز مخابرات وأي رئيس أركان وأي وزير دفاع كان عند تلقيه للمعلومات التي قدمها أشرف مروان وعند معرفته بمصدرها كان سيتوصل لنفس الاستنتاج بأنها معلومات على أعلى مستوي. من خلال أشرف مروان أو كما أطلقت عليه لجنة التحقيق التي شكلت في إسرائيل بعد الحرب لقب المصور عرفت إسرائيل استراتيجية تفكير أنور السادات. كان السادات مصمما على الذهاب للحرب ضد إسرائيل بشرط أن يتحقق شيئان اثنان مسبقا أن يحصل من السوفييت على قاذفات قنابل مقاتلة تتمكن من تحييد سلاح الجو الإسرائيلي وتتمكن من الهجوم على القواعد الموجودة داخل إسرائيل. كما كان السادات يريد صواريخ سكود قادرة على ضرب تل أبيب، وكان هذا السلاح قادرا على ردع إسرائيل ومنعها من مهاجمة الداخل المصري. وطالما لم يقدم السوفييت ل مصر هذه الأسلحة فلن يكون بمقدورها خوض الحرب. وفي خريف 1973 أو بعد حوالي نصف عام من تولى زائيرا بدأت تتدفق معلومات أخرى من أشرف مروان تنوه إلى أن الاستراتيجية السابقة بدأت تتغير، وأن السادات قرر خوض الحرب وأن القاهرة بدأت تضع جيشها على أهبة الاستعداد، وأن هناك قوات أخرى من العراق والجزائر وبلاد عربية أخرى قد اتخذت مواقع لها على الجبهة المصرية. كما قدم أشرف مروان للمخابرات الإسرائيلية معلومات مؤكدة عن أن مصر قد حصلت على سربين من الطائرات من العراق وليبيا، وكانت تتكون من طائرات ميراج قادرة على الوصول للعمق الإسرائيلي. وقدرت الأجهزة المخابراتية الإسرائيلية بناء على هذه المعلومات أن مصر يمكنها أن تخوض الحرب في شهر مايو، وذلك وضع الجيش الإسرائيلي على أهبة الاستعداد من خلال تطبيق الكود أزرق أبيض، والذي يعنى حالة التأهب القصوى. وفي اجتماع ل جولدا مائير مع كبار مستشاريها تم تقييم المعلومات التي قدمها أشرف مروان والتي دعمتها المراقبات الإسرائيلية للجبهة المصرية. كانت هناك تحركات للقوات المصرية على جبهة القناة ومعاينات مستمرة للضباط المصريين للجبهة باستمرار، خصوصا للاستعدادات الخاصة عند ما يمكن أن يكون نقاط عبور. كما كان التقدير أن سوريا لن تنضم ل مصر في الحرب، وأنها يمكنها أن تنضم في حالة واحدة هو أن تخوض مصر الحرب وتتحول لصالحها وعندها فقط تنضم سوريا. إلا أن رئيس الموساد في ذلك الوقت زيفي زامير كان لا يتفق مع زائيرا على أن سوريا لن تنضم ل مصر، وقال إن خوض مصر وسوريا الحرب أصبح خيارا معقولا لإنهاء المآزق السياسية التي يعيشها السادات وحافظ الأسد في الداخل وإلقاء الضوء من جديد على مشكلة الشرق الأوسط ودعوة القوى العالمية للتدخل. وفي شهر مايو 1973 تحدث زائيرا أمام لجنة الدفاع والشئون الخارجية بالكنيست فقال إذا كان الجيش المصري يخطط للحرب فعلا ويخطط لعبور قناة السويس، فسوف نحصل من مصادرنا الموثوقة على كل المؤشرات الخاصة بهذه الخطط والتي تكشف نوايا المصريين. إلا أنه خلال شهر مايو وصلت المخابرات الإسرائيلية معلومات تبين أن المصريين قد أبعدوا عددا من معدات العبور إلى قواعد داخل البلاد بعد أن كانت على مقدمة القناة وأن باقي المعدات مكدسة في مخازن. وبعد انتهاء حالة التوتر والتعبئة التي جرت للجيش الإسرائيلي في مايو 1973 جاءت معلومات جديدة من أشرف مروان، وبالتحديد في شهر يوليو 1973 تشير إلى أن مصر وسوريا، قد حصلتا على كميات وشحنات كبيرة من الأسلحة من السوفييت، وأن هذه الأسلحة تتضمن صواريخ سكود طويلة المدى 200 ميل ويمكنها ضرب تل أبيب من مواقع تمركزها في دلتا النيل ومنطقة القناة، ولكن استخدامها من قبل أطقم مصرية يحتاج إلى تدريب 4 أشهر كاملة. وفي مساء 30 سبتمبر وصلت جهاز أمان معلومات مزعجة من المصدر الموثوق به أو أشرف مروان وقد أكد لهم هذا الأخير بأن القوات المصرية، سوف تبدأ مناورات في فجر ذلك اليوم، وأن هذه المناورات سوف تتحول إلى هجوم شامل لعبور قناة السويس ويتوافق مع هجوم سوري في نفس الوقت على هضبة الجولان. وتوافقت هذه المعلومات مع معلومات أخرى كان الموساد قد حصلت عليها من الملك حسين، علاوة على أن مراقبتها للجبهة المصرية كشف لها أنه قد تم تحريك 300 سيارة محملة بالذخيرة من القاهرة لمنطقة القناة، وأن سوريا قامت بتحريك سربين من طائرات سوخوي لمطارات على جبهة الجولان الأمامية. على أن أخطر ما قدمه أشرف مروان للإسرائيليين قد جاء في صبيحة يوم الجمعة 5 أكتوبر أو قبل يوم العبور ب 24 ساعة فقط. بعد منتصف الليل مباشرة دق جرس التليفون في بيت ضابط الموساد الإسرائيلي في السفارة الإسرائيلية بالعاصمة البريطانية لندن. كان على الخط أشرف مروان. كان يطلب مقابلة سريعة مع مدير الموساد. وبدوره قام ضابط الموساد في حوالي 2.30 من صباح 5 أكتوبر بالاتصال بمدير الموساد زيفي زامير وتم إيقاظه من النوم ولأهمية هذه المعلومات وللقيمة العالية للمصدر أو للدكتور أشرف مروان قرر زامير أن يسافر بنفسه إلى لندن لعقد مقابلة شخصية مع أشرف مروان. قبل أن يرحل زامير بسرعة للندن تلقى مكالمة من زائيرا مدير جهاز أمان تفيد أن عائلات المستشارين السوفييت في مصر وسوريا يغادرون البلاد بصفة متواصلة وبدوره أخبر زامير مدير أمان بزيارته السريعة للندن للقاء أشرف مروان. وفي لندن تقابل زامير مع أشرف مروان لمدة ساعة كاملة، وكان اللقاء في إحدى شقق الموساد في لندن. كانت رسالة أشرف مروان واضحة وصريحة: مصر ستقوم بشن الحرب على إسرائيل غدا بعد الظهيرة وقبل أن يحل الظلام، وأن الهجوم سوف يكون طبقا للخطة التي قام بتسربيها للموساد فعلا والتي تعرفها إسرائيل بالكامل والتي تعنى عبور قناة السويس ب 5 فرق قبل أن يحل الظلام. وعندما سأل مدير الموساد أشرف مروان حول احتمال أن يكون ما يحدث ليس هجوما، وإنما مجرد مناورة خداعية مثل تلك التي أخبرهم بها في شهر ديسمبر 1972 وأبريل 1973، وكان رد أشرف مروان إنني لا أستبعد إمكانية أن يقوم السادات بتغيير رأيه مرة أخرى في اللحظة الأخيرة لو تبين له أن السوفييت ربما يكونون قد ضغطوا على السوريين وطلبوا منهم عدم المشاركة في الحرب، إلا أن أشرف مروان عاد وأكد لمدير الموساد أن احتمالات اندلاع الحرب قائمة بدرجة 99.9%. وانتهي الاجتماع مع أشرف مروان، ولكن مدير الموساد زامير كان يعرف أن معنى كلام مروان هو أن تقوم إسرائيل بعمل تعبئة كاملة في يوم عيد الغفران، وأن التعبئة في هذا العيد الدينى المهم سيكون لها عواقب وخيمة لو تبين أنها كاذبة. إلا أن زامير قرر نقل الرسالة والمعلومات التي نقلها له أشرف مروان، كما هي للقيادة الإسرائيلية وبالفعل قام واتصل بمكتب رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير ووزير الدفاع موشيه دايان، وكان نص الرسالة التي قام بإبلاغها في الساعة 2.40 من فجر يوم 6 أكتوبر هي الصفقة التجارية سوف تتم اليوم بتوقيع العقد قبل أن يحل الظلام. وقد نقل المستشار العسكري ل جولدا مائير المدعو ب إسرائيل ليور الرسالة في الساعة 3.40 وتلقاها موشيه دايان في الساعة 4.30 صباح 6 أكتوبر. أما المعلومات التي قدمها عاهل الأردن الراحل الملك حسين فقد كانت لا تختلف كثيرا عما قدمه أشرف مروان. يقول الكتاب في فصل خاص تحت عنوان زيارة ملكية: في ليلة 25 سبتمبر 1973 هبطت طائرة هليكوبتر في موقع أمنى حصين خارج تل أبيب، وتم الترحيب بمن كانوا فيها وأخذوهم إلى مبنى متواضع خاص بجهاز الموساد. وبينما دخلت مجموعة من الوفد القادم على الهليكوبتر إلى حجرة جانبية دخل اثنان آخران إلى حجرة الاجتماعات وقد رحبت جولدا مائير بأحد هؤلاء قائلة مرحبا بجلالتك وسلمت على تلك الشخصية القصيرة التي تقدمت للأمام لمصافحتها. كان ذلك هو الملك حسين ملك الأردن وقد اتخذ مقعداً لنفسه في مواجهة جولدا مائير وجلس بجواره رئيس الوزراء الأردني زيد الرفاعي أما جولدا مائير فقد جلس بجوارها مدير مكتبها موردخأي جازيت كان للملك الأردني سجل وتراث حافل في اللقاءات السرية مع الإسرائيليين وكلها كانت تهدف لمنع الأردن من الدخول في مواجهة مسلحة مع إسرائيل. كان الملك حسين هو الذي طلب المقابلة مع مائير ولم يوضح ما الذي يريد مناقشته. وفي حجرة مجاورة للاجتماع جلس الكولونيل زوسيا كنيرز المسئول عن الملف الأردني في جهاز أمان يسجل كل كلمة بين حسين ومائير. بدأ الملك حسين بإثارة مشكلة صغيرة على الحدود شمال ايلات ثم قام هو ومائير بعمل استعراض شامل للأوضاع السياسية في المنطقة، ثم انتظرت مائير من الملك حسين أن يتحدث في الموضوع العاجل الذي طلب من أجله اللقاء. واستغرق الأمر ساعة كاملة حتى تحدث أخيرا الملك حسين. قال حسين إنه عقد منذ أسبوعين لقاء سريا ضمه هو والرئيس السادات والرئيس حافظ الأسد وعلى الرغم من أن السادات والأسد لم يفاتحاه بأي نوايا خاصة بالحرب ضد إسرائيل إلا أن الاثنين قالا في حضرته انه لم يعد هناك مفر سوى خوض الحرب وأنهما بهذه الكلمات كانا يجسان نبضه فيما إذا كان يرغب في الانضمام لهما وتتحول الأردن إلى جبهة ثالثة. ثم قال حسين إنه يعتقد أن السوريين أصبحوا على أهبة الاستعداد لخوض حرب ضد إسرائيل. وهنا تساءلت مائير وهل يمكن للسوريين أن يخوضوا حربا بدون مشاركة المصريين؟ وهنا رد حسين نعم إنهم يكثفون التعاون بينهما الآن وأن هذا التعاون يقلقنى جداً. ورغم أن المعلومات التي قدمها الملك حسين للإسرائيليين لم يكن فيها جديد إلا أن مغزاها يكمن في أن الملك حسين كان يشكل مصدرا موثوقاً به وأكد لهم أنه هناك نوايا مصرية سورية فعلا لخوض حرب مشتركة وان الأردن لن تكون شريكة لهما. كما قام دايان في أعقاب المعلومات التي قدمها الملك حسين بزيارة ميدانية لجبهة الجولان واتضح للجميع أن المواقع الجديدة التي اتخذتها الدبابات والمدفعية السورية تؤكد أن الحرب واقعة لا محالة. وفي مساء 30 سبتمبر قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتقديم تقرير للموساد قالت إن المعلومات المذكورة فيه مستقاة من الملك حسين ومفادها أن هناك حشودا سورية هائلة تستعد لشن حرب لاسترجاع الجولان وأن هذه الحرب أصبحت وشيكة جداً. والحقيقة أن الإسرائيليين كانوا يعلمون بهذه المعلومات وان الملك حسين بنفسه قام بإبلاغها لمائير ثم أبلغها بعد ذلك للمخابرات الأمريكية وقد قامت هذه بدورها بإبلاغها لإسرائيل. هكذا تجمعت أمام الإسرائيليين مجموعة هائلة من المعلومات الواردة من مصادر موثوق بها. إلا أن الكتاب يشير إلى انه رغم كل هذه الشواهد كان الإسرائيليون على اعتقاد دائم بأن المصريين والسوريين لن يحاربوا لاعتقادهم بأنهم لا يستطيعون القتال بالنهار وان أنظمة التسليح لديهم غير كافية. وقد تكشف بعد الحرب وهو ما لم يتمكن أي مصدر من كشفه ان الجيش المصري كان قد حصل من السوفييت على أجهزة رؤية ليلية بالأشعة تحت الحمراء مما أعطاهم تفوقا استراتيجيا للقتال في الليل كما أن إسرائيل كان لديها عدد قليل من الدبابات هو الذي يستطيع الرؤية والحركة بالليل كما كان السوفييت قد قدموا لمصر قوارب محملة بالصواريخ بينما كانت فرنسا قد فرضت حظرا على بيع هذه القوارب لإسرائيل منذ عام 1967.قراءة وعرض: جمال عصام الدين