«في بداية هذا الاجتماع ، لابد أن نهنئ أنفسنا على الإنجاز الكبير، الذي حققه حزبنا بفضل إصرار ومثابرة مناضلاته ومناضليه ، والذي تمثل في إنجاح التظاهرة الاحتجاجية ليوم 5 اكتوبر الأخير، لقد كانت حدثا لم يشهد المغرب مثيله، إذ تمكن حزبنا من حشد كل هذه الطاقات والإرادات، للتعبير أولا عن رفضه للمسار السياسي والاجتماعي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية داخل الحكومة، وثانيا للتأكيد على أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حاضر في الماضي والحاضر والمستقبل. تتذكرون أيتها الاخوات والإخوة، أننا في دورة أبريل للجنتنا الادارية، كنا قلنا بكل وضوح أننا سنستعيد المبادرة. وها نحن في أقل من نصف سنة نبرهن بالدليل والبرهان أن الحزب استعاد المبادرة، وأن عودته القوية للساحة السياسية ، قد أخذت خطها التصاعدي، ولن تتوقف. فضلنا أن يكون دخولنا السياسي والاجتماعي لهذه السنة بهذا الشكل الجماهيري، لنتجاوب مع رغبة ومطالب فئات واسعة من الشعب المغربي، المكتوية بنار الغلاء والرافضة للسياسات الارتجالية والتفقير الاجتماعي في كل المجالات، ولنعبر عن استيائنا تجاه ما نعتبره ابتزازاً سياسياً لحكومة بنكيران. ابتزاز أصبح عملة فاسدة، لا تنفع ولا يمكنها أن تنقذ رئيس الحكومة ، وحزبه، من مواجهة واقع الفشل والتردي. فضلنا هذا الشكل من الدخول السياسي الاجتماعي لنثبت أيضا لكل الاتحاديات والاتحاديين أنهم قادرون على تحويل إرادتهم النضالية الى فعل ملموس في الواقع، وأن كل الأصوات المتهافتة وحملات التضليل الاعلامي، لم تنل من قوتهم لدى الجماهير، وقدرتهم على التعبئة والحشد والتنظيم . إن 5 اكتوبر ليس إلا تتويجا لمجهودات كبيرة، انطلقت منذ المؤتمر التاسع، والتي فتح الحزب خلالها أوراشا متعددة على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاشعاعية . فعلى المستوى السياسي، شكل الحزب القوة الأساسية في المعارضة، وكان لخطابه النقدي الأثر البليغ لدى الرأي العام، سواء من خلال المواقف التي تم التعبير عنها سواء عبر التصريحات والبلاغات والندوات الصحافية، أو من خلال عمل فريقيه في مجلس النواب ومجلس المستشارين، أو من خلال إعلامه و مساهمات مناضليه في الأقاليم و القطاعات الحزبية. وقد ساهمت هذه المواقف بشكل كبير في فضح الارتباك والتراجع الذي طبع سياسة حكومة بنكيران، وإجهازها على الباب الذي فتح من أجل التقدم في صيرورة الانتقال نحو الديمقراطية، عبر تفعيل حقيقي للدستور. كما عملنا على الواجهة الاجتماعية، حيث واصلنا مجهوداتنا، من أجل رص صفوف جبهة العمل النقابي وتوحيد الطاقات، بهدف التصدي للسياسة اليمينية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، سواء على مستوى الزيادات في الأسعار أو تجميد الأجور أو محاربة العمل النقابي أو تقليص فرص الشغل. وقد نجحنا لحد الآن في مد الجسور بين المنظمات النقابية في اتجاه تكوين جبهة اجتماعية قوية، تنخرط فيها كل الهيئات العاملة في هذه الميادين، قصد حماية مكاسب وحقوق الجماهير الشعبية . أما بالنسبة لتوحيد العائلة الاتحادية، وتجميع قوى اليسار، فقد تابعتم جميعا عملية اندماج أخواتكم وإخوانكم في الحزبين الاشتراكي والعمالي (سابقاً)، وروح النضج الذي رافق هذه الخطوة الجبارة، التي سيكون لها الأثر البالغ على مستقبل اليسار المغربي. في ما يخص التحالفات، يمكننا القول بكل ثقة بأن الأمور قد عادت الى نصابها لأن تموقع حزب الاستقلال في المعارضة ، أعاد إلينا حليفا، ربطتنا وإياه علاقات قوية ومتينة ، منذ نهاية الثمانينيات، وخضنا نضالات مشتركة منذ تلك الفترة، الى أن تشكلت حكومة التناوب التي خضنا تجربتها معا، ولذلك كان من الطبيعي ان نستأنف التنسيق في ما بيننا بعد تلك التجربة الحكومية ، التي غادرها حزب الاستقلال ، بسرعة، لأنه تأكد بأنه من غير الممكن تحقيق أي شيء في ظل تشكيلة يقودها حزب أصولي لا هدف له سوى خدمة اجندته الهيمنية على الدولة و المجتمع، وأهدافه الأيديولوجية الرجعية. وكما تعلمون فقد أصدرنا بيانا مشتركا حول استئناف هذا التنسيق ، كما شكلنا لجنة لمتابعة هذا العمل وتحضير اقتراحات ملموسة وعملية ، ستعرض على القيادتين يوم الاثنين المقبل. وتتضمن أرضية سياسية مرجعية وخطوات عملية لتنظيم أنشطة مشتركة والشروع في التنسيق البرلماني والقطاعي والإعلامي وكذا على مستوى الهياكل التنظيمية المختلفة . هذه أهم الخطوات الكبرى على مستوى التحركات الداخلية للحزب، ولا تقل عنها أهمية كل ما قام به الحزب على مستوى العلاقات الخارجية، التي تعززت، داخل الأممية الاشتراكية ومع أحزاب تقدمية عربية واحزاب إفريقية وخاصة في منطقة الساحل والصحراء. لقد اشتغل الحزب على هذه الواجهة ، وبذل طاقات وجهدا كبيرين من أجل توطيد مواقفه، سواء للدفاع عن الأهداف المشتركة التي تجمعنا مع هذه الأحزاب في النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان، أو في التصدي لخصوم وحدة المغرب، المدافعين عن مشروع انفصال اقاليمنا الصحراوية، تحت يافطة تقرير المصير وغيرها من الشعارات التي رفعت من أجل تجزيئ وطننا وتبرير مخطط البلقنة . لقد نجحنا، رفقة مناضلاتنا ومناضلينا في التصدي للعديد من المناورات، في مختلف الإطارات التي نشتغل فيها سواء داخل الأممية الاشتراكية بما في ذلك ذراعها الشبيبي، رغم أن المهمة ليست يسيرة، حيث تتداخل في المواقف اعتبارات سياسية وإيديولوجية وأيضا مصالح الدول وتوجهات الحكومات . كما وطدنا علاقاتنا مع تنظيمات سياسية، تقدمية وديمقراطية عربية، في أفق تطوير التعاون والتنسيق لمواجهة المد الظلامي، الذي يهدد المنطقة. وفي نفس الاتجاه سارت علاقاتنا داخل القارة الافريقية ، حيث كانت لنا زيارات ولقاءات مع أحزاب ، منها من أصبح حاكما ، مثل ما حدث في مالي وذلك بهدف تطوير الديبلوماسية الموازية. وبالفعل يتوفر حزبنا على كل المؤهلات والعلاقات الدولية الواسعة والمصداقية التي تجعله رائدا بين الأحزاب في الديبلوماسية الموازية. من الطبيعي ان يكون الورش التنظيمي موازيا لهذا الورش السياسي، الذي فتحه الحزب تنفيذا لمقررات وتوصيات المؤتمر التاسع. لقد كان شعارنا الأساسي وما زال هو إعادة بناء تنظيماته، وهو ما شرعنا فيه، سواء بالنسبة لتنظيم مؤتمرات إقليمية أو تحضير الفروع والأقاليم والجهات لتجديد هياكلها أو التحضير لمؤتمر الشبيبة الاتحادية، ومؤتمر النساء الاتحاديات، بالإضافة الى التنظيمات القطاعية المختلفة. من المؤكد أن ما ينتظرنا على هذا الصعيد مازال كبيرا ، لأن إعادة البناء تتطلب مجهودا مضاعفا، فنحن أمام مغرب جديد ، تغيرت ملامحه كثيرا، خاصة على مستوى وصول اجيال شابة الى سوق العمل وساحة الفعل الاجتماعي والسياسي، ولابد لنا لنستمر كحزب حي، أن ننفتح على كل هذه الطاقات الواعدة التي تصنع مستقبل أي بلد. ولذلك فقد عقدنا عدة اجتماعات مع كتاب الجهات والأقاليم ، واشتغلنا كلنا في برامج تنظيمية وتعبوية، أخذت تعطي ثمارها، وينبغي أن تتواصل. وفي نفس الاتجاه، نظمنا اجتماعات مع تنظيمات قطاعية، ونحن عازمون على مواصلة هذا الورش، في إطار لجنة عمالية، كانت باستمرار أداة أسياسية اجتماعية للحزب، لأنها تعزز ارتباط الحزب بالطبقة الشغيلة. ولا يفوتنا من أن ننوه بالاجتماع الهام لشهر غشت في الرباط الذي تم على صعيد الاتحاديين في بلاد المهجر، والذي حضره عدد كبير من المناضلات والمناضلين رغم ظروف الصيف، ويمكن أن نجزم بأن خلاصاته وتوصياته، تشكل محطة تاريخية في عمل تنظيماتنا المتواجدة خارج المغرب، ولذلك لابد ان نوجه تحية خاصة لكل من ساهم في إنجاح هذا الاجتماع متكبدا معاناة السفر والتضحيات المادية. ولم يكن هذا الملتقى ذا أهمية تنظيمية فحسب، بل كان أيضا إشعاعيا، حيث نظمت خلاله ندوة حول التحولات الحاصلة في الهجرة. ولقد اشتغل الحزب، على عدة لقاءات اشعاعية مثل الندوة الكبرى حول قضايا التعليم أو حول العمل الجمعوي، وهو الآن بصدد تحضير ندوة دولية حول الصحراء وندوة أخرى حول المسألة الدينية، وكما تعلمون، فالهدف من وراء مثل هذه الانشطة هو أن يكون حزبنا منتجا للأفكار ويتوفر على قوة اقتراحية، تؤهله لخوض المعارك السياسية والثقافية. كما ينظم الحزب يوما دراسيا حول مشروع قانون المالية حتى يقدم اقتراحات التعديلات في البرلمان، وكذلك لتحضير رؤيته النقدية للميزانية ومختلف القضايا الاقتصادية التي تثيرها. حاولنا خلال هذا العرض أن نضع مؤسستنا التقريرية في صورة العمل الذي يقوم به حزبنا ، والذي لا يسع المقام هنا التفصيل فيه ، على مستوى كل القطاعات والجهات والأقاليم والفروع ، ولكن ما يهمنا أن نؤكد عليه هو أن الدينامية التنظيمية ضرورية لتقوية هياكلنا ومدها بمختلف الطاقات التي يزخر بها المجتمع ، وضخ دماء جديدة فيها. لا يخفى عليكم أننا بصدد دخول سياسي واجتماعي له نكهته الخاصة هذه المرة، لأننا نواجه حزبا يترأس الجهاز التنفيذي ، فشل على مختلف المستويات، لكنه بدل أن يصارح الرأي العام ويتوجه الى الشعب بالحقيقة، معترفا بعدم قدرته وكفاءته على قيادة تجربة حكومية، في إطار دستور جديد، مازال يراوغ ويبحث عن التبريرات ويعوض العجز بخطاب يتراوح بين التمييع تارة والتهديد تارة أخرى. وهذا يتجلى بوضوح في مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2014. القراءة النقدية لهذه المذكرة تبين أن مشروع المالية تم إعداده في الكواليس تحت ضغط منظمات و لوبيات ستذهب ضحيتها الفئات البسيطة. * إنه مشروع يفتقر إلى أية فكرة مبتكرة لهذه الحكومة التي تكتفي بالنقل الحرفي لتوصيات لجان وطنية مختلفة، دون حتى أن تكلف نفسها عناء شرح كيفية تطبيق هذه التوصيات. * إنه مشروع يفتقر إلى توجهات عقلانية كبرى أو إلى خطة للتنمية تعطي دفعة قوية للإقتصاد. * إنه مشروع الزيادات في الضريبة على القيمة المضافة للمواد الغذائية التي تمس كل شرائح المجتمع. مشروع المالية لا يتناول نتيجة الزيادات في الملح، السردين، الأرز، الأغذية المخصصة للمواشي، على القدرة الشرائية للمواطنين. * إنه مشروع الامتثال إلى ضغط صندوق النقد الدولي في ما يخص المقايسة وضرب جيوب المواطنين. * إنه مشروع المنح الموزعة لشركات النقل العمومي للمسافرين: 300.000 درهم عن تكسير حافلة و 400.000 درهم عن تجديد حافلة. لماذا يتوجب على الدولة المغربية دفع منح على تجديد الحافلات؟ هل للمغرب صناعة للحافلات يود دعمها؟ أم أننا نريد صناعة الحافلات في أوربا لمساعدة أوربا على الخروج من الأزمة الاقتصادية؟ لأننا في النهاية لا نصنع إلاّ هيكل الحافلات. الدول التي تعطي هذا النوع من المنح هي الدول المصنعة مثل فرنسا التي كانت تدعم صناعتها للسيارات في وقت وصل فيه سوقها الداخلي إلى النضج. 200.000 درهم لكل مقاولة نقل عمومي في حالة انخراطها في المعايير الدولية لتصنيف وتدبير ومراقبة مقاولات النقل الطرقي. في حين كان الأحرى بالحكومة أن تقدم «ائتمان ضريبي» (cr?dit d›imp?t) بهذا المبلغ على سنتين أو ثلاث سنوات. منحة التنازل عن مأذونيات خدمات النقل العمومي الجماعي للمسافرين. بعد الريع والاستفادة من المأذونيات لسنين سنضيف لهم ريعا جديدا من خلال منحة للتنازل عن المأذونيات... كل هذه المنح ستكلف أكثر من 1,7 مليار درهم... * إنه مشروع توزيع المنح على الشركات والمقاولات على حساب إثقال كاهل المواطنين، وهو ما أبان عنه ممثلو الشركات بمجرد تعيين الحكومة الجديدة بترحيبهم وتهليلهم لعملية التجميل الفاشلة للحكومة التي استهدفت نبل العمل السياسي و أراد بها تبخيس العمل الحزبي. * وإضافة إلى كل هذا و إلى أشياء أخرى سأتطرق إليها من خلال التحدث عن الأهداف الأربعة لمشروع قانون المالية، كيف يعقل أن 16 في المائة من نفقات الدولة و 34 في المائة من موارد الدولة لا تخضع لمساءلة البرلمان؟ إنها الحسابات الخصوصية للخزينة التي خفض عددها من 130 إلى 78 سنة 2006، لتستقر في 79 منذ مجيء حكومة بنكيران... أين نحن من الشفافية؟ أين نحن من المحاسبة والمسؤولية؟ أما عن الأهداف الأربعة التي تتحدث عنها مذكرة تقديم مشروع قانون المالية، فهي كالآتي: أولا في ما يتعلق بما يسموه مواصلة البناء المؤسساتي وتسريع الإصلاحات الهيكلية: مذكرة التقديم تتحدث عن تنزيل مقتضيات الدستور بعبارات من نوع «تواصل المجهودات» «الأرضية الملائمة للتنسيق» ... دون أي إلتزام زمني حول هذا التنزيل أو إجراء ملموس... فيما عدا بطبيعة الحال التعيينات في المناصب العليا التي لم تتوانى حكومة بنكيران عن أجرأتها والقيام بتعيينات في كل مجلس حكومي، بمنطق زبوني لا يراعي الكفاءة والجهد والقدرة، مما حول كل ما استهدفه الإصلاح الدستوري من إصلاحات سياسية إلى خدمة الزبناء الحزبيين والسياسيين والعائلات. افتقار الحكومة لأي إجراء ملموس لتنزيل الدستور، جعل المذكرة التقديمية تعطي من بين آليات البناء المؤسساتي: * أولا تنظيم معرض وطني للمجتمع المدني وأول منتدى إفريقي للفاعلين الجمعويين... * ثانيا طبع موسوعة لحصيلة «50 سنة من العلاقات بين الحكومة و البرلمان»... * هل بالله عليكم هذا هو النضال الديمقراطي الذي ناضل وضحى من أجله الشعب المغربي، وخرج لأجله شباب 20 فبراير؟؟ أما عن سراب الجهوية الموسعة ، فبحسب مذكرة تقديم مشروع المالية سوف يتم في 2014 «إعطاء انطلاقة لورش الجهوية المتقدمة»... والواقع أن هذا «ورش» لم ينتظر 2014، بل انطلق في 2010 مع تقرير اللجنة حول الجهوية الموسعة ثم مع مقتضيات الدستور الجديد، فانتخابات 2011 التي على إثرها تم ائتمان حكومة بنكيران على تفعيل الجهوية الموسعة... و النتيجة: حتى الآن لا يوجد حتى بصيص بداية عمل حقيقي من طرف الحكومة حول الجهوية، مما يطرح مسألة تدبير الزمن السياسي بالنسبة لهذه الحكومة... لقد ودعنا منذ أيام ممثل الأمين العام للأمم المتحدة: كريستوفر روس، وخدمة لقضيتنا الوطنية كان من المفيد جداً أن نكون حاضرين من خلال التقدم في هذا «الورش» بتقديم مشاريع قوانين حول الجهوية الموسعة والحكم الذاتي. ألا يعتبر هذا التردد والبطء في تنزيل هذه القوانين خدمةً مجانية لخصوم قضيتنا الوطنية؟ وحول تنمية الأقاليم الجنوبية، تكتفي مذكرة التقديم بسرد محاور التقرير المؤقت حول مشروع النموذج التنموي المستقبلي للأقاليم الجنوبية لشتنبر 2013، ثم بالتحدث عن وجوب التفكير و التنسيق دون إعطاء أي فكرة أو جدول زمني مع أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي هيأ تقريرا قويا في هذا الإطار يلزم هذه الحكومة بضرورة أجرأة الاقتراحات وتقديمها في مشروع قانون المالية. أليس هذا مرة أخرى تأكيدا على ضعف إن لم يكن انعدام الحس الوطني لهذه الحكومة؟؟ الفقر الفكري يتجلى كذلك في عدم توفر الحكومة على أي فكرة مبتكرة لتطوير التحصيل الضريبي، حيث لم تجد لها مخرجا إلاّ في ترديد فكرة توسيع الوعاء الضريبي. الدعامة الثانية لمشروع قانون المالية تتمثل في المغالطة التي أسمتها الحكومة تحفيز النمو ودعم الاستثمار والمقاولة وتطوير آليات إنعاش التشغيل رغم كل اللغط حول الاستثمار العمومي فقد تم خفض ميزانيته ب 9 مليار درهم. في ما يخص الاستثمار الخاص والتنافسية، فمرة أخرى، تعيش الحكومة على إرث الحكومات السابقة كبرنامج امتياز للمقاولات الصغرى والمتوسطة أو برنامج مساندة. أما الحكومة الحالية فتود تخصيص 20 في المائة من الطلبيات العمومية للمقاولات الصغرى والمتوسطة دون تحديد كيف سيتم تحديد المشاريع المعنية أو الوزارات أو المديريات أو القطاعات المعنية. ثم تدعي الحكومة كهدف ثالث لها تطوير الرأسمال البشري وتعزيز آليات التضامن والتماسك الاجتماعي والمجالي وفي هذا الإطار مذكرة التقديم لا تتضمن أي إقرار صريح بضرورة إصلاح منظومة التعليم رغم إجماع المجتمع المدني والنقابات وآباء وأمهات التلاميذ ، وكل الأطراف التي لها علاقة بمنظومة التربية والتعليم والتي كللت بالخطاب الملكي. وتتوالى في المذكرة النوايا حول إصلاح منظومة التعليم بدون أي فكرة أو مشروع أو أولوية قد تحدث القفزة النوعية الضرورية في مجال التعليم. يبدو أننا سنمضي الأشهر بل السنوات السنوات المقبلة في اجترار نفس الكلام حول ضرورة إصلاح التعليم ... كما سبق أن حصل مع الجهوية الموسعة، وتنزيل مقتضيات الدستور، و الحكامة، و إصلاح القضاء و محاربة الفساد... أين نحن من كل هذا الكلام؟؟؟ تتوالى النوايا واللجان والمناظرات والاجتماعات والقمم والمنتديات ولكن لا وجود للفعل والعمل و البناء. أما ما جاء في الدعامة الرابعة لمشروع قانون المالية حول موضوع استقرار الموجودات الخارجية والتحكم في عجز الميزانية، فمشروع المالية يتحدث عن «ترشيد نمط عيش الدولة». كيف؟ * هل بالزيادة في عدد الوزراء (ومنهم من استفاد من منح المغادرة الطوعية لتعود الدولة لتدفع له من جديد راتبا)؟ * هل ببلقنة الوزارات التي ستؤدي إلى الزيادة في تكاليف التسيير؟ * هل بتضخيم عدد أعضاء مكاتب الوزراء؟ أو بتجديد أثاث مكاتب الوزراء؟ * هل بالارتفاع غير المسبوق في عدد سيارات الدولة؟ الحكومات التي تود فعلا ترشيد نمط عيش الدولة تبدأ من نفسها، من أعضائها، لتعطي بذلك القدوة للمواطنين. ولنا تجربة في الحكومة الاشتراكية الفرنسية التي قامت بمجرد تولي هولاند رئاسة الجمهورية بخفض رواتب الرئيس والوزير الأول وأعضاء الحكومة ب 30 في المائة. أما في بلادنا فالترشيد لا يتم إلا بضرب القدرة الشرائية للمواطنين لإرضاء اللوبيات والمنظمات... وفي النهاية يتضح من خلال القراءة النقدية لمشروع قانون المالية أننا ما زلنا في ظل حكومة تصريف أعمال، بعيدة كل البعد عن حكومة سياسية لها مشروع اقتصادي ومجتمعي. وحتى لا نتهم بأننا نمارس المعارضة المنهجية ضد حكومة بنكيران، هذه نماذج لفشل هذه الحكومة. تحدثت عن العجز عن تفعيل ولو جزء يسير مما تضمنه الدستور الجديد، سواء في ما يتعلق بالقوانين التنظيمية أو المجالس المنصوص عليها أو كذلك ترجمة المبادئ الكبرى التي جاءت في هذا الإصلاح، والتي تمثل روحه الأساسية التي صوتنا عليها جميعا لأننا اعتبرنا أنها قد تكون أداة وجسرا نحو الديمقراطية . فللأسف، ومن سوء حظ الشعب المغربي، أن وقع تفعيل هذا الإصلاح في يد حكومة، يترأسها حزب لم يؤمن أبدا بالديمقراطية أو بمبادئ حقوق الانسان أو بالحداثة. حزب كان آخر اهتماماته هو النضال الديمقراطي، بل على العكس، عندما كنا في سنوات الجمر والرصاص، نواجه القمع والاستبداد، وكان مناضلونا يعانون من السجون والمنافي والمقابر الجماعية ويختطفون ويختفون ، فإن عرابي هؤلاء كانوا سوطا في يد الجلادين. وعندما كنا نحاول، في إطار حكومة التناوب أن نتقدم في بناء الديمقراطية في إطار دستور لا يكرس المكتسبات الحالية، كان هؤلاء في صف جيوب المقاومة، وعندما هبت رياح التغيير على المنطقة العربية، كانوا في الصفوف الخلفية، لكنهم قرصنوا هذا التغيير ولذلك لا يمكن أن ننتظر منهم أن يدركوا الأهمية القصوى للمكتسبات الديمقراطية التي تحققت، لأنهم لم يدفعوا ثمنها. فشل آخر يتمثل في العجز عن إدارة الحوار حتى داخل الأغلبية الحكومية نفسها، وما حصل مع حزب الاستقلال يؤكد أننا أمام رئيس الحكومة لم يفلح في التفاهم حتى مع حلفائه في الحكومة. ثم ضرب بنكيران بروح الدستور عرض الحائط، وتحالف مع حزب سبق ان قال في رئيسه ما لم يقله مالك في الخمر، وهاهم المغاربة مصدومون اليوم وهم يتفرجون على هذه الملهاة التي تحول فيها المفسد إلى مصلح والتمساح والعفريت إلى ملاك، و خرج منظروهم بمنطق تبريري بئيس لن تنساه ذاكرة الشعب المغربي عند يوم الحساب. الفشل واضح وجلي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ففي هذا المجال تتعدد الأمثلة، سواء تعلق الأمر بالإجراءات الاقتصادية الخطيرة، مثل تقليص ميزانية الاستثمار أو المديونية الخارجية أو الزيادة في الأسعار ... أما بالنسبة للمجال الاجتماعي فنفس الصورة القاتمة تسود بلا منازع، وعلى رأسها غياب أي حوار مع النقابات، ومحاربة العمل النقابي ومواجهة المضربين والمعطلين. وتتكرر هذه الصورة السوداوية على الصعيد الحقوقي، ولا أدل على ذلك من كل ما تعاني منه الساحة من اعتداءات على المحتجين والمواطنين، ونسوق هنا كذلك كل النزاعات المتواصلة مع وزارة العدل، سواء من طرف المحامين أو القضاة أو كتاب الضبط أو الموثقين أوالعدول ، وغيرهم من الفئات الفاعلة في استقلالية القضاء وحماية حقوق المواطنين. وهذا الملف يبدو أنه ما زال يراوح مكانه، لأن المنهجية التي استعملت في ما يسمى الإصلاح لم تكن سوى ملتقيات لذر الرماد في العيون، باسم الحوار الوطني، في الوقت الذي كان من الضروري فيه ان تأتي الحكومة، وخاصة الحزب الذي يترأسها بمشروع واضح وأن يتم كذلك استحضار المبادئ الواردة في الدستور و هي نفس المنهجية التي اعتمدت في ما سمي بالحوارات الوطنية حول المجتمع المدني والإعلام. وبالنسبة لهذا الأخير، فيعرف الجميع قصة دفاتر التحملات، التي فرضت على الإعلام العمومي المرئي زائد المسموع، والشلل الذي أدت اليه، والتراجع الكبير في المنتوج، لقد كان الهدف هو الهيمنة على هذه المرافق العمومية لتمرير خطاب إيدلوجية حزب العدالة والتنمية. وبدل التوجه نحو إصلاح هذه المؤسسات ودمقرطتها وضمان استقلاليتها الفعلية، كما كنا نطالب بذلك دائما ، كان توجه الحكومة هو المزيد من الانغلاق وهيمنة الجهاز التنفيذي، ولا أدل على ذلك، المنهجية التي يتعامل بها رئيس الحكومة مع القطاع السمعي البصري العمومي ، حيث يعتبره ضيعة له ، يأتي إليه وقتما يشاء يأخذ منه الحيز الزمني الذي يشاء، يفرض برمجة خاصة، خارج قواعد البرمجة المعمول بها، بشكل يناقض تماما القوانين المؤطرة لهذا الميدان، يفرض الصحافيين الذي يريد، وفي النهاية يسخر منهم ومن الصحافة، ومن كل الناس. هل يوجد استهتار أكثر من هذا ؟ ولا يمكننا إلا أن نسجل إدانتنا للتواطؤ، الذي يمارسه المسؤولون عن القنوات العمومية، مع هذه الممارسات غير القانونية، في الوقت الذي يضيقون على أنشطتنا و يٌعتمون عليها. ولنا في تعامل الإعلام العمومي المغربي مع تجمع 5 أكتوبر خير دليل على ذلك: ففي الوقت الذي أفردت قنوات دولية مثل BBC ، Skynews ، France 24 ، Euronews ، الجزيرة، وغيرها من قنوات فضائية، حيزاً زمنيا للحدث، حرصت القنوات العمومية المغربية أن تقدم الحدث في ثوان شأنه شأن أي نشاط لحزب آخر لا يتوفر على تمثيلية لا في البرلمان و لا في المجتمع. وما يقال على الواجهة الاعلامية، يصدق على الواجهة الثقافية، التي لم تشهد أي تقدم، بل كل ما هنالك هو ترويج خطاب الانغلاق على الفن وعلى حرية الفكر والعقل والنقد. إننا نعقد هذه الدورة للجنة الادارية ونحن على أهبة الاستعداد لمواجهة كافة التحديات، سواء في الجانب التشريعي أو السياسي أو الاعلامي، ونعتبر ان التحالف الذي ننسجه حاليا مع حزب الاستقلال يقوي موقعنا في المعارضة، لأن مرجعتينا الوطنية والديمقراطية، هي المؤهلة أكثر من أي مرجعية أخرى لمواجهة محاولات النكوص وترويج للمشروع الرجعي وفتح الباب امام التراجعات على المكتسبات الديمقراطية . ولذلك سنسير في هذا التحالف من أجل تشكيل جبهة وطنية ديمقراطية، مفتوحة أمام كل الطاقات النضالية، والنقابية والسياسية والجمعوية، بمختلف الصيغ بهدف تشكيل بديل ديمقراطي حداثي والتقدم في معالجة الاشكالات الحقيقية التي تعيشها بلادنا. ولنكون على أتم الاستعداد، لابد أن نحضر أنفسنا ونقوي هياكلنا التنظيمية، انطلاقا من المقررات الصادرة عن المؤتمر ومن القانون الأساسي والنظام الداخلي، إننا نعتبر أن المشروعية الديمقراطية هي فلسفة متكاملة، إذ تستند على الالتزام بأخلاقيات الحوار والنقاش والابتعاد على كل أساليب التشهير والسب والقذف، لأن الديمقراطية الداخلية والحوار الغني بالأفكار والآراء والمقترحات والاختلاف لا يمكن أن يكون مثمرا إلا إذا التزم بهذه الأخلاقيات. لذلك أيتها الأخوات والاخوة، فلكي ننجح في مهامنا التنظيمية وفي إعادة البناء، لابد أن نشتغل في إطار من الوحدة التي لا تلغي الاختلاف. ولا يمكننا في هذا الصدد إلا أن نستجيب لإرادة الأغلبية الساحقة من مناضلاتنا ومناضلينا، الذين يضحون ليل نهار حتى يستمر الحزب في توهجه وتألقه وفي الوفاء لقافلة الشهداء والضحايا، الذين بذلوا أرواحهم وسجنوا وعذبوا واختطفوا، حتى يبقى رأس الاتحاد عاليا، وحتى يكون المعبر الصادق عن طموحات الشعب المغربي في الديمقراطية والعدالة والمساواة . إننا نعقد اليوم الدورة الثالثة للجنة الادارية للاتحاد الاشتراكي عشية إحياء الذكرى 48 لاختطاف واغتيال الشهيد المهدي بنبركة رحمة الله عليه و كافة الشهداء الاتحاديين وغير الاتحاديين الذين سقطوا في مختلف معارك النضال من أجل الكرامة والحرية والديمقراطية. لابد أن نستحضر في هذه الذكرى تضحيات الشهيد المهدي بنبركة ونضالاته من أجل استقلال المغرب ومن أجل حرية المغاربة، لابد كما دأبنا على ذلك منذ أكثر من أربعة عقود، أن نستلهم الدروس الضرورية من رصيده الفكري والسياسي، أن نسترشد بمثاله كزعيم فذ وكرجل دولة تفانى في العمل من أجل بناء دولة الحق والمؤسسات ومن أجل تقدم المغرب، ومن أجل كرامة الشعب المغربي. لكننا لابد في هذه المناسبة أيضا أن نستحضر الأرواح الطاهرة لمئات الشهداء الاتحاديين الذي غابوا عنا في صمت ونكران للذات، مئات الشهداء الذين سقطوا في ساحات الكفاح برصاص القمع وبطعنات الغدر، مئات الشهداء الذين فدوا بأرواحهم قافلة التحرير وهي تشق طريقها بإصرار، مئات الشهداء الذين عاشوا مناضلين شامخين وقضوا نحبهم شهداء مخلصين. إنني أقصد جميع الشهداء الذين لقوا ربهم أوفياء للرسالة الاتحادية وكل الشهداء الذين استرخصوا أرواحهم وفاء للفكرة الاتحادية، و الشهداء الذين لم نوفهم ربما حقهم كاملا في ذاكرتنا الجماعية، ولم نسمو بذكراهم الى ما يستحقونه من عناية الاعتراف و والوفاء. لذلك فقد قررنا في المكتب السياسي للحزب أن نخصص في كل سنة ذكرى اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بنبركة لتخليد يوم الوفاء، الوفاء لجميع الشهداء. قررنا أيتها الأخوات والإخوة أن نقف جميعا كاتحاديات واتحاديين وقفة وفاء لذكرى كل شهيدات وشهداء الحركة الاتحادية الممتدة من معركة التحرير الشعبية الى معركة النضال من أجل الديمقراطية. ولم يكن قرارنا هذا نابعا فقط من مجرد اندفاع عاطفي أو التزام أخلاقي، انه أكثر من ذلك قرار نابع من قناعتنا جميعا بأن ذاكرة النضال الاتحادي وذاكرة الشهادة الاتحادية، هي ذاكرة لا يمكن اختزالها في القادة والرموز، ولا يمكن أن تكون ذاكرة انتقائية أو ذاكرة تراتبية، ولا يمكن أن تكون ذاكرة تستوي على التمييز بين درجات الوعي السياسي، وعلى التمييز بين أساليب الانخراط. لذلك فإننا جميعا مدعوون يوم الثلاثاء المقبل الى أن نعبر بقوة عن وفائنا لذاكرتنا النضالية، وأن نعلن بصراحة تحملنا الواعي والمسؤول لتاريخنا السياسي في كل منعرجاته، و أن نستعيد بشجاعة ونزاهة تاريخنا النضالي بكل إشراقاته وبكل إخفاقاته. سيكون يوم الوفاء المقبل لحظة لاستعادة الذاكرة الاتحادية ولحظة ترحم على الشهداء الاتحاديين، ولكن أيضا مناسبة للإعلان عن قرارات هامة بخصوص تاريخ الحركة الاتحادية. لحظة يوم الوفاء هي دعوة لكل الاتحاديين والاتحاديات لجمع أرشيف الحزب وتنظيمه ووضعه رهن إشارة الأجيال الجديدة، حتى تستحضر كل المواقف والقرارات الاتحادية التي ساهمت في صنع تاريخ المغرب الراهن. صيانة الذاكرة الاتحادية تقتضي من الجيل الحالي وقيادة الحزب، جمع كل الشهادات الشفوية للاتحاديين القدامى لتصبح رهن إشارة الأجيال الشابة والباحثين المغاربة والأجانب. ضرورة إعادة كتابة تاريخ الحركة الاتحادية بكل لحظاتها منذ التأسيس إلى يومنا الحاضر من خلال الاعتماد على المؤرخين المغاربة المتخصصين في تاريخ المغرب منذ الاستقلال، إضافة إلى كل الرموز الاتحادية والمناضلين الاتحاديين الذين مازالوا على قيد الحياة، وذلك في كتاب جماعي نتوخى إصداره في الذكرى 50 لاختطاف الشهيد المهدي بنبركة حتى يصبح مرجعا تاريخيا أساسيا لدراسة وقراءة تاريخ حزب القوات الشعبية. يوم الوفاء يجب ألا يقتصر على النشاط المركزي بمدينة الدارالبيضاء، لكن يجب أن يعم كل الفروع المحلية والمدن التي يتواجد فيها الحزب من خلال عقد لقاءات محلية لتعريف الشباب بتاريخ الحزب، والتعريف بقدماء المناضلين وتكريمهم أحسن تكريم. على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الاحتفاء بكل مدن الوفاء النضالي وهي المدن التي احتضنت معتقلات سرية وانتفاضات شعبية: قلعة مكونة، خنيفزة، ميدلت، مراكش، تطوان، فاس، الدارالبيضاء، سيدي إيفني، جرادة و فكيك، قرية أمانوز في اقليم تفراوت وغيرها من المناطق التي احتضنت كفاح الاتحاديين واحتضنت صراخات تعذيبهم وزنازين اعتقالهم. ندعو كافة المناضلات والمناضلين والمتعاطفين والمواطنين، الى المشاركة المكثفة في مهرجان يوم الوفاء، لأننا نعتبر أن الاتحاد هو حركة للشعب المغربي مستمرة، تتجدد دماؤها، ولكنها وفية لشهدائها ومناضليها وتاريخها، وهذا ما يضاعف حماسنا والتزامنا وإصرارنا جميعا على مواصلة مسيرة قافلة التحرير.»