غير مقبول, وعيب كل العيب, أن تظل العاصمة الاقتصادية للمغرب وأكبر مدنه ونبضه الكبير رياضيا واقتصاديا, بدون ملعب كبير وبمواصفات عالية تليق بحجم مدينة كالدارالبيضاء. هذا على العموم ما يردده البيضاويون, ومعهم العديد من المتتبعين, ولا أحد يعلم كيف لمدينة كالدارالبيضاء مرآة المغرب عالميا, أن تظل مشاريعها الرياضية خاصة على مستوى البنية التحتية, رهينة لميزاجية المتحكمين في دواليب تدبير شؤونها, توضع لها ماكيطات وتصرف من أجل الأبحاث والدراسات الهندسية أموال طائلة, ولا يتم الإنجاز, بل ولا يتم وضع حتى حجرة أو حتى تحديد الوعاء المحتضن للمشروع. هذا ما حدث وما صاحب مشروع إنجاز الملعب الكبير للدارالبيضاء مثلا, مشروع تم التوقيع على إنجازه في حضرة الملك بمدينة الدارالبيضاء بتاريخ الإثنين 7 يناير سنة 2008, وتكلفت ثلاثة جهات بالإشراف على إنجازه بميزانية حددت في 200 مليار سنتيم تقريبا, بمساهمة وزارة الشباب والرياضة ب 900 مليون درهم، وصندوق الحسن الثاني للتنمية ب 600 مليون درهم، ومجلس المدينة ب 300 مليون درهم. ويشيد على مساحة 60 هكتارا. وكان من المقرر أن تنتهي أشغال إنجاز الملعب الرياضي الكبير لسيدي مومن في سنة 2013، لكن وبعد مرور أزيد من خمس سنوات على توقيع اتفاقية إنجازه أمام الملك محمد السادس, لايزال ملعب الدارالبيضاء الكبير حلما لم يتحقق, وما يزال مصيره غامضا يستدعي بحثا جديا من طرف الحكومة والبرلمان وكل الجهات المتدخلة, من أجل الوقوف على الأسباب الحقيقية لتعثر الإنجاز, أو على الأصح والأدق, تعثر انطلاق عملية الإنجاز؟ تتوزع وتختلف القراءات حول تأخر البدء في إنجاز مشروع الملعب الكبير للدارالبيضاء عن موعده كما حدد له سابقا، إذ بات من المؤكد أن عراقيل متعددة انتفضت لترمي بملف الملعب إلى دفة الانتظار، لتؤجل البت في قرار إنجازه أو توقيفه نهائيا. وتناقلت مصادر عديدة بعض أسباب التأجيل، وربطتها بعوامل مختلفة منها مثلا فشل المسؤولين في توفير الميزانية المطلوبة المحددة في 200 مليار سنتيم، أو في تضارب مواقف المتدخلين والشركاء المسؤولين عن المشروع، واختلافاتهم بخصوص تحديد المنطقة التي يجب أن يشيد فوقها الملعب. مصادر مطلعة أكدت لجريدة »الاتحاد الاشتراكي«، أنه لا وجود لمشكلة الميزانية، موضحة أن نسبة كبيرة منها هي متوفرة حاليا وتكفي لانطلاق الأشغال، علما أن إنجاز المشروع يتطلب تقسيمه إلى مراحل، وكل مرحلة بميزانية محددة. وتضيف نفس المصادر، أن السبب الرئيسي في تأخر إنجاز المشروع يعود إلى غياب الجدية اللازمة التي تباشر بها وزارة الشباب والرياضة , منذ ولاية نوال المتوكل مرورا بمنصف بلخياط ووصول لعهد محمد أوزين, رؤيتها في تنفيذ التزاماتها، وتهربها من الوفاء بدورها، عبر مبررات غير منطقية يتم الحديث عنها في الكواليس، ومنها مثلا ضرورة نقل المشروع من منطقة سيدي مومن إلى تيط مليل, أو من تيط مليل إلى منطقة الهراويين, ثم من الهراويين إلى منطقة بوسكورة! وأعربت مصادرنا عن استغرابها من موقف الوزارة، على اعتبار أن المشروع شملته دراسات متعددة، وأصبح قابلا للإنجاز، وتم التوقيع على كافة تفاصيله ومواصفاته، ومن ضمنها تحديد المنطقة التي سيشيد عليها، وذلك في سنة 2008 أمام أنظار جلالة الملك محمد السادس! وأضافت مصادرنا، أنه من غير الموضوعي ولا المنطقي، عدم الأخذ بعين الاعتبار كل الدراسات والأبحاث التي تم إنجازها للمشروع وتطلبت سنين من العمل، وكل التدابير التي اتخذت ولا كل المصاريف الباهظة جدا التي تطلبها كل ذلك! من المؤكد في هذا السياق, أن أشياء غير واضحة وقفت أمام السماح بانطلاق أشغال إنجاز الملعب الكبير للدارالبيضاء, خاصة إذا علمنا أن أشغال إنجاز الملعب الرياضي الكبير »سيدي مومن« ، كانت مبرمجة لتنطلق في غضون أيام قليلة بعد توقيع كل الاتفاقيات أمام الملك سنة 2008, سيما بعد تكفل مكتب دراسة عهد إليه بوضع تصور واقعي لتجاوز كل الاكراهات البيئية والطبيعية المحيطة بفضاء الملعب،بوضع ملف متكامل, وباختيار شركة للهندسة لمنحها مهمة إنجاز الأشغال. وقد تم في هذا السياق، اختيار شركة عالمية ( أرشي ديزيك)، مستقرة بكندا، ولها فرع بمدينة الدارالبيضاء يشتغل فيه طاقم من الخبراء يصل عددهم إلى 80 شخصا يحملون خبرة واسعة في مجال الهندسة المعمارية والتهيئة. وكانت كل الترتيبات الادارية قد اتخذت وأشرت على انطلاق الأشغال التي قيل حينها أنها ستأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجالين البيئي والطبيعي والديمغرافي لمنطقة سيدي مومن، وكذا خصوصيات الهندسة المعمارية المغربية. حدث كل ذلك سنة 2008, ومنذ ذلك الحين, ظل المشروع جامدا غير قابل للتنفيذ بفعل تقلبات ميزاجية المتحكمين في الملفات الكبرى للدارالبيضاء الذين ظلوا يحملون المشروع وينقلونه من منطقة لأخرى, وفي كل مرة, تعاد الحسابات والدراسات والأبحاث الهندسية, وتوضع ميزانيات أخرى تمنح بسخاء لمكاتب الدراسات ولشركات الهندسة, ليتيه المشروع بين أيدي مسيري الوزارة الوصية ومجلس المدينة, ويفقد بوصلته, بالرغم من أن التفاؤل كان حاضرا بشدة قبل خمس سنوات من إمكانية إنجازه في موعده (2013) ومكانه ( سيدي مومن) كما تم الاتفاق عليه في حضرة الملك سنة 2008, كما كان قد أكد أحد المهندسين المكلفين والمشاركين في عملية الإنجاز في تصريح لجريدة الاتحاد الاشتراكي في مارس 2010: (الملعب الكبير سينجز في منطقة سيدي مومن، وكل الترتيبات تم اتخاذها، بما فيها توفير الغلاف المالي الذي خصص له 200 مليار سنتيم، ننتظر فقط بعض الإجراءات الخاصة مثلا باختيار شركة البناء، وشركة للهندسة الخاصة بالحديد والإسمنت، ونحن واثقون من إمكانية إنجاز المشروع في موعده المحدد سنة 2013..) وكان التصميم الفائز بصفقة إنجاز الملعب سنة 2008، قد حمل خطوطا عريضة وامتيازات تضم العامل البيئي والطقسي، حزام أخضر، تهوية طبيعية، غلاف خارجي للتحكم في الأضواء الطبيعية، إلى جانب مراعاة المقاربات الأمنية والأمن والسلامة. كما استحضر نفس التصميم عدة أبعاد في إنجاز المشروع، كالبعد الثقافي والاجتماعي بهدف الرفع من النمط المعيشي والحياتي لمنطقة سيدي مومن، وذلك عبر تخصيص 20 هكتار محيطة بالملعب كساحات خضراء، بمواقف ومرافق تجارية وترفيهية، مطاعم، معارض، قاعة مغطاة، ملعب خاص برياضة ألعاب القوى،أضف إلى ذلك، أنه تم استحضار ضرورة المحافظة على بنايات الملعب وحمايتها من التعرض للتخريب، باعتماد شرائح بخرسنة خاصة لتحمل الأعداد الكبيرة للجماهير، ولضمان حياة أطول للملعب، بدون اعتماد تكلفة كبيرة للصيانة. ويمكن للملعب الذي خصص له كمساحة للبناء ثماني ونصف هكتارات ، أن يحتضن مباريات في كرة القدم وفي الريكبي، كما يمكنه احتضان مهرجانات فنية من المستوى العالي، واعتماد إنارة تحيط بسقف المدرجات المغطاة كلها. ولضمان حماية فوق أرضية الملعب، تم تخصيص 10 أمتار وحواجز بين المدرجات وأرضية الملعب. في نفس الإطار, راعى التصميم خصوصيات منطقة سيدي مومن، البيئية والديمغرافية، واستحضر تصاميم التهيئة، ومستقبل المنطقة خاصة في الجانب السكني، ووسائل النقل، إذ يعرف محيط الملعب مرور الترامواي بالإضافة إلى وسائل النقل الأخرى. من يملك حقيقة ما حدث وأوقف إنجاز ملعب الدارالبيضاء الكبير؟ من تسبب في إفشال وإقبار حلم راود البيضاويين وتعلقوا به, حلم راود المغاربة وباركه ملك البلاد؟ من يتحمل مسؤولية إهدار ملايين الدراهم في إنجاز العديد الدراسات والأبحاث دون أن يأخذ بها؟ من يبحث عن اغتيال مركب محمد الخامس ولاكازابلونكيز والرياضة على العموم في العاصمة الاقتصادية؟ ومن يملك السلطة في محاسبة مسؤولين عبثوا بحلم البيضاويين, وأقبروا مشروع إنجاز ملعب رياضي يليق بحجم مدينتهم؟