بسينما النهضة بالرباط عرض يوم الأربعاء 23 أكتوبر المخرج المغربي حسن بنجلون على عينات من النقاد والسينمائيين والإعلام، شريطه الجديد " القمر الأحمر ". يدشن الشريط معالجة سينمائية تقتحم لأول مرة في - السينما المغربية - الفن الغنائي إن صح التعبير، في ريبيرطوار يؤرخ حياة فنان وملحن من طينة نادرة وأيضا قصة مرحلة تاريخية بأفراحها وأتراحها، بالتألق والانكسار في ثناياها. ولكنها تشهد في كل الأحوال على الزمن الجميل للأغنية المغربية. تطلب الشريط سنتين من العمل حسب الكلمة التي ألقيت في المناسبة. بعد جمع المعلومات وتوثيقها وترتيبها التي قام بها بشير قرمان كاتب سيناريو الفيلم. التصوير هو الآخر كان موفقا والمونطاج كذلك. أما الموسيقى التصويرية فقد قام بها الفنان الموسيقي عبد الفتاح النكادي الذي أدى دور عبد السلام عامر، رفقة ثلة من الممثلين كفاتن هلال بك ومحسن اللطفاوي المشتغلين في الحقل الغنائي وممثلين محترفين كخديجة جمال ومحمد عياد والركاكنة، وعبد الرحيم أمين الذي رافق فعليا وواقعيا عامر في زيارته لمصر رفقة شلة الأربعة (أواسط الستينيات). يمكن تقسيم الشريط كقراءة أولية إلى ثلاث مراحل : الأولى : تهم الطفولة التي قضاها عامر بمسقط رأسه رفقة والدته بعد اليتم من جهة الوالد حيث عانى ما عاناه منذ فقدانه لنعمة البصر وما تلا ذلك حيث حول نقصه إلى تفوق ونبوغ في الدراسة واحتلال المراتب الأولى، والوطنية إبان انطلاق شرارة الكفاح ضد الاستعمار في بداية الخمسينيات. وأيضا ميولاته المبكرة للموسيقى والتأليف فيها فيما بعد بالسليقة، وبخاصة حينما التقى بالشاعر الرقيق ابن مدينته القصر الكبير محمد الخمار الكنوني. الذي لحن من أشعاره رائعتي " حبيبتي، وآخر آه "لعبد الوهاب الدكالي. وتولى عامر قبل هذين العملين في بدايته تلحين وغناء " السانية والبير "وهي أغنية جميلة نادرة. المرحلة الثانية : قدومه للرباط الذي سلط الشريط الضوء على معطياته من حيث أساسا الصعوبات التي واجهها الفنان وهو يتلمس طريقه في الوصول إلى الجمهور عبر أثير الإذاعة والعراقيل البيروقراطية التي هي جزء من وضع معقد عام في إدارتنا. هذه الفترة شهدت ميلاد رائعة " ميعاد " بعد أن دخل على الخط الشاعر المبدع عبد الرفيع جواهري والحنجرة الذهبية للمطرب الكبير عبد الهادي بلخياط، حيث ستتلوها روائع أخرى وفي مقدمتها " القمر الأحمر ". المرحلة الثالثة : حيث الانتقال إلى مصر والإقامة بالقاهرة رفقة الفنانين عبد الهادي بلخياط، عبد الحي الصقلي بالإضافة إلى عبد الرحيم أمين. وإن لم تدم طويلا بسبب حرب 1967 ضد اسرائيل، فإنها لم تمنع من الالتقاء بعمالقة الطرب في الشرق وعلى رأسهم مطرب الأجيال عبد الوهاب، والتعريف بالإبداع الغنائي المغربي. وكادت هذه الإقامة أن تفضي إلى أعمال تلحينية لبطل الفيلم للفنانة الكبيرة سعاد محمد وغيرها. ثم العودة إلى المغرب بنفس أكبر حيث تم التعامل مع المطرب محمد الحياني في روائع أخرى مثل " راحلة والأشواق " رغم المعانات الصعبة التي قاساها الملحن الكبير الناجمة عن تداعيات أحداث الصخيرات والمحاولة الانقلابية وما خلفته من آثار نفسية جسيمة على فناننا لازمته حتى الوفاة على الرغم من إعادة جزء من الاعتبار إليه. تجب الإشارة في قراءة بسيطة للشريط أن المعالجة السياسية لبعض الفترات من تاريخ البلد التي جاءت في الفيلم تشعرك بإقحام وقائع وأحداث بشكل لا تتطلبه الرؤية الفنية و التناول الموضوعي في المعالجة السينمائية، وهنا يكمن بعض الخلل في قضايا شائكة، ومنها ايضا ظهور الاغنية القصيدة (ميعاد) التي كان لها صيت كبير، وهي تجمع بين الفرسان الثلاثة ، عبد الرفيع جواهري وعامر وعبد الهادي بلخياط، والذي أشار إليه آنذاك الاعلام المكتوب سنة 1963 ( «العلم» و«المحرر»)، كما جاء في حوار بالشريط ، والحال أن«المحرر» لن تبدأ بالصدور إلا سنة 1974، في حين كانت «التحرير» هي المعنية بالامر، ولذا وجب التنبيه. وكان من الأجدى الإشارة إليها بتناول سينمائي أرقى أو الاستغناء عنها. زد على ذلك الشكل الذي أظهر به الشريط الموسيقار أحمد البيضاوي كرجل متسلط يضع المتاريس في وجه الفنانين، وهو رئيس قسم الموسيقى آنذاك بالإذاعة الوطنية. وهنا أيضا تم السقوط في التسويق المجاني الذي يشيعه، مع الأسف، بعض أنصاف المواهب من الوسط الفني. إذ على العكس من ذلك تماما، فتشدد البيضاوي كانت تمليه ضوابط الصرامة للحفاظ على المستوى الجيد حتى تصل الأغنية إلى الجمهور بواسطة الإذاعة. وهو ما ساهم بكل كبير في صنع القيمة الفنية للأغنية المغربية خلال مرحلة الازدهار. وكيف ما كان الحال يبقى الشريط إضافة نوعية متميزة للفيلموغرافيا المغربية وبخاصة أنه يطرق مجالا جديدا في سينمائنا المغربية تتعلق بالغناء الطربي، وهنا أفتح قوس لأشير أنه يجب إفساح المجال للأداء الغنائي في الفيلم كما هو الشأن في مسلسلي " أم كلثوم واسمهان " وفي فيلم " La môme " لإديتبياف، وهذه الملاحظات لا تغني نهائيا عن مشاهدة الفيلم لأنه فضاء مفتوح للرؤيا والتأويل. ويبقى الفيلم ممتعا جدا.