تطرق عبد الكريم مدون الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، في حوار معه، الى الاوضاع التي تعيشها الجامعة المغربية ، مسجلا غياب استراتيجية ترتبط بترقب التطورات الديموغرافية في المغرب والحاجة المجتمعية للتعليم العالي، واستحضر عبد الكريم مدون انعدام الثقة في الجامعة المغربية، ومشكلة البحث العلمي الذي يعتبر قاطرة للتنمية، وأي دولة لا تستثمر في البحث العلمي بحيث يصبح جزءا أساسيا في سياستها العمومية، فلن تستطيع أن تحقق النمو الاقتصادي ولا الاجتماعي ، كما تحدث الكاتب العام عن مطالب الاساتذة الباحثين... } ما هو تقييمكم للدخول الجامعي لهذه السنة؟ الدخول الجامعي لهذه السنة لم يكن عاديا باعتبار أننا أمام إشكاليات متعددة التوجهات، والتي لم نستطع وإلى اليوم إيجاد حل نهائي لها ولتكرارها في كل دخول جامعي، حيث أننا في كل سنة جامعية نستحضرها وهو ما يدل على غياب استراتيجية ترتبط بترقب التطورات الديموغرافية في المغرب والحاجة المجتمعية للتعليم العالي، وما دمنا لم نصل بعد إلى وضع تخطيط استراتيجي في افق الخمس أو العشر سنوات المقبلة، سواء على مستوى البنيات التحتية أو على مستوى الموارد البشرية، فإننا سنتحدث في كل سنة عن ظاهرة الاكتظاظ وعن نقص في الموارد البشرية وعن الحاجة الماسة في البنيات التحتية، وسنبقى دائما مرتبطين بالحلول الظرفية والمتسرعة، هذا بالإضافة إلى أن مستويات المشاكل مختلفة من جامعة إلى أخرى ونستحضر هنا الكليات المتعددة التخصصات التي تعاني من مشاكل هيكلية وبنيوية تحول دون أداء مهامها في التكوين والبحث. والخطير أننا نتحدث عن هذه المشاكل البنيوية حتى في الجامعات العريقة مثل فاس ومراكش والرباط والدار البيضاء ووجدة وتطوان ومكناس وأكادير... نستحضر كذلك في هذا الدخول الجامعي انعدام الثقة في الجامعة العمومية، ثقة المجتمع وثقة الأستاذ الباحث وثقة الطالب. نستحضر كذلك الحكامة الجامعية وما تعانيه بعض الجامعات من سوء التدبير والتسيير، والذي ينعكس بقوة على التكوين والبحث العلمي، نستحضر كذلك الظروف التي يشتغل فيها الأستاذ والموظف على السواء والتي لها تأثير مباشر على الظروف العامة التي يتكون فيها الطالب.. نستحضر الارتباك والتسرع في إعادة النظر في الضوابط البيداغوجية وفي الملفات الوصفية وفي مضامين التكوين، ونعتقد أنه بمجرد حذف وحدة أو تقليص عدد ساعاتها أو إلغاء الوحدات الأفقية فإننا نجحنا في إيجاد الحلول الملائمة. نحن أمام إشكالية بنيوية تحتاج إلى تأمل عقلاني غير متسرع وفي إطار استراتيجية واضحة نستطيع من خلالها إعادة الثقة في الجامعة العمومية. } النقابة الوطنية للتعليم العالي نادت في بيان اللجنة الإدارية ليوم 29 يونيو إلى خلق جبهة وطنية للدفاع عن الجامعة العمومية. أين وصلت هذه الجبهة؟ إن النقابة الوطنية للتعليم العالي النقابة المواطنة حينما فكرت في خلق جبهة وطنية للدفاع عن الجامعة الوطنية تضم الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، استحضرت التهديد الذي تعرفه الجامعة العمومية من خلال خوصصة التعليم العالي واستيراد تكوينات أجنبية، وهي سياسة لن تزيد إلا في قتل الجامعة العمومية. وباعتبار أن المكون الأساسي في تنمية البلد لا يهم فقط النقابة الوطنية للتعليم العالي، وإنما يهم المجتمع المغربي ككل، فقد بعثنا برسائل إلى كل من يهمه أمر هذا المرفق العمومي. وقد استجابت إلى ندائنا مجموعة من الأحزاب والنقابات والمنظمات الحقوقية وبدأنا في إجراء مجموعة من اللقاءات مع مجموعة من الأحزاب والنقابات الذين أكدوا لنا انخراطهم التام في هذه الجبهة. وأؤكد لكم أن الاستجابة كانت واسعة بحيث وجدنا صعوبة في برمجة لقاءاتنا وسنستمر في ذلك دفاعا عن الجامعة العمومية التي هي ملك لجميع المغاربة، ونشكر من هذا المنبر كل من لبى نداء النقابة الوطنية للتعليم العالي لخلق هذه الجبهة التي أصبحت حقيقة بعد أن كانت حلما. وإثر ذلك تم تنظيم اجتماعين الأول مع المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوم 24 شتنبر 2013 والثاني مع اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال يوم 07 أكتوبر 2013، حيث عبر المسؤولون عن هذين الحزبين عن انخراطهم التام في هذه الجبهة واستعدادهم لإنجاح هذه المهمة النبيلة. وفي هذا الصدد توصل المكتب الوطني بالقبول المبدئي للقاء المكتب الوطني من طرف الديوان السياسي للحزب التقدم والاشتراكية وحزب الاشتراكي الموحد وحزب جبهة القوى الديمقراطية والأصالة والمعاصرة، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والجامعة الوطنية لموظفي التعليم والنقابة الوطنية للتعليم التابعة للفدرالية والكونفدرالية الديمقراطية للشغل وهي اللقاءات التي ستتم بعد عطلة العيد. } ما هي ملاحظاتكم حول الإنتاج العلمي ووضعية البحث العلمي بالمغرب وترتيب الجامعات المغربية على الصعيد الدولي؟ أعتقد أننا حينما نتحدث عن البحث العلمي لا يجب أن نختزله في الإنتاج والمشاريع والمجلات، ولكن كذلك في الاستراتيجية وفي الحكامة وفي التمويل وفي علاقة السياسات العمومية بالبحث العلمي. فعن طريق هذه التوجهات العامة يمكن ان نساهم في تطوير الإنتاج والمشاريع والابتكار والتي تبقى دون المستوى، وتجعل جامعاتنا في مراتب متأخرة وهو ما يجب أن يدفعنا إلى التفكير أولا في تحديد الأولويات في مجال البحث، والعمل في إطار أقطاب للبحث لأن الأعمال الفردية، وهي موجودة وذات قيمة علمية عالية، إلا أنها لا تؤثر في جعل الجامعات المغربية حاضرة بقوة على المستوى الإقليمي والعالمي. أيضا يجب أن يصبح البحث العلمي قاطرة للتنمية، وأي دولة لا تستثمر في البحث العلمي بحيث يصبح جزءا أساسيا في سياستها العمومية، فلن تستطيع أن تحقق النمو الاقتصادي ولا الاجتماعي. هذا بالإضافة إلى أننا إذا أردنا أن نكون منافسين على الصعيد الدولي فيجب أن تتحول جامعاتنا من جامعات محلية إلى جامعات دولية من خلال تحديد الأولويات في البحث، ومن خلال وضع استراتيجيات واضحة وطنية وجهوية تعمل على أن يرتبط البحث العلمي في المغرب بحاجيات المجتمع من جهة، ويواكب التحولات المعرفية التي يعرفها العالم من جهة ثانية. } ما هي المواد التي يراد تعديلها في القانون 00.01؟ وما هي الفلسفة التي تودون أن يأتي في إطارها إحداث قانون أساسي جديد؟ القانون 00/01 هو القانون المنظم للتعليم العالي وأظن أنه بعد أكثر من عقد من الزمن، يجب أن يعاد النظر في العديد من أبوابه وبنوده بشكل يجعل منه آلية أساسية لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي، سواء على مستوى الحكامة الجامعية التي تعرف العديد من المشاكل أو على مستوى إعطاء أهمية أكثر لتنظيم البحث العلمي، أو على مستوى التدبير المالي الذي يجب أن يتحول من المراقبة القبلية إلى البعدية دون ان ننسى المواد الخاصة بالأستاذ الباحث. النظام الأساس للأستاذ الباحث هو الآخر يجب أن يعاد فيه النظر من خلال العديد من المستويات تتمثل أساسا في ضرورة التركيز على إطارين أستاذ محاضر وأستاذ التعليم العالي مع تداخل الأرقام الاستدلالية، هذا بالإضافة إلى أن هذا النظام يجب ان يأخذ بعين الاعتبار المهام الجديدة للأستاذ الباحث. وفي هذا الصدد فإن النقابة الوطنية للتعليم العالي والوزارة الوصية منكبتان في إطار لجنة مشتركة على إعادة النظر في القانون 00/01 والنظام الأساسي، والتي ستجتمع قريبا لتقريب وجهات النظر بخصوص هذا القانون وهذا النظام. } أين وصلت المشاورات مع الوزارة بخصوص الملف المطلبي للسادة الأساتذة الباحثين؟ منذ لقائنا الأول مع الوزارة الوصية في 17 ماي 2013 طرح المكتب الوطني بإلحاح الملف المطلبي للسادة الأساتذة، والمرتبط أساسا بالبلاغ المشترك بين النقابة الوطنية للتعليم العالي ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر. ولهذا الغرض تشكلت أربع لجن، لجنة النظام الأساسي والقانون 00/01 ولجنة المرور من إطار أستاذ مؤهل إلى إطار أستاذ التعليم العالي ولجنة الملف المطلبي ولجنة الطب. وقد اجتمعت هذه اللجان في بداية شهر يونيو واستطاع المكتب الوطني من خلال هذا اللقاء الأول مع الوزارة أن يتعرف على مختلف رؤى الوزارة حول قضايا الملف المطلبي، وهذه الرؤى هي التي عمق فيها النقاش سواء في ما بين أعضاء المكتب الوطني أو في اللجن الوظيفية أو في اللجنة الإدارية، وهو النقاش الذي سمح له أن يبلور رؤية واضحة للنقابة الوطنية للتعليم العالي بخصوص المرور من إطار أستاذ مؤهل إلى أستاذ التعليم العالي واسترجاع سنوات الخدمة المدنية، ورفع الاستثناء على الدكتوراه الفرنسية والأساتذة المحاضرين، وهي الرؤية التي تم الدفاع عنها في لقاءي اللجان المشتركة المنعقدة يومي 2 و3 أكتوبر أو خلال اللجنة المصغرة المنعقدة يوم 8 أكتوبر. ويظهر من خلال هذه اللقاءات أن الأمور تسير نحو الحل وسيقوم المكتب الوطني خلال الجولة المرتقبة خلال شهر نونبر المقبل إلى مختلف المواقع الجامعية، بإبلاغ السادة الأساتذة بكل تفاصيل هذه اللقاءات مع الوزارة قبل عرضها في اجتماع اللجنة الإدارية في اجتماعها المقبل. أما بخصوص لجنة الطب فاجتماعها اقتصر على حل بعض المشاكل التي كانت تعرفها كلية الطب بالدار البيضاء، ولم تجتمع بعد ذلك خاصة أن هناك العديد من المشاكل التي تهم التداريب السريرية وإصلاح التكوينات الطبية وظروف الاشتغال في المستشفيات الجامعية... وهي المشاكل التي أثيرت في اجتماع المكتب الوطني مع وزير الصحة في اجتماع يوم الثلاثاء 8 اكتوبر، والذي تم من خلاله الاتفاق على اجتماع اللجنة الثلاثية بين النقابة الوطنية للتعليم العالي ووزارة التعليم العالي ووزارة الصحة. وسيتم عقد اجتماع لمجلس التنسيق القطاعي الذي سيهيئ لاجتماع هذه اللجنة الثلاثية. } إلى الآن يطرح مشكل خاصة في المسالك العلمية، بخصوص لغة التدريس. فالمواد العلمية تدرس بالعربية في الثانوي، وفي التعليم العالي يكون التدريس باللغة الفرنسية؟ ما السبيل لحل هذه الإشكالية؟ المنطق هو أن لا نخصص ويجب أن نعمل على معالجة إشكالية أساسية مطروحة علينا، وهي لغة التدريس وتدريس اللغة. فالوضعية اللغوية في المغرب تعيش أزمة من الضروري أن نفكر فيها جميعا والأمر مرتبط أساسا باللغة العربية من جهة، ومرتبط من جهة ثانية باللغات الأجنبية. فالطالب الجامعي حينما يلج الجامعة يجب عليه أن يتقن لغته الأصلية ولغة أو لغتين أجنبيتين لأن المعرفة العالمية تحتاج إلى تعدد اللغات. فالأساس هو تقوية إتقان اللغات أما أن نقول أن الحل يكمن فقط في تحويل تدريس المواد العلمية في الثانوي إلى اللغة الفرنسية فهذا حل جزئي يبقى بعيدا عن حل المشكل في شموليته. } ما هي الإجراءات العاجلة والملموسة التي ترى النقابة أن تفعيلها من شأنه النهوض بالجامعة المغربية وإعادة الثقة فيها؟ اليوم الجامعة المغربية في حاجة إلى ذكاء جماعي نستطيع من خلاله حل المشاكل التي تعرفها الجامعة المغربية، وهي تبدأ بمراجعة القوانين ومناهج التكوين مع التركيز على ربط جودة التكوين بالبحث العلمي. كما أن الحكامة الجامعية تفرض نفسها بقوة خاصة وأننا في إطار دستور جديد يربط المسؤولية بالمحاسبة وهو ما دفع ويدفع النقابة الوطنية للتعليم العالي إلى المطالبة بدمقرطة تدبير الجامعة، وهو ما يسمح بمحاسبة كل مسؤول عن تدبير الشأن الجامعي تماشيا مع ما جاء في دستور 2011. } ما هو رأيكم في الحكومة الجديدة؟ أعتقد أن هذا السؤال يجب بلورته بطريقة أخرى: هل يمكن لهذه الحكومة الموسعة والواسعة كميا ان تجد حلولا كيفية للمشاكل الهيكلية التي يعرفها المغرب في جميع المجالات؟ وهل ستستطيع وضع تصور يقرب المغرب والمغاربة من مقتضيات دستور 2011 ؟ أعتقد أن الجواب عن هذه الأسئلة هو الأساس وأن المغاربة ينتظرون بالأساس حلولا لمعاشهم اليومي والمتمثل في تكوين جيد وسكن لائق ومجال وإمكانية لتغطية صحية في المستوى والحق في الشغل. إن هذا الهدف المطلب يبقى بعيدا في غياب نمو حقيقي نستطيع من خلاله خلق فرص جديدة للشغل لا أن نلوح بالتقشف وإرسال مذكرات لتنفيذها، لا يمكن أن نتحدث عن تكوين جيد ونحن نقحم أربعة وزراء لتدبير القطاع. فهل هذا الأخير في حاجة إلى أربعة وزراء أم أن الأمر لا يعدو حلا يدخل في إطار التراضي. إن مشكل التعليم والتكوين أعمق من ذلك فهو في حاجة إلى رؤية واضحة مواطنة بعيدا عن الترضيات الحزبية أو الدعوية أو التكنوقراطية. وأن تطوير الصحة يحتاج إلى حوار واسع وعقلاني لحل المشاكل الحقيقية لا إلى شد الحبل ووضع القوانين. ومع ذلك فإن النقابة الوطنية للتعليم العالي ستبقى وفية لمنهجها في الحوار من أجل النهوض بالمنظومة التعليمية وبالجامعة العمومية، وستعمل باعتبارها نقابة مواطنة على جعل الجامعة المغربية قاطرة حقيقية للتنمية المطلوبة في هذا البلد الذي نحبه..