"القمر الأحمر" هو الفيلم الجديد لحسن بنجلون الذي يخرج اليوم الأربعاء 30 أكتوبر 2013 إلى القاعات الوطنية. يبدو هذا المخرج القادم من مختبرات الصيدلة إلى الفن السابع من المخرجين المغاربة المجتهدين والمكثرين، لقد أخرج حتى الآن عشرة أفلام سينمائية، ما بين الاجتماعية والسياسية، واليوم يطرق باب أفلام السيرة الذاتية، من خلال تصوير سيرة فنان موسيقي أعمى، هو الملحن الراحل عبد السلام عامر. لقد رأى المخرج حسن بنجلون في سيرة ملحن رائعة "القمر الأحمر" والشاطئ" و"راحلة" وغيرها من روائع الألحان التي تحتفظ بها الذاكرة الموسيقية المغاربية، رأى فيها كل مقومات الدراما السينمائية التي من الممكن نقلها إلى الشاشة الكبيرة لصناعة فيلم يحظى بالنجاح الجماهيري المرغوب. ولم يكن حسن بنجلون مخطئا في تخمينه ومبادرته هذه، لكن الفكرة، في السينما كما في مجالات أخرى، وحدها لا تكفي.
بعد الفكرة الجيدة لا بد من توافر باقي العناصر المهنية الضرورية. . سيناريو محكم، وحوار متقن، واختيار ممثلين مناسبين، وتمثيل مقنع، واختيار أماكن ومشاهد التصوير المناسبة، وإبداع في التصوير والإخراج.. إلى غير ذلك من العناصر التي إذا ما اجتمعت أنتجت لنا عملا سينمائيا جيدا يستحق أن يوصف بالعمل السينمائي. في "القمر الأحمر" واجه حسن بنجلون محموعة من الصعوبات لم يعمل على تجاوزها بسهولة ونجاح، فأوقعته في هنات وأخطاء لا تغتفر ولا يسمح بها لمخرج تجاوز مرحلة التجريب والتمرين عبر مسيرة عشرة أفلام طويلة. لنبدأ من العنوان الذي لا يفهمه إلا من له معرفة سابقة بعنوان أغنية "القمر الأحمر" التي كتبها الشاعر عبد الرفيع الجواهري وغناها عبد الهادي بلخياط ووضع لحنها عبد السلام عامر، وظلت لحد اليوم من الروائع التي تفتخر بها خزانة الأغنية المغربية الحديثة.
ملصق الفيلم ويظهر فيه عبد الفتاخ النكادي أمام ميكوفون وحول رأسه بندقيتا جنديين، ما يمكن أن يوحي لمشاهد الملصق أنه بصدد فيلم سياسي يذكره بأفلام كوستاغافراس. بينما هذه اللقطة ستمر سريعا وليست أساسية في مجرى قصة الفيلم. أيضا مشهد اقتحام العساكر لمقر الإذاعة الوطنية ومشهد القتلى والجرحى في ساحة الفصر الملكي بالصخيرات، خلال محاولة الانقلاب الشهيرة، ثم مشهد الجنود راكعين يقرأون سورة الفاتحة جماعة، كلها مشاهد جاءت مقحمة وغير مقنعة وسيئة التنفيذ. وقبل ذلك لقطة مشهد نفي الأسرة الملكية التي سيشاهدها المغاربة حسب المخرج في قاعات السينما.
الممثلون الذين تم اختيارهم من قبل المخرج لأداء أدوار حسن المفتي وعبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدكالي وحسن الصقلي وعبد الرفيع الجواهري لا تقترب ملامحهم وشخصياتهم من الشخصيات الحقيقية التي قاموا بأداء أدوارها. فقر واضح في التمويل والإنتاج، الذي بدا واضحا في عدم القدرة على الانتقال للتصوير في الأماكن الحقيقة، وأقصد هنا مصر، لهذا اختار حسن بنجلون الأسهل وصور لنا مصر (ه) الخاصة، فحول نهر أم الربيع إلى نهر النيل، ومنح الشخصية المصرية لممثلين وكومبارس جاء أداؤهم ضعيفا ومثيرا للضحك، وهم يحاولون إقناعنا عبثا بأنهم من مصرالشقيقة.
مع ذلك قد لا نستمر في التقاط الهنات والأخطاء التفصيلية التي أنتجها هذا الفيلم فقط، ونحاول ذكر بعض حسناته، ومنها محاولته إعادة الاعتبار لأحد أعلام الثقافة والفن ببلادنا، ومحاولته خوض غمار سينما السيرة الذاتية، وإبرازه لبعض الطاقات التي يتوفر عليها المجال الفني المغربي، فقد كان أداء الفنان الموسيقي عبد الفتاح النكادي موفقا، كذلك أداء الممثلة وسيلة صبحي وعبد الرحيم المنياري وخديجة جمال، وكذا الطفل الذي أدى دور عبد السلام عامر طفلا.. لكن يبقى السؤال: هل فيلم "القمر الأحمر" سيحقق النجاح الجماهيري المأمول ويعرف الأجيال الجديدة بوجه من الوجوه البارزة التي تركت بصمتها الواضحة في المسار الغنائي ببلادنا؟ نتمنى صادقين حصول ذلك؟